تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)


بإجماع العلماء وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال لأن أقعد على رضفتين أحب إلي من أن أقعد متربعا في الصلاة وهذا يشعر بتحريمه عنده ولكن المشهور عند أكثر العلماء أن هيئة الجلوس في التشهد سنة وقال ابن بطال روي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يتربعون في الصلاة كما فعله ابن عمر منهم ابن عباس وأنس وسالم وعطاء وابن سيرين ومجاهد وجوزه الحسن في النافلة وفي رواية كرهه هو والحكم وابن مسعود
828 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( خالد ) عن ( سعيد ) عن ( محمد بن عمرو بن حلحلة ) عن ( محمد بن عمرو بن عطاء ) وحدثنا ( الليث ) عن ( يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد ) عن ( محمد بن عمرو بن حلحلة ) عن ( محمد بن عمرو بن عطاء ) أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب النبي فذكرنا صلاة النبي فقال أبو حميد الساعدي أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته
بشر
مطابقته للترجمة في قوله إذا جلس في الركعتين إلى آخره
ذكر رجاله وهم تسعة الأول يحيى ابن بكير بضم الباء الموحدة هو يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المصري الثاني الليث بن سعد الثالث خالد ابن يزيد الجمحي المصري الرابع سعيد بن أبي هلال الليثي المدني الخامس محمد بن عمرو بن حلحلة بفتح المهملتين وسكون اللام الأولى الديلي المدني السادس محمد بن عمرو بن عطاء بن عياش القرشي العامري المدني السابع يزيد من الزيادة ابن أبي حبيب أبو رجاء المصري واسم أبي حبيب سويد الثامن يزيد بن محمد القرشي التاسع أبو حميد الساعدي الأنصاري المدني اسمه عبد الرحمن وقيل المنذر
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في سبعة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه أن رواته ما بين مصريين ومدنيين فالثلاثة الأول منهم مصريون فكذلك السابع والبقية مدنيون وفيه أن خالدا من أقران شيخه وفيه إسنادان أحدهما عن الليث عن خالد والآخر عن الليث عن يزيد ابن أبي حبيب وفيه أن بين الليث وبين محمد بن عمرو بن حلحلة في الرواية الأولى اثنين وبينهما في الرواية الثانية واسطة واحدة وفيه أن يزيد ابن أبي حبيب من صغار التابعين وفيه إرداف الرواية النازلة بالرواية العالية على عادة أهل الحديث وفيه أن يزيد ابن محمد من أفراد البخاري وفيه أن الليث في الرواية الثانية يروي عن شيخين كلاهما عن محمد بن عمرو بن حلحلة
ذكر من أخرجه غيره أخرجه أبو داود أيضا في الصلاة عن أحمد بن حنبل وعن مسدد وعن قتيبة عن ابن لهيعة وعن عيسى بن إبراهيم المصري وأخرجه الترمذي فيه عن ابن المثنى وابن بشار وعن ابن بشار والحسن بن علي الخلال وأخرجه النسائي فيه عن ابن بشار عن يحيى به وعن يعقوب بن إبراهيم وأخرجه ابن ماجه عن بندار عن أبي بكر ابن أبي شيبة وعلي بن محمد
ذكر معناه قوله قال وحدثنا قائله هو يحيى بن بكير المذكور قوله في نفر وفي رواية كريمة مع نفر بفتحتين وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه وقال ابن الأثير النفر رهط الإنسان وعشيرته قوله من أصحاب رسول الله كلمة من في محل الحال من أي حال كونهم من أصحاب

(6/103)


رسول الله ولفظ النفر يدل على أنهم كانوا عشرة يدل عليه أيضا رواية أبي داود وغيره عن محمد بن عمرو بن عطاء قال سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي فإن قلت أبو حميد من العشرة أو خارج منهم قلت يحتمل الوجهين بالنظر إلى رواية في عشرة وإلى رواية مع عشرة وكان من جملة العشرة أبو قتادة الحارث بن ربعي في رواية أبي داود والترمذي وسهل بن سعد وأبو أسيد الساعدي محمد بن سلمة في رواية أحمد وغيره وأبو هريرة في رواية أبي داود قوله أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله وفي رواية أبي داود قالوا فلم فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعة ولا أقدمنا له صحبة وفي رواية الترمذي إتيانا ولا أقدمنا له صحبة وفي رواية الطحاوي من حديث العباس بن سهل عن أبي حميد الساعدي أنه كان يقول لأصحاب رسول الله أنا أعلمكم بصلاة النبي قالوا من أين قال رقبت ذلك منه حتى حفظت صلاته وفي رواية أخرى له أنا أعلمكم بصلاة رسول الله فقالوا وكيف فقال اتبعت ذلك من رسول الله قالوا أرنا قال فقام يصلي وهم ينظرون وزاد عبد الحميد بن جعفر في روايته قالوا فأعرض وفي روايته عند ابن حبان استقبل القبلة ثم قال الله أكبر وزاد فليح ابن سليمان في روايته عند ابن خزيمة فيه ذكر الوضوء قوله فجعل يديه حذو منكبيه زاد ابن إسحاق ثم قرأ بعض القرآن قوله ثم هصر ظهره بفتح الهاء والصاد المهملة أي أماله في استواء من غير تقويس وأصل الهصر أن تأخذ رأس العود فتثنيه إليك وتعطفه وفي ( الصحاح ) الهصر الكسر وقد هصره وأهصره واهتصره بمعنى وهصرت الغصن وبالغصن إذا أخذت برأسه وأملته والأسد هيصر وهيصار وفي رواية أبي داود ثم هصره ظهره غير مقنع رأسه ولا صافح بخده قوله غيرمقنع من الإقناع يعني لا يرفع رأسه حتى يكون أعلى من ظهره وقال ابن عرفة يقال أقنع رأسه إذا نصبه لا يلتفت يمينا ولا شمالا وجعل طرفه موازيا لما بين يديه قوله ولا صافح بخده أي غير مبرز بصفحة خده ولا مائل في أحد الشقين قوله فإذا رفع رأسه استوى زاد عيسى عند أبي داود فقال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ورفع يديه ونحوه لعبد الحميد وزاد حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلا قوله حتى يعود كل فقار بفتح الفاء والقاف وبعد الألف راء جمع فقارة وهي عظام الظهر وقال ابن قرقول جاء عند الأصيلي هنا فقار بفتح الفاء وكسرها ولا أعلم لذلك معنى وعند ابن السكن فقار بكسر الفاء ولغيره فقار وهو الصواب وقال ابن التين هو الصحيح وهو الذي رويناه وروينا في رواية أبي صالح عن الليث قفار بتقديم القاف وكسرها وليس لأنه جمع قفر وهي المفازة وفي ( الجامع ) للقزاز الفقرة بكسر الفاء والفقارة بفتحها إحدى فقار الظهر وهي العظام المنتظمة التي يقال لها خرز الظهر فجمع الفقارة فقار وجمع الفقرة فقر وقالوا أفقرة يريدون جمع فقار كما تقول قذال وأقذلة وفي ( المحكم ) الفقر والفقرة ما انتضد من عظام الصلب من لدن الكاهل إلى العجب والجمع فقر وفقار وقال ابن الاعرابي أقل فقر البعير ثمان عشرة وأكثرها إحدى وعشرون وفقار الإنسان سبع وفي ( نوادر ) ابن الأعرابي رواية عن ثعلب فقار الإنسان سبع عشرة وأكثر فقر البعير ثلاث وعشرون وفي ( المخصص ) الفقر ما بين كل مفصلين وقيل الفقار أطراف رؤوس الفقر وكل فقرة خرزة وفي ( أمالي أبي إسحاق الزجاجي ) هن سبع أمهات غير الصغار التوابع وفي ( كتاب الفصوص ) لصاعد هن أربع وعشرون سبع منها في العنق وخمس منها في الصلب واثنتي عشرة وهي الأضلاع وقال الأصمعي هن خمس وعشرون فقرة قوله غير مفترش أي غير مفترش يديه وفي رواية ابن حبان من رواية عتبة بن أبي الحكم عن عباس بن سهل غير مفترش ذراعيه وفي رواية الطحاوي وإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه ولا مفترش ذراعيه قوله ولا قابضهما أي ولا قابض يديه وهو أن يضمهما إليه وفي رواية فليح بن سليمان ونحى يديه عن جنبيه ووضع يديه حذو منكبيه وفي رواية ابن إسحاق فاعلولى على جنبيه وراحتيه وركبتيه وصدور قدميه حتى رأيت بياض إبطيه وما تحت منكبيه ثم ثبت حتى اطمأن كل عظم منه ثم رفع رأسه فاعتدل قوله فإذا جلس في الركعتين أي الركعتين الأوليين ليتشهد وفي رواية الطحاوي ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بأصبعه وفي رواية عيسى بن عبد الله ثم جلس بعد

(6/104)


الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينتهض إلى القيام قام بتكبيرة قلت هذا يخالف في الظاهر رواية عبد الحميد حيث قال ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه كما كبر عند افتتاح الصلاة قلت التوفيق بينهما بأن يقول معنى قوله إذا قام أي إذا أراد القيام أو شرع فيه قوله فإذا جلس في الركعة الآخرة إلى آخره في رواية عبد الحميد حتى إذا كانت السجدة التي يكون فيها التسليم وفي رواية عند ابن حبان التي تكون عند خاتمة الصلاة أخر رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر زاد ابن إسحاق في روايته ثم سلم وفي رواية عيسى عند الطحاوي فلما سلم سلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن شماله أيضا السلام عليكم ورحمة الله وفي رواية أبي عاصم عن عبد الحميد عند أبي داود وغيره قالوا أي الصحابة المذكورون صدقت هكذا كان يصلي ذكر ما يستفاد منه احتج الشافعي رضي الله تعالى عنه ومن قال بقوله أن هيئة الجلوس في التشهد الأول مغايرة لهيئة الجلوس في التشهد الأخير وقد ذكرنا عن قريب اختلاف العلماء فيه وقال الطحاوي القعود في الصلاة كلها سواء وهو أن ينصب رجله اليمنى ويفترش رجله اليسرى فيقعد عليها ثم ذكر الاحتجاج في هذا بحديث وائل بن حجر الحضرمي قال صليت خلف النبي فقلت لأحفظن صلاة رسول الله قال فلما قعد للتشهد فرش رجله اليسرى ثم قعد عليها ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى ووضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم عقد أصابعه وجعل حلقة بالإبهام والوسطى ثم جعل يدعو بالأخرى وأخرجه الطبراني أيضا قلت هذا الذي ذكره هو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وبه قال الثوري وعبد الله بن المبارك وأحمد في رواية فإن قلت لا يتم الاستدلال للحنفية بالحديث المذكور لأنه لم يذكر فيه إلا أنه فرش رجله اليسرى فقط قلت كثر الخلاف فيه فاكتفى بهذا المقدار وأما نصب رجله اليمنى فقد ذكرهه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر أن النبي جلس فثنى اليسرى ونصب اليمنى يعني في الصلاة وحديث عائشة أيضا وقد تقدم عن قريب فإن قلت من أين علم أن المراد من قوله فلما قعد للتشهد أفترش رجله اليسرى ثم قعد عليها وهي القعدة الأخيرة قلت علم من قوله ثم جعل يدعو أن الدعاء في التشهد لا يكون إلا في آخر الصلاة ثم أجاب الطحاوي عن حديث أبي حميد الذي احتج به الشافعي وغيره بما ملخصه أن محمد بن عمرو بن عطاء لم يسمع هذا الحديث من أبي حميد ولا من أحد ذكر مع أبي حميد وبينهما رجل مجهول ومحمد بن عمرو ذكر في الحديث أنه حضر أبو قتادة وسنه لا يحتمل ذلك فإن أبا قتادة قتل قبل ذلك بدهر طويل لأنه قتل مع علي رضي الله تعالى عنه وصلى عليه علي وقد رواه عطاف بن خالد عن محمد بن عمرو فجعل بينهما رجلا ثم أخرجه عن يحيى بن سعيد بن أبي مريم حدثنا عطاف بن خالد حدثني محمد بن عمرو بن عطاء حدثني رجل أنه وجد عشرة من أصحاب رسول الله جلوسا فذكر نحو حديث أبي عاصم سواء فإن ذكروا تضعيف عطاف قيل لهم وأنتم تضعفون عبد الحميد بن جعفر أكثر من تضعيفكم لعطاف مع أنكم لا تطرحون حديث عطاف كلهإنما تصححون قديمه وتتركون حديثه هكذا ذكره ابن معين في كتايه وابن أبي مريم سماعه من عطاف قديم جدا وليس أحد يجعل هذا الحديث سماعا لمحمد بن عمرو من أبي حميد إلا عبد الحميد وهو عندكم أضعف وقد اعترض بعضهم بأنه لا يضر الثقة المصرح بسماعه أن يدخل بينه وبين شيخه واسطة إما لزيادة في الحديث وإما لتثبيت فيه وقد صرح محمد بن عمرو بسماعه وأن أبا قتادة اختلف في وقت موته فقيل مات سنة أربع وخمسين وعلى هذا فلقاء محمد له ممكن انتهى قلت هذا القائل أخذ كلامه هذا من كلام البيهقي فإنه ذكره في ( كتاب المعرفة ) والجواب عن هذا أن إدخال الواسطة إنما يصح إذا وجد السماع وقد نفى الشعبي سماعه وهو أمام في هذا الفن فنفيه نفي وإثباته إثبات ومبني نفيه من جهة تاريخ وفاته أنه قال قتل مع علي رضي الله تعالى عنه كما ذكرناه وكذا قال الهيثم بن عدي وقال ابن عبد البر هو الصحيح
وفيه رفع اليدين إلى المنكبين وإليه ذهب الشافعي وأحمد وقد قلنا إنه كان للعذر وفيه أن سنة الهيئة في الركوع أن لا يرفع رأسه إلى فوق ولا ينكسه ومن هذا قال صاحب ( الهداية ) ويبسط ظهره لأن النبي كان إذا ركع بسط ظهره ولا يرفع رأسه

(6/105)


ولا ينكسه لأن النبي كان إذا ركع لا يصوب رأسه ولا يقنعه
وفيه أن السنة أن يجافي بطنه عن فخذيه ويديه عن جنبيه
وفيه بيان هيئة الجلوس وقد بيناها مع الخلاف فيها مستوفى وفيه بيان توجيه أصابع رجليه نحو القبلة
وفيه جواز وصف الرجل نفسه بكونه أعلم من غيره أذا أمن الإعجاب وأراد بيان ذلك عند غيره ممن سمعه لما في التعليم والأخذ عن الأعلم
وفيه أنه كان يخفى على الكثير من الصحابة بعض الأحكام المتلقاة عن النبي وربما يذكره بعضهم إذا ذكر
وسمع الليث يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد بن عمرو بن حلحلة وابن حلحلة من ابن عطاء
أشار بهذا إلى أن الليث بن سعد المذكور في سند الحديث المذكور الذي روي بالعنعنة عن يزيد بن أبي حبيب ويزيد ابن محمد وقد سمع منهما وأن عنعنته سماع قال الكرماني وسمع الليث أي قال يحيى بن بكير شيخ البخاري سمع الليث إلى آخره ورد عليه بعضهم بقوله وهو كلام المصنف ووهم من جزم بأنه كلام يحيى بن بكير قلت الكرماني لم يجزم بهذا قطعا وإنما كلامه يقتضي الاحتمال وفي قوله أيضا وهو كلام المصنف احتمال لا يخفى قوله وابن حلحلة من ابن عطاء أي سمع محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء
وقال أبو صالح عن الليث كل قفار
أبو صالح هذا هو عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد وقد وهم الكرماني فيه حيث قال أبو صالح هو عبد الغفار البكري تقدم في كتاب الوحي وأشار بهذا إلى أن أبا صالح قال في روايته عن الليث بإسناده الثاني عن اليزيدين المذكورين كل قفار بدون الإضافة إلى الضمير وبتقديم القاف على الفاء كما في رواية الأصيلي وقد وصل هذا التعليق الطبراني عن مطلب ابن شعيب وابن عبد البر من طريق القاسم بن أصبغ كلاهما عن أبي صالح المذكور
وقال ابن المبارك عن يحيى بن أيوب قال حدثني يزيد بن أبي حبيب أن محمذ بن عمرو حدثه كل فقار
أي قال عبد الله بن المبارك إلى آخره ووصل هذا التعليق الجوزقي في ( جمعه ) وإبراهيم الحربي في ( غريبه ) وجعفر الفريابي في ( صفة الصلاة ) كلهم من طريق ابن المبارك بهذا الإسناد ووقع عندهم بلفظ حتى يعود كل فقار منه بتقديم الفاء على القاف وهي نحو رواية يحيى بن بكير شيخ البخاري بتقديم الفاء ووقع في رواية الكشميهني وحده كل فقاره وقد بينا وجه الاختلاف فيه في شرح حديث الباب وقال الكرماني يعني وافق أبو صالح يحيى عن الليث في رواية كل فقار بدون الضمير وقال عبد الله بن المبارك رضي الله تعالى عنه كل فقاره بالإضافة إلى الضمير أو بتاء التأنيث على اختلاف والأصوب الأوجه ما ذكرناه
146 -
( باب من لم ير التشهد الأول واجبا لأن النبي قام من الركعتين ولم يرجع )
أي هذا باب في بيان حكم من لم ير التشهد الأول في الجلسة الأولى من الثلاثية أو الرباعية والمراد من التشهد تشهد الصلاة وهو التحيات سمي تشهدا لأن فيه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهو تفعل من الشهادة فإن قلت في التحيات أشياء غير التشهد فما وجه التخصيص بلفظ التشهد قلت لشرفه على غيره من حيث إنه كلام به يصير الشخص مؤمنا ويرتفع عنه السيف وينتظم في سلك الموحدين الذي به النجاة في الدنيا والآخرة والبخاري ممن يرى عدم وجود التشهد الأول وفي ( التوضيح ) أجمع فقهاء الأمصار أبو حنيفة ومالك والثوري والشافعي وإسحاق والليث وأبو ثور على أن التشهد الأول غير واجب حاشا أحمد فإنه أوجبه كذا نقله ابن القصار ونقله ابن التين أيضا عن الليث وأبي ثور وفي ( شرح الهداية ) قراءة التشهد في القعدة الأولى واجبة عند أبي حنيفة وهو المختار والصحيح وقيل سنة وهو الأقيس لكنه خلاف ظاهر الرواية

(6/106)


وفي ( المغني ) إن كانت الصلاة مغربا أو رباعية فهما واجبان فيهما على إحدى الروايتين وهو مذهب الليث وإسحاق لأنه فعله وداوم عليه وأمر به في حديث ابن عباس بقوله قولوا التحيات لله وجبره بالسجود حين نسيه وقال صلوا كما رأيتموني أصلي وفي مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها وكان يقول في كل ركعتين التحية وللنسائي من حديث ابن مسعود مرفوعا إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا التحيات الحديث وحديث المسيء وحديث رفاعة الذي مضى وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول من لم يتشهد فلا صلاة له وحجة الجمهور هو قوله لأن النبي قام من الركعتين يعني قام إلى الثالثة وترك التشهد ولم يرجع إلى التشهد ولو كان واجبا لوجب عليه التدارك حين علم تركه ما أتى به بل جبره بسجود السهو وقال التيمي سجوده ناب عن التشهد والجلوس ولو كانا واجبين لم ينب منابهما سجود السهو كما لا ينوب عن الركوع وسائر الأركان واحتج الطبري لوجوبه بأن الصلاة فرضت أولا ركعتين وكان التشهد فيها واجبا فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك وأجيب بأن الزيادة لم تتعين في الأخريين بل يحتمل أن تكونا هما الفرض الأول والمزيد هما الركعتان الأوليان بتشهدهما ويؤيده استمرار السلام بعد التشهد الأخير كما كان وفيه نظر يخفى
829 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( عبد الرحمن بن هرمز ) مولى ( بني عبد المطلب ) وقال ( مرة ) مولى ( بني ربيعة بن الحارث ) أن ( عبد الله بن مالك ابن بحينة ) وهو من أزد شنوءة وهو حليف لبني عبد مناف وكان من أصحاب النبي أن النبي صلى بهم الظهر فقام من الركعتين الأوليين لم يجلس فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم
مطابقته للترجمة ظاهرة وهي أنه لما ترك التشهد الأول من صلاة الظهر الذي صلى بهم لم يرجع إليه فلو كان التشهد الأول واجبا لرجع إليه كما ذكرنا
ذكر رجاله وهم خمسة ذكروا أبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب ابن أبي حمزة واسم أبي حمزة دينار والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وعبد الرحمن بن هرمز بالهاء والميم المضمومتين بينهما راء ساكنة هو الأعرج وعبد الله بن مالك ابن بحينة بضم الموحدة وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح النون وهو اسم أم عبد الله
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه أن الأولين من الرواة حمصيان والإثنان بعدهما مدنيان وفيه ذكر عبد الله ابن مالك باسم أبيه وبنسبته إلى أمه وفيه القول في أربعة مواضع وفيه شهادة الراوي التابعي أن عبد الله بن مالك من الصحابة وفيه ذكر الزهري عبد الرحمن بن هرمز أولا بمولى بني عبد المطلب وثانيا بمولى بني ربيعة بن الحارث ولا منافاة بينهما لأنه ذكر أولا بجد مواليه الأعلى وثانيا بمولاه الحقيقي وهو ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وفيه ذكر عبد الله بن مالك منسوبا إلى قبيلته وهو أزد شنوءة وهي قبيلة مشهورة وأزد بفتح الهمزة وسكون الزاي بعدها الدال المهملة وشنوءة بفتح الشين المعجمة وضم النون وفتح الهمزة على وزن فعولة وفيه أنه حليف لبني عبد مناف وهو صحيح لأن جده حالف المطلب بن عبد مناف
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن عبد الله بن يوسف وعن قتيبة وفي السهو عن قتيبة وفي النذور عن آدم وأخرجه مسلم فيه عن يحيى بن يحيى وعن قتيبة ومحمد بن رمح وعن أبي الربيع الزهراني وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي وعن عمرو بن عثمان وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وعن أبي الطاهر وعن يحيى بن حبيب وعن سويد بن نصر وعن أبي داود الحراني وعن إسماعيل بن مسعود

(6/107)


وعن سليمان بن مسلم وعن محمود بن غيلان وأخرجه ابن ماجه فيه عن عثمان بن أبي شيبة وعبد الله بن نمير
ذكر معناه قوله لم يجلس جملة حالية أي لم يجلس للتشهد ووقع في رواية مسلم فلم يجلس بالفاء ووقع في رواية ابن عساكر ولم يجلس بزيادة واو قوله حتى إذا قضى الصلاة أي أداها وتممها والقضاء يأتي بمعنى الأداء كما في قوله تعالىوفيه فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ( الجمعة 10 ) أي فإذا أديت قوله وهو جالس جملة حالية قوله سجدتين أي سجدتي السهو
ذكر ما يستفاد منه فيه أن التشهد الأول غير واجب لقوله لم يجلس وقد ذكرنا الخلاف فيه مستقصى وفيه أن الإمام إذا سها واستمر به السهو حتى يستوي قائما في موضع قعوده للتشهد الأول تبعه القوم قال الخطابي فيه أن موضع سجدتي السهو قبل السلام ومن فرق بأن السهو إذا كان من نقصان سجد قبل السلام وإذا كان من زيادة سجد بعد السلام لم يرجع فيما ذهب إليه إلى فرق صحيح قلت قوله موضع سجدتي السهو قبل السلام هو مذهب الشافعي وأحمد في رواية وهو مذهب الزهري ومكحول وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري والأوزاعي والليث بن سعد وقال ابن قدامة في ( المغني ) السجود كله عند أحمد قبل السلام إلا في الموضعين اللذين ورد النص بسجودهما بعد السلام وهما إذا سلم من نقص في صلاته أو تحرى الإمام فبنى على غالب ظنه وما عداهما يسجد له قبل السلام نص على هذا في رواية الأثرم والجماعة المذكورون احتجوا بحديث الباب وقول الخطابي ومن فرق بأن السهو إلى آخره أشار به إلى مذهب مالك فإنه فصل وقال إن سجود السهو للنقصان قبل السلام وللزيادة بعد السلام وإليه ذهب أبو ثور أيضا ونفر من الحجازيين وأجاب الكرماني عن قول الخطابي لم يرجع فيما ذهب إليه إلى فرق صحيح بأن الفرق صحيح لأنه قال السجود في النقصان لجبر ما فات له من الصلاة فناسب أن يتداركه في نفس الصلاة وفي الزيادة لترغيم الشيطان فناسب خارج الصلاة قلت هذا دليل عقلي فلم لم يقل في رده على الخطابي إن مالكا عمل في النقصان بحديث ابن بحينة وهو حديث الباب وبحديث معاوية أخرجه النسائي أنه صلى إمامهم فقام في الصلاة وعليه جلوس فسبح الناس فتم على قيامه ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد أن أتم الصلاة ثم قعد على المنبر فقال إني سمعت رسول الله يقول من نسي شيئا من صلاته فليسجد مثل هاتين السجدتين ورواه الطحاوي بأصرح منه ولفظه أن معاوية صلى بهم فقام وعليه جلوس فلم يجلس فلما كان في آخر السجدة من صلاته سجد سجدتين قبل أن يسلم فقال هكذا رأيت رسول الله يصنع وعمل في النقصان بحديث ذي اليدين وغيره وقال الخطابي وحديث ذي اليدين محمول على أن تأخيره بعد السلام كان عن سهو وذلك أن الصلاة قد توالى فيها السهو والنسيان مرات في أمور شتى فلم ينكر أن يكون هذا منها انتهى قلت أشار به إلى الجواب عن حديث ذي اليدين الذي احتج به أصحابنا على أن سجدتي السهو بعد السلام وهذا غير سديد لأنه لا ضرورة إلى حمل تأخيره على السهو وقال النووي لأن جميع العلماء قائلون بجواز التقديم والتأخير ونزاعهم في الأفضل فتأخيره محمول على بيان الجواز قلت في قوله ونزاعهم في الأفضل فيه نظر لأن القدوري قال لو سجد للسهو قبل السلام روي عن أصحابنا أنه لا يجوز لأنه أداه قبل وقته ولكن قال صاحب ( الهداية ) هذا الخلاف في الأولوية وكذا قاله الماوردي في ( الحاوي ) وابن عبد البر وغيرهم وأصحابنا احتجوا فيما ذهبوا إليه بحديث المغيرة بن شعبة قال صلى بنا رسول الله فسها فنهض في الركعتين فسبحنا به فمضى فلما أتم الصلاة وسلم سجد سجدتي السهو أخرجه الطحاوي والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح وأخرجه أبو داود أيضا واحتجوا أيضا بأحاديث رويت عن جماعة من الصخابة فيها سجود السهو بعد السلام وقد بينا ذلك في ( شرحنا لمعاني الآثار ) للحافظ أبي جعفر الطحاوي ومثل مذهبنا مروي عن جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين أما الصحابة فهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعمار بن ياسر وعبد الله بن الزبير وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم وأما التابعون فإبراهيم النخعي وابن أبي ليلى والحسن البصري وهو مذهب سفيان الثوري أيضا

(6/108)


147 -
( باب التشهد في الأولى )
أي هذا باب في بيان التشهد في الجلسة الأولى من الثلاثية أو الرباعية قال الكرماني فإن قلت الاولى في بيان عدم وجوب التشهد الاول والثانية في بيان مشروعية التشهد في الجلسة الاولى انتهى ( قلت ) ما الفرق بين ترجمة هذا الباب وترجمة الباب السابق قلت ويمكن أن يقال الفرق بين الترجمتين أن الأولى في عدم وجوب التشهد والثانية في وجوبه لأن في حديث الباب قام وعليه جلوس والجلوس إنما هو للتشهد فأخذت طائفة بالأولى وطائفة بالثانية كما بيناه عن قريب
830 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( بكر ) عن ( جعفر بن أبي ربيعة ) عن ( الأعرج ) عن ( عبد الله بن مالك ابن بحينة ) قال صلى بنا رسول الله الظهر فقام وعليه جلوس فلما كان في آخر صلاته سجد سجدتين وهو جالس
وجه الترجمة عرف الآن وهو طريق آخر في حديث ابن بحينة وبكر هو ابن مضر والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز المذكور في سند حديث الباب الذي قبله وعبد الله بن مالك ابن بحينة وهو المذكور في السند السابق منتسبا إلى أمه وههنا ذكر منتسبا إلى أبيه وينبغي أن تكتب الألف في ابن بحينة إذا ذكر مالك ويعرب إعراب عبد الله وإذل لم يذكر مالك لا تكتب قوله السلام علينااراد به الحاضرين من الامام والمأمومين والملائكة عليهم الصلاة والسلام قوله وعليه جلوس أي جلسة التشهد الأول
148 -
( باب التشهد في الآخرة )
أي هذا باب في بيان التشهد في الجلسة الأخيرة
217 - ( حدثنا أبو نعيم قال حدثنا الأعمش عن شقيق بن سلمة قال قال عبد الله كنا إذا صلينا خلف النبي قلنا السلام على جبريل وميكائيل السلام على فلان وفلان فالتفت إلينا رسول الله فقال إن الله هو السلام فإذا صلى أحدكم فليقل التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله صالح بالسماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله )
مطابقته للترجمة لا تتأتى إلا باعتبار تمام هذا الحديث فإنه أخرجه تمامه في باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وهو قوله في آخر الحديث ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو ومعلوم أن محل الدعاء في آخر الصلاة ومعلوم أن الدعاء لا يكون إلا بعد التشهد ويعلم من ذلك أن المراد من قوله فليقل التحيات لله إلى آخره هو التشهد في آخر الصلاة فحينئذ طابق الحديث الترجمة بهذا الاعتبار لا باعتبار ما قاله ابن رشيد فإنه قال ليس في حديث الباب تعيين محل القول لكن يؤخذ ذلك من قوله فإذا صلى أحدكم فليقل فإن ظاهر قوله إذا صلى أي أتم صلاته لكن تعذر الحمل على الحقيقة لأن التشهد لا يكون إلا بعد السلام فلما تعين المجاز كان حمله على آخر جزء من الصلاة أولى لأنه هو الأقرب إلى الحقيقة انتهى ( قلت ) لا نسلم تعذر الحمل على الحقيقة فإن حقيقة تمام الصلاة بالجلوس في آخرها لا بالسلام حتى إذا خرج بعد جلوسه مقدار التشهد من غير السلام لا تفسد صلاته لأن السلام محلل وما دام المصلي في الجلوس في آخر الصلاة فهو في حرمة الصلاة والسلام يخرجه عن هذه الحرمة فحينئذ يكون معنى قوله فإذا صلى أحدكم أي فإذا أتم صلاته بالجلوس في آخر الثنائية أو في آخر الثلاثية أو في آخر الرباعية فليقل التحيات لله إلى آخره فدل

(6/109)


على أن التشهد في آخر الصلاة واجب لقوله فليقل لأن مقتضى الأمر الوجوب
( ذكر رجاله ) وهم أربعة قد ذكروا غير مرة وأبو نعيم هو الفضل بن دكين والأعمش هو سليمان وعبد الله هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه عن شقيق وفي رواية يحيى التي تأتي بعد باب عن الأعمش حدثني شقيق ورجال الإسناد كلهم كوفيون
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن قبيصة عن سفيان وعن مسدد عن يحيى وعن عمرو بن حفص بن غياث عن أبيه وأخرجه مسلم فيه عن يحيى بن يحيى عن أبي معاوية وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد عن يحيى وأخرجه الترمذي عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي وأخرجه النسائي فيه عن يعقوب بن إبراهيم وعمرو بن علي وعن سعيد بن عبد الرحمن وعن بشر بن خالد وفيه وفي النعوت عن قتيبة وفي التفسير عن قتيبة أيضا وأخرجه ابن ماجة في الصلاة عن أبي بكر بن خلاد وعن محمد بن عبد الله بن نمير وعن محمد بن يحيى الزهري
( ذكر معناه ) قوله كنا إذا صلينا وفي رواية يحيى الآتية كنا إذا كنا مع النبي في الصلاة وفي رواية أبي داود عن مسدد شيخ البخاري عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال كنا إذا جلسنا مع رسول الله في الصلاة الحديث ومثله للإسماعيلي من رواية محمد بن خلاد عن يحيى قوله قلنا السلام على جبريل وفي رواية أبي داود قلنا السلام على الله قبل عباده وكذا وقع للبخاري في الاستئذان من طريق حفص بن غياث عن الأعمش وفي جبريل سبع لغات الأولى على وزن تغشليل الثانية جبرئل بحذف الياء الثالثة جبريل بحذف الهمزة الرابعة بوزن قنديل الخامسة جبرءل بلام مشددة السادسة جبرائيل بوزن جبراعيل السابعة جبرائل بوزن جبراعل ومعناه عبد الله ومنع الصرف فيه للتعريف والعجمة في ميكائيل خمس لغات الأولى ميكال بوزن قنطار الثانية ميكائيل بوزن ميكاعيل الثالثة ميكائل بوزن ميكاعل الرابعة ميكئل بوزن ميكعل الخامسة ميكئيل بوزن ميكعيل قال ابن جني العرب إذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه قوله السلام على فلان وفلان وفي رواية ابن ماجة عن عبد الله بن نمير عن الأعمش يعنون الملائكة وفي رواية الإسماعيلي عن علي بن مسهر فنعد الملائكة وفي رواية السراج عن محمد بن فضيل عن الأعمش فنعد من الملائكة ما شاء الله قوله فالتفت إلينا رسول الله ظاهره أنه كلمهم بذلك في أثناء الصلاة وكذا وقع في رواية حصين عن أبي وائل وهو شقيق عند البخاري في أواخر الصلاة بلفظ فسمعه النبي فقال قولوا ولكن بين حفص بن غياث في روايته المحل الذي خاطبهم بذلك فيه وأنه بعد الفراغ من الصلاة ولفظه فلما انصرف النبي أقبل علينا بوجهه وفي رواية عيسى بن يونس أيضا فلما انصرف من الصلاة قال قوله إن الله هو السلام قال الكرماني ( فإن قلت ) هذا إنما يصح ردا عليهم لو قال السلام على الله ( قلت ) هذا الحديث مختصر مما سيأتي في باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وقال فيه قلنا السلام على الله فقال لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام وحاصله أن النبي أنكر التسليم على الله وعلمهم أن ما يقولونه عكس ما يجب أن يقال فإن كل سلامة ورحمة له ومنه وهو مالكها ومعطيها وقال الخطابي المراد أن الله هو ذو السلام فلا تقولوا السلام على الله فإن السلام منه بدىء وإليه يعود ومرجع الأمر في إضافة السلام إليه أنه ذو السلام من كل نقص وآفة وعيب ويحتمل أن يكون مرجعها إلى حظ العبد فيما يطلبه من السلامة عن الآفات والمهالك وقال النووي معناه أن السلام اسم من أسماء الله تعالى يعني السالم من النقائص وقيل المسلم أولياءه وقيل المسلم عليهم وقال ابن الأنباري أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق لحاجتهم إلى السلامة وغناه سبحانه وتعالى عنها قوله فإذا صلى أحدكم فليقل بين حفص بن غياث في روايته محل القول ولفظه فإذا جلس أحدكم في الصلاة وفي رواية حصين عن أبي وائل إذا قعد أحدكم عن الصلاة وفي رواية النسائي من طريق أبي الأحوص عن عبد الله كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين وأن محمدا علم فواتح الخير وخواتمه فقال إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا وللنسائي من طريق الأسود عن عبد الله فقولوا في كل جلسة وفي رواية ابن خزيمة من وجه آخر عن الأسود عن

(6/110)


عبد الله علمني رسول الله في وسط الصلاة وفي آخرها وزاد الطحاوي من هذا الوجه في أوله أخذت التشهد من في رسول الله ولقنني كلمة كلمة وفي رواية أخرى للبخاري في الاستئذان من طريق أبي معمر عن ابن مسعود علمني رسول الله التشهد وكفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن قوله التحيات جمع تحية ومعناه السلام وقيل البقاء وقيل العظمة وقيل السلامة من الآفات والنقص وقيل الملك وقال الخطابي التحيات كلمات مخصوصة كانت العرب تحيي بها الملوك نحو قولهم أبيت اللعن وقولهم أنعم الله صباحا وقول العجم وزى ده هزار سأل أي عش عشرة آلاف سنة ونحوها من عاداتهم في تحية الملوك عند الملاقاة وهذه الألفاظ لا يصلح شيء منها للثناء على الله تعالى فتركت أعيان تلك الألفاظ واستعمل منها معنى التعظيم فقيل قولوا التحيات لله أي أنواع التعظيم لله كما يستحقه وروي عن أنس رضي الله تعالى عنه في أسماء الله تعالى السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار الأحد الصمد قال التحيات لله بهذه الأسماء وهي الطيبات لا يحيى بها غيره واللام في لله لام الملك والتخصيص وهي للأول أبلغ وللثاني أحسن قوله والصلوات هي الصلوات المعروفة وهي الخمسة وغيرها وقال الأزهري الصلوات العبادات وقال الشيخ تقي الدين يحتمل أن يراد بها الصلوات المعهودة ويكون التقدير أنها واجبة لله تعالى ولا يجوز أن يقصد بها غيره أو يكون ذلك إخبارا عن قصد إخلاصنا الصلوات له أي صلواتنا مخلصة له لا لغيره ويجوز أن يراد بالصلوات الرحمة ويكون معنى قوله لله أي المتفضل بها والمعطي هو الله لأن الرحمة التامة لله لا لغيره قوله والطيبات أي الكلمات الطيبات مما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله تعالى دون ما لا يليق بصفاته وقال الشيخ تقي الدين وأما الطيبات فقد فسرت بالأقوال الطيبات ولعل تفسيرها بما هو أعم أولى أعني الطيبات من الأفعال والأقوال والأوصاف وطيب الأوصاف كونها صفة الكمال وخلوصها عن شوب النقص وقال الشيخ حافظ الدين النسفي رحمه الله التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية والطيبات العبادات المالية وقال البيضاوي والصلوات والطيبات بحرف العطف يحتمل أن يكونا معطوفين على التحيات وأن تكون الصلوات مبتدأ وخبره محذوف يدل عليه عليك والطيبات معطوفة عليها والواو الأولى لعطف الجملة على الجملة والثانية لعطف المفرد على المفرد وفي حديث ابن عباس لم يذكر العاطف أصلا انتهى ( قلت ) كل واحدة من الصلوات والطيبات مبتدأ وخبره محذوف تقديره والصلوات لله والطيبات لله فتكون هاتان الجملتان معطوفتين على الجملة الأولى وهي التحيات لله قوله السلام عليك أيها النبي قال النووي يجوز في السلام في الموضعين حذف اللام وإثباتها والإثبات أفضل ( قلت ) لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام فإن كان مراده من الجواز من جهة العربية فله وجه وإن كان من جهة مراعاة لفظ النبي فلا وجه له نعم اختلف في حديث ابن عباس وهو من أفراد مسلم وقال الطيبي أصل سلام عليك سلمت سلاما عليك ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه وعدل عن النصب إلى الرفع للابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره وقال التوربشتي السلام بمعنى السلامة كالمقام والمقامة والسلام اسم من أسماء الله تعالى وضع المصدر موضع الاسم مبالغة والمعنى أنه سلام من كل عيب وآفة ونقص وفساد ومعنى قولنا السلام عليك الدعاء أي سلمت من المكاره وقيل معناه اسم السلام عليك كأنه يتبرك عليه باسم الله عز و جل ( فإن قلت ) ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب في قوله عليك أيها النبي مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق كأن يقول السلام على النبي فينتقل من تحية الله إلى تحية النبي ثم إلى تحية النفس ثم إلى تحية الصالحين ( قلت ) أجاب الطيبي بما محصله نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي علمه للصحابة ويحتمل أن يقال على طريقة أهل العرفان أن المصلين لما استفتحوا باب الملكوت بالتحيات أذن لهم بالدخول في حريم الحي الذي لا يموت فقرت أعينهم بالمناجاة فنبهوا على أن ذلك بواسطة نبي الرحمة وبركة متابعته فإذا التفتوا فإذا الحبيب في حرم الحبيب حاضر فأقبلوا عليه قائلين السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ( فإن قلت ) ما الألف واللام في السلام عليك ( قلت ) قال الطيبي إما للعهد التقديري أي ذلك السلام الذي وجه إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المتقدمة موجه إليك أيها النبي والسلام الذي وجه إلى الأمم السالفة من الصلحاء علينا وعلى إخواننا وإما للجنس أي حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد أنه ما هو وعمن يصدر وعلى

(6/111)


من ينزل عليك وعلينا وإما للعهد الخارجي إشارة إلى قول الله تعالى وسلام على عباده الذين اصطفى وقال الشيخ حافظ الدين النسفي يعني السلام الذي سلم الله عليك ليلة المعراج ( قلت ) فعلى هذا تكون الألف واللام فيه للعهد ( فإن قلت ) لم عدل عن الوصف بالرسالة إلى الوصف بالنبوة مع أن الوصف بالرسالة أعم في حق البشر ( قلت ) الحكمة في ذلك أن يجمع له الوصفين لكونه وصفه بالرسالة في آخر التشهد وإن كان الرسول البشري يستلزم النبوة لكن التصريح بها أبلغ وقيل الحكمة في تقديم الوصف بالنبوة أنها كذلك وجدت في الخارج لنزول قوله تعالى اقرأ باسم ربك قبل قوله يا أيها المدثر قم فأنذر قوله ورحمة الله الرحمة عبارة عن إنعامه عليه وهو المعنى الغائي لأن معناها اللغوي الحنو والعطف فلا يجوز أن يوصف الله به قوله وبركاته جمع بركة وهو الخير الكثير من كل شيء واشتقاقه من البرك وهو صدر البعير وبرك البعير ألقى بركه واعتبر منه معنى اللزوم وسمي محبس الماء بركة للزوم الماء فيها وقال الطيبي البركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء سمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة والمبارك ما فيه ذلك الخير وقال تعالى وهذا ذكر مبارك تنبيها على ما تفيض منه الخيرات الإلهية ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى قيل لكل ما يشاهد فيه زيادة غير محسوسة هو مبارك أو فيه بركة قوله السلام علينا أراد بها الحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة عليهم الصلاة والسلام قوله وعلى عباد الله الصالحين الصالح هو القائم بما عليه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد والصلاح هو استقامة الشيء على حالة كماله كما أن الفساد ضده ولا يحصل الصلاح الحقيقي إلا في الآخرة لأن الأحوال العاجلة وإن وصفت بالصلاح في بعض الأوقات لكن لا تخلو من شائبة فساد وخلل ولا يصفو ذلك إلا في الآخرة خصوصا لزمرة الأنبياء لأن الاستقامة التامة لا تكون إلا لمن فاز بالقدح المعلى ونال المقام الأسنى ومن ثم كانت هذه المرتبة مطلوبة للأنبياء والمرسلين قال الله تعالى في حق الخليل وإنه في الآخرة لمن الصالحين وحكي عن يوسف عليه الصلاة و السلام أنه دعا بقوله توفني مسلما وألحقني بالصالحين قوله فإنكم إذا قلتموها إلى قوله والأرض جملة معترضة بين قوله وعلى عباد الله الصالحين وبين قوله أشهد أن لا إله إلا الله والضمير المنصوب في قلتموها يرجع إلى قوله وعلى عباد الله الصالحين وفائدة هذه الجملة المعترضة الاهتمام بها لكونه أنكر عليهم عد الملائكة واحدا واحدا ولا يمكن استيعابهم لهم مع ذلك فعلمهم لفظا يشمل الجميع مع غير الملائكة من النبيين والمرسلين والصديقين وغيرهم بغير مشقة وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها النبي وقد وردت هذه الجملة في بعض الطرق في آخر الكلام بعد سياق التشهد متواليا والظاهر أنه من تصرف الرواة والله أعلم قوله في السماء والأرض وفي رواية مسدد عن يحيى أو بين السماء والأرض والشك فيه من مسدد وفي رواية الإسماعيلي بلفظ من أهل السماء والأرض قوله أشهد أن لا إله إلا الله زاد ابن أبي شيبة من رواية أبي عبيدة عن أبيه وحده لا شريك له وسند ضعيف لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ وفي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عند الدارقطني إلا أن سنده ضعيف وقد روى أبو داود من وجه آخر صحيح عن ابن عمر في التشهد أشهد أن لا إله إلا الله قال ابن عمر زدت فيها وحده لا شريك له وهذا ظاهره الوقف قوله وأشهد أن محمدا عبد ورسوله قال أهل اللغة يقال رجل محمد ومحمود إذا كثرت خصاله المحمودة وقال ابن الفارس وبذلك سمي نبينا محمدا يعني لعلم الله تعالى بكثرة خصاله المحمودة ( قلت ) الفرق بين محمد وأحمد أن محمدا مفعل للتكثير وأحمد أفعل التفضيل والمعنى إذا حمدني أحد فأنت أحمد منهم وإذا حمدت أحدا فأنت محمد والعبد الإنسان حرا كان أو رقيقا يذهب فيه إلى أنه مربوب لباريه عز و جل وجمعه أعبد وعبيد وعباد وعبد وعبدان وعبدان وأعابد جمع أعبد والعبدى والعبدي والعبوداء والعبدة أسماء الجمع وجعل بعضهم العباد لله وغيره من الجمع لله وللمخلوقين وخص بهم بالعبدى العبيد الذين ولدوا في الملك والأنثى عبدة والعبدل العبد ولامه زائدة
( ذكر ما يستفاد منه ) وهو على وجوه الأول فيما ورد من الاختلاف في ألفاظ التشهد روي في هذا الباب عن ابن

(6/112)


مسعود وابن عباس وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وعائشة وعبد الله بن الزبير وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأبي موسى الأشعري ومعاوية وسلمان وسمرة وأبي حميد
أما حديث ابن مسعود فقد رواه الستة عنه ولفظ مسلم قال علمني رسول الله التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن فقال إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإذا قالها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله انتهى زادوا في رواية إلا الترمذي وابن ماجه ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به
وأما حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فأخرجه الجماعة إلا البخاري عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس قال كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن وكان يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
وأما حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فأخرجه الطحاوي حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث ومالك بن أنس أن ابن شهاب حدثهما عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارىء أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يعلم الناس التشهد على المنبر وهو يقول قولوا التحيات لله الزاكيات لله والصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبد ورسوله وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما ( قلت ) هذا موقوف ورواه أبو بكر بن مردويه في كتاب التشهد له مرفوعا
وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه أبو داود حدثنا نصر بن علي حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي بشر سمعت مجاهدا يحدث عن ابن عمر عن رسول الله في التشهد التحيات لله الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته قال ابن عمر زدت فيها وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأخرجه الدارقطني عن ابن أبي داود عن نصر بن علي وقال إسناده صحيح وأخرجه الطبراني في الكبير حدثنا أبو مسلم الكشي حدثنا سهل بن بكار حدثنا أبان بن يزيد عن قتادة عن عبد الله بن بابي عن ابن عمر عن النبي في التشهد التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأخرجه الطحاوي ولفظه التحيات لله الصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا أن يحيى زاد في حديثه قال ابن عمر زدت فيها وبركاته وزدت فيها وحده لا شريك له ويحيى بن إسماعيل البغدادي أحد مشايخ الطحاوي وأخرجه البزار مرفوعا أيضا
وأما حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فأخرجه البيهقي في سننه عن القاسم عنها قالت هذا تشهد النبي التحيات لله إلى آخره وفي رواية عنها أنها كانت تقول في التشهد في الصلاة في وسطها وفي آخرها قولا واحدا بسم الله التحيات لله الصلوات لله الزاكيات لله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وبعده لنا بيديه عد العرب
وأما حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما فرواه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد سمعت أبا الورد سمعت عبد الله بن الزبير يقول إن تشهد النبي بسم الله وبالله خير الأسماء التحيات لله الصلوات الطيبات أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اللهم اغفر لي واهدني هذا في الركعتين الأوليين قال الطبراني تفرد به ابن لهيعة ( قلت ) فيه مقال

(6/113)


وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه النسائي وابن ماجة والترمذي في العلل والحاكم من حديث أيمن بن نائل حدثنا أبو الزبير عن جابر قال كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن بسم الله وبالله التحيات لله والصلوات والطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار وصححه الحاكم وقال النووي في الخلاصة وهو مردود فقد ضعفه جماعة من الحفاظ هم أجل من الحاكم وأتقن وممن ضعفه البخاري والترمذي والنسائي والبيهقي قال الترمذي سألت البخاري عنه فقال هو خطأ
وأما حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه فأخرجه الطحاوي من حديث أبي المتوكل عنه قال كنا نتعلم التشهد كما نتعلم السورة من القرآن ثم ذكر مثل تشهد ابن مسعود
وأما حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والطبراني مطولا وفيه فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأخرجه أحمد ولم يقل وبركاته ولا قال وأشهد قال وأن محمدا
وأما حديث معاوية رضي الله تعالى عنه فأخرجه الطبراني عنه أنه كان يعلم الناس التشهد وهو على المنبر عن النبي التحيات لله والصلوات والطيبات إلى آخره مثل حديث ابن مسعود
وأما حديث سلمان رضي الله تعالى عنه فأخرجه البزار في مسنده والطبراني في معجمه أخرجاه عن سلمة بن الصلت عن عمرو بن يزيد الأزدي عن أبي راشد قال سألت سلمان الفارسي عن التشهد فقال أعلمكم كما علمنيهن رسول الله التحيات لله والصلوات والطيبات إلى آخره مثل حديث ابن مسعود لكن زاد لله بعد الطيبات وقال في آخره قلها في صلاتك ولا تزد فيها حرفا ولا تنقص منها حرفا وإسناده ضعيف
وأما حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه فأخرجه أبو داود ولفظه قولوا التحيات لله الطيبات والصلوات والملك لله ثم سلموا على النبي وسلموا على أقاربكم وعلى أنفسكم وإسناده ضعيف قاله بعضهم وليس كذلك بل صحيح على شرط ابن حبان
وأما حديث أبي حميد فأخرجه الطبراني مثل حديث ابن مسعود ولكن زاد الزاكيات لله بعد الطيبات وأسقط واو الطيبات وإسناده ضعيف وفي الباب عن الحسين بن علي وطلحة بن عبيد الله وأنس وأبي هريرة والفضل بن عباس وأم سلمة وحذيفة والمطلب بن ربيعة وابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهم قالوا جملة من روى في التشهد من الصحابة أربعة وعشرون صحابيا
( الوجه الثاني ) في ترجيح تشهد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه على جميع روايات غيره قال الترمذي أصح حديث عن النبي في التشهد حديث ابن مسعود والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ثم أخرج عن معمر عن خصيف قال رأيت النبي في المنام فقلت له إن الناس قد اختلفوا في التشهد فقال عليك بتشهد ابن مسعود وأخرج الطبراني في معجمه عن بشير بن المهاجر عن أبي بريدة عن أبيه قال ما سمعت في التشهد أحسن من حديث ابن مسعود وذلك أنه رفعه إلى النبي وقال الخطابي أصح الروايات وأشهرها رجالا تشهد ابن مسعود وقال ابن المنذر وأبو علي الطوسي قد روى حديث ابن مسعود من غير وجه وهو أصح حديث روي في التشهد عن النبي وقال أبو عمر بتشهد ابن مسعود أخذ أكثر أهل العلم لثبوت فعله عن النبي وقال علي بن المديني لم يصح في التشهد إلا ما نقله أهل الكوفة عن ابن مسعود وأهل البصرة عن أبي موسى وبنحوه قاله ابن طاهر وقال النووي أشدها صحة باتفاق المحدثين حديث ابن مسعود ثم حديث ابن عباس وقال البزار أصح حديث في التشهد حديث ابن مسعود وروى عنه عن نيف وعشرين طريقا ثم سرد أكثرها قال ولا أعلم في التشهد أثبت منه ولا أصح أسانيد ولا أشهر رجالا ( قلت ) هذا الطحاوي الجهبذ أخرج حديث ابن مسعود في كتابه شرح معاني آثار من اثنى عشر طريقا وسرد الجميع ثم قال في آخر الباب فلهذا الذي ذكرنا استحسنا ما روي عن عبد الله بتشديده في ذلك ولإجماعهم عليه إذ كانوا قد اتفقوا على أنه

(6/114)


لا ينبغي أن يتشهد إلا بخاص من التشهد يعني كلهم اتفقوا على أن التشهد لا يكون إلا بألفاظ مخصوصة ولا يكون بأي لفظ كان فإذا كان كذلك فالمتفق عليه أولى من المختلف فيه فصار كونه متفقا عليه دون غيره من مرجحاته لأن الرواة عنه من الثقات لم يختلفوا في ألفاظه بخلاف غيره وأن ابن مسعود تلقاه عن النبي تلقيا فروى الطحاوي من طريق الأسود بن يزيد عنه قال أخذت التشهد من في رسول الله ولقننيه كلمة كلمة وفي رواية أبي معمر عنه علمني رسول الله التشهد وكفي بين كفيه ومن المرجحات ثبوت الواو في الصلوات والطيبات وهي تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه فتكون كل جملة ثناء مستقلا بخلاف ما إذا حذفت فإنها تكون صفة لما قبلها وتعدد الثناء في الأول صريح فيكون أولى ولو قيل أن الواو مقدرة في الثاني ومنها أنه ورد بصيغة الأمر بخلاف غيره فإنه مجرد حكاية
ومنها أن في رواية أحمد أن رسول الله علمه التشهد وأمره أن يعلمه الناس ولم ينقل ذلك لغيره ففيه دليل على مزيته وقال الكرماني ذهب الشافعي إلى أن تشهد ابن عباس أفضل لزيادة لفظة المباركات فيه وهي موافقة لقول الله تعالى تحية من عند الله مباركة طيبة وقال مالك تشهد عمر بن الخطاب أفضل لأنه علمه الناس على المنبر ولم ينازعه أحد فدل على تفضيله ( قلت ) وذهب بعضهم إلى عدم الترجيح منهم ابن خزيمة والجواب عن ترجيح الشافعي حديث ابن عباس بالزيادة أنها مختلف فيها وحديث ابن مسعود متفق عليه كما ذكرنا وحديث ابن عباس مذكور معدود في أفراد مسلم وأعلى درجة الصحيح عند الحفاظ ما اتفق عليه الشيخان ولو في أصله فكيف إذا اتفقا على لفظه فلم يكن ما ذكره سببا للترجيح على أن ابن مسعود قد أنكر على من زاد على ما رواه من لفظ النبي وكونه موافقا لما في القرآن وجه من الترجيح فلا يفضل بذلك على الذي له وجوه من الترجيح والجواب عن ترجيح مالك تشهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه موقوف عليه فلا يلحق المرفوع إلى النبي وقال برهان الدين صاحب الهداية الأخذ بتشهد ابن مسعود أولى لأن فيه الأمر وأقله الاستحباب والألف واللام وهما للاستغراق وزيادة الواو لتجديد الكلام كما في القسم وتأكيد التعليم ومما روي في إنكار الزيادة ما رواه الطبراني في الأوسط من حديث العلاء بن المسيب عن أبيه قال كان ابن مسعود يعلم رجلا التشهد فقال عبد الله أشهد أن لا إله إلا الله فقال الرجل وحده لا شريك له فقال عبد الله هو كذلك ولكن ينتهي إلى ما علمنا وفي رواية البزار فقال عبد الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فقال الرجل وأن محمدا عبده ورسوله فأعادها عليه عبد الله مرارا كل ذلك يقول وأشهد أن محمدا عبده ورسوله والرجل يقول وأن محمدا عبده ورسوله فقال عبد الله كذا علمنا وقال ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا وكيع عن إسحاق بن يحيى عن المسيب بن رافع سمع ابن مسعود رجلا يقول في التشهد بسم الله فقال إنما يقال هذا على الطعام
( الوجه الثالث ) في التشهد هل هو واجب أم سنة فقال الشافعي وطائفة التشهد الأول سنة والآخر واجب وقال جمهور المحدثين هما واجبان وقال أحمد الأول واجب والثاني فرض وقد استوفينا الكلام فيه في باب من لم ير التشهد الأول واجبا
( الوجه الرابع ) في أن السنة في التشهد الإخفاء لما روى الترمذي بإسناده إلى عبد الله بن مسعود من السنة أن يخفي التشهد وقال حسن غريب وعند الحاكم عن عبد الله من السنة أن يخفي التشهد وقال صحيح على شرط مسلم وأخرج ابن خزيمة في صحيحه عن عائشة قالت نزلت هذه الآية في التشهد ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم -
149 -
( باب الدعاء قبل السلام )
أي هذا باب في بيان الدعاء قبل أن يسلم المصلي يعني التشهد قبل السلام
832 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرنا ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) زوج النبي ( أخبرته ) أن رسول الله كان يدعو في الصلاة اللهم إني أعوذ

(6/115)


بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم فقال له قائل ما أكثر ما تستعيذ من المغرم فقال إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف قال محمد بن يوسف سمعت خلف بن عامر يقول في المسيح والمسيح مشدد ليس بينهما فرق وهما واحد أحدهما عيسى عليه السلام والآخر الدجال
مطابقته للترجمة من وجهين أحدهما بالقرينة وهي التي ذكرها الكرماني من حيث إن لكل مقام ذكرا مخصوصا فتعين أن يكون مقامه بعد الفراغ من الكل وهو آخر الصلاة قلت بيان ذلك أن للصلاة قياما وركوعا وسجودا وقعودا فالقيام محل قراءة القرآن والركوع والسجود لهما دعاءان مخصوصان والقعود محل التشهد فلم يبق للدعاء محل إلا بعد التشهد قبل السلام وبهذا التقرير يندفع قول بعضهم عقيب نقله كلام الكرماني وفيه نظر لأن هذا هو محل الترتيب للبخاري لكنه مطالب بدليل اختصاص هذا المحل بهذا الذكر ولو أمعن هذا القائل في تأمل ما ذكرنا لما طلب الكرماني بما ذكره والوجه الآخر أن الأحاديث النبوية يفسر بعضها بعضا وقد روي في بعض الطرق تعيين محل الدعاء فأخرج ابن خزيمة من طريق ابن جريج أخبرني عبد الله بن طاووس عن أبيه أنه كان يقول بعد التشهد كلمات يعظمهن جدا قلت في المثنى كليهما قالا بل في التشهد الأخير قلت ما هي قال أعوذ بالله من عذاب القبر الحديث قال ابن جريج أخبرنيه عن أبيه عن عائشة مرفوعا وروي من طريق محمد ابن أبي عائشة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا إذا تشهد أحدكم فليقل فذكر نحوه هذه رواية وكيع عن الأوزاعي عنه وأخرجه أيضا من رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بلفظ إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فذكره وفي رواي ابن ماجه إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ من أربع الحديث
ذكر رجاله وهم خمسة كلهم قد ذكروا غير مرة وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة والزهري محمد بن مسلم
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإخبار كذلك في موضعين وبالإفراد من الماضي في موضع واحد وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه القول في موضعين وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية وفيه التصريح بأن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي وفيه أن الإثنين الأولين من الرواة حمصيان والآخران مدنيان
وأخرجه البخاري أيضا عن أبي اليمان في الاستقراض وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي بكر عن إسحاق الصاغاني عن أبي اليمان به وأخرجه أبو داود والنسائي عن عمرو بن عثمان عن بقية عن شعيب به
ذكر معناه قوله كان يدعو في الصلاة أي في آخر الصلاة بعد التشهد قبل السلام بالقرائن التي ذكرناها قوله من فتنة المسيح الدجال الفتنة عبارة عن الابتلاء والامتحان يقال فتنته أفتنته فتنا وفتونا إذا امتحنته ويقال فيها افتنه أيضا وهو قليل وقد كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه ثم كثر حتى استعمل بمعنى الإثم والكفر والقتال والإحراق والإزالة والصرف عن الشيء والمسيح بفتح الميم وكسر السين المهملة المخففة وفي آخره حاء مهملة يطلق على عيسى ابن مريم وعلى الدجال أيضا ولكنه يفرق بالتقييد وسمي الدجال بالمسيح لأن الخير مسح منه فهو مسيح الضلالة وقيل سمي به لأن عينه الموحدة ممسوحة ويقال رجل ممسوح الوجه ومسيح وهو أن لا يبقى على أحد شقي وجهه عين ولا حاجب إلا استوى وقيل لأنه يمسح الأرض أي يقطعها إذا خرج وقال أبو الهيثم إنه مسيح على وزن سكيت وهو الذي مسح خلقه أي شوه فكأنه هرب من الالتباس بالمسيح بن مريم عليهما السلام ولا التباس لأن عيسى عليه الصلاة و السلام إنما سمي مسيحا لأنه كان لا يمسح بيده المباركة ذا عاهة إلا برىء وقيل لأنه كان أمسح

(6/116)


الرجل لا أخمص له وقيل لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بدهن وقيل المسيح الصديق وقيل هو بالعبرانية مشيحا فعرب وأما تسمية الدجال بهذا اللفظ فلأنه خداع ملبس من الدجل وهو الخلط ويقال الطلي والتغطية ومنه البعير المدجل أي المدهون بالقطران ودجلة نهر ببغداد سميت بذلك لأنها تغطي الأرض بمائها وهذا المعنى أيضا في الدجال لأنه يغطي الأرض بكثرة أتباعه أو يغطي الحق بباطله وقيل لأنه مطموس العين من قولهم دجل الأثر إذا عفى ودرس وقيل من دجل أي كذب والدجال الكذاب قوله من فتنة المحيا وفتنة الممات والمحيا والممات كلاهما مصدران ميميان بمعنى الحياة والموت ويحتمل زمان ذلك لأن ما كان معتلا من الثلاثي فقد يأتي منه المصدر والزمان والمكان بلفظ واحد أما فتنة الحياة فهي التي تعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأشدها وأعظمها والعياذ بالله تعالى أمر الخاتمة عند الموت وأما فتنة الموت فاختلفوا فيها فقيل فتنة القبر وقيل يحتمل أن يراد بالفتنة عند الاحتضار أضيفت إلى الموت لقربها منه فإن قلت إذا كان المراد من قوله وفتنة الممات فتنة القبر يكون هذا مكررا لأن قوله من عذاب القبر يدل على هذا قلت لا تكرار لأن العذاب يزيد على الفتنة والفتنة سبب له والسبب غير المسبب قوله من المأثم أي الإثم الذي يجر إلى الذم والعقوبة أو المراد هو الإثم نفسه وضعا للمصدر موضع الإسم قوله والمغرم أي الدين يقال غرم الرجل بالكسر إذا أدان وقيل الغرم والمغرم ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر بغير جناية منه وكذلك ما يلزمه أداؤه ومنه الغرامة والغريم الذي عليه الدين والأصل فيه الغرام وهو الشر الدائم والعذاب قوله فقال له قائل أي قال للنبي قائل سائلا عن وجه الحكمة في كثرة استعاذته من المغرم فقال إن الرجل إذا عزم يعني إذا لحقه دين حدث فكذب بأن يحتج بشيء في وفاء ما عليه ولم يقم به فيصير كاذبا ووعد فأخلف بأن قال لصاحب الدين أوفيك دينك في يوم كذا أو في شهر كذا أو في وقت كذا ولم يوف فيه فيصير مخالفا لوعده والكذب وخلف الوعد من صفات المنافقين كما ورد في الحديث المشهور فلولا هذا الدين عليه لما ارتكب هذا الإثم العظيم ولما اتصف بصفات المنافقين وكلمة ما في قوله ما أكثر ما تستعيذ للتعجب و ما الثانية مصدرية يعني ما أكثر استعاذتك من المغرم و ما تستعيذ في محل النصب قوله حدث بالتشديد جزاء الشرط قوله وكذب بالتخفيف عطف عليه قوله ووعد عطف على حدث قوله أخلف كذا هو في رواية الحموي وفي رواية الأكثرين فأخلف بالفاء
فإن قلت قوله فتنة المحيا والممات يشمل جميع ما ذكر فلأي شيء خصصت هذه الأشياء الأربعة بالذكر قلت لعظم شأنها وكثرة شرها ولا شك أن تخصيص بعض ما يشمله العام من باب الاعتناء بأمره لشدة حكمه وفيه أيضا عطف العام على الخاص وذلك لفخامة أمر المعطوف عليه وعظم شأنه وفيه اللف والنشر الغير المرتب لأن عذاب القبر داخل تحت فتنة الممات وفتنة الدجال تحت فتنة المحيا فإن قلت ما فائدة تعوذه من هذه الأمور التي قد عصم منها قلت إنما ذلك ليلتزم خوف الله تعالى ولتقتدي به الأمة وليبين لهم صفة الدعاء فإن قلت سلمنا ذلك ولكن ما فائدة تعوذه من فتنة المسيح الدجال مع علمه بأنه متأخر عن ذلك الزمان بكثير قلت فائدته أن ينتشر خبره بين الأمة من جيل إلى جيل وجماعة إلى جماعة بأنه كذاب مبطل مفتر ساع على وجه الأرض بالفساد مموه ساحر حتى لا يلتبس على المؤمنين أمره عند خروجه عليه اللعنة ويتحققوا أمره ويعرفوا أن جميع دعاويه باطلة كما أخبر به رسول الله ويجوز أن يكون هذا تعليما منه لأمته أو تعوذا منه لهم فإن قلت يعارض التعوذ بالله عن المغرم ما رواه جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر يرفعه إن الله تعالى مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن فيما يكرهه الله تعالى وكان ابن جعفر يقول لخادمه إذهب فخذ لي بدين فإني أكره أن أبيت الليلة إلا والله معي قال الطبراني وكلا الحديثين صحيح قلت المغرم الذي استعاذ منه إما أن يكون في مباح ولكن لا وجه عنده لقضائه فهو متعرض لهلاك مال أخيه أو يستدين وله إلى القضاء سبيل غير أنه يرى ترك القضاء وهذا لا يصح إلا أذا نزل كلامه على التعليم لأمته أو يستدين من غير حاجة طمعا في مال أخيه ونحو ذلك وحديث جعفر فيمن يستدين لاحتياجه احتياجا شرعيا ونيته القضاء وإن لم يكن له سبيل إلى القضاء

(6/117)


في ذلك الوقت لأن الأعمال بالنيات ونية المؤمن خير من عمله
قوله قال محمد بن يوسف هو أبو عبد الله محمد بن يوسف إبن مطرف الفربري أحد الرواة عن البخاري يحكى البخاري عنه أنه قال سمعت خلف بن عامر يعني الهمداني أحد الحفاظ أنه لم يفرق بين المسيح بالتخفيف والمسيح بالتشديد وذكرنا عن أبي الهيثم أنه فرق بينهما وقد مر الكلام فيه مستوفى
ذكر ما يستفاد منه فيه إثبات عذاب القبر ردا على المعتزلة ومن أنكره من غيرهم وفيه إثبات وجود الدجال وإثبات خروجه وفيه الاستعاذة من الفتن والشرور والسؤال من الله تعالى دفعها عنه وفيه بشاعة الدين وشدته وتأديته الدائن إلى ارتكاب الكذب والخلف في الوعد اللذين هما من صفات المنافقين وفيه وجوب الاستعاذة من الدين لأنه يشين في الدنيا والآخرة وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي أنه قال الدين راية الله في الأرض فإذا أراد الله أن يذل عبدا وضعه في عنقه رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم
833 - حدثنا وعن ( الزهري ) قال أخبرني ( عروة ) أن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت سمعت رسول الله يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال
هذا عطف على قوله شعيب عن الزهري وأشار به إلى أن الزهري روى الحديث المذكور مطولا ومختصرا فالمطول هو الذي سبق قبله الذي استعاذ بالله فيه من الأشياء المذكورة وههنا اقتصر على الاستعاذة من فتنة الدجال وههنا زيادة ذكر السماع عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي
ثم إعلم أن العلماء اختلفوا فيما يدعو به الإنسان في صلاته فعند أبي حنيفة وأحمد لا يجوز الدعاء إلا بالأدعية المأثورة أو الموافقة للقرآن العظيم لقوله إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن رواه مسلم وذكره ابن أبي شيبة عن أبي هريرة وطاووس ومحمد بن سيرين وقال الشافعي ومالك يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز الدعاء به في خارج الصلاة من أمور الدنيا والدين مما يشبه كلام الناس ولا تبطل صلاته بشيء من ذلك عندهما وقال ابن حزم بفرضية التعوذ الذي في حديث عائشة لما ذكر مسلم عن طاووس أنه أمر ابنه بإعادة صلاته التي لم يدع بها فيها
834 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( يزيد بن أبي حبيب ) عن ( أبي الخير ) عن ( عبد الله بن عمرو ) عن ( أبي بكر الصديق ) رضي الله تعالى عنه أنه قال لرسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم
مطابقته للترجمة من حيث الوجه الذي ذكرناه في الحديث السابق
ورجاله قد ذكروا وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري ومرثد بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة وفي آخره دال مهملة ويزن بفتح الياء آخر الحروف والزاي وفي آخره نون بطن من حمير وتقدم ذكره في باب إطعام الطعام من الإسلام
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه أن رجال إسناده كلهم سوى طرفيه مصريون وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي فالتابعيان هما يزيد بن أبي حبيب وأبو الخير وفيه رواية الصحابي عن الصحابي وهو عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الدعوات عن عبد الله بن يوسف وأخرجه مسلم في الدعوات عن محمد بن رمح وقتيبة وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة به وأخرجه النسائي في الصلاة وفي

(6/118)


القنوت عن قتيبة به وأخرجه ابن ماجه في الدعاء عن محمد بن رمح به ورواه غير واحد فجعله من مسند عبد الله بن عمرو ابن العاص منهم عمرو بن الحارث خالف الليث فجعله من مسند عبد الله بن عمرو ولفظه عن أبي الخير أنه سمع عبد الله ابن عمرو يقول إن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال النبي هكذا رواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث وأما مقتضى رواية الليث بن سعيد عن يزيد ابن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو عن أبي بكر إلى آخره أن الحديث من مسند أبي بكر رضي الله تعالى عنه وأوضح من ذلك رواية أبي الوليد الطيالسي عن الليث فإن لفظه عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله أخرجه البزار من طريقه ولا يقدح هذا الاختلاف في صحة هذا الحديث وقد أخرج البخاري طريق عمرو معلقة في الدعوات وموصولة في التوحيد عن يحيى بن سلمان عن عمرو وكذا أخرج مسلم الطريقين طريق الليث وطريق ابن وهب وزاد مع عمرو بن الحارث رجلا مبهما وبين ابن خزيمة في روايته أنه عبد الله بن لهيعة
ذكر معناه قوله ادعو به جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله دعاه الذي هو منصوب على أنه مفعول ثان لقوله علمني قوله في صلاتي ظاهره وعموم جميع الصلاة ولكن المراد في حالة القعود بعد التشهد قبل الإسلام كما حققنا هكذا فيما مضى وقد قال الشيخ تقي الدين لعله يترجح كونه فيما بعد التشهد لظهور العناية بتعليم دعاء مخصوص في هذا المحل ونازعه بعضهم فقال الأولى الجمع بينهما في المحلين المذكورين أي السجود والتشهد قلت لا دليل له على دعوى الأولوية بل الدليل الصريح قام على أن محله في الجلسة وقد مضى بيانه في أول الباب الذي قبله قوله ظلمت نفسي يعني بإتيان ما يوجب العقوبة قوله ظلما كثيرا بالثاء المثلثة ويروى بالباء الموحدة وكذا هو في رواية مسلم وقال النووي فينبغي إن يقول ظلما كبيرا كثيرا قوله ولا يغفر الذنوب إلا أنت جملة معترضة بين قوله ظلمت نفسي ظلما كثيرا وبين قوله فاغفر لي مغفرة وفائدة هذه الجملة الإشارة إلى الإقرار بأن الله هو الذي يغفر الذنوب وليس ذلك لغيره وفي الحقيقة هو إقرار أيضا بالوحدانية لأن من صفته غفران الذنوب هو الموصوف بالوحدانية والتنوين في قوله مغفرة يدل على أنه غفران لا يكتنه كنهه قوله من عندك إشارة إلى مزيد ذلك التعظيم لأن ما يكون من عنده لا يحيط به وصف الواصفين وقال ابن الجوزي هو طلب مغفرة متفضل بها لا يقتضيها سبب من جهة العبد من عمل صالح وغيره وحاصله هب لي المغفرة وإن لم أكن أهلا لها بعملي وكمل الكلام وختمه بقوله وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم وفي هاتين الصفتين مقابلة حسنة لأن قوله الغفور مقابل لقوله اغفر لي وقوله الرحيم مقابل لقوله ارحمني ولنا أن نقول فيه لف ونشر مرتب
ذكر ما يستفاد منه فيه طلب التعليم من العالم في كل ما فيه خير خصوصا الدعوات التي فيها جوامع الكلم وفيه الاعتراف بالتقصير ونسبة الظلم إلى نفسه وفيه الاعتراف بأن الله سبحانه هو المتفضل المعطي من عنده رحمة على عباده من غير مقابلة عمل حسن وفيه استحباب قراءة الأدعية في آخر الصلاة من الدعوات المأثورة أو المشابهة لألفاظ القرآن وقال الكرماني قالت الشافعية يجوز الدعاء في الصلاة بما شاء من أمر الدنيا والآخرة ما لم يكن إثما قال ابن عمر لأدعو في صلاتي حتى بشعير حماري وملح بيتي انتهى وقد ذكرنا فيما مضى أنه لا يدعو إلا بالأدعية المأثورة أو بما يشبه ألفاظ القرآن لقوله إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن وهو من أفراد مسلم
150 -
( باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب )
أي هذا باب في بيان ما يتخير المصلي من الدعاء بعد فراغه من التشهد يعني قراءة التحيات والحال أنه ليس بواجب أشار بهذا إلى أن حديث الباب الذي فيه الأمر وهو قوله ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه ليس للوجوب

(6/119)


وإنما هو للاستحباب فإن قلت المأمور به هو التخير وهو لا ينافي وجوب أصل الدعاء قلت من الدليل في عدم وجوب أصل الدعاء حديث مسيء الصلاة لأنه لم ينقل عنه أنه أمره بذلك
151 -
( باب من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى )
أي هذا باب ترجمته من لم يمسح إلى آخره يعني لم يمسح جبهته وأنفه من الماء والطين اللذين أصابا جبهته وأنفه وهو في الصلاة حتى صلى صلاته ولكن هذا محمول على أن ذلك كان قليلا لا يمنع التمكن من السجود فإذا لم يمنع السجود يستحب أن يتركه إلى أن يفرغ من صلاته لأن ذلك من باب التواضع لله تعالى وحديث الباب يشهد بذلك
قال أبو عبد الله رأيت الحميدي يحتج بهذا الحديث أن لا يمسح الجبهة في الصلاة
أبو عبد الله هو البخاري نفسه والحميدي بضم الحاء شيخه وهو عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله الزبير بن عبيد الله بن حميد الحميدي القرشي المكي روى عنه البخاري في أول كتابه الأعمال بالنيات وفي غير موضع قوله بهذا الحديث أشار به إلى حديث الباب وكأن البخاري أراد بإيراده ما نقله عن الحميدي أنه يرى في ذلك ما رآه الحميدي وإليه ذهب جماعة من العلماء
836 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( هشام ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) قال سألت ( أبا سعيد الخدري ) فقال رأيت رسول الله يسجد في الماء والطين حتى رأيت أثر الطين في جبهته
مطابقته للترجمة من حيث إن الحديث دل على أنه سجد في الماء والطين ولم يمسحهما حتى رأى أبو سعيد

(6/120)


أثر الطين في جبهته وقد مر الكلام في هذا الحديث مستوفى بجميع تعلقاته في باب السجود على الأنف في الطين وهشام هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير
152 -
( باب التسليم )
أي هذا باب في بيان التسليم في آخر الصلاة وإنما لم يشر إلى حكمه هل هو واجب أم سنة لوقوع الاختلاف فيه لتعارض الأدلة وقال بعضهم ويمكن إن يؤخذ الوجوب من حديث الباب حيث جاء فيه كان إذا سلم لأنه يشعر بتحقيق مواظبته على ذلك قلت قام الدليل على أن التسليم في آخر الصلاة غير واجب وأن تركه غير مفسدة للصلاة وهو أن رسول الله صلى الظهر خمسا فلما سلم أخبر بصنيعه فثنى رجله فسجد سجدتين رواه عبدالله بن مسعود وأخرجه الجماعة بطرق متعددة وألفاظ مختلفة قال الطحاوي رحمه الله ففي هذا الحديث أنه أدخل في الصلاة ركعة من غيرها قبل التسليم ولم ير ذلك مفسدا للصلاة فدل ذلك أن السلام ليس من صلبها ولو كان واجبا كوجوب السجدة في الصلاة لكان حكمه أيضا كذلك ولكنه بخلافه فهو سنة انتهى قلت اختلف العلماء في هذا فقال مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم إذا انصرف المصلي من صلاته بغير لفظ التسليم فصلاته باطلة حتى قال النووي ولو اختل بحرف من حروف السلام عليكم لم تصح صلاته واحتجوا على ذلك بقوله تحليلها التسليم رواه أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم وأخرجه الترمذي وابن ماجه أيضا وأخرجه الحاكم في ( مستدركه ) وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وقال الترمذي هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن قلت اختلفوا في صحته بسبب ابن عقيل وهو عبد الله بن محمد بن عقيل فقال محمد بن سعد هو من الطبقة الرابعة من أهل المدينة وكان منكر الحديث لا يحتجون بحديثه وكان كثير العلم وقال ابن المديني عن بشر بن عمر الزهراني كان مالك لا يروي عنه وكان يحيى بن سعيد لا يروي عنه وعن يحيى بن معين ليس حديثه بحجة وعنه ضعيف الحديث وعنه ليس بذلك وقال العجلي تابعي مدني جائز الحديث وقال النسائي ضعيف وقال الترمذي صدوق وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه وعلى تقدير صحته أجاب الطحاوي عنه بما محصله أن عليا رضي الله تعالى عنه من رابه إذا رفع رأسه من آخر سجدة فقد تمت صلاته فدل على أن معنى الحديث المذكور لم يكن على أن الصلاة لا تتم إلا بالتسليم إذا كانت تتم عنده بما هو قبل التسليم فكان معنى تحليلها التسليم التحليل الذي ينبغي أن تحل به لا بغيره وجواب آخر إن الحديث المذكور من أخبار الآحاد فلا يثبت به الفرض فإن قلت كيف أثبت فرضية التكبير به ولم يثبت فرضية التسليم قلت أصل فرضية التكبير في أول الصلاة بالنص وهو قوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى ( الأعلى 15 ) وقوله وربك فكبر ( المدثر 3 ) غاية ما في الباب يكون الحديث بيانا لما يراد به من النص والبيان به يصح كما في مسح الراس وذهب عطاء ابن أبي رباح وسعيد بن المسيب وإبراهيم وقتادة وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وابن جرير الطبري بهذا إلى أن التسليم ليس بفرض حتى لو تركه لا تبطل صلاته
837 - حدثنا ( موسى بن إسماعيل ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) قال حدثنا ( الزهري ) عن ( هند بنت الحارث ) أن أم ( سلمة ) رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث يسيرا قبل أن يقوم قال ابن شهاب فأري والله أعلم أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم
مطابقته للترجمة في قوله كان رسول الله إذا سلم
ذكر رجاله وهم خمسة موسى بن إسماعيل المنقري التبوذكي وإبراهيم ابن عبد الرحمن بن سعد بن إبراهيم بن عوف والزهري هو محمد بن مسلم وهند بنت الحارث تقدمت في باب العلم والعظة

(6/121)


بالليل وأم سلمة هند بنت أبي أمية زوج النبي
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن رواته مدنيون ما خلا شيخ البخاري فإنه بصري وفيه رواية تابعي عن تابعية عن صحابية
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن أبي الوليد ويحيى بن قزعة وعن عبد الله بن محمد وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن يحيى ومحمد بن رافع وأخرجه النسائي عن محمد بن مسلمة عن ابن وهب وأخرجه فيه عن أبي بكر ابن أبي شيبة
ذكر معناه قوله حتى يقضي تسليمه ويروى حين يقضي تسليمه أي حين يتم تسليمه ويفرغ منه قوله فأرى بضم الهمزة أي اظن أن مكث رسول الله كان يسيرا لأجل نفاذ النساء وذهابهن قبل تفرق الرجال لئلا يدركهن بعض المتفرقين من الصلاة قوله والله أعلم جملة معترضة
ذكر ما يستفاد منه فيه خروج النساء إلى المساجد وسبقهن بالانصراف والاختلاط بهن مظنة الفساد ويمكث الإمام في مصلاه والحالة هذه فإن لم يكن هناك نساء فالمستحب للإمام أن يقوم من مصلاه عقيب صلاته كذا قاله الشافعي في ( المختصر ) وفي ( الأحياء ) للغزالي إن ذلك فعل النبي وأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وصححه ابن حبان في غير ( صحيحه ) وقال النووي وعللوا قول الشافعي بعلتين إحداهما لئلا يشك من خلفه هل سلم أم لا الثانية لئلا يدخل غريب فيظنه بعد في الصلاة فيقتدى به وقال صاحب ( التوضيح ) لكن ظاهر حديث البراء بن عازب رمقت صلاة لنبي فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريبا من السواء رواه مسلم يعني أنه لم يكن يثبت ساعة ما يسلم بل كان يجلس بعد السلام جلسة قريبة من السجود وقال الشافعي في ( الأم ) وللمأموم أن ينصرف إذا قضى الإمام السلام قبل قيام الإمام وإن أخر ذلك حتى ينصرف بعد الإمام أو معه كان ذلك أحب إلي وفي ( الذخيرة ) إذا فرغ من صلاته أجمعوا أنه لا يمكث في مكانه مستقبل القبلة وجميع الصلوات في ذلك سواء فإن لم يكن بعدها تطوع إن شاء انحرف عن يمينه أو يساره وإن شاء استقبل الناس بوجههلا إذا لم يكن أمامه من يصلي وإن كان بعد الصلاة سنن يقوم إليها وبه نقول ويكره تأخيرها عن أداء الفريضة فيتقدم أو يتأخر أو ينحرف يمينا أو شمالا وعن الحلواني من الحنفية جواز تأخير السنن بعد المكتوبة والنص أن التأخير مكروه ويدعو في الفجر والعصر لأنه لا صلاة بعدهما فيجعل الدعاء بدل الصلاة ويستحب أن يدعو بعد السلام وقال في ( التوضيح ) أيضا إذا أراد الإمام أن ينتقل في المحراب ويقبل على الناس للذكر والدعاء جاز أن ينتقل كيف شاء وأما الأفضل فأن يجعل يمينه إليهم ويساره إلى المحراب وقيل عكسه وبه قال أبو حنيفة
ومن فوائد الحديث وجوب غض البصر ومكث الإمام في موضعه ومكث القوم في أماكنهم
153 -
( باب يسلم حين يسلم الإمام )
أي هذا باب ترجمته يسلم المأموم حين يسلم الإمام وأشار بهذا إلى أن لا يتأخر المأموم في سلامه بعد الإمام متشاغلا بدعاء ونحوه دل عليه أثر ابن عمر المذكور هنا وفي هذا عن أبي حنيفة روايتان في رواية يسلم مع الإمام كالتكبير وفي رواية يسلم بعد سلام إمامه وقال الشافعي المصلي المقتدي يسلم بعد فراغ الإمام من التسليمة الأولى فلو سلم مقارنا بسلامه إن قلنا نية الخروج بالسلام شرط لا يجزيه كما لو كبر مع الإمام لا تنعقد له صلاة الجماعة فعلى هذا تبطل صلاته وإن قلنا إن نية الخروج غير واجبة فيجزيه كما لو ركع معه وفي نية الخروج عن الصلاة بالسلام وجهان أحدهما تجب والثاني لا تجب كذا في تتمتهم وذكر في ( المبسوط ) المقتدي يخرج من الصلاة بسلام الإمام وقيل هو قول محمد أما عندهما يخرج بسلام نفسه وتظهر ثمرة الخلاف في انتقاض الوضوء بسلام الإمام قبل سلام نفسه بالقهقهة فعنده لا ينتقض خلافا لهما
وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يستحب إذا سلم الإمام أن يسلم من خلفه

(6/122)


مطابقته للترجمة ظاهرة وقيل غير ظاهرة لأن المفهوم من الترجمة أن يسلم المأموم مع الإمام لأن سلامه إذا كان حين سلام الإمام يكون معه بالضرورة والمفهوم من الأثر أن يسلم المأموم عقيب صلاة الإمام لأن كلمة إذا للشرط والمشروط يكون عقيبه قلت لا نسلم أن إذا ههنا للشرط بل هي ههنا على بابها لمجرد الظرف على أنه هو الأصل فحينئذ يحصل التطابق بين الترجمة والأثر فافهم
838 - حدثنا ( حبان بن موسى ) قال أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) عن ( محمود بن الربيع ) عن ( عتبان ) قال صلينا مع النبي فسلمنا حين سلم
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول حبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ابن موسى أبو محمد المروزي مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين الثاني عبد الله بن المبارك المروزي الثالث معمر بن راشد البصري الرابع محمد بن مسلم الزهري الخامس محمود بن الربيع أبو محمد الأنصاري الحارثي عقل مجة مجها رسول الله في وجهه من دنو في دارهم وهو ابن خمس سنين وهو ختن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه السادس عتبان بكسر العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق وتخفيف الباء الموحدة تقدم ذكره في باب إذا دخل بيتا يصلي
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه من رواته أولا مروزيان ثم بصري ثم مدني وفيه رواية التابعي عن الصحابي يروي عن الصحابي
وقد ذكرنا في باب إذا دخل بيتا يصلي أن البخاري أخرج هذا الحديث في ( صحيحه ) في أكثر من عشرة مواضع ذكرناها هناك وذكرنا أيضا من أخرجه غيره
154 -
( باب من لم يرد السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة )
أي هذا باب في بيان من لم يرد السلام على الإمام يعني بتسليمة ثالثة بين التسليمتين واكتفى بتسليم الصلاة وهو التسليمتان ويروى من لم يردد السلام من الترديد وهو تكرير السلام والحاصل من هذه الترجمة أن البخاري يرد بذلك على من يستحب تسليمة ثالثة على الإمام بين التسليمتين وهم طائفة من المالكية وقال ابن التين يريد البخاري أن من كان خلف الإمام إنما يسلم واحدة ينوي بها الخروج من الصلاة ولم يرد على الإمام ولا على من في يساره وفيه نظر وإنما أراد البخاري ما ذكرناه والدليل على ذلك أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان لا يرد على الإمام وعن النخعي إن شاء رد وإن شاء لم يرد وفي ( التوضيح ) ومالك يرى أنه يرد وبه قال ابن عمر في أحد قوليه والشعبي وسالم وسعيد بن المسيب وعطاء وقال ابن بطال أظن البخاري أنه قصد الرد على من أوجب التسليمة الثانية قلت فيه نظر والصواب ما ذكرناه
واختلف العلماء في هذا الباب فذهب عمر بن عبد العزيز والحسن البصري ومحمد بن سيرين والأوزاعي ومالك إلى أن التسليم في آخر الصلاة مرة واحدة ويحكى ذلك عن ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة رضي الله تعالى عنهم واحتجوا في ذلك بحديث سعد ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أن رسول الله كان يسلم من الصلاة بتسليمة واحدة السلام عليكم رواه الطحاوي في ( شرح معاني الآثار ) وأبو عمر بن عبد البر في ( الاستذكار ) وذهب نافع بن عبد الحارث وعلقمة وأبو عبد الرحمن السلمي وعطاء ابن أبي رباح والشعبي والثوري والنخعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعي وإسحاق وابن المنذر إلى أن التسليم في آخر الصلاة ثنتان مرة عن يمينة ومرة عن يساره ويحكى ذلك عن أبي بكر الصديق وعلي ابن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعمار رضي الله تعالى عنهم وأخرج الطحاوي حديث التسليمتين عن ثلاثة عشر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهم سعد وعلي وابن مسعود وعمار بن ياسر وعبد الله بن عمر وجابر بن سمرة والبراء بن عازب ووائل بن حجر وعدي بن عميرة الحضرمي وأبو مالك الأشعري وطلق بن علي وأوس ابن أبي أوس وأبو رمثة قلت وفي

(6/123)


الباب أيضا عن جابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وسهل بن سعد وحذيفة بن اليمان والمغيرة بن شعبة ووائلة بن الأسقع وعبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنهم فهؤلاء عشرون صحابيا رووا عن رسول الله ت أن المصلي يسلم في آخر صلاته تسليمتين تسليمة عن يمينة وتسليمة عن يساره وأجاب ابن عمر عن حديث سعد ابن أبي وقاص أنه وهم وإنما الحديث كما رواه ابن المبارك بسنده عنه أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره وأجاب الطحاوي مثله بما محصله أن رواية التسليمة الواحدة هي رواية الدراوردي وأن عبد الله بن المبارك وغيره خالفوه في ذلك ورووا عنه عن النبي أنه كان يسلم تسليمتين
ثم اختلفوا في السلام هل هو واجب أم سنة فعن أبي حنيفة أنه واجب وعنه أنه سنة وقال صاحب ( الهداية ) ثم إصابة لفظ السلام واجبة عندنا وليست بفرض خلافا للشافعي وفي ( المغني ) لابن قدامة التسليم واجب لا يقوم غيره مقامه والواجب تسليمة واحدة والثانية سنة وقال ابن المنذر أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة وقال الطحاوي قال الحسن بن حر هما واجبتان وهي رواية عن أحمد وبه قال بعض أصحاب مالك وقال الثوري لو أخل بحرف من حروف السلام عليكم لم تصح صلاته وفي ( المغني ) السنة أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وإن قال وبركاته أيضا فحسن والأول أحسن وإن قال السلام عليكم ولم يزد فظاهر كلام أحمد أنه يجزيه وقال ابن عقيل الأصح أنه لا يجزيه وإن نكس السلام فقال وعليكم السلام ولم يجزه وقال القاضي فيه وجه أنه يجزيه وهو مذهب الشافعي وقال ابن حزم الأولى فرض والثانية سنة حسنة لا يأثم تاركها
8339 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( معمر ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( محمود بن الربيع ) وزعم أنه عقل رسول الله وعقل مجة مجها من دلو كان في دارهم
840 - قال سمعت ( عتبان بن مالك الأنصاري ثم أحد بني سالم ) قال كنت أصلي لقومي بني سالم فأتيت النبي فقلت إني أنكرت بصري وإن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي فلوددت أنك جئت فصليت في بيتي مكانا حتى أتخذه مسجدا فقال أفعل إن شاء الله فغدا علي رسول الله وأبو بكر معه بعد ما اشتد النهار فاستأذن النبي فأذنت له فلم يجلس حتى قال أين تحب أن أصلي من بيتك فأشار أليه من المكان الذي أحب أن يصلي فيه فقام فصففنا خلفه ثم سلم وسلمنا حين سلم
مطابقته للترجمة في قوله ثم سلم وسلمنا حين سلم وذلك من حيث إنه ليس فيه الرد على الإمام لأن الذي يقتضي معناه أنه سلم وسلم القوم أيضا حين سلم فيكون سلامهم بعد تمام سلامه أو بعد تقدمه بلفظ بعض السلام وقال الكرماني وغرض البخاري أن يبين أن السلام لا يلزم أن يكون بعد سلام الإمام حتى لو سلم مع الإمام لا تبطل صلاته نعم لو تقدم عليه تبطل إلا أنه ينوي المفارقة قلت هذا الذي قاله لا يطابق الترجمة وإنما مراده أن المأموم لا يرد على الإمام بتسليمة ثالثة بين التسليمتين كما ذكرناه في حديث الباب الذي قبله
وهذا الحديث أخرجه البخاري في باب المساجد في البيوت بأطول منه عن سعيد بن عفير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب إلى آخره وههنا عن عبدان وهو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة الأزدي أبو عبد الرحمن المروزي عن عبد الله بن المبارك عن معمر بن راشد عن محمد بن مسلم الزهري إلى آخره
قوله وزعم المراد من الزعم ههنا القول المخقق فإنه قد يطلق عليه وعلى الكذب وعلى المشكوك فيه وينزل في كل موضع على ما يليق به قوله مجة مجها من دلو من مج لعابه إذا قذفه وقيل لا يكون مجة حتى يباعد بها وانتصاب مجة على أنها مفعول عقل وقوله مجها من دلو جملة في محل النصب على أنها صفة لمجة وكلمة من بيانية قوله كانت صفة موصوف محذوف أي من بئر كانت في دارهم والدلو دليل عليه

(6/124)


قاله الكرماني وقال بعضهم الدلو يذكر ويؤنث فلا يحتاج إلى تقدير قلت التقدير لا بد منه لأن الدلو لا يكون فيه ماء إلا من بئر ونحوه قلت كانت بالتأنيث رواية أبي ذر وفي رواية جاءت كان بالتذكير فعلى هذا لا حاجة إلى التقدير
قوله الأنصاري بالنصب لأنه صفة عتبان المنصوب بقوله سمعت قوله ثم أحد بالنصب أيضا عطفا على الأنصاري والتقدير الأنصاري ثم السالمي لأنه من بني سالم أيضا قال بعضهم هذا الذي يكاد من له أدنى ممارسة بمعرفة الرجال أن يقطع به ثم قال وقال الكرماني يحتمل أن يكون عطفا على عتبان يعني سمعت عتبان ثم سمعت أحد بني سالم أيضا قال والمراد به فيما يظهر الحصين بن محمد الأنصاري فكأن محمودا سمع من عتبان ومن الحصين قال وهو بخلاف ما تقدم في باب المساجد في البيوت أن الزهري هو الذي سمع محمودا والحصين ولا منافاة بينهما لاحتمال أن الزهري ومحمودا سمعا جميعا من الحصين ولو وقع برفع أحد بأن يكون عطفا على محمود لساغ ووافق الرواية الأولى يعني فيصير التقدير قال الزهري أخبرني محمود بن الربيع ثم أخبرني أحد بني سالم أي الحصين انتهى قال وكان الحامل له على ذلك كله قول الزهري في الرواية السابقة ثم سألت الحصين بن محمد الأنصاري وهو أحد بني سالم هناك فكأنه ظن أن المراد بقوله أحد بني سالم هنا هو المراد بقوله أحد بني سالم هناك ولا حاجة لذلك فإن عتبان من بني سالم أيضا وهو عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان بن زياد بن غنم بن سالم بن عوف وعلى الاحتمال الذي ذكره إشكال آخر لأنه يلزم منه أن يكون الحصين بن محمد هو صاحب القصة المذكورة أو أنها تعددت له ولعتبان وليس كذلك فإن الحصين المذكور لا صحبة له وقد ذكره ابن أبي حاتم في ( الجرح والتعديل ) ولم يذكر له شيخا غير عتبان انتهى كلامه
قلت هذا القائل ذكر أولا شيئا وهو حط على الكرماني في الباطن ثم أظهره بعد ذلك بما لا يجديه من وجوه الأول أنه غير غالب عبارة الكرماني في النقل لتمشية كلامه يتأمله من يقف عليه الثاني أن الكرماني ما جزم بما ذكره بل إنما قال بالاحتمال وباب الاحتمال مفتوح الثالث أن قوله فكأنه ظن إلى آخره لا يتوجه الرد به فإنه محل الظن ظاهر أو العبارة تؤدي إلى ذلك ظاهرا ثم توجيهه الرد بقوله فإن عتبان من بني سالم أيضا غير موجه لأن كون عتبان من بني سالم لا ينافي كون الحصين من بني سالم أيضا ولا يمنع إخبار الزهري عنه أيضا الرابع أن قوله يلزم منه أن يكون الحصين بن محمد هو صاحب القصة المذكورة ليس كذلك لأن الملازمة ممنوعة لأن كون الحصين غير صحابي لا يقتضي الملازمة التي ذكرها لأنه يحتمل أن يكون الحصين قد سمع القصة المذكورة من صحابي والراوي طوى ذكره اكتفاء بذكر عتبان الخامس أن تأييد ما أدعاه بما ذكره عن ابن أبي حاتم غير سديد ولا محل له لأن عدم ذكر ابن أبي حاتم للحصين شيخا غير عتبان لا يستلزم أن لا يكون له شيخ آخر أو أكثر وهذا ظاهر
قوله فلوددت أي فوالله لوددت قوله اتخذه قال الكرماني بالرفع وبالجزم لأنه وقع جوابا للمودة المفيدة للتمني قوله اشتد النهار أي ارتفعت الشمس قوله فأشار إليه قال الكرماني فأشار أي النبي إلى المكان الذي هو المحبوب أن يصلي فيه ويحتمل أن تكون من للتبعيض ولا ينافي ما تقدم أيضا ثمة أنه قال فأشرت لإمكان وقوع الإشارتين منه ومن النبي إما معا وإما متقدما ومتأخرا وقال بعضهم والذي يظهر أن فاعل أشار هو عتبان لكن فيه التفات إذ ظاهر السياق أن يقول فأشرت إلى آخره وبهذا تتوافق الروايتان قلت الذي قاله الكرماني أولى وأحرى لأن فيه إظهار معجزة النبي حيث أشار إلى المكان الذي كان في قلب عتبان أن يصلي فيه فأشار إليه قبل أن يعينه عتبان
وبقية الكلام في هذا الحديث ذكرناها في باب المساجد في البيوت
155 -
( باب الذكر بعد الصلاة )
أي هذا باب في بيان الذكر عقيب الفراغ من الصلاة
841 - حدثنا ( إسحاق بن نصر ) قال حدثنا ( عبد الرزاق ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عمرو ) أن ( أبا معبد ) مولى ( ابن عباس ) أخبره أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخبره أن رفع الصوت

(6/125)


بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي وقال ابن عباس كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول إسحاق بن نصر وهو إسحاق بن إبراهيم بن نصر أبو إبراهيم السعدي البخاري فالبخاري يروي عنه تارة بنسبته إلى أبيه ويقول حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نصر وتارة ينسبه إلى جده ويقول حدثنا إسحاق بن نصر الثاني عبد الرزاق بن همام الثالث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بضم الجيم الرابع عمرو بن دينار الخامس أبو معبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة وفي آخره دال مهملة واسمه نافذ بالنون وبكسر الفاء وفي آخره ذال معجمة السادس عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار كذلك في موضع واحد وبصيغة الإفراد من الماضي في ثلاثة مواضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن رواته ما بين بخاري ويماني ومكي ومدني وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق وأخرجه أبو داود فيه عن يحيى بن موسى البلخي عن عبد الرزاق
ذكر معناه قوله كان على عهد النبي أي على زمانه ومثل هذا يحكم له بالرفع عند الجمهور خلافا لمن شذ في ذلك قوله قال ابن عباس هو موصول بالإسناد الأول كما في رواية مسلم عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق به قوله كنت أعلم فيه إطلاق العلم على الأمر المستند إلى الظن الغالب قوله بذلك أي برفع الصوت إذا سمعته أي الذكر والمعنى كنت أعلم انصرافهم بسماع الذكر
ذكر ما يستفاد منه استدل به بعض السلف على استحباب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقيب المكتوبة وممن استحبه من المتأخرين ابن حزم وقال ابن بطال أصحاب المذاهب المتبعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالتكبير والذكر حاشا ابن حزم وحمل الشافعي هذا الحديث على أنه جهر ليعلمهم صفة الذكر لا أنه كان دائما قال واختار للإمام والمأموم أن يذكر الله بعد الفراغ من الصلاة ويخفيان ذلك إلا أن يقصد التعليم فيعلما ثم يسرا وقال الطبري فيه البيان على صحة فعل من كان يفعل ذلك من الأمراء والولاة يكبر بعد صلاته ويكبر من خلفه وقال غيره لم أجد أحدا من الفقهاء قال بهذا إلا ابن حبيب في ( الواضحة ) كانوا يستحبون التكبير في العساكر والبعوث إثر صلاة الصبح والعشاء وروى ابن القاسم عن مالك أنه محدث وعن عبيدة وهو بدعة وقال ابن بطال وقول ابن عباس كان على عهد النبي فيه دلالة أنه لم يكن يفعل حين حدث به لأنه لو كان يفعل لم يكن لقوله معنى فكان التكبير في إثر الصلوات لم يواظب الرسول عليه طول حياته وفهم أصحابه أن ذلك ليس بلازم فتركوه خشية أن يظن أنه مما لا تتم الصلاة إلا به فذلك كرهه من كرهه من الفقهاء وفيه دلالة أن ابن عباس كان يصلي في أخريات الصفوف لكونه صغيرا قلت قوله إذا انصرفوا ظاهره أنه لم يكن يحضر الصلاة بالجماعة في بعض الأوقات لصغره
842 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثنا ( عمرو ) قال أخبرني ( أبو معبد ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال كنت أعرف انقضاء صلاة النبي بالتكبير ( انظر الحديث 841 )
علي هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار ووقع في رواية الحميدي عن سفيان بصيغة الحصر ولفظه ما كنا نعرف انقضاء صلاة النبي إلا بالتكبير وكذا أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان واختلف في كون ابن عباس قال ذلك فقال عياض الظاهر أنه لم يكن يحضر الجماعة لأنه كان صغيرا ممن لا يواظب على ذلك ولا يلزم به فكان يعرف انقضاء الصلاة بما ذكره وقال غيره يحتمل أن يكون حاضرا في أواخر الصفوف فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم وإنما كان يعرفه بالتكبير وقال ابن دقيق العيد يؤخذ منه أنه لم يكن هناك مبلغ جهير الصوت يسمع من بعد قوله

(6/126)


كنت أعرف وفي الحديث السابق كنت أعلم وبين المعرفة والعلم فرق وهو أن المعرفة تستعمل في الجزئيات والعلم في الكليات ولكن أعلم هنا بمعنى أعرف ولا يطلب الفرق فافهم قوله التكبير وفي الحديث الأول بالذكر فالذكر أعم من التكبير والتكبير أخص فيحتمل أن يكون قوله بالتكبير تفسيرا لقوله بالذكر ومن هذا قال الكرماني بالتكبير أي بذكر الله
قال علي حدثنا سفيان عن عمرو قال كان أبو معبد أصدق موالي ابن عباس قال علي واسمه نافذ
أشار البخاري رضي الله تعالى عنه بما نقله عن علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار المذكورين قبله أن حديث أبي معبد هذا لا يقدح في صحته لأجل ما روى أحمد في ( مسنده ) هذا الحديث ثم قال وإنه يعني أبا معبد قال بالتكبير ثم ساقه به قال عمرو قد ذكرت لأبي معبد فأنكره وقال لم أحدثك بهذا قال عمرو فقد أخبرنيه قبل ذلك وكذا وقع في رواية مسلم قال عمرو ذكرت ذلك لأبي معبد بعد وأنكره وقال لم أحدثك بهذا قال عمرو وقد أخبرنيه قبل ذلك قال الشافعي بعد أن رواه عن سفيان كأنه نسيه بعد أن حدثه به انتهى فهذا يدل على أن مسلما كان يرى صحة الحديث ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه عدلا ولا شك أن عمرو بن دينار كان عدلا وكذا لا شك أن أبا معبد كان عدلا فلذلك قال عمرو فيما حكاه عنه البخاري بواسطة علي وسفيان كان أبو معبد أصدق موالي ابن عباس قال الكرماني فإن قلت الصدق هو مطابقة الكلام للواقع على الصحيح وذلك لا يقبل الزيادة والنقصان قلت الزيادة إنما هي بالنسبة إلى أفراد الكلام يعني إفراد كلامه الصدق أكثر من إفراد كلام سائر الموالي واعلم أن قوله وقال علي إلى آخره زيادة لم تثبت إلا في رواية المستملي والكشميهني واعلم أيضا أن الراوي إذا أنكر روايته لا يخلو إما أن يكون إنكار جحود وتكذيب للفرع بأن قال كذبت علي لم يعمل بهذا الخبر بلا خلاف بين الأئمة أو يكون إنكار توقف لا إنكار تكذيب وجحود بأن قال لا أذكر أني رويت ذلك هذا أو لا أعرفه فقد اختلف فيه فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد في رواية إلى أنه يسقط العمل به كالوجه الأول وهو مختار الكرخي والقاضي أبي زيد وفخر الإسلام وذهب محمد ومالك والشافعي إلى أنه لا يسقط العمل به ونسيان الأصل لا يقدح فيه كما لو جن أو مات وقيل عدم الرواية بإنكار المروي عنه قول أبي يوسف وقال محمد لا تسقط الرواية بإنكاره وهذا الخلاف بينهما فرغ اختلافهما في شاهدين شهدا على القاضي بقضية والقاضي لا يذكر قضاءه فإنه يقبل عند محمد ولا يقبل عند أبي يوسف وذكر الإمام فخر الدين في ( المحصول ) في هذه المسألة تقسيما حسنا وهو أن رواي الفرع إما أن يكون جازما بالرواية أو لا فإن كان جازما فالأصل إما أن يكون جازما بالإنكار أو لا فإن كان الأول فقد تعارضا فلا يقبل الحديث وإن كان الثاني فإما أن يكون الأغلب على الظن إني رويته أو الأغلب أني ما رويته أو الأمران على السواء أو لا يقول شيئا من ذلك فالأشبه أن يكون الخبر مقبولا في جميع هذه الأقسام وإن كان الفرع غير جازم بل يقول أظن أني سمعت منك فإن جزم الأصل بأني ما رويته لك تعين الرد وإن قال أظن إني ما رويته لك تعارضا وإن ذهب إلى سائر الأقسام فالأشبه قبوله والضابط أنه إذا كان قول الأصل معادلا لقول الفرع تعارضا وإذا ترجح أحدهما على الآخر فالمعتير الراجح
843 - حدثنا ( محمد بن أبي بكر ) قال حدثنا ( معتمر ) عن ( عبيد الله ) عن ( سمي ) عن ( أبي صالح ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال جاء الفقراء إلى النبي فقالوا ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون قال ألا أحدثكم بما إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله تسبحون

(6/127)


وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين فاختلفنا بيننا فقال بعضنا نسبح ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين فرجعت إليه فقال تقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون كلهن ثلاثا وثلاثين ( الحديث 843 - طرفه في 6329 )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهي في قوله تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد ابن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم أبو عبد الله المعروف بالمقدمي البصري الثاني معتمر بن سليمان بن طرخان البصري الثالث عبيد الله بضم العين ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه المدني الرابع سمي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف مولى ابي بكر بن عبد الرحمن الخامس أبو صالح ذكوان الزيات المدني السادس أبو هريرة رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه الأولان من رجاله بصريان والبقية مدنيون وفيه عبيد الله تابعي صغير ولا يعرف لسمي رواية عن أحد من الصحابة فهو من رواية الكبير عن الصغير
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصلاة عن عاصم ابن النضر وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن محمد بن عبد الأعلى كلاهما عن معتمر بن سليمان عنه به
ذكر معناه قوله جاء الفقراء وهو جمع فقير ولم يعلم عددهم هنا وجاء في رواية أبي داود من رواية محمد ابن أبي عائشة عن أبي هريرة أن أبا ذر منهم وأخرجه الفريابي في ( كتاب الذكر ) له من حديث أبي ذر نفسه وجاء في رواية النسائي وغيره أن أبا الدرداء منهم وروى الترمذي من حديث مجاهد وعكرمة عن ابن عباس قال جاء الفقراء إلى رسول الله فقالوا يا رسول الله إن الأغنياء يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم أموال يعتقون ويتصدقون قال فإذا صليتم فقولوا سبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة والله أكبر أربعا وثلاثين مرة ولا إله إلا الله عشر مرات فإنكم تدركون به من سبقكم ولا يسبقكم من بعدكم قوله ذهب أهل الدثور بضم الدال المهملة والثاء المثلثة جمع دثر بفتح الدال وسكون الثاء المثلثة وهو المال الكثير قال ابن سيده لا يثنى ولا يجمع وقيل هو الكثير من كل شيء وقال أبو عمر المطرز إنه يثني ويجمع ووقع عند الخطابي أهل الدور جمع دار وقال ابن قرقول وقع في رواية المروزي أهل الدور يعني مثل ما وقع في رواية الخطابي قال وهو تصحيف وكلمة من في من الأموال بيانية تبين الدثور ويجوز أن تكون من الأموال تأكيدا ويجوز أن تكون وصفا قوله العلى بضم العين جمع العلياء وهي تأنيث الأعلى قوله والنعيم المقيم النعيم ما يتنعم به والمقيم الدائم وذكر المقيم تعريض بالنعيم العاجل فإنه قلما يصفو وإن صفا فهو في صدد الزوال وسرعة الانتقال وفي رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة ذهب أصحاب الدثور بالأجور وكذا في رواية مسلم من حديث أبي ذر وفي رواية ابن ماجه من رواية بشر بن عاصم عن أبيه عن أبي ذر قال قيل يا رسول الله وربما قال سفيان قلت يا رسول الله ذهب أهل الأموال والدثور بالأجور يقولون كما نقول وينفقون ولا ننفق قال لي ألا أخبركم بأمر إذا فعلتموه أدركتم من قبلكم وفتم من بعدكم تحمدون الله في دبر كل صلاة وتسبحون وتكبرون ثلاثا وثلاثين وأربعا وثلاثين قال سفيان لا أدري أيتهن أربع وروى البزار من رواية موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال اشتكى فقراء المؤمنين إلى رسول الله ما فضل به أغنياؤهم فقالوا يا رسول الله إخواننا صدقوا تصديقنا وآمنوا إيماننا وصاموا صيامنا ولهم أموال يتصدقون منها ويصلون منها الرحم وينفقونها في سبيل الله ونحن مساكين لا نقدر على ذلك فقال ألا أخبركم بشيء إذا فعلتموه أدركتم مثل فضلهم قولوا الله أكبر في دبر كل صلاة إحدى عشرة مرة والحمد لله مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك تدركون مثل فضلهم ففعلوا ذلك فذكروا للأغنياء ففعلوا مثل ذلك فرجع الفقراء إلى رسول الله فذكروا ذلك فقالوا هؤلاء إخواننا فعلوا مثل ما نقول فقال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ( المائدة 54 الحديد 21 والجمعة 4 ) يا معشر الفقراء ألا يسركم أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم خمسمائة عام وتلا موسى بن عبيدة

(6/128)


وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ( الحج 47 ) وروى أبو داود من رواية محمد ابن أبي عائشة عن أبي هريرة قال قال أبو ذر يا رسول الله ذهب أصحاب الدثور بالأجور الحديث وذكر التكبير والتحميد والتسبيح ثلاثا وثلاثين وزاد ويختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وروى النسائي في اليوم والليلة من رواية عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي الدرداء قال قلت يا رسول الله ذهب أهل الأموال بالدنيا والآخرة يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويذكرون كما نذكر ويجاهدون كما نجاهد ولا نجد ما نتصدق به قال ألا أخبرك بشيء إذا أنت فعلته أدركت من كان قبلك ولم يلحقك من كان بعدك إلا من قال مثل ما قلت تسبح الله دبر كل صلاة ثلاثة وثلاثين وتحمده ثلاثا وثلاثين وتكبر أربعا وثلاثين تكبيرة قوله يحجون بها فإن قلت وقع في رواية جعفر الفريابي من حديث أبي الدرداء ويحجون كما نحج قلت اشتراكهم في الحج كان في الماضي وأما المتوقع فلا يقدر عليه إلا أصحاب الأموال غالبا فإن جاءت رواية ويحجون بها بضم الياء من الإحجاج أي يعينون غيرهم على الحج بالمال فلا إشكال وكذلك الجواب في قوله ويجاهدون ههنا في الدعوات من رواية ورقاء عن سمي وجاهدوا كما جاهدنا قوله ويتصدقون ووقع في رواية مسلم من رواية ابن عجلان عن سمي ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق قوله ألا كلمة تنبيه وتحضيض قوله بما إن أخذتم به أي بشيء إن أخذتموه أدركتم من سبقكم من أهل الأموال في الدرجات العلى وليست كلمة بما في أكثر الروايات كذا وقع في رواية الأصيلي بدون بما ولفظه ألا أحدثكم بأمر إن أخذتم وكذا في رواية الإسماعيلي قوله به الضمير فيه يرجع إلى قوله بما لأن ما بمعنى شيء كما ذكرناه وسقطت أيضا هذه اللفظة في أكثر الروايات قوله أدركتم جواب إن وقوله من سبقكم في محل النصب لأنه مفعول أدركتم والمعنى أدركتم من سبقكم من أهل الأموال الذين امتازوا عليكم بالصدقة والسبقية وقال الكرماني كيف يساوي قول هذه الكلمات مع سهولتها وعدم مشقتها الأمور الشاقة الصعبة من الجهاد ونحوه وأفضل العبادات أحمزهما قلت أداء هذه الكلمات حقها الإخلاص سيما الحمد في حال الفقر من أفضل الأعمال وأشقها ثم إن الثواب ليس بلازم أن يكون على قدر المشقة ألا ترى في التلفظ بكلمة الشهادة من الثواب ما ليس في كثير من العبادات الشاقة وكذا الكلمة المتضمنة لتمهيد قاعدة خير عام ونحوها قال العلماء إن إدراك صحبة رسول الله لحظة خير وفضيلة لا يوازيها عمل ولا تنال درجتها بشيء ثم إن كانت نيتهم لو كانوا أغنياء لعملوا مثل عملهم وزيادة ونية المؤمن خير من عمله فلهم ثواب هذه النية وهذه الأذكار قوله لم يدرككم قال الكرماني فإن قلت لم لا يحصل لمن بعدهم ثواب ذلك قلت إلا من عمل استثناء منه أيضا كما هو مذهب الشافعي في أن الاستثناء المتعقب للجمل عائد إلى كلها قوله بين ظهرانيهم بفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي رواية كريمة وأبي الوقت بين ظهرانيه بالإفراد ومعناه أنهم اقاموا بينهم على سبيل الاستظهار والاستناد إليهم وزيدت فيه الألف والنون المفتوحة تأكيدا ومعناه إن ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فهو مكنون من جانبيه ومن جوانبه إذا قيل بين أظهرههم ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم قال الكرماني فإن قلت قال أولا أدركتم من سبقكم يعني تساوونهم وثانيا كنتم خير من أنتم بينهم يعني تكونون أفضل منهم فتلزم المساواة وعدم المساواة على تقدير عدم عملهم مثله قلت لا نسلم أن الإدراك يستلزم المساواة فربما يدركهم ويتجاوز عنهم قوله إلا من عمل مثله أي إلا الغني الذي يسبح فإنكم لم تكونوا خيرا منهم بل هو خير منكم أو مثلكم نعم إذا قلنا الاستثناء يرجع إلى الجملة الأولى أيضا يلزم قطعا كون الأغنياء أفضل إذ معناه إن أخذتم أدركتم إلا من عمل مثله فإنكم لا تدركونه فإن قلت فالأغنياء إذا سبحوا يترجحون فيبقى بحاله ما شكا الفقراء منه وهو رجحانهم من جهة الجهاد وإخواته قلت مقصود الفقراء منه تحصيل الدرجات العلى والنعيم المقيم لهم أيضا لا نفي زيادتهم مطلقا قوله تسبحون وتحمدون وتكبرون كذا وقع في أكثر الأحاديث تقديم التسبيح على التحميد وتأخير التكبير وفي رواية ابن عجلان تقديم التكبير على التحميد خاصة وفي حديث ابن ماجه تقديم التحميد على التسبيح فدل هذا الاختلاف على أن لا ترتيب فيها ويدل عليه الحديث الذي فيه الباقيات الصالحات لا يضرك

(6/129)


بأيهن بدأت ولكن يمكن أن يقال الأولى البداءة بالتسبيح لأنه يتضمن نفي النقائص عن الله سبحانه وتعالى ثم التحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال لله تعالى لأن جميع المحامد له ثم التكبير لأنه تعظيم ومن كان منزها عن النقائص ومستحقا لجميع المحامد يجب تعظيمه وذلك بالتكبير ثم يختم ذلك كله بالتهليل الدال على وحدانيته وانفراده تعالى وتقدس وقوله تسبحون وتحمدون وتكبرون ثلاثة أفعال تنازعت في ظرف أعني قوله خلف كل صلاة قوله خلف كل صلاة وفي رواية للبخاري في الدعوات دبر كل صلاة وفي حديث أبي ذر إثر كل صلاة ويمكن أن يكون لفظ دبر تفسيرا للفظ خلف قوله صلاة يشمل الفرض والنفل ولكن حمله أكثر العلماء على الفرض لأنه وقع في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة فكأنهم حملوا المطلق على المقيد قوله ثلاثا وثلاثين هذا اللفظ يحتمل أن يكون لمجموع هذا المقدار بحيث إنه يكون كل واحد منها أحد عشر وأن يكون كل واحد يبلغ هذا العدد فهو مجمل وتمام هذا الحديث مبين أن المقصود هو الثاني قوله فاختلفنا بيننا أي في كل واحد ثلاثة وثلاثون أو المجموع أو أن تمام المائة بالتكبير أو بغيره فإن قلت هذا الاختلاف وقع بين من ومن قلت ظاهر العباراة أنه وقع بين الصحابة وأن القائل فاختلفنا هو أبو هريرة وكذا الضمير في رجعت يرجع إلى أبي هريرة والضمير في إلى يرجع إليه النبي ولكن بين مسلم في روايته عن ابن عجلان عن سمي أن القائل فاختلفنا هو سمي وأن الضمير في رجعت يرجع إليه والضمير في إليه يرجع إلى أبي صالح وأن المخالف له بعض أهله ولفظه قال سمي فحدثت بعض أهلي هذا الحديث فقال وهمت فذكر كلامه قال فرجعت إلى أبي صالح والذي ذكره مسلم أقرب لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضا فلذلك اقتصر صاحب ( العمدة ) على هذا لكن مسلما لم يوصل هذه الزيادة فإنه أخرج الحديث عن قتيبة عن الليث ابن عجلان ثم قال زاد غير قتيبة في هذا الحديث عن الليث فذكرها قيل يحتمل أن يكون هذا الغير شعيب بن الليث فإن أبا عوانة أخرجه في ( مستخرجه ) عن الربيع بن سليمان عن شعيب ويحتمل أن يكون سعيد بن أبي مريم فإن البيهقي أخرجه من طريق سعيد قلت يحتمل أن يكون غيرهماوقد روى ابن حبان هذا الحديث من طريق المعتمر بن سليمان بالإسناد المذكور فلم يذكر قوله واختلفنا إلى آخره قوله أربعا ويروى أربعة وإذا كان المميز غير مذكور يجوز في العدد التذكير والتأنيث قوله منهن كلهن بكسر اللام لأنه تأكيد للضمير المجرور قوله ثلاث وثلاثون بالواو علامة الرفع وهو اسم كان وفي رواية كريمة والأصيلي وأبي الوقت ثلاثا وثلاثين على أنه خبر كان واسمه محذوف والتقدير حتى يكون العدد منهن كلهن ثلاثا وثلاثين فإن قلت ما الحكمة في تعيين هذا العدد أعني ثلاثا وثلاثين قلت هنا قد تعين هذا العدد وقد اختلفت الأعداد في الأحاديث الواردة في هذا الباب على وجوه مختلفة فورد فيه كونه ثلاثا وثلاثين كما في حديث أبي هريرة في هذا الباب وكونه خمسا وعشرين كما في حديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه أخرجه النسائي من رواية كثير بن أفلح عن زيد بن ثابت قال أمروا أن يسبحوا دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ويحمدوا ثلاثا وثلاثين ويكبروا أربعا وثلاثين فأتي رجل من الأنصار في منامه قيل أمركم رسول الله أن تسبحوا دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدوا ثلاثا وثلاثين وتكبروا أربعا وثلاثين قال نعم فاجعلوها خمسا وعشرين فاجعلوا فيها التهليل فلما أصبح أتى النبي فذكر ذلك له فقال إجعلوها كذلك وكونه إحدى عشرة كما في بعض طرق حديث ابن عمر وقد ذكرناه عن البزار وكونه عشرا كما في حديث أنس رضي الله تعالى عنه رواه الترمذي والنسائي من رواية عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال جاءت أم سليم إلى رسول الله فقالت يا رسول الله علمني كلمات أدعو بهن في صلاتي فقال سبحي الله عشرا واحمديه عشرا وكبريه عشرا ثم سلي حاجتك يقول نعم نعم رواه البزار وأبو يعلى في ( مسنديهما ) وفيه نعم نعم نعم ثلاثا وكذلك

(6/130)


في حديث عبد الله بن عمر وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه من رواية عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة الحديث وفيه يسبح الله أحدكم في دبر كل صلاة عشرا ويحمد عشرا ويكبر عشرا الحديث فهي خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان وكذلك في حديث سعد بن أبي وقاص أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة من رواية موسى الجهني عن مصعب بن سعد عن سعد قال قال رسول الله لا يمنع أحدكم أن يسبح دبر كل صلاة عشرا ويكبر عشرا ويحمد عشرا وكذلك رواه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أخرجه أحمد في رواية عطاء بن السائب عن أبيه عن علي أن رسول الله لما زوجه فاطمة الحديث وفيه تسبحان لله في دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا وكذلك في حديث أم مالك الأنصارية أخرجه الطبراني في ( الكبير ) من رواية عطاء بن السائب عن يحيى بن جعدة عن رجل حدثه عن أم مالك الأنصارية قال رسول الله هنيئا لك يا أم مالك بركة عجل الله ثوابها ثم علمها في دبر كل صلاة سبحان الله عشرا والحمد لله عشرا والله أكبر عشرا وكونه ستا كما في حديث أنس في بعض طرقه ومرة واحدة كما في بعض طرق حديثه أيضا وكونه سبعين مرة كما في حديث زميل الجهني أخرجه الطبراني في ( الكبير ) من رواية أبي مشجعة بن ربعي الجهني عن زميل الجهني قال كان رسول الله إذا صلى الصبح قال وهو ثان رجله سبحان الله وبحمده واستغفر الله إنه كان توابا سبعين مرة ثم يقول سبعين بسبعمائة الحديث وكونه مائة مرة كما في بعض طرق حديث أبي هريرة أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة من رواية يعقوب بن عطاء عن عطاء ابن أبي علقمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله من سبح في دبر كل صلاة مكتوبة مائة وكبر مائة وحمد مائة غفرت له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر
ثم الجواب عن وجه الحكمة في تعيين هذه الأعداد أنه يجب علينا أولا أن نتمثل في ذلك وإن خفي علينا وجهه لأن كلام النبي لا يخلو عن حكم وثانيا نقول بما أوقع الله تعالى في قلوبنا من أنواره التي يتجلى بها في الغوامض وهو أن الاختلاف في هذه الأعداد الظاهر أنه بحسب اختلاف الأحوال والأزمان والأشخاص فيمكن أن يقال في الذكر مرة إنها أدنى ما يقال لأنها ما تحتها شيء وفي الست إن الأيام ستة فمن ذكر ست مرات فكأنه ذكر في كل يوم منها مرة فتستغرق أيامه ببركة الذكر وفي العشر كل حسنة بعشر أمثالها بالنص وفي إحدى عشرة كذلك ولكن زيادة الواحدة عليها للجزم بتحقق العشرة وفي خمس وعشرين إن ساعات الليل والنهار أربع وعشرون ساعة فمن ذكر خمسا وعشرين فكأنما ذكر في كل ساعة من ساعات الليل والنهار والواحد الزائد للجزم بتحققها وفي ثلاث وثلاثين إنها إذا ضوعفت ثلاث مرات تكون تسعا وتسعين فمن ذكر بثلاث وثلاثين فكأنما ذكر الله بأسمائه التسعة والتسعين التي ورد بها الحديث وفي سبعين إنه إذا ذكر الله بهذا العدد يحصل له سبعمائة ثواب لكل واحد منها عشرة وقد صرح بذلك في حديث زميل الجهني وقد ذكرناه وفي مائة القصد فيها المبالغة في التكثير لأنها الدرجة الثالثة للأعداد
فإن قلت إذا نقص من هذه الأعداد المعينة أو زاد هل يحصل له الوعد الذي وعد له فيه قلت ذكر شيخنا زين الدين في ( شرح الترمذي ) قال كان بعض مشايخنا يقول إن هذه الأعداد الواردة عقيب الصلوات أو غيرها من الأذكار الواردة في الصباح والمساء وغير ذلك إذا كان ورد لها عدد مخصوص مع ثواب مخصوص فزاد الآتي بها في أعدادها عمدا لا يحصل له ذلك الثواب الوارد على الإتيان بالعدد الناقص فلعل لتلك الأعداد حكمة وخاصة تفوت بمجاوزة تلك الأعداد وتعديها ولذلك نهى عن الاعتداء في الدعاء انتهى قال الشيخ فيما قاله نظر لأنه قد أتى بالمقدار الذي رتب على الإتيان به ذلك الثواب فلا تكون الزيادة مزيلة لذلك الثواب بعد حصوله عند الإتيان بذلك العدد انتهى قلت الصواب هو الذي قاله الشيخ لأن هذا ليس من الحدود التي نهى عن اعتدائها ومجاوزة أعدادها والدليل على ذلك ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه فإن قلت الشرط في هذا أن يقول الذكر المنصوص عليه بالعدد متتابعا أم لا والشرط أن يكون في مجلس واحد أم لا قلت كل منهما ليس بشرط ولكن الأفضل أن يأتي به متتابعا وأن يراعي الوقت الذي عين فيه
ذكر ما يستفاد منه من ذلك يتعلق بهذا الحديث المسألة المشهودة في التفضيل بين الغني الشاكر والفقير الصابر فذهب الجمهور من الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر لأن مدار الطريق على تهذيب النفس ورياضتها وذلك مع الفقر أكثر

(6/131)


منه مع الغنى فكان أفضل بمعنى أشرف وذكر القرطبي أن في هذه المسألة خمسة أقوال فمن قائل بتفضيل الغني من قائل بتفضيل الفقير ومن قائل بتفضيل الكفاف ومن قائل برد هذا إلى اعتبار أحوال الناس في ذلك ومن قائل بالوقف لأنها مسألة لها غور وفيها أحاديث متعارضة قال والذي يظهر لي أن الأفضل ما اختاره الله لنبيه ولجمهور صحابته رضي الله تعالى عنهم وهو الفقر غير المدقع ويكفيك من هذا أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام وأصحاب الأموال محبوسون على قنطرة بين الجنة والنار يسألون عن فضول أموالهم وقال ابن بطال عن المهلب في هذا الحديث فضل الغني نصا لا تأويلا إذا استوت أعمال الغني والفقير فيما افترض الله تعالى عليهما فللغني حينئذ فضل عمل البر من الصدقة ونحوها مما لا سبيل للفقير إليه قال ورأيت بعض المتكلمين ذهب إلى أن الفضل المرتب على الذكر يخص الفقراء دون غيرهم قال وغفل عن قوله إلا من عمل مثله فخص الفضل لقائله كائنا من كان وقال ابن دقيق العيد ظاهر الحديث القريب من النص أنه فضل الغني وبعض الناس تأوله بتأويل مستكره قال والذي يقتضيه النظر أنهما إن تساويا وفضلت العبادة المالية أن يكون الغني أفضل وهذا لا شك فيه وإنما النظر إذا تساويا وانفرد كل منهما بمصلحة ما هو فيه أيهما أفضل إن فسر الفضل بزيادة الثواب فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدية أفضل من القاصرة فيترجح الغني وإن فسر بالأشرف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي يحصل لها من التطهير بحسب الفقر أشرف فيترجح الفقر ومن ثمة ذهب جمهور الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر
ومن فوائد الحديث المذكور أن العالم إذا سئل عن مسألة يقع فيها الخلاف أن يجيب بما يلحق به المفضول درجة الفاضل ولا يجيب بنفس الفاضل لئلا يقع الخلاف ألا ترى أنه أجاب بقوله ألا أدلكم على أمر تساوونهم فيه وعدل عن قوله نعم هو أفضل منكم بذلك ومنها المسابقة إلى الأعمال المحصلة للدرجات العالية لمبادرة الأغنياء إلى العمل بما بلغهم ولم ينكر عليهم النبي فيستنبط منه أن قوله إلا من عمل عام للفقراء والأغنياء والتأويل بغير ذلك يرد ومنها فضل الذكر عقيب الصلوات لأنها أوقات فاضلة ترتجي فيها إجابة الدعاء ومنها أن العمل القاصر قد يساوي المتعدي خلافا لمن قال إن المتعدي أفضل مطلقا قلت ومما يؤيده أن الثواب الذي يعطيه الله تعالى لا يستحقه الإنسان بحسب الأذكار ولا بحسب إعطاء الأموال إنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء ( المائدة 54 الحديد 21 والجمعة 4 ) ألا ترى إلى ما روي في ( الصحيحين ) عن أبي هريرة من رواية سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله الحديث وفيه قال أبو صالح فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله فقالوا سمع إخواننا إهل الأموال ما فعلنا ففعلوا مثله فقال رسول الله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ( المائدة 54 الحديد 21 والجمعة 4 ) ومنها يفهم منه أنه لا بأس أن يغبط الرجل الرجل على ما يفعله من أعمال البر وأنه يتمنى أن لو فعل مثل ما فعله ويتسبب في تحصيله لذلك أو لما يقوم مقامه من أعمال البر وقد قال في الحديث الصحيح لا حسد إلا في اثنتين الحديث وأطلق هنا الحسد وأراد به الغبطة فأما حقيقة الحسد فمذموم وهو تمني زوال نعمة المحسود كحسد إبليس لآدم عليه الصلاة و السلام على تفضيل الله له عليه وأما قوله تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله بعضكم على بعض ( المائدة 54 ) فهو تمني ما لا يمكن حصوله مما خص الله غيره به كتمني النساء ما خص الله به الرجال من الإمامة والأذان وجعل الطلاق إليهن وكتمني أحد من هذه الأمة أن يكون نبيا بعدما أخبر الله تعالى أن نبينا خاتم الأنبياء
844 - ح ( دثنا محمد بن يوسف ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( عبد الملك بن عمير ) عن ( وراد كاتب المغيرة بن شعبة ) قال ( أملى علي المغيرة بن شعبة ) في كتاب إلى معاوية إن النبي كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد

(6/132)


مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن يوسف الفريابي الثاني سفيان الثوري الثالث عبد الملك بن عمير بضم العين تقدم في باب أهل العلم أحق بالإمامة الرابع وراد بفتح الواو وتشديد الراء وفي آخره دال مهملة الخامس المغيرة بن شعبة
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه أن رجال إسناده كلهم كوفيون ما خلا محمد بن يوسف وفيه عن وراد وفي رواية معتمر بن سليمان عن سفيان عندالإسماعيلي حدثني وراد
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن موسى عن أبي عوانة وفي الرقاق عن علي بن مسلم وفي القدر عن محمد بن سنان وفي الدعوات عن قتيبة وفي الصلاة وقال الحاكم عن القاسم وأخرجه مسلم في الصلاة عن إسحاق بن إبراهيم وعن أبي بكر وأبي كريب وأحمد بن سنان وعن محمد بن حاتم وعن ابن أبي عمرو عن حامد بن عمرو عن محمد بن المثنى وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن منصور وعن يعقوب بن إبراهيم وفي اليوم والليلة عن محمد بن قدامة وعن الحسن بن إسماعيل
ذكر معناه قوله أملى علي المغيرة وكان المغيرة إذ ذاك أميرا على الكوفة من قبل معاوية وعند أبي داود كتب معاوية إلى المغيرة أي شيء كان رسول الله يقول إذا سلم من الصلاة فكتب إليه المغيرة وعند ابن خزيمة يقول عند انصرافه من الصلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات وعند السراج حدثنا زياد بن أيوب حدثنا محمد بن فضيل عن عثمان بن حكيم سمعت محمد بن كعب القرظي سمعت معاوية يقول سمعت رسول الله يقول في دبر كل صلاة إذا انصرف اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وفي لفظ إن الله لا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر ولا معطي لما منع ولا مانع لما أعطى ولا ينفع ذا الجد منك الجد ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وفي لفظ إنه لا مؤخر لما قدمت ولا مقدم لما أخرت الحديث كله بتاء الخطاب فإن قلت إن معاوية إذا كان قد سمع هذا من رسول الله فكيف يسأل عنه قلت أراد أن يستثبت ذلك وينظر هل رواه غيره أو نسي بعض حروفه أو ما أشبه ذلك كما جرى لجابر بن عبد الله في سؤاله عقبة بن عامر عن حديث سمعه وأراد أن ينظر هل رواه غيره قوله في دبر كل صلاة بضم الدال المهملة وضم الباء الموحدة وسكونها أي عقيب كل صلاة مكتوبة أي فريضة وفي رواية أخرى للبخاري كان يقولها في دبر كل صلاة ولم يقل مكتوبة قوله لا إله إلا الله إلى آخره كلمة توحيد بالإجماع وهي مشتملة على النفي والإثبات فقوله لا إله نفي الألوهية عن غير الله وقوله إلا الله إثبات الألوهية لله تعالى وبهاتين الصفتين صار هذا كلمة التوحيد والشهادة وقد قيل إن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي وأبو حنيفة يقول الاستثناء من النفي ليس بإثبات واستدل بقوله لا نكاح إلا بولي ولا صلاة إلا بطهور فإنه لا يجب تحقق النكاح عند الولي ولا يجب تحقق الصلاة عند الطهور لتوقفه على شرائط أخر وأوردوا عليه بأنه على هذا التقدير لا يكون كلمة التوحيد تاما لأنه يكون المراد منها نفي الألوهية عن غير الله تعالى ولا يلزم منه إثبات الألوهية لله تعالى وهذا ليس بتوحيد والجواب عن هذا أن معظم الكفار كانوا أشركوا وفي عقولهم وجود الإله ثابت فسيق لنفي الغير ثم يلزم منه وجوده تعالى
ثم إعلم أن إلا ههنا بمعنى غير وخبر لا التي لنفي الجنس محذوف تقديره لا إله موجود غير الله ولهذا لم ينتصب إلا الله لأن المستثنى إنما ينتصب إما وجوبا وإما جوازا في مواضع مخصوصة وقد عرف في موضعه وأما إذا كانت إلا للصفة لم يجب النصب فيتبع الموصوف والموصوف ههنا مرفوع وهو موجود فيتبع المستثنى موصوفه قوله وحده نصب على الحال تقديره ينفرد وحده فإن قلت شرط الحال أن تكون نكرة وهذا معرفة قلت لأجل ذلك أول بما ذكرنا وذلك كما في قولهوأرسلها العراك أي أرسل الحمار تعترك العراك قوله لا شريك له تأكيد لقوله وحده لأن المتصف بالوحدانية لا شريك له قوله له الملك بضم الميم بعم وبكسرها يخص فلذلك قيل الملك من الملك بالضم والمالك من الملك بالكسر

(6/133)


وقيل المالك أبلغ في الوصف لأنه يقال مالك الدار ومالك الدابة ولا يقال ملك إلا لملك من الملوك وقيل ملك أبلغ في الوصف لأنك إذا قلت فلان ملك هذه البلدة يكون كناية عن الولاية دون الملك وإذا قلت فلان مالك هذه البلدة كل ذلك عبارة عن الملك الحقيقي وقال قطرب الفرق بينهما أن ملكا الملك من الملوك وأما مالك فهو مالك الملوك وقد فسر الملك في القرآن على معان مختلفة والمعنى ههنا له جميع أصناف المخلوقات قوله وله الحمد أي جميع حمد أهل السموات والأرض وجميع أصناف المحامد التي بالأعيان والأعراض بناء على أن الألف واللام لاستغراق الجنس عندنا ولما كان الله مالك الملك كله استحق أن تكون جميع المحامد له دون غيره فلا يجوز أن يحمد غيره وأما قولهم حمدت فلانا على صنيعه كذا أو حمدت الجوهرة على صفائها فذاك حمد للخالق في الحقيقة لأن حمد المخلوق على فعل أو صفة حمد للخالق في الحقيقةقوله وهو على كل شيء قدير من باب التتميم والتكميل لأن الله تعالى لما كانت الوحدانية له والملك له والحمد له فبالضرورة يكون قادرا على كل شيء وذكره يكون للتتميم والتكميل والقدير إسم من أسماء الله تعالى كالقادر والمقتدر وله القدرة الكاملة الباهرة في السموات والأرض قوله لما أعطيت أي الذي أعطيته وكذلك التقدير في قوله لما منعت أي الذي منعته قوله ولا ينفع ذا الجد الجد بالفتح الغنى كما فسره الحسن البصري على ما يأتي ذكره عن قريب وكذا قال الخطابي ويقال هو الحظ والبخت والعظمة وكلمة من بمعنى البدل كقول الشاعر
فليت لنا من ماء زمزم شربة
مبردة باتت على الطهيان
يريد ليت لنا بدل ماء زمزم والطهيان اسم لبرادة قلت الطهيان بفتح الطاء المهملة والهاء والياء آخر الحروف خشبة يبرد عليها الماء ويروى
فليت لنا من ماء حمنان شربة
و حمنان بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالنونين بينهما ألف اسم موضع وقال الجوهري معنى منك هنا عندك أي لا ينفع ذا الغنى عندك غناه إنما ينفعه العمل الصالح وقال ابن التين الصحيح عندي أنها ليست للبدل ولا بمعنى عند بل هو كما يقول لا ينفعك مني شيء إن أنا أردتك بسوء وقال الزمخشري في ( الفائق ) من فيه كما في قولهم هو من ذاك أي بدل ذاك ومنه قوله تعالى لو نشاء لجعلنا منهم ملائكة ( الزخرف 60 ) أي المحفوظ لا ينفعه حظه بدلك أي بدل طاعتك وقال التوربشتي لا ينفع ذا الغنى منك غناء وإنما ينفعه العمل بطاعتك فمعنى منك عندك وقال ابن هشام من تأتي على خمسة عشر معنى فذكر الأول والثاني والثالث والرابع ثم قال الخامس البدل نحو أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ( التوبة 38 ) لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ( الزخرف 60 ) لأن الملائكة لا تكون من الأنس ثم قال ولا ينفع ذا الجد منك الجد أي ولا ينفع ذا الحظ حظه من الدنيا بدلك أي بدل طاعتك أو بدل حظك أي بدل حظه منك وقيل ضمن ينفع بمعنى يمنع ومتى علقت من بالجد انعكس المعنى وقال ابن دقيق العيد قوله منك يجب أن يتعلق بينفع وينبغي أن يكون ينفع قد ضمن معنى يمنع وما قاربه ولا يجوز أن يتعلق منك بالجد كما يقال حظي منك كثير لأن ذلك نافع ثم الجد بفتح الجيم في جميع الروايات ومعناه الغنى كما ذكرناه وحكى الراغب قيل إن المراد بالجد أب الأب وأب الأم أي لا ينفع أحدا نسبه كقوله تعالى فلا أنساب بينهم ( المؤمنون 101 ) وقال القرطبي حكي عن ابن عمر والشيباني أنه رواه بالكسر وقال معناه لا ينفع ذا الاجتهاد اجتهده وأنكره الطبري وقال القزاز في توجيه إنكاره الاجتهاد في العمل نافع لأن الله قد دعا الخلق إلى ذلك فكيف لا ينفع عنده قال فيحتمل أن يكون المراد الاجتهاد في طلب الدنيا وتضييع أمر الآخرة وقال غيره لعل المراد إنه لا ينفع بمجرده ما لم يقارنه القبول وذلك لا يكون إلا بفضل الله ورحمته وقال النووي المشهور الذي عليه الجمهور فتح الجيم ومعناه لا ينفع ذا الغنى منك غناه أو لا ينجيه حظك منه وإنما ينفعه العمل الصالح
ذكر ما يستفاد منه فيه استحباب هذا الذكر عقيب الصلوات لما اشتمل عليه من ألفاظ التوحيد ونسبة الأفعال إلى الله تعالى والمنع والعطاء وتمام القدرة وروى ابن خزيمة من حديث أبي بكر أن رسول الله كان يقول في دبر الصلوات اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر وروى

(6/134)


أيضا عن عقبة بن عامر قال قال لي رسول الله إقرأ المعوذات في دبر كل صلاة وعند النسائي إقرأ المعوذتين وفي ( كتاب اليوم والليلة ) لأبي نعيم الأصبهاني من قال حين ينصرف من صلاة الغداة قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات أعطي بهن سبع خصال وكتب له عشر حسنات ومحي عنه بهن عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وكن له عدل عشر نسمات وكن له عصمة من الشيطان وحرزا من المكروه ولا يلحقه في يومه ذلك ذنب إلا الشرك بالله ومن قالهن حين ينصرف من صلاة المغرب أعطي مثل ذلك وفي لفظ من قال بعد الفجر ثلاث مرات وبعد العصر أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه كفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وعن أبي أمامة من قرأ آية الكرسي وقل هو الله أحد دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت رواه ابن السني من حديث إسماعيل بن عياش عن داود بن إبراهيم الذهلي عن أبي أمامة وفي ( كتاب عمل اليوم والليلة ) لأبي نعيم الحافظ من حديث القاسم عنه ما يفوت النبي في دبر صلاة مكتوبة ولا تطوع إلا سمعته يقول اللهم إغفر لي خطاياي كلها اللهم إهدني لصالح الأعمال والأخلاق إنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف بسيئها إلا أنت وروى الثعلبي في ( تفسيره ) من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله أوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة و السلام من داوم على قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة أعطيته أجر المتقين وأعمال الصديقين
فائدة قد دارت على ألسن الناس زيادة لفظ في حديث الباب وهو ولا راد لما قضيت وهذه الزيادة في مسند عبد بن حميد من رواية معمر عن عبد الملك بن عمير لكن حذف قوله ولا معطي لما منعت
وقال شعبة عن عبد الملك بهذا
أشار بهذا التعليق إلى أن شعبة أيضا روى الحديث المذكور عن عبد الملك بن عمير كما رواه سفيان عنه ووصله السراج في ( مسنده ) حدثنا معاذ بن المثنى حدثني أبي عن شعبة عن عبد الملك بن عمير قال سمعت ورادا إلى آخره
وقال الحسن الجد غنى
أي الحسن البصري أشار بهذا إلى أن الحسن فسر لفظ جد في الحديث بالغنى قوله جد بالرفع بلا تنوين على سبيل الحكاية وهو مبتدأ وخبره قوله غنى ووصله ابن أبي حاتم من طريق أبي رجاء وعبد بن حميد من طريق سليمان التيمي كلاهما عن الحسن في قوله تعالى وإنه تعالى جد ربنا ( الجن 3 ) قال غنى ربنا ووقع في رواية كريمة قال الحسن الجد غنى وهذا الأثر ليس بموجود في أكثر الروايات
وعن الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن وراد بهذا
هذا التعليق وصله السراج والطبراني وابن حبان عن شعبة قال حدثني الحكم بن عتيبة عن القاسم بن مخيمرة عن وراد إلى آخره كلفظ عبد الملك بن عمير إلا أنهم قالوا فيه إذا قضى صلاته وسلم قال إلى آخره وهذا التعليق وقع هكذا مؤخرا عن أثر الحسن في رواية أبي ذر وفي رواية كريمة بالعكس لأن قوله عن الحكم معطوف على قوله عن عبد الملك وقوله قال الحسن الجد غنى معترض بين المعطوف والمعطوف عليه
156 - باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم
أي هذا باب ترجمة يستقبل الإمام الناس إذا سلم في آخر صلاته
228 - ( حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا أبو رجاء عن سمرة بن جندب قال كان النبي إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه )

(6/135)


مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الإقبال إليهم بوجهه هو الاستقبال إياهم
( ذكر رجاله ) وهم أربعة كلهم قد ذكروا وأبو رجاء بخفة الجيم وبالمد اسمه عمران بن تيم ويقال ابن ملحان العطاردي وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه القول في ثلاثة مواضع
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري مقطعا في الصلاة وفي الجنازة وفي البيوع وفي الجهاد وفي بدء الخلق وفي صلاة الليل وفي الأدب عن موسى بن إسماعيل وفي الصلاة وفي أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي التفسير وفي التعبير عن مؤمل بن هشام عن إسماعيل بن علية وأخرجه مسلم في الرؤيا عن محمد بن بشار عن بندار عن وهب بن جرير عن أبيه به مختصرا كما ها هنا وأخرجه الترمذي فيه عن بندار به مختصرا وقال حسن صحيح وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الأعلى وفي التفسير عن بندار والحكمة في استقبال المأمومين أن يعلمهم ما كانوا يحتاجون إليه كذا قيل ( قلت ) فعلى هذا كان ينبغي أن يفعل هذا من كان حاله مثل حال النبي من قصد التعليم والموعظة وقيل الحكمة فيه تعريف الداخل لأن الصلاة انقضت إذ لو استمر الإمام على حاله لأوهم أنه في التشهد مثلا -
846 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( صالح بن كيسان ) عن ( عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ) عن ( زيد بن خالد الجهني ) أنه قال صلى لنا رسول الله صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالو الله ورسوله أعلم قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب
مطابقته للترجمة في قوله فلما انصرف أقبل على الناس أي فلما انصرف من الصلاة استقبل الناس
ذكر رجاله وهم خمسة قد ذكروا غير مرة وعبيد الله بن عبد الله بتصغير العبد في الابن وتكبيره في الأب
وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه العنعنة في أربعة مواضع غير أن صالح بن كيسان صرح بسماعه له من عبيد الله عند أبي عوانة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الاستسقاء عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك وفي المغازي عن خالد بن مخلد وفي التوحيد عن مسدد مختصرا وأخرجه مسلم في الإيمان عن يحيى بن يحيى عن مالك به وأخرجه أبو داود في الطب عن القعنبي به وأخرجه النسائي في الصلاة وفي اليوم والليلة عن قتيبة وعن محمد بن مسلمة
ذكر معناه قوله صلى لنا أي لأجلنا ويجوز أن تكون اللام بمعنى الباء رضي الله تعالى عنه صلى بنا قوله بالحديبية بضم الحاء المهملة وفتح الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف وكسر الباء الموحدة وفتح الياء آخر الحروف المخففة عند البعض وبتشديدها عند أكثر المحدثين وفي كتاب ( العلل ) لعلي المديني الحجازيون ويخففون الياء والعراقيون من المحدثين يشددونها وقال ابن الأثير الحديبية قرية قريبة من مكة سميت ببئر هناك وهي مخففة وكثير من المحدثين يشددونها قلت الصواب بالتخفيف لأنها تصغير حدباء سميت بشجرة هناك حدباء بعضها في الحل وبعضها في الحرم وهي أبعد أطراف الحرم عن البيت وهي الموضع الذي صد فيه المشركون رسول الله عن زيارة البيت وفي الحديبية كانت بيعة الرضوان تحت الشجرة قال الرشاطي وفي كتاب البخاري قال الليث عن يحيى عن ابن المسيب قال وقعت الفتنة الأولى يعني بقتل عثمان رضي الله تعالى عنه فلم تبق من أصحاب بدر واحدا ثم وقعت الثانية يعني الحرة فلم تبق من أصحاب الحديبية أحدا ثم وقعت الثالثة فلم ترتفع وللناس طباخ قلت الطباخ بفتح الطاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف خاء معجمة وأصل الطباخ القوة والسمن ثم استعمل في غيره فقيل فلان لا طباخ له أي لا عقل له ولا خير عنده والمعنى ههنا أن الفتنة الثالثة لم تبق في الناس

(6/136)


من الصحابة أحدا وكانت غزوة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة بلا خلاف وممن نص على ذلك الزهري ونافع مولى ابن عمر وقتادة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق قوله على إثر سماء بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة على المشهور وروي بأثر سماء بفتح الهمزة وفتح الثاء أيضا وهو ما يكون عقيب الشيء والمراد من السماء المطر وأطلق عليها سماء لكونها تنزل من جهة السماء وكل جهة علو تسمى سماء قوله كانت من الليل كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية المستملي والحموي من الليلة بالإفراد والسماء تذكر وتؤنث إذا لم يرد بها المطر فإن قلت ههنا قد أريد بها المطر فكان ينبغي أن تذكر قلت ذاك على لفظها لا معناها قوله فلما انصرف أي من صلاته قوله هل تدرون استفهام على سبيل التنبيه ووقع عند النسائي في رواية سفيان عن صالح ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة وهذا من الأحاديث القدسية قوله أصبح من عبادي هذه الإضافة فيه تدل على العموم بدليل التقسيم إلى مؤمن وكافر بخلاف مثل الإضافة في قوله إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( الحجر 42 والإسراء 65 ) فإن الإضافة فيه للتشريف قوله مؤمن بي وكافر يحتمل أن يكون المراد من الكفر كفر الشرك بقرينة مقابلته بالإيمان ويقوي هذا ما رواه أحمد من رواية نصر بن عاصم الليثي عن معاوية الليثي مرفوعا يكون الناس مجدبين فينزل الله عليهم رزقا من رزقه فيصبحون مشركين يقولون مطرنا بنوء كذا وعن هذا قال القرطبي معناه الكفر الحقيقي لأنه قابله بالإيمان حقيقة وذاك في حق من اعتقد أن المطر من فعل الكواكب ويحتمل أن يكون المراد به كفر النعمة إذا اعتقد أن الله تعالى هو الذي خلق المطر واخترعه ثم تكلم بهذا القول فهو مخطىء لا كافر وخطؤه من وجهين الأول مخالفته للشرع والثاني تشبهه بأهل الكفر في قولهم وذلك لا يجوز لأنا أمرنا بمخالفتهم فقال خالفوا المشركين وخالفوا اليهود ونهينا عن التشبه بهم وذلك يقتضي الأمر بمخالفتهم في الأفعال والأقوال فلو قال نظير هذا اللفظ الممنوع منه يريد الإخبار عما أجرى الله به سنته جاز كما قال إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة قوله بنوء كذا وكذا النوء بفتح النون وسكون الواو وفي آخره همزة قال الخطابي النوء الكوكب ولذلك سموا نجوم منازل القمر الأنواء وإنما سمي النجم نوأ لأنه ينوء طالعا عند مغيب مقابله ناحية المغرب وقال ابن الصلاح النوء في أصله ليس نفس الكوكب فإنه مصدر ناء النجم إذا سقط وغاب وقيل أي نهض وطلع وقال أبو عبيد الأنواء ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها يسقط منها في كل ثلاث عشرة ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر مقابله في المشرق من ساعته وإنما سمي نوأ لأنه إذا سقط الساقط ناء الطالع وذلك النهوض هو النوء وانقضاء هذه الثمانية والعشرين مع انقضاء السنة وكانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم وطلع آخر يقولون لا بد أن يكون عند ذلك مطر أو ريح فيقولون مطرنا بنوء كذا أي المطر كان من أجل أن الكوكب ناء وأنه هو الذي هاجه وقال ابن الأعرابي الساقطة منها في المغرب هي الأنواء والطالعة منها هي البوارح وقال صاحب ( المطالع ) وقد أجاز العلماء أن يقال مطرنا في نوء كذا ولا يقال بنوء كذا ويحكى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول مطرنا بنوء الله تعالى وفي رواية مطرنا بنوء الفتح ثم يتلو ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ( فاطر 2 ) وفي ( الأنواء الكبير ) لأبي حنيفة الذي عندي في الحديث أن المطر كان من أجل أن الكوكب ناء وأنه هو الذي هاجه وأما من زعم أن الغيث يحصل عند سقوط الثريا فهذا وما أشبهه إنما هو إعلام للأوقات والفصول وليس من وقت ولا زمن إلا وهو معروف بنوع من مرافق العباد يكون فيه دون غيره وقد قال عمر للعباس رضي الله تعالى عنهما وهو يستسقي بالناس يا عم رسول الله كم بقي علينا من نوء الثريا فإن العلماء يزعمون أنها تعترض بالأفق سبعا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه لأمر أخطأ الله نوأها يريد أخطأها الغيث فلو لم يدلك على افتراق المذهبين في ذكر الأنواء إلا هذان الخبران لكفى بهما دليلا قوله مطرنا بنوء كدا وكذا قد عرف أن كذا يرد على ثلاثة أوجه أحدها أن تكون كلمتين باقيتين على أصلهما وهما كاف التشبيه و ذا الإشارية كقولك رأيت زيدا فاضلا ورأيت عمرا كذا ويدخل عليها هاء التنبيه كقوله تعالى هكذا عرشك ( النمل 42 ) الثاني أن تكون كلمة واحدة مركبة من كلمتين مكنيا بها عن غير عدد كما جاء في الحديث أنه يقال للعبد يوم القيامة أتذكر يوم كذا وكذا فعلت كذا وكذا والثالث أن تكون كلمة واحدة مركبة مكنيا بها عن العدد والذي ههنا من هذا القسم وفي حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عند النسائي

(6/137)


مطرنا بنوء المجدح بكسر الميم وسكون الجيم وفتح الدال بعدها حاء مهملة ويقال بضم أوله وهو الدبران بفتح الدال المهملة وفتح الباء الموحدة بعدها راء سمي بذلك لاستدباره الثريا وهو نجم أحمر منير وقال ابن قتيبة كل النجوم المذكورة لها نوء وغير أن بعضها أحمر وأغزر من غيره ونوء الدبران غير محمود عندهم
ذكر ما يستفاد منه فيه طرح الإمام المسألة على أصحابه تنبيها لهم أن يتأملوا ما فيها من الدقة وفيه أن الله تعالى خلق لكل شيء سببا يضاف إليه حكم وفي الحقيقة الفاعل هو الله تعالى القادر على كل شيء وفيه أن الناس في الاعتقاد في هذا الباب على نوعين كما قد بيناه وفيه بيان جلالة قدر النبي حيث أخبر عن الله عز و جل بلا واسطة
847 - حدثنا ( عبد الله ) سمع ( يزيد ) قال أخبرنا ( حميد ) عن ( أنس ) قال أخر رسول الله الصلاة ذات ليلة إلى شطر الليل ثم خرج علينا فلما صلى أقبل علينا بوجهه فقال إن الناس قد صلوا ورقدوا وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة
مطابقته للترجمة في قوله فلما صلى أقبل علينا بوجهه ورجاله قد مضوا فيما مضى وعبد الله بن المنير بضم الميم وكسر النون قد مر في باب الغسل والوضوء في المخضب وفي بعض النسخ منير بدون الألف واللام لأن الاسم إذا كان في الأصل صفة يجوز فيه الوجهان وقد مر هذا الحديث في باب وقت العشاء إلى نصف الليل أخرجه عن عبد الرحيم المحاربي عن زائدة عن حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه قوله ذات ليلة لفظ ذات مقحم أو هو من باب إضافة المسمى إلى اسمه والألف واللام في الناس للعهد على غير الحاضرين في مسجد النبي قوله في صلاة أي في ثوابها قوله ما انتظرتم أي مدة انتظار الصلاة والمعنى أن الرجل إذا انتظر الصلاة فكأنه في نفس الصلاة
157 -
( باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام )
أي هذا باب في بيان مكث الإمام أي تأخره في مصلاه أي في موضعه الذي صلى فيه الفرض بعد السلام أي بعد فراغه من الصلاة بالسلام ثم المكث أعم من أن يكون بذكر أو دعاء أو تعليم علم للجماعة أو لواحد منهم أو صلاة نافلة ولم يبين البخاري حكم هذا المكث هل هو مستحب أو مكروه لأجل الاختلاف بين السلف على ما نبينه إن شاء الله تعالى
848 - وقال لنا آدم حدثنا شعبة عن أيوب عن نافع قال كان ابن عمر يصلي في مكانه الذي صلى في الفريضة
قال الكرماني قال لنا آدم ولم يقل حدثنا آدم لأنه لم يذكره لهم نقلا وتحميلا بل مذاكرة ومحاورة ومرتبته أحط درجة من مرتبة التحديث وقال بعضهم هو محتمل لكنه ليس بمطرد لأني وجدت كثيرا مما قال فيه قال لنا في ( الصحيح ) قد أخرجه في تصانيف أخرى بصيغة حدثنا انتهى قلت الصواب ما ذكره الكرماني أنه من باب المذاكرة وهكذا قال صاحب ( التوضيح ) إنه من باب المذاكرة والكرماني ما ادعى الاطراد فيه حتى يكون هذا محتملا بل الظاهر منه أنه غير موصول ولا مسند ولا يلزم من قوله لأني وجدت كثيرا إلى آخره أن يكون قد أسند أثر ابن عمر هذا في تصنيف آخر غيره بصيغة التحديث ولهذا قال صاحب ( التلويح ) هذا التعليق أسنده ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي سبحته مكانه
وقد اختلف العلماء في هذا الباب فأكثرهم كما نقله ابن بطال عنهم على كراهة مكث الإمام إذا كان إماما راتبا إلا إن يكون مكثه لعلة كما فعله الشارع قال وهو قول الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة كل صلاة يتنفل بعدها يقوم وما لا يتنفل بعدها كالعصر والصبح فهو مخير وهو قول أبي مجلز لاحق بن أبي حميد وقال أبو محمد من المالكية ينتقل في الصلوات كلها ليتحقق المأموم أنه لم يبق عليه شيء من سجود السهو ولا غيره وحكى الشيخ قطب الدين الحلبي في ( شرحه ) هكذا عن محمد بن الحسن وذكره ابن التين أيضا وذكر ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وعائشة

(6/138)


رضي الله تعالى عنهما قالا كان النبي إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام وقال ابن مسعود أيضا كان النبي إذا قضى صلاته انتقل سريعا إما أن يقوم وإما أن ينحرف وقال سعيد بن جبير شرق أو غرب ولا يستقبل القبلة وقال قتادة كان الصديق إذا سلم كان على الرضف حتى ينهض وقال ابن عمر الإمام إذا سلم قام وقال مجاهد قال عمر رضي الله تعالى عنه جلوس الإمام بعد السلام بدعة وذهب جماعة من الفقهاء إلى أن الإمام إذا سلم قام ومن صلى خلفه من المأمومين يجوز لهم القيام قبل قيامه إلا رواية عن الحسن والزهري ذكره عبد الرزاق وقال لا تنصرفوا حتى يقوم الإمام قال الزهري إنما جعل الإمام ليؤتم به وجماعة الناس على خلافهما وروى ابن شاهين في كتاب ( المنسوخ ) من حديث سفيان عن سماك عن جابر كان النبي إذا صلى الغداة لم يبرح من مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء ومن حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس صليت مع النبي فكان ساعة يسلم يقوم ثم صليت مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه كان إذا سلم وثب من مكانه وكأنه يقوم عن رضفة ثم حمل ابن شاهين الأول على صلاة لا يعقبها نافلة والثاني على مقابله
ثم إعلم أن الجمهور على أن الإمام لا يتطوع في مكانه الذي صلى فيه الفريضة وذكر ابن أبي شيبة عن علي رضي الله تعالى عنه لا يتطوع الإمام حتى يتحول من مكان أو يفصل بينهما بكلام وكرهه ابن عمر للإمام ولم ير به بأسا لغيره وعن عبد الله بن عمر ومثله وعن القاسم أن الإمام إذا سلم فواسع أن يتنقل في مكانه قال ابن بطال ولم أجد لغيره من العلماء قلت ذكر ابن التين أنه قول أشهب
وفعله القاسم
أي فعل الصلاة النفل في المكان الذي صلى فيه الفريضة القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن معتمر عن عبيد الله بن عمر قال رأيت القاسم وسالما يصليان الفريضة ثم يتطوعان في مكانهما
ويذكر عن أبي هريرة رفعه لا يتطوع الإمام في مكانه ولم يصح
إنما قال يذكر بصيغة المجهول من المضارع لأنه صيغة التعليق التمريضي قوله رفعه مضاف إلى الفاعل وهو الضمير الراجع إلى أبي هريرة وهو مرفوع بأنه مفعول ما لم يسم فاعله قوله لا يتطوع الإمام جملة في محل النصب لأنها مفعول المصدر المذكور أعني قوله رفعه وذكر أبو داود وابن ماجه هذا بالمعنى فقال أبو داود حدثنا مسدد أخبرنا حماد وعبد الوارث عن ليث عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة قال قال رسول الله أيعجز أحدكم قال عن عبد الوارث أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينة أو عن شماله زاد حماد في الصلاة يعني في السبحة انتهى يعني في التطوع وبهذا استدل أصحابنا أن الرجل لا يتطوع في مكان الفرض واليه ذهب ابن عباس وابن الزبير وأبو سعيد وعطاء والشعبي وقال صاحب المحيط ولا يتطوع في مكان الفرض لقوله أيعجز أحدكم إذا فرغ من صلاته أن يتقدم أو يتأخر بسبحته ولأنه ربما يشتبه حاله على الداخل فيحسب أنه في الفرض فيقتدي به في الفرض وأنه لا يجوز قوله ولم يصح من كلام البخاري أي لم يثبت هذا الحديث لضعف إسناده لأن فيه إبراهيم بن إسماعيل قال أبو حاتم هو مجهول وتفرد به ليث بن أبي سليم وهو ضعيف واختلف عليه فيه ولكن أبا داود لما رواه سكت عنه وسكوته دليل رضاه به وفي ( صحيح مسلم ) ما يشده وهو أن معاوية رضي الله تعالى عنه رأى السائب بن يزيد ابن أخت نمر صلى بعد الجمعة في المقصورة قال فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت فأرسل إلي لا تعد لما فعلت إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج فإن رسول الله أمرنا بذلك
849 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( إبراهيم بن سعد ) قال حدثنا ( الزهري ) عن ( هند بنت الحارث ) عن أم ( سلمة ) أن النبي كان إذا سلم يمكث في مكانه يسيرا قال ابن شهاب

(6/139)


فنرى والله أعلم لكي ينفذ من ينصرف من النساء
مطابقته للترجمة ظاهرة وهي في قوله كان إذا سلم يمكث في مكانه يسيرا
ذكر رجاله وهم قد ذكروا غير مرة والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وهند بنت الحارث بالثاء المثلثة تقدمت في باب التسليم وقبله في باب العلم والعظة بالليل والحديث أيضا مضى في باب التسليم قوله قال ابن شهاب هو الزهري وهو موصول بالإسناد المذكور قوله فنرى بضم النون أي نظن أن مكثه في مكانه كان لأجل أن ينفد النساء المنصرفات من الصلاة إلى مساكنهن
850 - وقال ( ابن أبي مريم ) أخبرنا نافع بن يزيد قال أخبرني ( جعفر بن ربيعة ) أن ( شهاب كتب إليه ) قال ( حدثتني هند بنت الحارث الفراسية ) عن أم ( سلمة ) زوج النبي وكانت من صواحباتها قالت كان يسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن قبل أن من ينصرف رسول الله
هذا طريق آخر في الحديث المذكور وهو معلق وصله محمد بن يحيى الذهلي في ( الزهريات ) قال حدثنا سعيد بن أبي مريم فذكره إلى آخره قوله الفراسية بكسر الفاء وتخفيف الراء وكسر السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف نسبة إلى بني فراس وهم بطن من كنانة وفراس هو ابن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة قال ابن دريد فراس مشتق من الفرس وهو دق العنق وهذا كما رأيت ذكرها البخاري في الطريق الأول الموصول بلا نسبة حيث قال عن هند بنت الحارث عن أم سلمة وهنا الذي هو الطريق الثاني المعلق ذكرها بنسبتها إلى بني فراس وذكرها في الطريق الثالث عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب كذلك الفراسية وذكرها في الطريق الرابع عن عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري القرشية في بعض الروايات وفي أخرى الفراسية وذكرها في الطريق الخامس عن الزبيدي عن الزهري الفراسية وفي بعضها القرشية مع زيادة ذكر في وصفها على ما يأتي وذكرها في الطريق السادس عن شعيب عن الزهري القرشية وقد ذكرها الفراسية في الطريق السابع عن ابن أبي عتيق عن الزهري وذكرها في الطريق الثامن عن الليث عن يحيى بن سعيد عن ابن شهاب عن امرأة من قريش وأشار البخاري بهذا إلى بيان الاختلاف في نسبة هند بنت الحارث المذكورة والحاصل أن منهم من قال الفراسية ومنهم من قال القرشية والتوفيق بينهما من حيث قال إن كنانة جماع قريش فلا مغايرة بين النسبتين ومن قال إن جماع قريش فهر بن مالك فيحمل على أن اجتماع النسبتين لهند يكون إحداهما بطريق الأصالة والأخرى بطريق المحالفة وقال الداودي وليس هذا الاختلاف بمانع من أن تكون فراسية من بني فراس ثم من بني فارس ثم من بني قريش فنسبت مرة إلى أب من آبائها ومرة إلى أب آخر ومرة إلى غيره من آبائها كما يقال في جابر بن عبد الله السلمي والأنصاري وسعد بن ساعدة الساعدي والأنصاري واعترض ابن التين على قول الداودي ثم من بني فارس وقال ما علمت له وجها لأن فارس أعجمي وفراس وقريش عرب وليس في البخاري ذكر فارس ثم ذكر عن أبي عمر أنه قال جعلت قرشية لما حالفها زوجها قوله من صواحباتها الصواحبات جمع صواحب وهو جمع الجمع وليس بجمع صاحبة كما قال بعضهم قوله كان يسلم أي النبي
وقال ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرتني هند الفراسية

(6/140)


هذا التعليق وصله النسائي عن محمد بن سلمة عن عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد إلى آخره ولفظه أن النساء كن إذا سلمن قمن وثبت رسول الله ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله قام الرجال
وقال عثمان بن عمر أخبرنا يونس عن الزهري حدثتني هند الفراسية
هذا التعليق وصله البخاري في باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس وهو الباب الخامس بعد هذا الباب رواه عن عبد الله بن محمد عن عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري إلى آخره ففي رواية ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرتني وفي رواية عثمان عن يونس عن الزهري حدثتني وقد ذكرنا الفرق بين اللفظين مستقصى في أوائل الكتاب
وقال الزبيدي أخبرني الزهري أن هند بنت الحارث القرشية أخبرته وكانت تحت معبد بن المقداد وهو حليف بني زهرة وكانت تدخل على أزواج النبي
الزبيدي بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف نسبة إلى زبيد وهو منبه بن صعب وهو زبيد الأكبر وإليه ترجع قبائل زبيد ومن ولده منبه بن ربيعة وهو زبيد الأصغر منهم محمد بن الوليد الزبيدي هذا وهو صاحب الزهري وهذا التعليق وصله الطبراني في ( مسند الشاميين ) من طريق عبد الله بن سالم عنه وفيه أن النساء كن يشهدن الصلاة مع رسول الله فإذا سلم قام النساء فانصرفن إلى بيوتهن قبل أن يقوم الرجال قوله معبد بن المقداد معبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة وفي آخره دال مهملة والمقداد بكسر الميم ابن الأسود الصحابي قوله وهو حليف أي معبد هو حليف لبني زهرة وكان المقداد حليفا لكندة
وقال شعيب عن الزهري حدثتني هند القرشية
شعيب هو ابن أبي حمزة وهذا التعليق وصله محمد بن يحي في ( الزهريات )
وقال ابن عتيق عن الزهري عن هند الفراسية
عتيق بفتح العين المهملة هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيقة وهذا التعليق أيضا موصول في ( الزهريات ) وههنا يروي الزهري بالعنعنة
وقال الليث حدثني يحيى بن سعيد حدثه عن ابن شهاب عن امرأة من قريش حدثته عن النبي
هذا غير موصول لأن هند بنت الحارث تابعية وليست بصحابية وفيه رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن ابن شهاب من رواية الأقران قوله عن امرأة هي هند بنت الحارث وفي رواية الكشميهني أن امرأة من قريش
158 -
( باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم )
أي هذا باب ترجمته من صلى بالناس إلى آخره أشار بهذه الترجمة إلى أن المراد من المكث في المصلى بعد السلام في الباب الذي قبله إنما هو إذا لم تكن حاجة تدعو إلى القيام عقيب السلام على الفور وأما إذا كانت حاجة تدعو إلى القيام من غير مكث يترك المكث كما فعل النبي في حديث هذا الباب
851 - حدثنا ( محمد بن عبيد ) قال حدثنا ( عيسى بن يونس ) عن ( عمر بن سعيد ) قال أخبرني ( ابن أبي مليكة ) عن ( عقبة ) قال صليت وراء النبي بالمدينة العصر فسلم ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ففزع الناس من سرعته فخرج عليهم فرأى أنهم عجبوا من سرعته فقال ذكرت شيئا من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته
مطابقته للترجمة في قوله فتخطى رقاب الناس
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن عبيد بضم العين

(6/141)


ابن ميمون وهو المشهور بمحمد بن أبي عباد بفتح العين المهملة القرشي الثاني عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي أحد الأعلام كان يحج سنة ويغزو سنة مات سنة سبع وثمانين ومائة بالحدث بفتح الحاء والدال المهملتين وفي آخره ثاء مثلثة وهي ثغر بناحية الشام قلت هو بلدة بالقرب من مرعش الثالث عمر بن سعيد بن أبي حسين المكي الرابع عبد الله بن أبي مليكة الخامس عقبة بن الحارث النوفلي وهو أبو سروعة بكسر السين وفتحها ويقال بالفتح وضم الراء أسلم قبل يوم الفتح وهو الذي تولى قتل خبيب
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار كذلك في موضع واحد وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخ البخاري من أفراده وفيه ابن أبي مليكة عن عقبة وفي رواية للبخاري في الزكاة من رواية أبي عاصم عن عمر بن سعيد أن عقبة بن الحارث حدثه وفيه أن رواته ما بين كوفي ومكي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الزكاة وفي الاستئذان عن أبي عاصم النبيل وفي الصلاة أيضا عن إسحاق بن منصور وأخرجه النسائي في الصلاة عن أحمد بن بكار الحراني
ذكر معناه قوله فسلم ثم قام هكذا هو في رواية الكشميهني وفي رواية غيره فسلم فقام قوله مسرعا نصب على الحال قوله فتخطى أي فتجاوز يقال تخطيت رقاب الناس إذا تجاوزت عليهم ولا يقال تخطأت بالهمزة قوله ففزع الناس بكسر الزاي أي خافوا وكانت تلك عادتهم إذا رأوا منه غير ما يعهدون خشية أن ينزل فيهم شيء يسوؤهم قوله ذكرت شيئا من تبر في رواية روح عن عمر بن سعيد في أواخر الصلاة ذكرت وأنا في الصلاة وفي رواية أبي عاصم تبرا من الصدقة والتبر بكسر التاء المثناة من فوق وسكون الباء الموحدة ما كان من الذهب غير مضروب وقال ابن دريد التبر هو الذهب كله وقيل هو من الذهب والفضة وجميع جواهر الأرض ما استخرج من المعدن قبل أن يصاغ ويستعمل وقيل هو الذهب المكسور ذكره ابن سيده وفي كتاب ( الاشتقاق ) لأبي بكر بن السراج أملى علينا ثعلب عن الفراء عن الكسائي فقال هذا تبر للذهب المكسور والفضة المكسورة ولكل ما كان مكسورا من الصفر والنحاس والحديد وإنما سمي ذهب المعدن تبرا لأنه هناك بمنزلة التبرة وهي عروق تكون بين ظهري الأرض مثل النورة وفيها صلابة وزعم أصحاب المعدن أن الذهب في المعدن بهذه المنزلة كذا حكي عن الأصمعي والمبرد وقال القزاز وقيل يسمى تبرا من التبير وهو الهلاك والتبار فكأنه قيل له ذلك لافتراقه في أيدي الناس وتبديده عندهم وقيل سمي بذلك لأن صاحبه يلحقه من التغرير ما يوجب هلاكه وقيل هو فعل من التبار وهو الهلاك وفي ( الصحاح ) لا يقال تبر إلا للذهب وبعضهم يقول للفضة أيضا قوله يحبسني أي يشغلني التفكر فيه عن التوجه والإقبال على الله تعالى قوله فأمرت بقسمته في رواية أبي عاصم فقسمته
ذكر ما يستفاد منه فيه إباحة التخطي رقاب الناس من أجل الضرورة التي لا غنى للناس عنها كرعاف وحرقة بول أو غائط وما أشبه ذلك وفيه السرعة للحاجة المهمة وفيه أن التفكر في الصلاة في أمر لا يتعلق بها لا يفسدها ولا ينقص من كمالها وفيه جواز الاستنابة مع القدرة على المباشرة وفيه أن من حبس صدقة المسلمين من وصية أو زكاة أو شبههما يخاف عليه أن يحبس في القيامة لقوله فكرهت أن يحبسني يعني في الآخرة ومنه قال ابن بطال إن تأخير الصدقة يحبس صاحبها يوم القيامة وفيه أنه كان لا يملك شيئا من الأموال غير الرباع قاله الداودي
159 -
( باب الإنفتال والإنصراف عن اليمين والشمال )
أي هذا باب في بيان حكم الانفتال في آخر الصلاة وهو أنه إذا فرغ من الصلاة ينفتل عن يمينة إن شاء أو عن شماله ولا يتقيد بواحد منهما كما دل عليه أثر أنس رضي الله تعالى عنه يقال فتلت الرجل عن وجهه فانفتل أي صرفته فانصرف فقال الجوهري هو قلب لفت وقال صرفت الرجل عني فانصرف والذي يفهم من الاستعمال أن الانصراف أعم من الانفتال

(6/142)


لأن في الانفتال لا بد من لفتة بخلاف الانصراف فإنه يكون بلفتة وبغيرها والألف واللام في اليمين والشمال عوض عن المضاف إليه أي عن يمين المصلي وعن شماله
وكان أنس ينفتل عن يمينه وعن يساره ويعيب على من يتوخى أو من يعمد الانفتال عن يمينه
مطابقته للترجمة ظاهرة وهو تعليق وصله مسدد في ( مسنده الكبير ) من طريق سعيد عن قتادة قال كان أنس رضي الله تعالى عنه فذكره وقال فيه ويعيب على من يتوخى ذلك أن لا ينفتل إلا عن يمينه ويقول يدور كما يدور الحمار ويدل عليه ما رواه ابن ماجه بسند صحيح عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده رأيت رسول الله ينفتل عن يمينه وعن يساره في الصلاة وكذلك ما رواه ابن حبان في ( صحيحه ) من حديث قبيصة بن هلب عن أبيه قال أما رسول الله فكان ينصرف عن جانبيه جميعا وأخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال صح الأمران عن رسول الله ولفظ أبي داود حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب رجل من طي عن أبيه أنه صلى مع النبي فكان ينصرف مع شقيه يعني مع جانبي يعني تارة عن يمينه وتارة عن شماله ولفظ الترمذي حدثنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال كان رسول الله يؤمنا فينصرف على جانبيه على يمينه وشماله وقال حديث حسن وعليه العمل عند أهل العلم أنه ينصرف على أي جانبيه شاء إن شاء عن يمينه وإن شاء عن يساره ويروى عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن يمينه وإن كانت حاجته عن يساره أخذ عن يساره وهلب بضم الهاء وسكون اللام وقيل الصواب فيه فتح الهاء وكسر اللام وذكر بعضهم فيه ضم الهاء وفتحها وكسرها واسمه يزيد بن عدي بن قنافة ويقال يزيد بن علي بن قنافة وفد على رسول الله وهو أقرع فمسح رأسه فنبت شعره فسمي هلبا فإن قلت روى مسلم عن أنس من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال سألت أنسا كيف انصرف إذا صليت أعن يميني أو عن يساري قال أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله ينصرف عن يمينه فهذا ظاهره يخالف أثر أنس المذكور قلت لا نسلم ذلك لأنه لا يدل على منع الانصراف عن الشمال أيضا غاية ما في الباب أنه يدل على أن أكثر انصرافه كان عن يمينه وعيب أنس رضي الله تعالى عنه كان على من يتوخى ذلك أي يقصد ويتحرى ذلك فكأنه يرى تحتمه ووجوبه وأما إذا لم يتوخ ذلك فيستوي فيه الأمران ولكن جهة اليمين تكون أولى قوله يتوخى بتشديد الخاء المعجمة قوله أو يعمد شك من الراوي
852 - حدثنا ( أبو الوليد ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( سليمان ) عن ( عمارة بن عمير ) عن ( الأسود ) قال قال ( عبد الله ) لا يجعلن أحدكم للشيطان شيئا من صلاته يرى أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه لقد رأيت النبي كثيرا ينصرف عن يساره ( الحديث رقم ( 853 ) في صفحة 147 )
مطابقته للترجمة من حيث أنه يدل على جواز الانصراف عقيب السلام من الصلاة من الجانبين أما من جانب اليسار فصريح في ذلك وأما من جانب اليمين فبقوله لا يجعلن أحدكم إلى آخره
ذكر رجاله وهم ستة أبو الوليد هشام ابن عبد الملك وشعبة بن الحجاج وسليمان الأعمش وعمارة بضم العين وتخفيف الميم ابن عمير مصغر عمرو والأسود بن يزيد النخعي وعبد الله بن مسعود
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع والإخبار كذلك في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في ثلاثة مواضع رضي الله تعالى عنه عن عمارة وفي رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عن الأعمش سمعت عمارة بن عمير وفيه ثلاثة من التابعين وهم سليمان وعمارة والأسود كلهم كوفيون وشعبة واسطي وأبو الوليد شيخ البخاري بصري
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن إسحاق بن إبراهيم وعن علي بن خشرم وأخرجه أبو داود في الصلاة أيضا عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن علي وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد عن وكيع وعن أبي بكر بن خلاد

(6/143)


ذكر معناه قوله لا يجعلن بنون التأكيد في رواية الكشميهني وفي رواية غيره لا يجعل بدون النون قوله شيئا من صلاته وفي رواية مسلم جزءا من صلاته قوله يرى بفتح الياء آخر الحروف بمعنى يعتقد أو يرى بضم الياء بمعنى يظن ووجه ارتباط هذه الجملة بما قبلها هو إما أن يكون بيانا للجعل أو يكون استئنافا تقديره كيف يجعل للشيطان من صلاته فقال يرى أن حقا عليه إلى آخره قوله حقا منصوب لأنه اسم أن قوله أن لا ينصرف في محل الرفع على أنه خبر أن والمعنى يرى أن واجبا عليه عدم الانصراف إلا عن يمينه والكرماني تكلف ههنا فقال أن لا ينصرف معرفة إذ تقديره عدم الانصراف فكيف وقع خبرا لأن واسمه نكرة ثم أجاب بأن النكرة المخصوصة كالمعرفة أو أنه من باب القلب أي يرى أن عدم الانصراف حق عليه انتهى قلت هذا تعسف وظاهر الإعراب هو الذي ذكرته وقال الكرماني وفي بعض الروايات أن بغير التشديد فهي إما مخففة من الثقيلة وحقا مفعول مطلق وفعله محذوف أي قد حق حقا وأن لا ينصرف فاعل الفعل المقدر وإما مصدرية قلت لم تصح رواية التخفيف حتى يوجه بهذا التوجيه قوله كثيرا ينصرف عن يساره انتصاب كثير على أنه صفة لصدر رأيت محذوفا وقوله ينصرف جملة حالية وفي رواية مسلم أكثر ما رأيت رسول الله ينصرف عن شماله فإن قلت روى مسلم عن أنس أنه قال أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله ينصرف عن يمينه وبينهما تعارض لأن كلا منهما قد عبر بصيغة أفعل قلت قال النووي يجمع بينهما بأنه كان يفعل تارة هذا وتارة هذا فأخبر كل منهما بما اعتقد أنه الأكثر وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين وقد مر الكلام في حكم هذا الباب عن قريب مستقصى
160 -
( باب ما جاء في الثوم النيء والبصعل والكراث وقول النبي من أكل الثوم أو البصل من الجوع أو غيره فلا يقربن مسجدنا )
أي هذا باب في بيان ما جاء في أكل الثوم النيء وأكل البصل والكراث الثوم بضم الثاء المثلثة وقوله النىء بالجر صفته أي غير النضيج هو بكسر النون بعدها ياء آخر الحروف ثم همزة وقد تدغم الياء قوله والبصل أي وما جاء في البصل قوله والكراث أي وما جاء في الكراث وهو بضم الكاف وتشديد الراء قوله وقول النبي بالجر عطفا على قوله ما جاء أي وما جاء في قول النبي من أكل البصل إلى آخره وهذا أيضا من جملة الترجمة وليس لفظ الحديث هكذا بل هذا من تصرف البخاري وتجويزه نقل الحديث بالمعنى فإن قلت ليس في أحاديث الباب ذكر الكراث فلم ذكره في الترجمة قلت قال بعضهم كأنه أشار به إلى ما وقع في بعض طرق حديث جابر وهذا أولى من قول بعضهم إنه قاسه على البصل انتهى قلت روى مسلم في ( صحيحه ) من حديث جابر قال نهى النبي عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منه فقال النبي من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا وفي ( مسند الحميدي ) بإسناد على شرط الصحيح سئل جابر عن الثوم فقال ما كان بأرضنا يومئذ ثوم إنما الذي نهى رسول الله عنه البصل والكراث وفي ( مسند السراج ) نهى رسول الله عن أكل الكراث فلم ينتهوا ثم لم يجدوا بدا من أكلها فوجد ريحها فقال ألم أنهكم الحديث فالكراث إن لم يذكر صريحا في أحاديث الباب فيمكن أن نقول إنه مذكور دلالة فإن حديث جابر الذي يأتي فيه وأن النبي أتى بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحا الحديث يدل على أن من جملة الخضرات التي لها ريح هو الكراث وهو أيضا من البقول فحينئذ تقع المطابقة بينه وبين قوله في الترجمة والكراث ووجود التطابق بين التراجم والأحاديث لا يلزم أن يكون صريحا دائما يظهر ذلك بالتأمل وهذا التوجيه أقرب من قول هذا القائل كأنه أشار به إلى ما وقع في بعض طرق حديث جابر رضي الله تعالى عنه وقوله هذا أولى من قول بعضهم أنه قاسه على البصل أراد به صاحب ( التوضيح ) فإنه قاله هكذا وهذا أبعد من الذي قاله فإن قلت قوله من الجوع لم يذكر صريحا في أحاديث الباب قلت لم يقع هذا إلا في كلام الصحابي وهو في حديث جابر الذي ذكرناه الآن وفيه فغلبتنا الحاجة ومن جملة الحاجة الجوع وأصرح منه ما وقع في حديث أبي سعيد لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا في هذه البقلة والناس

(6/144)


جياع الحديث رواه البيهقي وزعم أنه عند مسلم قوله أو غيره أي أو غير الجوع مثل الأكل بالتشهي والتأدم بالخبز
854 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( أبو عاصم ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) قال أخبرني ( عطاء ) قال سمعت ( جابر بن عبد الله ) قال قال النبي من أكل من هاذه الشجرة يريد الثوم فلا يغشانا في مساجدنا قلت ما يعني به قال ما أراه يعني إلا نيئه وقال مخلد بن يزيد عن ابن جريج إلا نتنه
مطابقته للترجمة في قوله ما جاء في الثوم
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر ابن اليمان أبو جعفر الجعفي البخاري المعروف بالمسندي وإنما عرف به لأنه كان وقت الطلب يتتبع الأحاديث المسندة ولا يرغب في المقاطيع والمراسيل مات في ذي القعدة سنة تسع وعشرين ومائتين الثاني أبو عاصم النبيل واسمه الضحاك بن مخلد الثالث عبد الملك بن جريج الرابع عطاء ابن أبي رباح الخامس جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وفيه الإخبار بصيغة الجمع أيضا في موضعين وبصيغة الإفراد من الماضي في موضع وفيه السماع وفيه القول في خمسة مواضع وفيه أن رواته ما بين بخاري وبصري ومكي وفيه أن شيخه المسندي من أفراده وفيه أن أبا عاصم أيضا شيخه فإنه روى عنه بواسطة ويروي عنه أيضا بلا واسطة
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن محمد بن حاتم وعن إسحاق بن إبراهيم وعن محمد ابن رافع وأخرجه الترمذي في الأطعمة عن إسحاق بن منصور وأخرجه النسائي في الصلاة وفي الوليمة عن إسحاق بن منصور به وعن محمد بن عبد الأعلى ولما روى الترمذي حديث جابر هذا قال وفي الباب عن عمرو أبي أيوب وأبي هريرة وأبي سعيد وجابر بن سمرة وقرة وابن عمر رضي الله تعالى عنهم قلت وفي الباب أيضا عن حذيفة وأبي ثعلبة الخشني والمغيرة بن شعبة وعلي وأنس وعبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنهم فحديث عمر عند مسلم وغيره وحديث أبي أيوب عند الترمذي وحديث أبي هريرة عند مسلم وحديث أبي سعيد عن مسلم أيضا وحديث جابر بن سمرة عند الترمذي وحديث قرة عند البيهقي وحديث ابن عمر عند البخاري ومسلم وحديث حذيفة عند ابن حبان وحديث أبي ثعلبة عند الطبراني في ( الأوسط ) وحديث المغيرة عند الترمذي وحديث علي رضي الله تعالى عنه عند أبي نعيم في ( الحلية ) وحديث أنس عند البخاري وغيره وحديث عبد الله بن زيد عند الطبراني
ذكر معناه قوله من هذه الشجرة الشجرة واحدة الشجر والشجر النبات الذي له ساق والنجم النبات الذي ينجم في الأرض لا ساق له كالبقول ويقال عند العرب كل شيء ينبت له أرومة في الأرض يخلف ما قطع من ظاهرها فهو شجر وما ليس لها أرومة تبقى فهو نجم والأرومة الأصل فإن قلت على ما ذكر كيف أطلق الشجر على الثوم ونحوه قلت قد يطلق كل منهما على الآخر وتكلم أفصح الفصحاء به من أقوى الدلائل وقال الخطابي فيه إنه جعل الثوم من جملة الشجر والعامة إنما يسمون الشجر ما كان له ساق يحمل أغصانه دون ما يسقط على الأرض قوله فلا يغشانا من الغشيان وهو المجيء والإتيان أي فلا يأتنا وإنما أثبتت الألف لأن الأصل فلا يغشنا كما هو في رواية كذا لأنه أجرى المعتل مجرى الصحيح كما في قول الشاعر
( إذا العجوز غضبت فطلق
ولا ترضاها ولا تملق )
وإما أن تكون الألف مولدة من إشباع الفتحة بعد سقوط الألف الأصلية بالجزم قوله في مسجدنا وفي رواية الكشميهني وأبي الوقت في مساجدنا بصيغة الجمع قوله قلت ما يعني به أي ما يقصد القائل هو عطاء ابن أبي رباح يعني قال عطاء قلت لجابر رضي الله تعالى عنه ما يعني رسول الله به أي بالثوم أنضيجا أم نيا قال جابر

(6/145)


ما أراه بضم الهمزة أي ما أظنه يعني أي يقصد نيه أي ني الثوم وقال بعضهم وأظن السائل ابن جريج والمسؤول عطاء قلت الذي قلنا هو الأقرب والأوجه على ما لا يخفى وبه جزم الكرماني
قوله قال مخلد بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ابن يزيد من الزيادة أبو الحسن الحراني مات سنة ثلاث وتسعين ومائة قوله عن ابن جريج يعني يروي عن عبد الملك بن جريج إلا نتنه بفتح النونين بينهما تاء مثناة من فوق ساكنة يعني قال بدل نيه نتنه وهو الرائحة الكريهة وهذا التعليق يخالف ما رواه جماعة عن ابن جريج فإن أبا عوانة رواه في ( صحيحه ) من طريق روح ابن عبادة عن ابن جريج كما رواه أبو عاصم عن ابن جريج وكذلك رواه عبد الرزاق عن ابن جريج نحوه وكذلك رواه أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريق ابن أبي عدي عن ابن جريج فلفظ الكل النيء لا النتن
ذكر ما يستفاد منه فيه كراهة أكل الثوم النىء ولا يحرم أما الكراهة فلرائحته الكريهة ولهذا قال من أكل من هذه الشجرة فلا يغشانا في مسجدنا وأما عدم الحرمة فلقوله في حديث جابر الذي يأتي في هذا الباب كل فإني أناجي من لا تناجي وقال ابن بطال قوله من أكل يدل على إباحة أكل الثوملأنه لفظ يدل على الإباحة وتعقب بأن هذه الصيغة إنما تعطي الوجود لا الحكم لأن معناه من وجد منه الأكل وهو أعم من كونه مباحا أو غير مباح قلت فلا حاجة إلى الاستدلال على الإباحة بهذه الطريقة فإن حديث جابر يدل على إباحته صريحا وكذلك حديث أبي أيوب رواه الترمذي حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود أنبأنا شعبة عن سماك بن حرب سمع جابر بن سمرة يقول نزل رسول الله على أبي أيوب وكان إذا أكل طعاما بعث إليه بفضله فبعث إليه يوما بطعام ولم يأكل منه النبي فلما أتى أبو أيوب النبي فذكر ذلك له فقال النبي فيه الثوم فقال يا رسول الله أحرام هو قال لا ولكني أكرهه من أجل ريحه وقال الترمذي أيضا حدثنا محمد بن حميد حدثنا زيد بن الخباب عن أبي خلدة عن أبي العالية قال الثوم من طيبات الرزق وأبو خلدة اسمه خالد بن دينار وهو ثقة عند أهل الحديث وقد أدرك أنس بن مالك وسمع منه وأبو العالية اسمه رفيع وهو الرباحي وهو الذي ذكرنا أكله في الثوم النىء لأجل رائحته وأما الثوم المطبوخ منه فلا يكره لما روى أبو داود حدثنا مسدد قال حدثنا الجراح أبو وكيع عن أبي إسحاق عن شريك عن علي رضي الله تعالى عنه قال نهى عن أكل الثوم إلا مطبوخا وروى أيضا عن حديث معاوية بن قرة عن أبيه أن النبي نهى عن هاتين الشجرتين وقال من أكلهما فلا يقربن مسجدنا وقال إن كنتم لا بد آكليهما فأميتوهما طبخا ثم إن حديث الباب في الثوم فقط وسيجيء حديث جابر رضي الله تعالى عنه في هذا الباب أن البصل مثل الثوم وأن الخضرات من البقول التي لها رائحة كذلك ويدخل فيه الكراث والفجل أيضا ونص على الفجل في ( المعجم الصغير ) للطبراني وذكره مع الثوم والكراث ونقل ابن التين عن مالك قال الفجل إن كان يظهر ريحه فهو كالثوم وقيده عياض بالجشاء وفي ( التوضيح ) وشذ أهل الظاهر فحرموا هذه الأشياء لإفضائها إلى ترك الجماعة وهي عندهم فرض عين وتقريره أن يقال صلاة الجماعة فرض عين ولا يتم إلا بترك أكلها وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فترك أكلها واجب فتكون حراما قلت صرح ابن حزم منهم بأن أكلها حلال مع قوله بأن الجماعة فرض عين وفيه ترك الإتيان إلى المسجد عند أكل الثوم ونحوه وهو بعمومه يتناول المجامع كمصلى العيد والجنازة ومكان الوليمة وحكم رحبة المسجد حكمه لأنها منه وخص القاضي عياض الكراهة بما إذا كان معهم غيرهم أما إذا كان كلهم أكلوه فلا ولكن ينبغي احترام الملائكة وليس المراد بالملائكة الحفظة قلت العلة أذى الملائكة وأذى المسلمين فيختص النهي بالمساجد وما في معناها ولا يختص بمسجده بل المساجد كلها سواء عملا برواية مساجدنا بالجمع وشذ من خصه بمسجده ويلحق بما نص عليه في الحديث كل ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها وإنما خص الثوم هنا بالذكر وفي غيره أيضا بالبصل والكراث لكثرة أكلهم بها وكذلك ألحق بذلك بعضهم من بفيه بخرأو به جرح له رائحة وكذلك القصاب والسماك والمجذوم والأبرص أولى بالإلحاق وصرح بالمجذوم ابن بطال ونقل عن سحنون لا أرى الجمعة عليه واحتج بالحديث وألحق بالحديث كل من آذى الناس بلسانه في المسجد وبه أفتى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وهو أصل في نفي كل ما يتأذى به ولا يبعد أن يعذر من كان معذورا بأكل ما له ريح كريهة لما روى

(6/146)


ابن حبان في ( صحيحه ) عن المغيرة بن شعبة انتهيت إلى رسول الله فوجد مني ريح الثوم فقال من أكل الثوم قال فأخذت يده فأدخلتها فوجد صدري معصوبا فقال إن لك عذرا وفي رواية الطبراني في ( الأوسط ) اشتكيت صدري فأكلته وفيه فلم يعنفه
855 - حدثنا ( سعيد بن عفير ) قال حدثنا ( ابن وهب ) عن ( يونس ) عن ( ابن شهاب زعم عطاء ) أن ( جابر بن عبد الله ) زعم أن النبي قال من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو قال فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته وأن النبي أتي بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحا فسأل فأخبر بما فيها من البقول فقال قربوها إلى بعض أصحابه كان معه فلما رآه كره أكلها قال كل فإني أناجي من لا تناجي
مطابقته للترجمة في الثوم والبصل
ذكر رجاله وهم ستة سعيد هو ابن كثير بن عفير أبو عثمان المصري وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ويونس بن يزيد وابن شهاب هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وعطاء ابن أبي رباح
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه زعم في موضعين قال الخطابي لم يقل زعم على وجه التهمة لكنه لما كان أمرا مختلفا فيه أتى بلفظ زعم لأن هذا اللفظ لا يكاد يستعمل إلا في أمر يرتاب فيه أو يختلف فيه وقال الكرماني زعم أي قال لأن الزعم يستعمل للقول المحقق وفي رواية الأصيلي عن عطاء وفي رواية لمسلم من وجه آخر عن ابن وهب حدثني عطاء وفي رواية أحمد بن صالح الآتية عن جابر لم يقل زعم قلت دلت هذه الروايات أن زعم ههنا بمعنى قال كما ذكره الكرماني وفيه أن الإثنين الأولين من الرواة مصريان والثالث والرابع مدنيان والخامس مكي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الاعتصام عن علي بن عبد الله وعن أحمد بن صالح وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي الطاهر وحرملة بن يحيى وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن أحمد بن صالح وأخرجه النسائي في الوليمة عن يونس بن عبد الأعلى
ذكر معناه قوله أو قال فليعتزل مسجدنا شك من الراوي وهو الزهري ولم تختلف الرواة عنه في ذلك قوله وليقعد بواو العطف وفي رواية أبي ذر أو ليقعد بالشك وهو أخص من الاعتزال لأنه أعم من أن يكون في البيت أو غيره قوله وأن النبي عطف على الإسناد المذكور والتقدير وحدثنا سعيد بن عفير بإسناده أن النبي فيكون هذا حديثا آخر وقال بعضهم وقد تردد البخاري فيه هل موصول أو مرسل قلت على التقدير الذي ذكرنا لا تردد فيه أنه موصول لأن المعطوف في حكم المعطوف عليه قوله أتي بقدر بكسر القاف وهو القدر الذي يطبخ فيه الطعام ويجوز فيه التذكير والتأنيث وقال

(6/147)


بعضهم والتأنيث أشهر لكن الضمير في قوله فيه خضرات يعود إلى الطعام الذي في القدر فالتقدير أتي بقدر من طعام فيه خضرات ولهذا لما أعاد الضمير على القدر أعاده بالتأنيث حيث قال فأخبر بما فيها وحيث قال قربوها انتهى قلت هذا تصرف فيه تعسف فلا يحتاج إلى تطويل الكلام ولما جاز في القدر التذكير والتأنيث أعاد الضمير إليه تارة بالتذكير وتارة بالتأنيث نظرا إلى جواز الوجهين قوله خضرات بضم الخاء وفتح الضاد المعجمتين جمع خضرة كذا هو في رواية أبي ذر وفي رواية غيره بفتح أوله وكسر ثانيه وقال ابن التين رويناه بفتح الخاء وكسر الضاد وقال ابن قرقول ضبطه الأصيلي بضم الخاء وفتح الضاد والمعروف الأول قوله من يقول كلمة من فيه بيانية ويجوز أن تكون للتبعيض قوله فوجد أي النبي قوله فذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره فأخبر على صيغة المجهول أي أخبر النبي بما في القدر قوله قربوها الضمير فيه يجوز أن يرجع إلى الخضرات ويجوز أن يرجع إلى القدر ويجوز أن يرجع إلى البقول قوله إلى بعض أصحابه وقال الكرماني هذا اللفظ نقل بالمعنى إذ الرسول لم يقل بهذه العبارة بل قال قربوها إلى فلان مثلا أو فيه محذوف أي قال قربوها مشيرا أو أشار إلى بعض أصحابه انتهى وقال بعضهم والمراد بالبعض أبو أيوب الأنصاري ففي ( صحيح مسلم ) من حديث أبي أيوب في قصة نزول النبي قال فكان يصنع للنبي طعاما فإذا جيء به إليه أي بعد أن يأكل النبي منه سأل عن موضع أصابع النبي فصنع ذلك مرة فقيل له لم تأكل وكان الطعام فيه ثوم فقال أحرام هو يا رسول الله قال لا ولكن أكرهه قلت ليس فيه دليل على أن المراد من البعض أبو أيوب لم لا يجوز أن يكون غيره من أصحابه بل الظاهر أنه غيره لأن رد طعامه إليه فيه ما فيه فإن قلت قوله كل خطاب لأبي أيوب فذا يدل على أن المراد من البعض أبو أيوب قلت لا نسلم ذلك لأنه يجوز أن يأمر بالتقريب إلى غيره ويأمر بالأكل معه على أنه جاء في حديث أم أيوب قالت نزل علينا النبي فتكلفنا له طعاما فيه بعض البقول فذكر الحديث نحوه وقال وفيه فكلوا فإني لست كأحد منكم أخاف أن أوذي صاحبي فههنا أمر بالأكل للجماعة وأبو أيوب منهم وليس بمتعين قوله فإني أناجي من لا تناجي أي الملائكة ويوضح ذلك ما رواه ابن خزيمة وابن حبان من وجه آخر أن رسول الله أرسل إليه بطعام من خضرات فيه بصل أو كراث فلم ير فيه أثر رسول الله فأبى أن يأكل فقال له ما منعك قال لم أر أثر يدك قال أستحي من ملائكة الله وليس بمحرم
ذكر ما يستفاد منه من ذلك أن البعض استدل به على أن إقامة الفرض بالجماعة ليست بفرض لأن أكل الثوم ونحوه جائز ومن لوازمه الشرعية ترك الصلاة بالجماعة وترك الجماعة في حق آكله جائز ولازم الجائز جائز وفيه ما يدل على أن أكل الثوم ونحوه من الأعذار المرخصة في ترك حضور الجماعة فإن قلت لم لا يجوز أن يكون النهي خرج مخرج الزجر عن أكل هذه الأشياء فلا يقتضي ذلك أن يكون عذرا في ترك الجماعة إلا أن تدعو إلى أكلها ضرورة وعن هذا قال الخطابي توهم بعضهم أن أكل الثوم عذر في التخلف عن الجماعة وإنما هو عقوبة لا يحكم على فاعله إذا حرم فضل الجماعة قلت قوله قربوها إلى بعض أصحابه ينفي الزجر فإن قلت الزجر متأخر عن الأمر بالتقريب بمدة كثيرة لأن الأمر بالتقريب كان حين قدم النبي المدينة ومن جملة أحاديث الزجر حديث ابن عمر وهو كان في غزوة خيبر في سنة ست قلت سلمنا ذلك ولكن قوله وليقعد في بيته صريح على أن كل هذه الأشياء عذر في التخليف عن الجماعة وأيضا ههنا علتان إحداهما أذى المسلمين والثانية أذى الملائكة فبالنظر إلى العلة الأولى يعذر في ترك الجماعة وحضور المسجد وبالنظر إلى الثانية يعذر في ترك حضور المسجد ولو كان وحده ومنه ما استدل به المهلب وهو قوله فإني أناجي من لا تناجي على أن الملائكة أفضل من البشر وليس ذلك بصحيح لأنه لا يلزم من تفضيل بعض أفراد الشيء على بعضه تفضيل الجنس على الجنس وقد علم في موضعه ومنه ما استدل به بعضهم على أن أكل الثوم ونحوه كان حراما على النبي وليس ذلك بصحيح لأن قوله في حديث أبي أيوب المذكور وليس بمحرم يدل بعمومه على عدم التحريم مطلقا
وقال أحمد بن صالح عن ابن وهب أتي ببدر قال ابن وهب يعني طبقا فيه خضرات

(6/148)


ولم يذكر الليث وأبو صفوان عن يونس قصة القدر فلا أدري هو من قول الزهري أو في الحديث
أشار بهذا إلى أن أحمد بن صالح المصري وهو أحد مشايخه ومن الأفراد قد خالف سعيد بن عفير شيخه الذي روى عنه الحديث المذكور في لفظه قدر بالقاف حيث روى عن عبد الله بن وهب وقال أتي ببدر بفتح الباء الموحدة وسكون الدال وفي آخره راء ومخالفته إياه في هذه اللفظة فقط ووافقه في بقية الحديث عن ابن وهب
وقد أخرجه البخاري في الاعتصام وقال حدثنا أحمد بن صالح وذكر قول ابن وهب يعني طبقا فيه خضرات وكذا أخرجه أبو داود ولكن أخر تفسير ابن وهب فذكره بعد فراغ الحديث وقال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني عطاء بن أبي رباح أن جابر بن عبد الله قال إن رسول الله قال من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا أو ليقعد في بيته وأنه أتى ببدر فيه خضرات من البقول فوجد لها ريحا فسأل فأخبر بما فيها من البقول فقال قربوها إلى بعض أصحابه كان معه فلما رآه كره أكلها قال فإني أناجي من لا تناجي قال أحمد ابن صالح ببدر وفسره ابن وهب بطبق انتهى ورجح جماعة من الشراح رواية أحمد بن صالح لكون عبد الله بن وهب فسر البدر بالطبق فدل على أنه حدث به كذلك وزعم بعضهم أن لفظة بقدر بالقاف تصحيف لأنها تشعر بالطبخ وقد ورد الإذن بأكل البقول مطبوخة بخلاف الطبق فظاهره أن البقول كانت فيه نية قلت أخرجه مسلم عن أبي الطاهر وحرملة كلاهما عن ابن وهب فقال بقدر بالقاف والاستدلال على التصحيف بلفظ الطبق لا يتم لأنه يمكن أن ما كان فيه كان مطبوخا فإنه لا مانع من ذلك فافهم وسمي الطبق بالبدر لاستدارته تشبيها بالقمر عند كماله
قوله ولم يذكر الليث وأبو صفوان عن يونس قصة القدر أشار بهذا إلى أن الليث بن سعد وأبا صفوان عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن مروان الأموي رويا هذا الحديث عن يونس بن يزيد عن عطاء عن جابر ولم يذكرا قصة القدر وأما رواية الليث فإن الذهلي وصلها في ( الزهريات ) وأما رواية أبي صفوان فوصلها البخاري في الأطعمة عن علي بن المديني عنه واقتصرا على الحديث الأول قوله ولا أدري هو من قول الزهري أو في الحديث أشار بهذا الكلام إلى أن ذكر قصة القدر هل هو من قول الزهري بأن يكون مدرجا أو هو مروي في الحديث المذكور وقال الكرماني لفظ لا أدري يحتمل أن يكون قول ابن وهب أو البخاري أو سعيد بن عفير شيخ البخاري وقال بعضهم هو كلام البخاري ووهم من زعم أنه كلام أحمد بن صالح قلت إن كان مراده من هذا الزاعم هو الكرماني فليس كذلك فإن الكرماني ردد في القول بين الثلاثة المذكورين ولم يذكر أحمد بن صالح إلا عند قوله ولم يذكر قال ولعله قول أحمد وإن كان مراده غير الكرماني من الشراح فهو محل الاحتمال وليس محل الزعم وقال الكرماني فإن قلت ما معنى كونه قول الزهري أو كونه في الحديث قلت معناه أن الزهري نقله مرسلا عن النبي ولهذا لم يروه يونس عن الليث وأبي صفوان أو مسندا كما في الحديث ولهذا نقله ابن وهب عن يونس عن الزهري
856 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) عن ( عبد العزيز ) قال ( سأل رجل أنسا ) ما سمعت نبي الله يقول في الثوم فقال قال النبي من أكل من هاذه الشجرة فلا يقربن أو لا يصلين معنا ( الحديث 856 - طرفه في 5451 )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم أربعة الأول أبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المقعد البصري الثاني عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري الثالث عبد العزيز بن صهيب البناني البصري الرابع أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه السؤال وفيه القول

(6/149)


في خمسة مواضع وفيه أن رجاله كلهم بصريون وفيه ذكر رجل لم يعرف اسمه
وأخرجه البخاري أيضا في الأطعمة عن مسدد وأخرجه مسلم في الصلاة عن شيبان
ذكر معناه قوله ما سمعت بلفظ الخطاب وكلمة ما استفهامية قوله يقول في الثوم ويروى يذكر في الثوم قوله هذه الشجرة قد ذكرنا وجه إطلاق الشجرة على الثوم قوله فلا يقربن بفتح الراء والباء الموحدة وبنون التأكيد المشددة قوله ولا يصلين عطف عليه بنون التأكيد المشددة أيضا قوله معنا بسكون العين وفتحها ومعناه مصاحبا لنا
ويستفاد منه أن آكل الثوم لا يقرب أحدا حتى لا يتأذى برائحته سواء في الصلاة أو خارجها ويستفاد من قوله ولا يصلين معنا جواز ترك الجماعة في المسجد وغيره وليس فيه تقييد النهي بالمسجد ولا تخصيص مسجد النبي بذلك
161 -
( باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل والطهور وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم )
أي هذا باب في بيان وضوء الصبيان ولم يبين ما حكمه هل هو واجب أو ندب لأنه لو قال واجب لاقتضى أن يعاقب الصبي على تركه وليس كذلك ولو قال ندب لاقتضى صحة صلاته بغير وضوء وليس كذلك فأبهم ليسلم من ذلك والصبيان جمع صبي قال الجوهري الصبي الغلام والجمع صبية وصبيان وهو من الواوي ولم يقولوا أصبية استغناء بصبية كما لم يقولوا أغلمة استغناء بغلمة وقال في الغلام الغلام معروف انتهى قلت ما دام الولد في بطن أمه فهو جنين فإذا ولدته سمي صبيا ما دام رضيعا فإذا فطم سمي غلاما إلى سبع سنين ثم يصير يافعا إلى عشر حجج ثم يصير حزورا إلى خمس عشرة سنة ثم يصير فمدا إلى خمس وعشرين سنة ثم يصير عنطنطا إلى ثلاثين سنة ثم يصير صملا إلى خمسين سنة ثم يصير شيخا إلى ثمانين سنة ثم يصير هما بعد ذلك فانيا كبيرا هكذا ذكر في كتاب ( خلق الإنسان ) عن الأصمعي وغيره فإن قلت روى أبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة والحاكم من طريق عبد الملك بن الربيع بن صبرة عن أبيه عن جده مرفوعا علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين واضربوه عليها ابن عشر فهذا يدل على أن الصبي يطلق على من سنه سبع سنين فكيف قيل المولود سمي صبيا ما دام رضيعا قلت أفصح الفصحاء أطلق على ابن سبع سنين لفظ الصبي وهو الذي يقبل وعن هذا قال الجوهري الصبي الغلام وقد ذكرنا الآن أن المولود من حين يفطم يسمى غلاما إلى سبع سنين قوله ومتى يجب عليهم الغسل وبين ذلك في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه الآتي عن قريب فإنه قال الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم فيفهم منه أن الاحتلام هو شرط لوجوب الغسل فإن قلت الحديث الذي ذكرته عن أبي داود وغيره يقتضي تعيين وقت الوضوء لتوقف الصلاة عليها وإن لم يحتلم قلت لم يقل الجمهور بظاهره فإنهم قالوا لا تجب عليه إلا بالبلوغ وقالوا إن التعليم بالصلاة والضرب عليها عند عشر سنين للتدريب وقال بظاهره قوم حتى قالوا تجب الصلاة على الصبي للأمر بضربه على تركها وهذه صفة الوجوب وبه قال أحمد في رواية والشافعي مال إليه وقال البيهقي الحديث المذكور منسوخ بحديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم قوله والطهور من عطف العام على الخاص قوله وحضورهم بالجر عطفا على قوله وضوء الصبيان قوله الجماعة منصور بالمصدر المضاف إلى فاعله و العيدين عطف عليه و الجنائز بالنصب كذلك عطف على ما قبله قوله وصفوفهم بالجر أيضا عطف على ما قبله أي وصفوف الصبيان والترجمة المذكورة مركبة من ستة أجزاء
857 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثني ( غندر ) قال حدثنا ( شعبة ) قال سمعت ( سليمان الشيباني ) قال سمعت ( الشعبي ) قال أخبرني من مر مع النبي على قبر منبوذ فأمهم وصفوا عليه فقلت يا أبا عمرو من حدثك فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه
مطابقته للجزء الأول من الترجمة وهو وضوء الصبيان وللجزء الثالث وهو قوله وحضورهم الجماعة وللجزء السادس وهو

(6/150)


قوله وصفوفهم فإن ابن عباس كان في ذلك الوقت صغيرا طفلا وقد حضر الجماعة ودخل في صفهم وصلى معهم ولم يكن صلى إلا بوضوء
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد بن المثنى هو محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن مالك بن أنس الأنصاري البصري الثاني غندر بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة وفي آخره راء وهو لقب محمد بن جعفر البصري الثالث شعبة بن الحجاج الرابع سليمان بن أبي سليمان واسمه فيروز أبو إسحاق الشيباني الكوفي الخامس عامر الشعبي السادس صحابي لم يسم
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه السماع في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الإفراد من الماضي وفيه القول في ستة مواضع وفيه أن شيخه منسوب إلى جده وفيه أن أحد الرواة مذكور بلقبه وفيه صحابي مجهول ولكن جهالة الصحابي لا تضر صحة الإسناد وفيه أن الأولين من رواته بصريان والثالث واسطي والرابع كوفي والخامس كذلك كوفي وفيه سليمان مميز بنسبته وفيه أن أحدهم يذكر كذلك بنسبته إلى قبيلته وفيه رواية التابعي عن التابعي وهما سليمان والشعبي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الجنائز عن مسلم بن إبراهيم وسليمان ابن حرب وحجاج بن منهال فرقهم أربعتهم عن شعبة وفيه أيضا عن موسى بن إسماعيل وأخرجه مسلم في الجنائز عن محمد ابن المثنى به وعن الحسن بن الربيع وأبي كامل الجحدري وعن إسحاق بن إبراهيم وعن عبيد الله بن معاذ وعن الحسن ابن الربيع ومحمد بن عبد الله بن نمير وعن يحيى بن يحيى وعن محمد بن حاتم وعن إسحاق بن إبراهيم وهارون بن عبد الله وعن أبي غسان محمد بن عمرو الرازي وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن العلاء به وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي فيه عن يعقوب بن إبراهيم وعن إسماعيل بن مسعود وأخرجه ابن ماجه فيه عن علي بن محمد
ذكر معناه قوله من مر مع النبي وفي رواية الترمذي حدثنا الشعبي أخبرني من رأى النبي قوله على قبر منبوذ بفتح الميم وسكون النون وضم الباء الموحدة وفي آخره ذال معجمة أي على قبر منفرد عن القبور وقال ابن الجوزي وقد رواه قوم على قبر منبوذ بإضافة قبر إلى منبوذ وفسروه باللقيط قال وهذا ليس بشيء لأن في بعض الألفاظ أتى قبرا منبوذا انتهى قلت يؤيد ما قاله رواية الترمذي ورأى قبرا منتبذا فصف أصحابه الحديث وفي رواية الصحيح على قبر منبوذ على أن المنبوذ صفة للقبر بمعنى منفرد كما ذكرنا وقال الخطابي أيضا إنه روي على وجهين يعني بلإضافة والصفة قال الحافظ الدمياطي من رواه منونا فيهما على النعت أي منتبذا عن القبور ناحية يقال جلست نبذة بالفتح والضم أي ناحية ويرجع إلى معنى الطرح فكأنه طرح في غير موضع قبور الناس ومن رواه بغير تنوين على الإضافة فمعناه قبر لقيط وولد مطروح والرواية الأولى أصح لأنه جاء في بعض طرق البخاري عن ابن عباس في التي كانت تقم المسجد
ولما روى الترمذي حديث ابن عباس هذا قال وفي الباب عن أنس وبريدة ويزيد بن ثابت وأبي هريرة وعامر بن ربيعة وأبي قتادة وسهل بن حنيف رضي الله تعالى عنهم قلت وفي الباب أيضا عن جابر وأبي سعيد وأبي أمامة بن سهل أما حديث أنس فرواه مسلم عنه أن النبي صلى على قبر ورواه ابن ماجه أيضا وزاد بعدما دفن وأما حديث بريدة فرواه ابن ماجه من رواية ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلى على ميت بعدما دفن وأما حديث يزيد بن ثابت فرواه النسائي وابن ماجه من رواية خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت أنهم خرجوا مع النبي ذات يوم فرأى قبرا حديثا قال ما هذا قالوا هذه فلانة مولاة أبي فلان الحديث وفيه فقام رسول الله وصف الناس خلفه فكبر عليها أربعا وأما حديث أبي هريرة فمتفق عليه على ما يجيء إن شاء الله تعالى وأما حديث عامر بن ربيعة فرواه ابن ماجه عنه أن امرأة سوداء ماتت الحديث وفيه قال لأصحابه صفوا عليها وصلى عليها وأما حديث أبي قتادة فرواه البيهقي عنه في وفاة البراء بن معرور وصلاة النبي على قبره وأما حديث سهل بن حنيف فرواه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عنه أنه صلى على قبر امرأة فكبر أربعا وأما حديث جابر فرواه النسائي عنه أنه صلى على قبر امرأة بعدما دفنت وأما حديث أبي سعيد فراواه ابن ماجه عنه قال كانت سوداء تقم

(6/151)


المسجد الحديث وفيه فخرج أي النبي صلى بأصحابه فوقف على قبرها فكبر عليها والناس خلفه وأما حديث أبي أمامة بن سهل فرواه النسائي عنه أنه قال مرضت امرأة من أهل العوالي الحديث وفيه فأتى قبرها فصلى عليها فكبر أربعا قال النووي في الخلاصة وأبو أمامة له صحبة وقال شيخنا زين الدين العراقي له رؤية وأما الصحبة فلا وقال الذهبي في كتاب ( تجريد الصحابة ) أبو أمامة بن سهل بن حنيف اسمه أسعد سماه رسول الله حديثه مرسل
قوله وصفوا عليه أي على القبر قوله فقلت يا با عمرو أصله يا أبا عمرو حذفت الهمزة للتخفف وأبو عمرو كنية الشعبي رحمه الله قوله قال ابن عباس أي قال حدثني ابن عباس وفاعل قال هو الذي مر مع النبي
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز الصلاة على القبر قال أصحابنا وإن دفن الميت ولم يصل عليه صلى على قبره ولا يخرج منه ويصلي عليه ما لم يعلم أنه تفرق هكذا ذكر في ( المبسوط ) وهذا يشير إلى أنه إذا شك في تفرقه وتفسخه يصلى عليه وقد نص الأصحاب على أنه يصلي عليه مع الشك في ذلك ذكره في ( المفيد ) و ( المزيد ) و ( جوامع الفقه ) وبقولنا قال الشافعي وأحمد وهو قول ابن عمر وأبي موسى وعائشة وابن سيرين والأوزاعي ثم هل يشترط في جواز الصلاة على قبره كونه مدفونا بعد الغسل فالصحيح أنه يشترط ورواه ابن سماعة عن محمد أنه لا يشترط وهذا الذي ذكرنا إذا دفن بعد الغسل قبل الصلاة عليه وإذا دفنوه بعد الصلاة عليه ثم ذكروا أنهم لم يغسلوه فإن لم يهيلوا التراب عليه يخرج ويغسل ويصلى عليه وإن أهالوا التراب عليه لم يخرج ثم هل يصلى عليه ثانيا في القبر ذكر الكرخي أنه يصلى عليه وفي ( النوادر ) عن محمد القياس أن لا يصلى عليه وفي الاستحسان أن يصلى عليه وفي ( المحيط ) لو صلى عليه من لا ولاية عليه يصلى على قبره والاعتبار في كونه قبل التفسخ غالب الظن فإن كان غالب الظن أنه تفسخ لا يصلى عليه وإلا يصلى عليه وعن أبي يوسف يصلى عليه إلى ثلاثة أيام وللشافعية ستة أوجه أولها إلى ثلاثة أيام ثانيها إلى شهر كقول أحمد ثالثها ما لم يبل جسده رابعها يصلى عليه من كان من أهل الصلاة عليه يوم موته خامسها يصلي عليه من كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم موته يصلي عليه أبدا فعلى هذا تجوز الصلاة على قبور الصحابة ومن قبلهم اليوم واتفقوا على تضعيفة وممن صرح به الماوردي والمحاملي والفوراني والبغوي وإمام الحرمين والغزالي وقال إسحاق يصلي القادم من السفر إلى شهر والحاضر إلى ثلاثة أيام وقال سحنون من المالكية لا يصلى على القبر وقالت المالكية في جواب الحديث المذكور بأنه علل الصلاة على القبر في حديث أبي هريرة بأن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة وأن الله ينورها بصلاتي عليهم قالوا فاثبت أن تنويرها بصلاته هو عليهم لا بصلاة غيره وقال ابن حبان ولو كان خاصا لزجر أصحابه أن يصطفوا خلفه ويصلوا معه على القبر ففي ترك إنكاره أبين البيان أنه فعل مباح له ولأمته معا فإن قلت روى البخاري عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه أنه صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين قلت أجاب السرخسي في ( المبسوط ) وغيره أن ذلك محمول على الدعاء ولكنه غير سديد لأن الطحاوي روى عن عقبة بن عامر أن النبي خرج يوما فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت والجواب السديد أن أجسادهم لم تبل وفي ( الموطإ ) أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين كان السيل قد حفر قبرهما وهما من شهداء أحد فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس ولقتلهما ست وأربعون سنة وفيه أن اللقيط إذا وجد في بلاد الإسلام كان حكمه حكم المسلمين في الصلاة عليه ونحوها من أحكام الدين واستدل به قوم على كراهة الصلاة إلى المقابر لأنه جعل انتباذ القبر عن القبور شرطا في جواز الصلاة وفيه نظر
858 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثني ( صفوان بن سليم ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي سعيد الخدري ) عن النبي قال الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم
مطابقته الجزء الثاني من الترجمة وهو قوله متى يجب الغسل عليهم
ذكر رجاله وهم خمسة الأول علي

(6/152)


بن عبد الله بن جعفر أبو الحسن الذي يقال له ابن المديني البصري الثاني سفيان بن عيينة الثالث صفوان بن سليم بضم السين المهملة وفتح اللام الإمام القدوة ممن يستسقى به يقولون إن جبهته ثقبت من كثرة السجود وكان لا يقبل جوائز السلطان مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة الرابع عطاء بن يسار أبو محمد الهلالي مولى ميمونة بنت الحارث زوج النبي مات سنة ثلاث ومائة الخامس أبو سعيد سعد بن مالك الخدري رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد من الماضي في موضع واحد وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخ البخاري من أفراده وأنه بصري وسفيان مكي وصفوان وعطاء مدنيان
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن عبد الله بن يوسف والقعنبي كلاهما عن مالك وفي الشهادات أيضا عن علي بن عبد الله وأخرجه مسلم فيه عن يحيى بن يحيى عن مالك به وأخرجه أبو داود في الطهارة عن القعنبي وأخرجه النسائي في الصلاة عن قتيبة عن مالك به وأخرجه ابن ماجه فيه عن سهل بن زنجلة عن سفيان به
ذكر معناه قوله واجب أي متأكد في حقه كما يقول الرجل لصاحبه حقك واجب علي أي متأكد لا أن المراد الواجب المحتم المعاقب عليه وشهد لصحة هذا التأويل أحاديث صحيحة غيره كحديث سمرة من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل وسيأتي الكلام فيه مبينا قوله على كل محتلم أي بالغ مدرك
ذكر ما يستفاد منه احتج بظاهر هذا الحديث أهل الظاهر وقالوا بوجوب غسل الجمعة ويحكى ذلك عن الحسن البصري وعطاء ابن أبي رباح والمسيب بن رافع وقال صاحب ( الهداية ) وقال مالك لا أعلم أحدا أوجب غسل الجمعة إلا أهل الظاهر فإنهم أوجبوه ثم قال روى ابن وهب عن مالك أنه سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو قال حسن وليس بواجب وهذه الرواية عن مالك تدل على أنه مستحب وذلك عندهم دون السنة وأجاب بعض أصحابنا عن هذا الحديث وعن أمثاله التي ظاهرها الوجوب أنها منسوخة بحديث من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل فإن قلت قال ابن الجوزي أحاديث الوجوب أصح وأقوى والضعيف لا ينسخ القوي قلت هذا الحديث رواه أبو داود في الطهارة والترمذي والنسائي في الصلاة وقال الترمذي حديث حسن صحيح ورواه أحمد في ( سننه ) والبيهقي كذلك وابن أبي شيبة في ( مصنفه ) ورواه سبعة من الصحابة وهم سمرة بن جندب عند أبي داود والترمذي والنسائي وأنس عند ابن ماجه وأبو سعيد الخدري عند البيهقي وأبو هريرة عند البزار في ( مسنده ) وجابر عند عبد بن حميد في ( مسنده ) وعبد الرزاق في مصنفه وإسحاق بن راهويه في ( مسنده ) وابن عدي في ( الكامل ) وعبد الرحمن بن سمرة عند الطبراني في ( الأوسط ) وابن عباس عند البيهقي في ( سننه ) فإن قلت أفضلية الغسل على الوضوء تدل على الوجوب وإلا لثبتت المساواة قلت السنة بعضها أفضل من بعض فجاز أن يكون الغسل من تلك السنن فإن قلت ما ذكرنا مقتض وما ذكرتم ناف فالأول راجح قلت قوله فبها ونعمت نص على السنة وما ذكرتم يحتمل أن يكون أمر إباحة فالعمل بما ذكرنا أولى
859 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال أخبرنا ( سفيان ) عن ( عمرو ) قال أخبرني ( كريب ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال بت عند خالتي ميمونة ليلة فنام النبي فلما كان في بعض الليل قام رسول الله فتوضأ من شن معلق وضوءا خفيفا يخففه عمرو ويقلله جدا ثم قام يصلي فقمت فتوضأت نحوا مما توضأ ثم جئت فقمت عن يساره فحولني فجعلني عن يمينه ثم صلى ما شاء الله ثم اضطجع حتى نفخ فأتاه المنادي يأذنه بالصلاة فقام معه إلى الصلاة فصلى ولم

(6/153)


يتوضأ قلنا إن ناسا يقولون إن النبي تنام عينه ولا ينام قلبه قال عمرو سمعت عبيد بن عمير يقول إن رؤيا الأنبياء وحي ثم قرأ إني أرى في المنام أني أذبحك
مطابقته للجزء الأول للترجمة فإن فيه وضوء ابن عباس رضي الله تعالى عنه وهو قوله فتوضأت نحوا مما توضأ وكان إذ ذاك صغيرا وهذا الحديث بعينه بالإسناد المذكور مضى في أول باب التخفيف في الوضوء وعلي بن عبد الله المديني وسفيان هو ابن عيينة وعمرو هو ابن دينار وقد ذكرنا هناك جميع ما يتعلق بهذا الحديث
860 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( مالك ) عن ( إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ) عن ( أنس ابن مالك ) أن جدته مليكة دعت رسول الله لطعام صنعته له فأكل منه فقال قوموا فلاصلي بكم فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام رسول الله واليتيم معي والعجوز من ورائنا فصلى بنا ركعتين
مطابقته للترجمة في قوله واليتيم معي لأن اليتيم دال على الصبي إذ لا يتم بعد الاحتلام وقد مضى هذا الحديث في باب الصلاة على الحصير أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه وههنا أخرجه عن إسماعيل ابن أبي أويس عن مالك وقد بينا هناك جميع ما يتعلق به ومليكة بضم الميم وقد مر الكلام فيه هناك مستقصى
618 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( ابن شهاب ) عن ( عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما أنه قال أقبلت راكبا على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الإحتلام ورسول الله يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بينع يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد
مطابقته للجزء الثالث والسادس للترجمة والثالث في حضور الصبيان الجماعة والسادس في قوله وصفوفهم وقد مر الكلام فيه مستقصى في باب متى يصح سماع الصغير فإنه أخرجه هناك عن إسماعيل ابن أبي أويس عن مالك وههنا عن عبد الله بن مسلمة القعنبي
862 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) أن ( عائشة ) قالت ( أعتم ) النبي وقال عياش حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت أعتم رسول الله في العشاء حتى ناداه عمر قد نام النساء والصبيان فخرج رسول الله فقال إنه ليس أحد من أهل الأرض يصلي هاذه الصلاة غيركم ولم يكن أحد يومئذ يصلي غير أهل المدينة
مطابقته للترجمة فيما قاله الكرماني في لفظ الصبيان لأن المراد منهم إما الحاضرون منهم في المسجد لصلاة الجماعة وإما الغائبون وعلى التقديرين فالمقصود حاصل انتهى قلت على تقدير كونهم غائبين لا يحصل المقصود وقال ابن رشيد وليس الحديث صريحا في ذلك يعني في كونهم حاضرين في المسجد إذ يحتمل أنهم ناموا في البيوت انتهى الظاهر من كلام عمر رضي الله تعالى عنه أنه شاهد النساء اللاتي حضرن في مسجد رسول الله قد نمن وصبيانهن معهن وكونهن في بيوتهن وصبيانهن معهن احتمال بعيد ولولا فهم البخاري أنهن مع صبيانهن كن حضورا في المسجد لما ذكر هذا الحديث في هذا الباب الذي من

(6/154)


أجزاء ترجمته وحضورهم أي وحضور الصبيان كما ذكرنا وهذا الحديث قد مضى في باب فضل العشاء أخرجه هناك عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب ابن أبي حمزة والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب وقد مضى الكلام هناك فيما يتعلق به قوله أعتم أي أخر حتى اشتدت ظلمة الليل وهي عتمته قوله غيركم بالرفع والنصب
863 - حدثنا ( عمرو بن علي ) قال حدثنا ( يحيى ) قال حدثنا ( سفيان ) قال حدثني عبد الرحمان بن عابس سمعت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال له رجل شهدت الخروج مع رسول الله قال نعم ولولا مكاني منه ما شهدته يعني من صغره أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت ثم خطب ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وأمرهن أن يتصدقن فجعلت المرأة تهوي بيدها إلى علقها تلقي في ثوب بلال ثم أتى هو وبلال البيت
مطابقته للجزء الأول للترجمة في قوله ما شهدته يعني من صغره
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عمرو بن علي بن بحر أبو حفص البصري الصيرفي الثاني يحيى القطان الثالث سفيان الثوري الرابع ( عبد الرحمن بن عابس ) بالعين المهملة وبعد الألف باء موحدة وفي آخره سين مهملة ابن ربيعة النخعي الكوفي مات سنة عشر ومائة الخامس عبد الله بن عباس
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد من الماضي في موضع واحد وفيه السماع وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن رواته ما بين بصري وكوفي
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في العيدين عن مسدد وفيه عن عمرو بن العاص وعن أحمد بن محمد وفي الاعتصام عن محمد بن كثير وأخرجه أبو داود في الصلاة عن محمد بن كثير به وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن علي به
ذكر معناه قوله شهدت أي حضرت الخروج إلى مصلى العيد مع النبي قال نعم أي شهدته قوله ولولا مكاني منه أي من النبي يعني لولا قربي ومنزلتي منه ما شهدته قوله يعني من صغره من كلام الراوي وكلمة من للتعليل وقال بعضهم الضمير في منه يرجع إلى غير مذكور وهو الصغر قلت هذا تعسف غير مؤد للمراد على ما لا يخفى قال ابن بطال يريد به أنه شهد معه النساء ولولا صغره لم يشهدن معه قال الكرماني الأولى أن يقال معناه لولا تمكني من الصغر وغلبتي عليه ما شهدته يعني كان قربه من البلوغ سببا لشهوده وزاد على الجواب بتفصيل حكاية ما جرى إشعارا بأنه كان مراهقا ضابطا أو لولا منزلتي عنده ومقداري لديه لما شهدت لصغري قوله أتي العلم بفتح العين واللام وهو المنار والجبل والراية والعلامة وكثير بن الصلت هو أبو عبد الله ولد في عهد رسول الله وله دار كبيرة بالمدينة قبلة المصلى للعيدين وكان اسمه قليلا فسماه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كثيرا وكان يعد في أهل الحجاز وقال الذهبي كثير بن الصلت ابن معدي الكندي أخو زيد روى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن كثير بن الصلت كان اسمه قليلا فسماه النبي كثيرا الأصح أن الذي سماه كثيرا عمر بن الخطاب قوله وذكرهن بتشديد الكاف من التذكير قوله تهوي بيدها إلى حلقها أي تمدها نحوه وتميلها إليه يقال أهوى يده وبيده إلى الشيء ليأخذه قوله إلى حلقها بفتح اللام جمع حلقة وهي الخاتم لا فص له قوله تلقي من الإلقاء وهو الرمي وفي رواية أبي داود فجعلن النساء يشرن إلى آذانهن وحلوقهن
ذكر ما يستفاد منه فيه أن الصبي إذا ملك نفسه وضبطها عن اللعب وعقل الصلاة وشرع له حضور العيد وغيره وفيه المستحب للإمام أن يعظ النساء ويذكرهن إذا حضرن مصلى العيد ويأمرهن بالصدقة وفيه الخطبة في صلاة العيد بعدها وفي رواية أبي داود فصلى ثم خطب ولم يذكر أذانا ولا إقامة قال ثم أمر بالصدقة وفيه المستحب أن يصلى في الصحراء

(6/155)


162 -
( باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس )
أي هذا باب في بيان حكم خروج النساء إلى المساجد لأجل الصلاة قوله بالليل يتعلق بالخروج قوله والغلس بفتح الغين المعجمة واللام بقية ظلمة الليل فإن قلت لم يبين حكم هذا الخروج هل هو جائز أو غير جائز وهل هو لكل النساء أو لنساء مخصوصة قلت لما كان في هذا الباب خلاف بين الأئمة لم يجزم بنفي ولا إثبات وسنذكر الخلاف فيه إن شاء الله تعالى
864 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت أعتم رسول الله بالعتمة حتى ناداه عمر نام النساء والصبيان فخرج النبي فقال ما ينتظرها أحد غيركم من أهل الأرض ولا يصلى يومئذ إلا بالمدينة وكانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول
مطابقته للترجمة في قولنا نام النساء ولولا فهم البخاري أن النساء كن حضورا في المسجد لما وضعه في هذا الباب بهذه الترجمة وأما الحديث بعين هذا الإسناد فقد مضى في الباب السابق عن أبي اليمان إلى آخره وبينهما بعض التفاوت في المتن
قوله اعتم رسول الله بالعتمة بفتحتين أي أبطأ بها وأخرها قوله الأول بالجر صفة الثلث لا الليل وقد ذكرنا ما يتعلق به من جميع الأشياء غير أن ههنا الترجمة في خروج النساء إلى المساجد وقيده بالليل لينبه على أن حكم النهار خلاف الليل فإن قلت بعض الأحاديث مطلق منها قوله لا تمنعوا إماء الله مساجد الله قلت حمل المطلق في ذلك على المقيد وبنى البخاري عليه الترجمة وللعلماء فيه أقوال وتفاصيل قال صاحب ( الهداية ) ويكره لهن حضور الجماعات قالت الشراح ويعني الشواب منهن وقوله الجماعات يتناول الجمع والأعياد والكسوف والاستسقاء وعن الشافعي يباح لهن الخروج قال أصحابنا لأن في خروجهن خوف الفتنة وهو سبب للحرام وما يفضي إلى الحرام فهو حرام فعلى هذا قولهم يكره مرادهم يحرم لا سيما في هذا الزمان لشيوع الفساد في أهله قال لا بأس وللعجوز أن تخرج في الفجر والمغرب والعشاء لحصول الأمن وهذا عند أبي حنيفة وعن أبي يوسف ومحمد يخرجن في الصلوات كلها لأنه لا فتنة فيه لقلة الرغبة ثم قالوا إن حضورهن إما للصلوات أو لتكثير الجمع فروى الحسن عن أبي حنيفة أن خروجهن للصلاة يقمن في آخر الصفوف فيصلين مع الرجال لأنهن من أهل الجماعة تبعا للرجال وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أن خروجهن لتكثير السواد يقمن في ناحية ولا يصلين لأنه قد صح أن النبي مر الحيض بذلك فإنهن لسن من أهل الصلاة
865 - حدثنا ( عبيد الله بن موسى ) عن ( حنظلة ) عن ( سالم بن عبد الله ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما عن النبي قال إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن
مطابقته للترجمة من حيث تقييده بالليل وهو ظاهر
ذكر رجاله وهم أربعة الأول عبيد الله بتصغير العبد ابن موسى العبسي الكوفي الثاني حنظلة ابن أبي سفيان الجمحي من أهل مكة واسم أبي سفيان الأسود بن عبد الرحمن ولم يذكر أكثر الرواة عن حنظلة الثالث سالم بن عبد الله بن عمر الرابع عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه أن رواته ما بين كوفي ومكي ومدني
وأخرجه مسلم أيضا في الصلاة عن محمد بن عبد الله بن نمير
قوله بالليل كذا بهذا القيد في رواية مسلم وغيره وقد اختلف فيه الزهري عن سالم أيضا فأورده البخاري في باب استئذان المرأة زوجها بالخروج

(6/156)


إلى المسجد بغير تقييد بالليل وكذلك مسلم من رواية يونس ين يزيد وأحمد من رواية عقيل والسراج من رواية الأوزاعي كلهم عن الزهري بغير ذكر الليل وقد قلنا إن المطلق في ذلك محمول على المقيد وفيه أنه ينبغي أن يأذن لها ولا يمنعها مما فيه منفعتها وذلك إذا لم يخف الفتنة عليها ولا بها وقد كان هو الأغلب في ذلك الزمان بخلاف زماننا هذا فإن الفساد فيه فاش والمفسدون كثيرون وحديث عائشة رضي الله تعالى عنها الذي يأتي يدل على هذا وعن مالك إن هذا الحديث ونحوه محمول على العجائز وقال النووي ليس للمرأة خير من بيتها وإن كانت عجوزا وقال ابن مسعود المرأة عورة وأقرب ما تكون إلى الله في قعر بيتها فإذا خرجت استشرفها الشيطان وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقوم يحصب النساء يوم الجمعة يخرجهن من المسجد وقال أبو عمرو الشيباني سمعت ابن مسعود حلف فبالغ في اليمين ما صلت امرأة صلاة أحب إلى الله تعالى من صلاتها في بيتها إلا في حجة أو عمرة إلا امرأة قد يئست من البعولة وقال ابن مسعود لامرأة سألته عن الصلاة في المسجد يوم الجمعة قال صلاتك في مخدعك أفضل من صلاتك في بيتك وصلاتك في بيتك أفضل من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك أفضل من صلاتك في مسجد قومك وكان إبراهيم يمنع نساءه الجمعة والجماعة وسئل الحسن البصري عن امرأة حلفت إن خرج زوجها من السجن أن تصلي في كل مسجد تجمع فيه الصلاة بالبصرة ركعتين فقال الحسن تصلي في مسجد قومها لأنها لا تطيق ذلك لو أدركها عمر رضي الله تعالى عنه لأوجع رأسها
وفيه إشارة إلى أن الإذن المذكور لغير الواجب لأنه لو كان واجبا لانتفى معنى الاستئذان لأن ذلك إنما يتحقق إذا كان المستأذن مخيرا في الإجابة أو الرد
تابعه شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي
أي تابع عبيد الله بن موسى شعبة بن الحجاج عن سليمان الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن عمر عن النبي وقد وصلها أحمد في ( مسنده ) قال حدثنا محمد بن جعفر قال أخبرنا شعبة فذكره
163 -
( باب )
866 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( عثمان بن عمر ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال ( حدثتني هند بنت الحارث ) أن أم ( سلمة ) زوج النبي أخبرتها أن النساء في عهد رسول الله كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله قام الرجال
مطابقته للترجمة من حيث إنه يدل على أن النساء كن يخرجن إلى المساجد ودلالته على ذلك أعم من أن يكون ذلك بالليل أو بالنهار وعبد الله بن محمد هو المسندي الحافظ البصري وعثمان بن عمر بن فارس البصري ويونس بن يزيد والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب والحديث مضى في باب التسليم وقد ذكرنا هناك جميع ما يتعلق به
قوله وثبت عطف على قوله قمن أي كن إذا سلمن ثبت رسول الله في مكانه بعد قيامهن قوله ومن صلى أي ثبت أيضا من صلى مع النبي من الرجال
867 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) ح وحدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( يحيى بن سعيد ) عن ( عمرة بنت عبد الرحمان ) عن ( عائشة ) قالت إن كان رسول الله ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس
مطابقته للترجمة ظاهرة وهي خروج النساء إلى المساجد بالليل وأخرجه من طريقين الأول عن عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن يحيى إلى آخره والثاني عن عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك وقد مر الحديث في باب كم تصلي المرأة من الثياب وفي باب وقت الفجر وقد تكلمنا هناك بما فيه الكفاية
قوله إن كان إن هذه مخففة من المثقلة أصله أنه كان أي إن الشان واللام في ليصلي مفتوحة وهي لام التأكيد قوله متلفعات حال من النساء أي متلحفات من التلفع وهو شد اللفاع

(6/157)


وهو ما يغطي الوجه ويتلحف به والمروط جمع مرط بكسر الميم وهو كساء من صوف أو خز يؤتزر به والغلس بفتح اللام بقية ظلمة الليل
868 - حدثنا ( محمد بن مسكين ) قال حدثنا ( بشر ) قال أخبرنا ( الأوزاعي ) قال حدثني ( يحيى بن أبي كثير ) عن ( عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري ) عن ابيه قال قال رسول الله إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه ( انظر الحديث 707 )
مطابقته للترجمة تفهم من قوله كراهية أن أشق على أمه لأنه يدل على حضور النساء إلى المساجد مع النبي وهو أيضا أعم من أن يكون بالليل أو بالنهار وقد مضى هذا الحديث في باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي أخرجه هناك عن إبراهيم بن موسى عن الوليد عن الأوزاعي إلى آخره والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمر
قوله فأتجوز أي أخفف قوله كراهية نصب على التعليل أي لأجل كراهية أن أشق ويروى مخافة أن أشق وكلمة أن مصدرية وقد مضى الكلام فيه هناك مستوفى
250 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت لو أدرك رسول الله ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل قلت لعمرة أو منعن قالت نعم )
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله تكرر ذكرهم وأخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن القعنبي عن سليمان بن بلال وعن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب الثقفي وعن عمرو الناقد عن سفيان بن عيينة وعن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر وعن اسحق بن إبراهيم عن عيسى بن يونس وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك ستتهم عن يحيى بن سعيد به
( ذكر معناه ) قوله ما أحدث النساء في محل النصب على أنه مفعول أدرك أي ما أحدثت من الزينة والطيب وحسن الثياب ونحوها ( قلت ) لو شاهدت عائشة رضي الله تعالى عنهما ما أحدث نساء هذا الزمان من أنواع البدع والمنكرات لكانت أشد إنكارا ولا سيما نساء مصر فإن فيهن بدعا لا توصف ومنكرات لا تمنع منها ثيابهن من أنواع الحرير المنسوجة أطرافها من الذهب والمرصعة باللآلىء وأنواع الجواهر وما على رءوسهن من الأقراص المذهبة المرصعة باللآلىء والجواهر الثمينة والمناديل الحرير المنسوج بالذهب والفضة الممدودة وقمصانهن من أنواع الحرير الواسعة الأكمام جدا السابلة أذيالها على الأرض مقدار أذرع كثيرة بحيث يمكن أن يجعل من قميص واحد ثلاثة قمصان وأكثر ومنها مشيهن في الأسواق في ثياب فاخرة وهن متبخترات متعطرات مائلات متبخترات متزاحمات مع الرجال مكشوفات الوجوه في غالب الأوقات ومنها ركوبهن على الحمير الغرة وأكمامهن سابلة من الجانبين في أزر رفيعة جدا ومنها ركوبهن على مراكب في نيل مصر وخلجانها مختلطات بالرجال وبعضهن يغنين بأصوات عالية مطربة والأقداح تدور بينهن ومنها غلبتهن على الرجال وقهرهن إياهم وحكمهن عليهم بأمور شديدة ومنهن نساء يبعن المنكرات بالإجهار ويخالطن الرجال فيها ومنهن قوادات يفسدن الرجال والنساء ويمشين بينهن بما لم يرض به الشرع ومنهن صنف بغايا قاعدات مترصدات للفساد ومنهن صنف دائرات على أرجلهن يصطدن الرجال ومنهن نصف سوارق من الدر والحمامات ومنهن صنف سواحر يسحرن وينفثن في العقد ومنهن بياعات في الأسواق يتعايطن بالرجال ومنهن دلالات نصابات على النساء ومنهن صنف نوائح ودفافات يرتكبن هذه الأمور القبيحة بالأجرة ومنهن مغنيات يغنين بأنواع الملاهي بالأجرة للرجال

(6/158)


والنساء ومنهن صنف خطابات يخطبن للرجال نساء لها أزواج بفتن يوقعنها بينهم وغير ذلك من الأصناف الكثيرة الخارجة عن قواعد الشريعة فانظر إلى ما قالت الصديقة رضي الله تعالى عنها من قولها لو أدرك رسول الله ما أحدثت النساء وليس بين هذا القول وبين وفاة النبي إلا مدة يسيرة على أن نساء ذلك الزمان ما أحدثن جزأ من ألف جزء مما أحدثت نساء هذا الزمان قوله كما منعت نساء بني إسرائيل يحتمل أن تكون شريعتهم المنع ويحتمل أن يكون منعن بعد الإباحة ويحتمل غير ذلك مما لا طريق لنا إلى معرفته إلا بالخبر قوله قلت لعمرة القائل يحيى بن سعيد قوله أو منعن بهمزة الاستفهام وواو العطف وفعل المجهول والضمير الذي فيه يعود إلى نساء بني إسرائيل قال الكرماني ( فإن قلت ) من أين علمت عائشة رضي الله تعالى عنها هذه الملازمة والحكم بالمنع وعدمه ليس إلا الله تعالى ( قلت ) مما شاهدت من القواعد الدينية المقتضية لحسم مواد الفساد والأولى في هذا الباب أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لإشارته إلى ذلك بمنع الطيب والتزين لما روى مسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا وروى أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات وكذلك قيد ذلك في بعض المواضع بالليل ليتحقق الأمن فيه من الفتنة والفساد وبهذا يمنع استدلال بعضهم في المنع مطلقا في قول عائشة لأنها علقته على شرط لم يوجد فقالت لو رأى لمنع فيقال عليه لم ير ولم يمنع على أن عائشة رضي الله تعالى عنها لم تصرح بالمنع وإن كان ظاهر كلامها يقتضي أنها ترى المنع وأيضا فالإحداث لم يقع من الكل بل من بعضهم فإن تعين المنع فيكون في حق من أحدثت لا في حق الكل وقال التيمي فيه دليل على أنه لا ينبغي للنساء أن يخرجن من المساجد إذا حدث في النساء الفساد انتهى ( قلت ) الذي يعول عليه ما قلناه ولم يحدث الفساد في الكل قوله ( تفلات ) جمع تفلة بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الفاء من التفل وهو سوء الرائحة يقال امرأة تفلة إذا لم تطيب ويقال رجل تفل وامرأة تفلة ومتفال ( فإن قلت ) لم قال لا تمنعوا إماء الله ولم يقل لا تمنوا نساءكم ( قلت ) لأنه لما قال مساجد الله راعى المناسبة فقال ( إماء الله ) وهو أوقع في النفس من لفظ النساء -
164 -
( باب صلاة النساء خلف الرجال )
أي هذا باب في بيان أن صلاة النساء خلف صفوف الرجال لأن مبنى أمرهن على الستر وتأخرهن عن الرجال أستر لهن
875 - حدثنا يحيى بن قزعة قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ويمكث هو في مقامه يسيرا قبل أن يقوم قال نري والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن من الرجال
مطابقته للترجمة من حيث إن صف النساء لو كان أمام الرجال أو بعضهم للزم من انصرافهن قبل أن يتخطينهم وذلك منهي عنه قلت هذا على مذهبهم وأما على مذهب الحنفية إذا تقدم صف من النساء على صف من الرجال يفسد ذلك صلاة هؤلاء الصف بتمامه كما علم من مذهبهم في حكم المحاذاة وهذا الحديث بعينه مضى في باب التسليم أخرجه هناك عن موسى بن إسماعيل قال حدثنا إبراهيم بن سعد وههنا عن يحيى بن قزعة بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات وقد تسكن الزاي المكي المؤذن عن إبراهيم بن سعد قوله قال نرى أي قال الزهري وهذا إدراج منه قوله قبل أن يدركهن من الرجال ويروى قبل أن يدركهن أحد من الرجال
252 - ( حدثنا أبو نعيم قال حدثنا ابن عيينة عن إسحاق عن أنس رضي الله عنه قال صلى النبي في بيت أم سليم فقمت ويتيم خلفه وأم سليم خلفنا )

(6/159)


مطابقته للترجمة في قوله وأم سليم خلفنا فإنها صلت خلف الرجال وهم أنس ومن معه والحديث مضى في باب المرأة تكون وحدها صفا فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن محمد عن سفيان عن إسحاق عن أنس وههنا عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سفيان إلى آخره نحوه قوله فقمت القائل أنس قوله ويتيم عطف عليه وفيه شاهد لمذهب الكوفيين في إجازة العطف على المرفوع المتصل بدون التأكيد وعلى مذهب البصريين يجب نصب المعطوف على أنه مفعول معه واليتيم المذكور اسمه ضميرة بضم الضاد المعجمة وقد مر في باب الصلاة على الحصير -
165 -
( باب سرعة انصراف النساء من الصبح وقلة مقامهن في المسجد )
أي هذا باب في سرعة انصراف النساء من صلاة الصبح وإنما قيدة بالصبح لأنه طول التأخير فيه يفضي إلى الإسفار فالمناسب هو الإسراع بخلاف العشاء فإنه يفضي إلى زيادة الظلمة فلا يضر المكث قوله مقامهن بفتح الميم بمعنى قيامهن وقلة توقفهن في المسجد خوفا من أن ينتشر الضياء ويعرفن حينئذ
872 - حدثنا يحيى بن موسى قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا فليح عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله كان يصلي الصبح بغلس فينصرفن نساء المؤمنين لا يعرفن من الغلس أو لا يعرف بعضهن بعضا
مطابقته للترجمة ظاهرة وقد مضى الحديث وأخرجه ههنا عن ( يحيى بن موسى ) البلخي يقال له خت بفتح الخاء المعجمة وتشديد التاء المثناة من فوق ويقال له الختي مات سنة أربعين ومائتين و ( سعيد بن منصور ) من شيوخ البخاري وقد روى عنه ههنا بالواسطة قوله فينصرفن نساء المؤمنين هو علي لغة أكلوني البراغيث وهي لغة بني الحارث وكذا قوله لا يعرفن بعضهن بعضا وهذا في رواية الحموي والكشميهني وفي رواية غيرهما لا يعرف بالإفراد على الأصل قوله المؤمنين ذكر الكرماني أن في بعض النسخ نساء المؤمنات ثم قال تأويله نساء الأنفس المؤمنات أو الإضافة بيانية نحو شجر الأراك وقيل إن النساء بمعنى الفاضلات أي فاضلات المؤمنات
قال وفيه دليل على وجوب قطع الذرائع الداعية إلى الفتنة وطلب إخلاص الفكر لاشتغال النفس بما جبلت عليه من أمور النساء والله تعالى أعلم بحقيقة الحال
( باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد )
أي هذا باب في بيان طلب المرأة الإذن من زوجها لأجل الخروج إلى المسجد للصلاة فيه
254 - ( حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي قال إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها )
مطابقته للترجمة ظاهرة ( فإن قلت ) الترجمة مقيدة بالخروج إلى المسجد والحديث مطلق ( قلت ) قال الكرماني إما أن تقيد بالحديث السابق قريبا أو أنه لما كان جائزا على الإطلاق فالخروج إلى موضع العبادة بالطريق الأولى ( قلت ) الحديث السابق هو المذكور في باب خروج النساء إلى المساجد بالليل فالبخاري أخرجه هناك عن عبيد الله بن موسى عن حنظلة عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر عن النبي قال إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن وههنا أخرجه عن مسدد إلى آخره على وجه الإطلاق وهذا معناه العموم وفي معنى هذا الإذن للخروج إلى العيد وزيارة قبر ميت لها وإذا كان حق عليهن أن يأذنوا فيما هو مطلق لهن الخروج فيه فالإذن لهن فيما هو فرض عليهن أو يندب الخروج إليه أولى كخروجهن لأداء شهادة له منهن ولأداء فرض الحج وشبهه من الفرائض أو لزيارة آبائهن وأمهاتهن وذوي محارمهن والله أعلم بحقيقة الحال وإليه المرجع والمآل -
166 -
( باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد )
أي هذا باب في بيان طلب المرأة الإذن من زوجها لأجل الخروج إلى المسجد للصلاة فيه
254 - ( حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي قال إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها )
مطابقته للترجمة ظاهرة ( فإن قلت ) الترجمة مقيدة بالخروج إلى المسجد والحديث مطلق ( قلت ) قال الكرماني إما أن تقيد بالحديث السابق قريبا أو أنه لما كان جائزا على الإطلاق فالخروج إلى موضع العبادة بالطريق الأولى ( قلت ) الحديث السابق هو المذكور في باب خروج النساء إلى المساجد بالليل فالبخاري أخرجه هناك عن عبيد الله بن موسى عن حنظلة عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر عن النبي قال إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن وههنا أخرجه عن مسدد إلى آخره على وجه الإطلاق وهذا معناه العموم وفي معنى هذا الإذن للخروج إلى العيد وزيارة قبر ميت لها وإذا كان حق عليهن أن يأذنوا فيما هو مطلق لهن الخروج فيه فالإذن لهن فيما هو فرض عليهن أو يندب الخروج إليه أولى كخروجهن لأداء شهادة له منهن ولأداء فرض الحج وشبهه من الفرائض أو لزيارة آبائهن وأمهاتهن وذوي محارمهن والله أعلم بحقيقة الحال وإليه المرجع والمآل

(6/160)


11 -
( كتاب الجمعة )
هذا كتاب في بيان أحكام الجمعة وقد ذكرنا فيما مضى أن الكتاب يجمع الأبواب والأبواب تجمع الفصول وهذه الترجمة ثبتت في رواية الأكثرين ولكن منهم من قدمها على البسملة والأصل تقديم البسملة وليست هذه الترجمة موجودة في رواية كريمة وأبي ذر عن الحموي وهي بضم الميم على المشهور وحكى الواحدي إسكان الميم وفتحها وقرىء بها في الشواذ قاله الزمخشري وقال الزجاج قرىء بكسرها أيضا وقال الفراء خففها الأعمش وثقلها عاصم وأهل الحجاز وقال الأزهري من ثقل اتبع الضمة الضمة ومن خفف فعلى الأصل والقراء قرءوها بالتثقيل وفي ( الموعب ) لابن التياني من قال بالتسكين قال في جمعه جمع ومن قال بالتثقيل قال في جمعه جمعات
ثم اختلفوا في تسمية هذا اليوم بالجمعة فروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال إنما سمي يوم الجمعة لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم عليه الصلاة و السلام وروى ابن خزيمة عن سلمان رضي الله تعالى عنه مرفوعا يا سلمان ما تدري يوم الجمعة قلت الله أعلم ورسوله أعلم قال به جمع أبوك أو أبوكم وفي ( الأمالي ) لثعلب إنما سمي يوم الجمعة لأن قريشا كانت تجتمع إلى قصي في دار الندوة وقيل لأن كعب بن لؤي كان يجمع فيه قومه فيذكرهم ويأمرهم بتعظيم الحرم ويخبرهم بأنه سيبعث منه نبي وروى ذلك الزبير في ( كتاب النسب ) عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن مقطوعا وفي كتاب ( الداودي ) سمي يوم الجمعة يوم القيامة لأن القيامة تقوم فيه الناس وقال ابن حزم وهو اسم إسلامي ولم يكن في الجاهلية إنما كانت تسمى في الجاهلية العروبة فسميت في الإسلام الجمعة لأنه يجتمع فيه للصلاة إسما مأخوذا من الجمع وفي تفسير عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال جمع أهل المدينة قبل أن يقدم رسول الله المدينة وقبل أن تنزل الجمعة وهم الذين سموها الجمعة وذلك أن الأنصار قالوا لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وكذا للنصارى فهلم فلنجهل يوما نجتمع فيه ونذكر الله ونصلي ونشكره فاجعلوه يوم العروبة وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة فاجتمعوا إلى أسعد فصلى بهم ركعتين وذكرهم فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه وذبح لهم أسعد شاة فتغدوا وتعشوا من شاة وذلك لقلتهم فأنزل الله في ذلك بعد إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ( الجمعة 9 ) الآية انتهى وقال الزجاج والفراء وأبو عبيد وأبو عمرو كانت العرب العاربة تقول ليوم السبت شبار وليوم الأحد أول وليوم الاثنين أهون وليوم الثلاثاء جبار وللأربعاء دبار وللخميس مونس وليوم الجمعة العروبة وأول من نقل العروبة إلى يوم الجمعة كعب بن لؤي ثم لفظ الجمعة بسكون الميم بمعنى المفعول أي اليوم المجموع فيه وبفتحها بمعنى الفاعل أي اليوم الجامع للناس قال الكرماني فإن قلت لم أنث الجمعة وهو صفة اليوم قلت ليست التاء للتأنيث بل للمبالغة كما يقال رجل علامة أو هي صفة للساعة
1 - باب فرض الجمعة
أي هذا باب في بيان فرض الجمعة واستدل على ذلك بقوله
لقول الله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون
قد قلنا إنه استدل على فرضية صلاة الجمعة بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ( الجمعة 9 ) الآية ووقع ذكر الآية عند الأكثرين إلى قوله وذروا البيع ( الجمعة 9 ) وفي رواية كريمة وأبي ذر ساق جميع الآية قوله إذا نودي للصلاة ( الجمعة 9 ) أراد بهذا النداء الأذان عند قعود الإمام على المنبر للخطبة يدل على ذلك ما روى الزهري عن السائب بن يزيد كان لرسول الله مؤذن واحد لم يكن له مؤذن غيره وكان إذا جلس رسول الله على المنبر أذن على المسجد فإذا نزل أقام الصلاة ثم كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه كذلك وعمر رضي الله تعالى عنه كذلك حتى إذا كان عثمان رضي الله تعالى عنه وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد أذانا فأمر بالتأذين الأول على دار له بالسوق يقال

(6/161)


له الزوراء فكان يؤذن له عليها فإذا جلس عثمان رضي الله تعالى عنه على المنبر أذن مؤذنه الأول فإذا نزل أقام الصلاة فلم يعب ذلك عليه قوله من يوم بيان لإذا وتفسير له وقيل من يوم الجمعة أي في يوم الجمعة كقوله تعالى أروني ماذا خلقوا من الأرض ( فاطر 240 والأحقاف 40 ) أي في الأرض قوله إلى ذكر الله أي إلى الصلاة وعن سعيد بن المسيب فاسعوا إلى ذكر الله إلى موعظة الإمام وقيل إلى ذكر الله إلى الخطبة والصلاة قوله وذروا البيع أي اتركوا البيع والشراء لأن البيع يتناول المعنيين جميعا وإنما يحرم البيع عند الأذان الثاني وقال الزهري عند خروج الإمام وقال الضحاك إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء وقيل أراد الأمر بترك ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا وإنما خص البيع من بينها لأن يوم الجمعة يوم يهبط الناس فيه من قراهم وبواديهم وينصبون إلى المصر من كل أوب ووقت هبوطهم واجتماعهم واغتصاص الأسواق بهم إذا انفتح النهار وتعالى الضحى ودنا وقت الظهيرة وحينئذ تحر التجارة ويتكاثر البيع والشراء فلما كان ذلك الوقت مظنة الذهول بالبيع عن ذكر الله والمضي إلى المسجد قيل لهم بادروا تجارة الآخرة واتركوا تجارة الدنيا واسعوا إلى ذكر الله الذي لا شيء أنفع منه وأربح وذروا البيع الذي نفعه يسير وربحه متقارب قوله ذلكم الكاف فيه حرف الخطاب كالتاء في أنت وذلك للدلالة على أحوال المخاطبين وعددهم فإذا أشرت إلى واحد مذكر وخاطبت مثله قلت ذلك وإذا خاطبت اثنين قلت ذلكما وإذا خاطبت جمعا قلت ذلكم وإذا خاطبت إناثا قلت ذلكن قوله فاسعوا فامضوا هذه في رواية أبي ذر الحموي وحده وهو تفسير منه للمراد بالسعي هنا بخلاف قوله في الحديث الآخر فلا تأتوها تسعون فإن المراد به الجري وفي تفسير النسفي فاسعوا إلى ذكر الله ( الجمعة 9 ) فامضوا إليه واعملوا له وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنه سمعت عمر رضي الله تعالى عنه يقرأ فامضوا إلى ذكر الله وعنه ما سمعت عمر يقرؤها قط إلا فامضوا إلى ذكر الله وروى الأعمش عن إبراهيم كان عبد الله يقرؤها فامضوا إلى ذكر الله ويقول لو قرأتها فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي وهي قراءة أبي العالية وعن الحسن ليس السعي على الأقدام ولقد نهوا أن يأتوا المسجد إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية والخشوع وعن قتادة أنه كان يقول في هذه الآية فاسعوا أن تسعى بقلبك وعملك وهي المشي إليها وقال الشافعي السعي في هذا الموضع هو العمل فإن الله يقول إن سعيكم لشتى ( الليل 4 ) وقال تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( النجم 39 ) وقال تعالى ) وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ( البقرة 205 ) ح
ثم فرضية الجمعة باكتاب والسنة والإجماع ونوع من المعنى أما الكتاب فالآية المذكورة والمراد من الذكر فيها الخطبة باتفاق المفسرين والأمر للوجوب فإذا فرض السعي إلى الخطبة التي هي شرط جواز الصلاة فإلى أصل الصلاة كان أوجب ثم أكد الوجوب بقوله وذروا البيع فحرم البيع بعد النداء وتحريم المباح لا يكون إلا من أجل واجب وأما السنة فحديث جابر وأبي سعيد قالا خطبنا رسول الله الحديث وفيه واعلموا أن الله فرض عليكم صلاة الجمعة الحديث رواه البيهقي وروى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي أنه قال الجمعة على من سمع النداء وعن حفصة رضي الله تعالى عنها أنه قال رواح الجمعة واجب على كل محتلم رواه النسائي بإسناد صحيح على شرط مسلم قاله النووي وأما الإجماع فإن الأمة قد أجمعت من لدن رسول الله إلى يومنا هذا على فرضيتها من غير إنكار لكن اختلفوا في أصل الفرض في هذا الوقت فقال الشافعي في الجديد وزفر ومالك وأحمد ومحمد في رواية فرض الوقت الجمعة والظهر بدل عنها وقال أبو حنيفة وأبو يوسف الشافعي في القديم الفرض هو الظهر وإنما أمر غير المعذور بإسقاطه بأداء الجمعة وقال محمد في رواية فرضه أحدهما غير عين والتعيين إليه وفائدة الخلاف تظهر في حر مقيم أدى الظهر في أول وقته يجوز مطلقا حتى لو خرج بعد أداء الظهر إليها أو لم يخرج لم يبطل فرضه لكن عند أبي حنيفة يبطل بمجرد السعي مطلقا وعندهما لا يبطل إلا إذا أدرك وعند الشافعي ومن معه لا يجوز ظهره سواء أدرك الجمعة أو لا خرج إليها أولا وأما المعنى فلأنا أمرنا بترك الظهر لإقامة الجمعة والظهر فريضة ولا يجوز ترك الفرض إلا لفرض هو آكد منه وأولى فدل على أن الجمعة آكد من الظهر في الفرضية فصارت الجمعة فرض عين وقال الخطابي أكثر الفقهاء على أنها من فروض الكفاية قال هذا غلط وحكى أبو الطيب عن بعض أصحاب الشافعي غلط من قال إنها فرض كفاية قلت ابن كج يقول إنها فرض كفاية

(6/162)


وهو غلط ذكره في ( الحلية ) و ( شرح الوجيز ) وفي ( الدراية ) صلاة الجمعة فريضة محكمة جاحدها كافر بالإجماع
1 - ( حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج مولى ربيعة بن الحارث حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد )
مطابقته للترجمة في قوله هذا يومهم الذي فرض الله عليهم إلى آخره
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول أبو اليمان الحكم بن نافع الثاني شعيب ابن أبي حمزة الثالث أبو الزناد بكسر الزاي وبالنون عبد الله بن ذكوان الرابع الأعرج الخامس أبو هريرة
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين والإخبار كذلك في موضع والتحديث أيضا بصيغة الإفراد في موضع وفيه السماع في موضعين وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن رواته ما بين حمصيين وهما أبو اليمان وشعيب ومدنيين وهما أبو الزناد والأعرج وأخرجه مسلم عن عمرو الناقد وابن أبي عمر فرقهما وأخرجه النسائي عن سعيد بن عبد الرحمن
( ذكر معناه وإعرابه ) قوله نحن الآخرون السابقون في رواية ابن عيينة عن أبي الزناد عند مسلم نحن الآخرون ونحن السابقون ومعناه نحن الآخرون زمانا والسابقون يعني الأولون منزلة ويقال معناه نحن الآخرون لأجل إيتاء الكتاب لهم قبلنا ونحن السابقون لهداية الله تعالى لنا لذلك ويقال نحن الآخرون الذين جاءوا آخر الأمم والسابقون الناس يوم القيامة إلى الموقف والسابقون في دخول الجنة ويوضح ذلك ما رواه مسلم عن حذيفة قال رسول الله أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا الله تعالى ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد كذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضى لهم قبل الخلائق وقيل المراد بالسبق إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل وهو الجمعة وقيل المراد بالسبق السبق إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا سمعنا وعصينا قوله بيد بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وهو مثل غير وزنا ومعنى وإعرابا ويقال ميد بالميم وهو اسم ملازم للإضافة إلى أن وصلتها وله معنيان أحدهما غير إلا أنه لا يقع مرفوعا ولا مجرورا بل منصوبا ولا يقع صفة ولا استثناء متصلا وإنما يستثنى به في الانقطاع خاصة وقال ابن هشام ومنه الحديث نحن الآخرون السابقون بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا وفي مسند الشافعي بأيد أنهم وفي مجمع الغرائب بعض المحدثين يرويه بأيدانا أوتينا أي بقوة إنا أعطينا قال أبو عبيدة وهو غلط ليس له معنى يعرف وزعم الداودي أنها بمعنى على أو مع قال القرطبي إن كانت بمعنى غير فينصب على الاستثناء وإذا كانت بمعنى مع فينصب على الظرف وروى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن الربيع عنه أن معنى بيد من أجل وكذا ذكره ابن حبان والبغوي عن المزني عن الشافعي وقال عياض هو بعيد وقال بعضهم ولا بعد فيه بل معناه إنا سبقنا بالفضل إذ هدينا للجمعة مع تأخرنا في الزمان بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم انتهى ( قلت ) استبعاد عياض موجه ونفى هذا القائل البعد بعيد لفساد المعنى لأن بيد إذا كان بمعنى من أجل يكون المعنى نحن السابقون لأجل أنهم أتوا الكتاب وهذا ظاهر الفساد على ما لا يخفى ثم أكد هذا القائل كلامه بقوله ويشهد له ما وقع في فوائد ابن المقري في طرق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ نحن الآخرون في الدنيا ونحن أول من يدخل الجنة لأنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ( قلت ) هذا لا يصلح أن يكون شاهدا لما ادعاه لأن قوله لأنهم أوتوا الكتاب من قبلنا تعليل لقوله نحن الآخرون في الدنيا قوله أوتوا الكتاب أي أعطوه

(6/163)


والمراد من الكتب التوراة والإنجيل فتكون الألف واللام فيه للعهد وقال بعضهم اللام للجنس وهو غير صحيح قوله ثم هذا إشارة إلى يوم الجمعة قوله الذي فرض الله عليهم هو هكذا في رواية الحموي وفي رواية الأكثرين الذي فرض عليهم وقال ابن بطال ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن وإنما يدل والله أعلم أنه فرض عليهم يوم الجمعة ووكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم فاختلفوا في أي الأيام هو ولم يهتدوا ليوم الجمعة وجنح القاضي عياض إلى هذا ورشحه بقوله لو كان فرض عليهم بعينه لقيل فخالفوا بدل فاختلفوا وقال النووي يمكن أن يكونوا أمروا به صريحا فاختلفوا هل يلزم تعيينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر فاجتهدوا في ذلك فأخطأوا وقال بعضهم ويشهد له ما رواه الطبراني بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه قال أرادوا الجمعة فأخطأوا وأخذوا السبت مكانه ( قلت ) كيف يشهد له هذا وهم أخذوا السبت لأنه جعل عليهم وإن كان أخذهم بعد اختلافهم فيه فخطئوهم في إرادتهم الجمعة ومع هذا استقروا على السبت الذي جعل عليهم وقيل يحتمل أن يكون فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا ويدل عليه ما رواه ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي التصريح بذلك ولفظه إن الله فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا فجعله عليهم ولم يكن هذا ببعيد منهم لأنهم هم القائلون سمعنا وعصينا قوله فهدانا الله له يحتمل وجهين أحدهما أن يكون الله قد نص لنا عليه والثاني أن تكون الهداية إليه بالاجتهاد ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين وقد ذكرناه في كتاب الجمعة فإن فيه أن أهل المدينة قد جمعوا قبل أن يقدمها رسول الله ( فإن قلت ) هذا مرسل ( قلت ) وله شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة من حديث كعب بن مالك قال كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله المدينة أسعد بن زرارة قوله تبع بفتح التاء المثناة والباء الموحدة جمع تابع كالخدم جمع خادم قوله اليهود غدا فيه حذف تقديره يعظم اليهود غدا أو اليهود يعظمون غدا فعلى الأول ارتفاع اليهود بالفاعلية وعلى الثاني بالابتداء ولا بد من هذا التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة فحينئذ انتصاب غدا على الظرفية وكذلك الكلام في قوله والنصارى بعد غد والمراد من قوله غدا السبت ومن قوله بعد غد الأحد وإنما اختار اليهود السبت لأنهم زعموا أنه يوم قد فرغ الله منه عن خلق الخلق فقالوا نحن نستريح فيه عن العمل ونشتغل فيه بالعبادة والشكر لله تعالى واختار النصارى يوم الأحد لأنهم قالوا أول يوم بدأ الله فيه بخلق الخليقة فهو أولى بالتعظيم فهدانا الله لليوم الذي فرضه وهو يوم الجمعة
( ذكر ما يستفاد منه ) في دليل على فرضية الجمعة وهو قوله فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له لأن التقدير فرض الله عليهم وعلينا فضلوا وهدينا ووقع في رواية مسلم عن أبي الزناد بلفظ كتب علينا وفيه أن الهداية والإضلال من الله تعالى كما هو قول أهل السنة وفيه أن سلامة الإجماع من الخطأ مخصوص بهذه الأمة وفيه دليل قوي على زيادة فضل هذه الأمة على الأمم السالفة وفيه سقوط القياس مع وجود النص وذلك أن كلا منهما قال بالقياس مع وجود النص على قول التعيين فضلا وفيه التفويض وترك الاختيار لأنهما اختارا فضلا ونحن علقنا الاختيار على من هو بيده فهدى وكفى -
2 -
( باب فضل الغسل يوم الجمعة وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء )
أي هذا باب في بيان فضل الغسل يوم الجمعة ولهذه الترجمة ثلاثة أجزاء الأول فضل الغسل يوم الجمعة الثاني هل على الصبي شهود يوم الجمعة أي حضوره الثالث على النساء شهود يوم الجمعة ثم إنه اقتصر على ذكر حكم الجزء الأول وهو الفضل لأن معناه الترغيب فيه والأدلة متفقة فيه ولم يجزم بالحكم في الجزأين الأخيرين بل ذكره بالاستفهام أما في حق الصبي فللإحتمال في دخولهم في عموم قوله إذا جاء أحدكم ولكنه خرج بقوله على كل محتلم وأما في حق النساء فلاحتمال دخولهن في العموم المذكور بطريق التبعية ولكن عموم النهي في منعهن من حضور المساجد إلا بالليل يخرج حضورهن الجمعة واعترض أبو عبد الملك على البخاري في الجزأين الأخيرين من الترجمة لأنه ترجم بهما ثم أورد إذا

(6/164)


جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وليس فيه ذكر شهود ولا غيره وأجاب ابن التين عنه بأنه أراد سقوط الواجب عنهم لأنه قال وهل عليهم فأبان بحديث غسل الجمعة واجب على كل محتلم أنها غير واجبة على الصبيان ولم يجب عن سقوط الواجب عن النساء ويجاب عن هذا بما ذكرنا
877 - وحدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله قال إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل
مطابقته للجزأين الأخيرين من الترجمة تفهم من الجواب عن اعتراض أبي عبد الملك
ورجاله قد تكرر ذكرهم على هذا النسق
وهذا الحديث أخرجه مسلم وغيره ولفظ مسلم إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل وفي رواية له من جاء منكم الجمعة فليغتسل وأخرجه الترمذي ولفظه من أتى الجمعة فليغتسل وأخرجه النسائي عن قتيبة عن مالك نحو رواية البخاري سندا ومتنا وفي لفظ مثل رواية مسلم الثانية وفي لفظ نحو لفظ البخاري وفي لفظ إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل وأخرجه ابن ماجه ولفظه عن ابن عمر قال سمعت النبي يقول على المنبر من أتى الجمعة فليغتسل وفي رواية لابن حبان في ( صحيحه ) وأبي عوانة في ( مستخرجه ) من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ورواه ابن خزيمة بزيادة ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء وأخرجه البزار من حديث عائشة أن النبي قال من أتى الجمعة فليغتسل وروى البزار أيضا من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي قال من أتى الجمعة فليغتسل وروى ابن ماجه أيضا من حديث ابن عباس قال قال رسول الله إن هذا يوم عيد جعله الله للناس فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل وروى الطبراني من حديث أبي أيوب الأنصاري قال قال رسول الله من جاء منكم الجمعة فليغتسل الحديث
ذكر معناه قوله إذا جاء أحدكم الجمعة ظاهره أن يكون الغسل عقيب المجيء لأن الفاء للتعقيب ولكن ليس ذلك المراد وإنما المعنى إذا أراد أحدكم الجمعة فليغتسل وقد جاء مصرحا به في رواية الليث عن نافع ولفظه إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل ونظير ذلك قوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ( النحل 98 ) تقديره إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ والظاهرية قالوا بظاهره في القراءة وههنا لم يقولوا به لظاهر رواية الليث المذكورة وقال الكرماني إذا جاء أحدكم علم منه أن الغسل إنما هو للمجموع وهذا عام للصبي وللنساء أيضا فإن قلت من أين يستفاد العموم قلت من لفظ الأحد المضاف فإن قلت ما وجه دلالته على شهودهما وهذه شرطية فلا يدل على وقوع المجيء قلت لفظة إذا لا تدخل إلا فيما كان وقوعه مجزوما به انتهى قلت هذا الذي قاله بناء على أنه فهم من الاستفهام في الترجمة الجزم بالحكم وليس كذلك على ما قررناه قوله إذا جاء المراد بالمجيء هو أن يحضر إلى الصلاة أول إلى المكان الذي تقام فيه الجمعة وذكر المجيء باعتبار الغالب وإلا فالحكم شامل لمن كان مجاورا للجامع أو مقيما به
ذكر ما يستفاد منه احتجت به الظاهرة على أن أول الأمر فيه للوجوب وليس كذلك لأن الأمر بالغسل ورد على سبب وقد زال السبب فزال الحكم بزوال علته لما رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان الناس مهنة أنفسهم وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في مهنتهم فقيل لهم لو اغتسلتم وسيأتي هذا في باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس وبعض أصحابنا قالوا إن الحديث المذكور منسوخ بقوله من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل واعترض بأنه ضعيف فكيف يحكم أن الصحيح منسوخ به قلت هذا الحديث روي من سبعة أنفس من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهم سمرة بن جندب أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن قتادة عن الحسن عن سمرة فذكره وأنس عند ابن ماجه والطحاوي والبزار والطبراني وأبو سعيد الخدري عند البيهقي والبزار وأبو هريرة عند البزار وابن عدي وجابر عند ابن عدي في ( الكامل ) وعبد الرحمن بن سمرة عند الطبراني وابن عباس عند البيهقي في ( سننه ) وقال الترمذي حديث حسن واختلف في سماع الحسن عن سمرة فعن ابن المديني إمام هذا الفن أنه سمع منه مطلقا ولئن سلمنا ما قاله المعترض فالأحاديث الضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة فيما اجتمعت فيه من الحكم كذا

(6/165)


قاله البيهقي وغيره وقال المحققون من أصحابنا إن حديث الكتاب خبر الواحد فلا يخالف الكتاب لأنه يوجب غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس عند القيام إلى الصلاة مع وجود الحدث فلو وجب الغسل لكان زيادة على الكتاب بخبر الواحد وهذا لا يجوز لأنه يصير كالنسخ فافهم قلت إذا حملنا الأمر فيه على الاستحباب توفيقا بين الحديثين لا يحتاج حينئذ إلى شيء آخر وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه ومما يدل على أن أمر النبي بالغسل يوم الجمعة فضيلة على الاختيار لا على الوجوب حديث عمر حيث قال لعثمان والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله أمر بالغسل يوم الجمعة فلو علما أن أمره على الوجوب لم يترك عمر عثمان حتى يرده ويقول له إرجع فاغتسل وقال ابن دقيق في الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة واستدل به لمالك في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلا بالذهاب ووافقه الأوزاعي والليث والجمهور قالوا يجزىء من بعد الفجر انتهى قلت قال صاحب ( الهداية ) ثم هذا الغسل أي غسل يوم الجمعة للصلاة عند أبي يوسف يعني لا يصل له الثواب إلا إذا صلى صلاة الجمعة بهذا الغسل حتى لو اغتسل بعد الجمعة أو أول اليوم وانتقض ثم توضأ وصلى لا يكون مدركا كالثواب والغسل وهو الصحيح واحترز به عن قول الحسن بن زياد فإنه قال لليوم إظهارا لفضيلته وبقوله قال داود وفي ( المبسوط ) وهو قول محمد وفي ( المحيط ) وهو رواية عن أبي يوسف فعلى هذا عن أبي يوسف فعلى هذا عن أبي يوسف روايتان وقيل تظهر الفائدة أيضا في هذا الخلاف فيمن اغتسل بعد الصلاة قبل الغروب إن كان مسافرا أو عبدا أو امرأة أو ممن لا يجب عليه الجمعة وهذا بعيد لأن المقصود منه إزالة الرائحة الكريهة كيلا يتأذى الحاضرون بها وذلك لا يتأتى بعدها ولو اتفق يوم الجمعة ويوم العيد أو يوم عرفة وجامع ثم اغتسل ينوب عن الكل وفي صلاة الجلابي لو اغتسل يوم الخميس أو ليلة الجمعة استن بالسنة لحصول المقصود وهو قطع الرائحة الكريهة
878 - حدثنا ( عبد الله بن محمد بن أسماء ) قال أخبرنا ( جويرية ) عن ( مالك ) عن ( الزهري ) عن ( سالم بن عبد الله بن عمر ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي فناداه عمر أية ساعة هاذه قال إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد أن توضأت فقال والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله كان يأمر بالغسل ( الحديث 878 - طرفه في 882 )
مطابقته للترجمة تفهم من قوله والوضوء أيضا لأن معناه تركت فضيلة الغسل واقتصرت على الوضوء أيضا
ذكر رجاله وهم ستة الأول عبد الله بن محمد بن أسماء بفتح الهمزة وبالمد الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتخ الباء الموحدة البصري ابن أخي جويرية بن أسماء مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين الثاني جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومائة الثالث مالك بن أنس الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب السادس أبوه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وفيه رواية الرجل عن ابن أخيه وفيه رواية الإبن عن الأب وفيه أن الإثنين الأولين من الرواة والبقية مدنيون
وأخرجه الترمذي في الصلاة عن محمد بن أبان حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ( ح ) وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا عبد الله بن صالح حدثني الليث عن يونس عن الزهري بهذا الحديث وروى مالك هذا الحديث عن سالم قال بينما عمر يخطب يوم الجمعة فذكر الحديث قال أبو عيسى سألت محمدا عن هذا فقال الصحيح حديث الزهري عن سالم عن أبيه قال محمد وقد روي عن مالك أيضا عن الزهري عن سالم عن أبيه نحو هذا الحديث انتهى قلت البخاري أورد الحديث المذكور من رواية جويرية بن أسماء عن مالك وهو عند رواة ( الموطأ ) عن مالك ليس فيه ذكر ابن عمر وحكى الإسماعيلي عن البغوي بعد أن أخرجه من طريق روح بن عبادة عن مالك أنه لم يذكر في هذا الحديث أحد

(6/166)


عن مالك عبد الله بن عمر غير روح بن عبادة وجويرية وقد تابعهما أيضا عبد الرحمن بن مهدي أخرجه أحمد بن حنبل عنه بذكر ابن عمر
ذكر معناه قوله بينا أصله بين فأشبعت فتحة النون فصار بينا وربما يدخلها ما فيقال بينما وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ويضافان إلى جملة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى وجواب بينا هنا قوله إذا دخل رجل والأفصح أن يكون فيه إذ وإذا وفي رواية يونس ههنا بينما بالميم وفي رواية المستملي والأصيلي وكريمة إذ دخل رجل وفي رواية غيرهم إذ جاء رجل والرجل هو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وقد سماه به ابن وهب وابن القاسم في روايتهما عن مالك في ( الموطأ ) وكذلك سماه معمر في روايته عن الزهري وكذا وقع في رواية ابن وهب عن أسامة ابن زيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وقال أبو عمر لا أعلم فيه خلافا غير ذلك قوله من المهاجرين الأولين قال الشعبي هم من أدرك بيعة الرضوان وسأل قتادة عن سعيد بن المسيب فقال هم من صلى إلى القبلتين قال في ( الكشاف ) هم الذين شهدوا بدرا قوله فناداه عمر أي قال له يا فلان قوله أية ساعة هذه أية بتشديد الياء آخر الحروف وهي كلمة يستفهم بها وأنث أية لأجل ساعة فإن قلت قد ذكرت في قوله تعالى وما تدري نفس بأي أرض تموت ( لقمان 34 ) قلت الأمران جائزان يقال أي امرأة جاءتك وأية امرأة جاءتك قال الزمخشري قرىء بأية أرض تموت وشبه سيبويه تأنيث أ بتأنيث كل في قولهم كلهن والساعة اسم لجزء من الزمان مخصوص ويطلق على جزء من أربعة وعشرين جزءا هي مجموع اليوم والليلة ويطلق أيضا على جزء ما غير مقدر من الزمان ولا يتحقق وعلى الوقت الحاضر والهندسي بقسم اليوم على اثني عشر قسما وكذا الليلة طالا أم قصرا فيسمونه ساعة فإن قلت ما هذا الاستفهام قلت استفهام توبيخ وإنكار فكأنه يقول لم تأخرت إلى هذه الساعة وقد ورد التصريح بالإنكار في رواية أبي هريرة فقال عمر لم تحتبسون عن الصلاة وفي رواية مسلم فعرض به عمر فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فإن قلت هل صدر هذا كله عن عمر رضي الله تعالى عنه قلت الظاهر ذلك ولكن حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر فإن قلت ما كان مراد عمر من هذه المقالة قلت التنبيه إلى ساعات التبكير التي وقع فيها الترغيب لأنها إذا انقضت طوت الملائكة الصحف كما ورد في الحديث فإن قلت هل فهم عثمان رضي الله تعالى عنه هذا من عمر رضي الله تعالى عنه قلت نعم فلذلك بادر إلى الاعتذار عن التأخير بقوله إني شغلت إلى آخره وهو على صيغة المجهول وقد بين شغله في رواية عبد الرحمن بن مهدي حيث قال انقلبت من السوق فسمعت النداء والمراد به الأذان بين يدي الخطيب قوله فلم أنقلب إلى أهلي الانقلاب الرجوع من حيث جاء وهو انفعال من قلبت الشيء إذا كببته أوردته قولهحتى سمعت التأذين وفي رواية أخرى النداء وهو بكسر النون أشهر من ضمها قوله فلم أزد أن توضأت كلمة أن هذه صلة زيدت لتأكيد النفي قوله والوضوء أيضا جاءت الرواية فيه بالواو وحذفها وبنصب الوضوء ورفعهما أما وجه وجود الواو فهو أن يكون للعطف على الإنكار الأول وهو قوله أية ساعة هذه لأن معنى الإنكار ألم يكفك أن أخرت الوقت وفوت فضيلة السبق حتى اتبعته بترك الغسل والقناعة بالوضوء فتكون هذه الجملة المبسوطة مدلولا عليها بتلك اللفظة وقال القرطبي الواو عوض من همزة الاستفهام كما قرأ ابن كثير قال فرعون وآمنتم به ( الأعراف 123 ) وأما وجه حذف الواو فظاهر ولكن يكون لفظ الوضوء بالرفع والنصب أما وجه الرفع فعلى أنه مبتدأ قد حذف خبره تقديره الوضوء أيضا يقتصر عليه ويجوز أن يكون خبرا محذوف المبتدأ تقديره كفايتك الوضوء أيضا وأما وجه النصب فهو على إضمار فعل التقدير أتتوضأ الوضوء فقط يعني اقتصرت على الوضوء وحده قوله أيضا منصوب على أنه مصدر من آض يئيض أي عاد ورجع قال ابن السكيت تقول فعلته أيضا إذا كنت قد فعلته بعد شيء آخر كأنك أفدت بذكرهما الجمع بين الأمرين أو الأمور قوله وقد علمت جملة حالية أي والحال أنك قد علمت أن رسول الله كان يأمر بالغسل لمن يريد المجيء إلى الجمعة
ذكر ما يستفاد منه فيه القيام للخطبة وأنه من سننها وأنه على المنبر وفيه تفقد الإمام رعيته وأمره لهم بمصالح دينهم وإنكاره على من أخل بالفضل وفيه مواجهة الإمام بالإنكار للتكبير ليرتدع من هو دونه بذلك وفيه أن الأمر

(6/167)


بالمعروف والنهي عن المنكر في أثناء الخطبة لا يفسدها وفيه الاعتذار إلى ولاة الأمور وفيه إباحة الشغل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء ولو أفضى ذلك إلى ترك فضيلة البكور إلى الجمعة لأن عمر رضي الله تعالى عنه لم يأمر برفع السوق بعد هذه القصة واستدل به مالك على أن السوق لا يمنع يوم الجمعة قبل النداء لكونها كانت في زمن عمر رضي الله تعالى عنه ولكون الذاهب إليها مثل عثمان رضي الله تعالى عنه وقد قلنا إن وجوب السعي وحرمة البيع والشراء بالأذان الذي يؤذن بين يدي المنبر لأنه هو الأصل وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر فقهاء الأمصار ثم اختلف العلماء في حرمة البيع في ذلك الوقت فعند أبي حنيفة وأصحابه والشافعي يجوز البيع مع الكراهة وعند مالك وأحمد والظاهرية البيع باطل وقد عرف في الفروع وفيه جواز شهود الفضلاء السوق ومعاناة التجر وفيه أن فضيلة التوجه إلى الجمعة إنما تحصل قبل التأذين وقد استدل بعضهم بقوله كان يأمر بالغسل إن الغسل يوم الجمعة واجب وهذا الاستدلال ضعيف لأنه لو كان واجبا لرجع عثمان حين كلمه عمر رضي الله تعالى عنه أو لرده عمر حين لم يرجع فلما لم يرجع ولم يؤمر بالرجوع ويحضرهما المهاجرون والأنصار دل على أنه ليس بواجب وهذه قرينة على أن المراد من قوله في الحديث الذي فيه فليغتسل ليس أمر الإيجاب بل هو للندب وكذا المراد من قوله واجب أنه كالواجب جمعا بين الأدلة
879 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( صفوان بن سليم ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم
مطابقته للجزء الثاني للترجمة من حيث إنه يدل على أن قوله على كل محتلم يخرج الصبي والحديث بعينه أخرجه في باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم ولكن أخرجه هناك عن علي بن عبد الله عن سفيان عن صفوان بن سليم عن عطاء ابن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وههنا أخرجه عن عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك إلى آخره ولم تختلف رواة ( الموطأ ) على مالك في إسناده
ورجاله مدنيون وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي وقد ذكرنا بقية الكلام هناك
3 -
( باب الطيب للجمعة )
أي هذا باب في بيان حكم الطيب لأجل الجمعة ولكن لم يجزم بحكمه للاختلاف فيه
880 - حدثنا ( علي ) قال حدثنا ( حرمي بن عمارة ) قال حدثنا ( شعبة ) عن ( أبي بكر بن المنكدر ) قال حدثني ( عمرو بن سليم الأنصاري ) قال أشهد على أبي سعيد قال أشهد على رسول الله قال الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن وأن يماس طيبا إن وجد قاال عمرو أما الغسل فأشهد أنه واجب وأما الاستنان والطيب فالله أعلم أواجب هو أم لا ولاكن هكذا في الحديث
مطابقته للترجمة في قوله وأن يمس طيبا
ذكر رجاله وهم ستة الأول علي بن المديني الثاني حرمي بفتح الحاء والراء المهملتين وكسر الميم إبن عمارة بضم العين وتخفيف الميم وقد مر ذكره في باب فإن تابوا ( التوبة 5و11 ) في كتاب الإيمان الثالث شعبة بن الحجاج الرابع أبو بكر بن المنكدر بضم الميم وسكون النون على صيغة اسم الفاعل من الإنكدار ابن عبد الله بن ربيعة المديني الخامس عمرو بفتح العين ابن سليم بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وقد مر في باب إذا دخل أحدكم المسجد السادس أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في خمسة مواضع وفيه لفظ أشهد في موضعين وأراد به الراوي تأكيدا لروايته وإظهارا لسماعه وفيه علي بغير

(6/168)


ذكر نسبته إلى أبيه أو إلى بلده في رواية الأكثرين وفي رواية ابن عساكر علي بن عبد الله بذكر أبيه وفيه أدخل بعضهم بين عمرو بن سليم وبين أبي سعيد رجلا وقال الدارقطني وقد اختلف على شعبة فقال الباغندي عن علي عن حرمي عنه عن أبي بكر عن عبد الرحمن ابن أبي سعيد عن أبيه ورواه عثمان بن سليم عن عمرو بن سليم عن أبي سعيد فإن قلت إذا كان الأمر كذلك فكيف ذكره البخاري في صحيحه قلت لا يضره ذلك لأنه صرح بأن عمرا أشهد على أبي سعيد ويحمل على أنه رواه أولا عنه ثم سمعه منه وأنه رواه في حالتين وهذه حجة قوية لتخريجه هذا في صحيحه وفيه أن رواته ما بين بصريين وواسطي ومدنيين
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الطهارة عن عمرو بن سواد عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد ابن أبي هلال وبكير بن الأشج كلاهما عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو ابن سليم عن أبي سعيد ولم يذكر عبد الرحمن وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن سلمة عن ابن وهب ولم يذكر السواك ولا الطيب وقال في آخره إلا أن بكيرا لم يذكر عبد الرحمن وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن سلمة بإسناده مثله وعن هارون بن عبد الله عن الحسن بن سوار عن الليث نحوه
ذكر معناه قوله محتلم أي بالغ وهو مجاز لأن الاحتلام يستلزم البلوغ والقرينة المانعة عن الحمل على الحقيقة أن الاحتلام إذا كان معه الإنزال موجب للغسل سواء كان يوم الجمعة أو لا قوله وأن يستن عطف على معنى الجملة السابقة وأن مصدرية تقديره والاستنان وهو الاستياك مأخوذ من السن يقال له سننت الحديد حككته على المسن وقيل له الاستنان لازم لأنه إنما يستاك على الأسنان وحاصله دلك السن بالسواك قوله إن وجد متعلق بيمس أي إن وجد الطيب يمسه ويحتمل تعلقه بأن يستن وفي رواية مسلم ويمس من الطيب ما يقدر عليه وفي رواية له ولو من طيب المرأة وقال عياض يحتمل قوله ما يقدر عليه إرادة التأكيد فيفعل ما أمكنه ويحتمل إرادة الكثرة والأول أظهر ويؤيد قوله ولو من طيب المرأة لأنه يكره استعماله للرجل وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه فإباحته للرجل لأجل عدم غيره يدل على تأكد الأمر في ذلك قوله قال عمرو وهو ابن سليم راوي الخبر وهو موصول بالإسناد المذكور إليه قوله وأما الاستنان والطيب إلى آخره أشار به إلى أن العطف لا يقتضي التشريك من جميع الوجوه فكان القدر المشترك تأكيدا لطلب الثلاثة وكأنه جزم بوجوب الغسل دون غيره للتصريح به في الحديث وتوقف فيما عداه لوقوع الإحتمال فيه وذكر الطحاوي والطبري أنه لما قرن الغسل بالطيب يوم الجمعة وأجمع الجميع على أن تارك الطيب يومئذ غير حرج إذا لم يكن له رائحة مكروهة يؤذي بها أهل المسجد فكذا حكم تارك الغسل لأن مخرجهما من الشارع واحد وكذا الاستنان بالإجماع أيضا وكذا هما وإن كان العلماء يستحبون لمن قدر عليه كما يستحبون اللباس الحسن وقال ابن الجوزي يحتمل إن يكون قوله وأن يستن إلى آخره من كلام أبي سعيد خلطه الراوي بكلام النبي وقال بعضهم لم أر هذا في شيء من النسخ ولا في المسانيد ودعوى الإدراج فيه لا حقيقة لها قلت ظاهر التركيب يقتضي صحة ما قاله ابن الجوزي وإن تكلفنا وجه صحة العطف فيما قبل قوله ولكن هكذا في الحديث
ذكر ما يستفاد منه قال الخطابي ذهب مالك إلى إيجاب الغسل وأكثر الفقهاء إلى أنه غير واجب وتأولوا الحديث على معنى الترغيب فيه والتوكيد لأمره حتى يكون كالواجب على معنى التشبيه واستدلوا فيه بأنه قد عطف عليه الاستنان والطيب ولم يختلفوا أنهما غير واجبين قالوا وكذلك المعطوف عليه وقال النووي هذا الحديث ظاهر في أن الغسل مشروع للبالغ سواء أراد الجمعة أو لا وحديث إذا جاء أحدكم في أنه لما أرادها سواء البالغ والصبي فيقال في الجمع بينهما إنه مستحب للكل ومتأكد في حق المريد وآكد في حق البالغ ونحوه ومذهبنا المشهور أنه مستحب لكل مريد أتى وفي وجه للذكور خاصة وفي وجه لمن تلزمه الجمعة وفي وجه لكل أحد وفي ( المصنف ) وكان ابن عمر يجمر ثيابه كل جمعة وقال معاوية بن قرة أدركت ثلاثين من مزينة كانوا يفعلون ذلك وحكاه مجاهد عن ابن عباس

(6/169)


وعن أبي سعيد وابن مغفل وابن عمر ومجاهد نحوه وخالف ابن حزم لما ذكر فرضية الغسل على الرجال والنساء قال وكذلك الطيب والسواك وشرع الطيب لأن الملائكة على أبواب المساجد يكتبون الأول فالأول فربما صافحوه أو لمسوه واختلف في الاغتسال في السفر فممن يراه عبد الله بن الحارث وطلق بن حبيب وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين وطلحة ابن مصرف وقال الشافعي ما تركته في حضر ولا سفر وإن اشتريته بدينار وممن كان لا يراه علقمة وعبد الله بن عمرو وابن جبير بن مطعم ومجاهد وطاووس والقاسم بن محمد والأسود وإياس بن معاوية وفي كتاب ابن التين عن طلحة وطاووس ومجاهد أنهم كانوا يغتسلون للجمعة في السفر واستحبه أبو ثور
قال أبو عبد الله هو أخو محمد بن المنكدر ولم يسم أبو بكر هذا رواه عنه بكير بن الأشج وسعيد بن أبي هلال وعدة وكان محمد بن المنكدر يكنى بأبي بكر وأبي عبد الله
أبو عبد الله هو البخاري نفسه قوله هو أي أبو بكر بن المنكدر المذكور في سند الحديث المذكور هو أخو محمد بن المنكدر ومحمد أيضا يكنى بأبي بكر ولكن سمي بمحمد وأبو بكر أخوه لم يسم وهو معنى قوله ولم يسم أبو بكر هذا والحاصل أن كلا من الأخوين المذكورين يكنى بأبي بكر ولكن الامتياز بينهما بتصريح اسم أحدهما وهو محمد وأيضا هو يكنى بكنية أخرى وهي أبو عبد الله وهو معنى قول البخاري وكان محمد بن المكندر يكنى بأبي بكر وبأبي عبد الله وأخوه كنيته اسمه وليست له كنية غيرها قوله روى عنه أي عن أبي بكر بن المكندر كذا وقع بلفظ روى عنه في رواية أبي ذر وفي رواية غيره رواه عنه أي روى الحديث المذكور عن أبي بكر بن المنكدر بكير بن الأشج بضم الباء الموحدة مصغرر ومخفا ابن عبد الله الأشج بالشين المعجمة والجيم قوله وسعيد بن أبي هلال أي وروى عن أبي بكر بن المنكدر سعيد بن أبي هلال وقد مر سعيد في باب فضل الوضوء ولكن فرق بين روايتيهما فرواية بكير موافقة لرواية شعبة في إسقاط لواسطة بين عمرو بن سليم وبين أبي سعيد الخدري ورواية سعيد بن أبي هلال بواسطة بين عمرو بن سليم وبين أبي سعيد كما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشج حدثا عن أبي بكر بن المكندر عن عمرو بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه فذكر الحديث وقال في آخره إلا أن بكيرا لم يذكر عبد الرحمن وكذلك أخرج أحمد من طريق ابن لهيعة عن بكير ليس فيه عبد الرحمن قوله وعدة أي وروى أيضا عن أبي بكر بن المنكدر عدة جماعة أي عدد كثير من الناس
4 -
( باب فضحل الجمعة )
أي هذا باب في بيان فضل الجمعة وهذه اللفظة تشمل صلاة الجمعة ويوم الجمعة
881 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( سمي ) مولى ( أبي بكر بن عبد الرحمن ) عن ( أبي صالح السمان ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر
مطابقته للترجمة من حيث إن الذي يحضر الجمعة الذي هو عبادة بدنية كأنه يأتي أيضا بالعبادة المالية فكأنه يجمع بين العبادتين البدنية والمالية وهذه الخصوصية للجمعة دون غيرها من الصلوات فدل ذلك على فضل الجمعة فناسب ترجمة

(6/170)


الباب بفضل الجمعة
ذكر رجاله وهم خمسة وقد تكرر ذكرهم وأبو صالح اسمه ذكوان
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن قتيبة وأخرجه أبو داود عن القعنبي وأخرجه الترمذي عن إسحاق بن موسى عن معن بن عيسى وأخرجه النسائي في الملائكة عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين كلاهما عن أبي القاسم وفيه وفي الصلاة عن قتيبة خمستهم عن مالك به ورواه النسائي عن محمد بن عجلان عن سمي بلفظ آخر تقعد الملائكة على أبواب المسجد يكتبون الناس على منازلهم فالناس فيه كرجل قدم بدنة وكرجل قدم بقرة وكرجل قدم شاة وكرجل قدم دجاجة وكرجل قدم عصفورا وكرجل قدم بيضة رواه مسلم والنسائي وابن ماجه من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي قال إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على منازلهم فإذا خرج الإمام طويت الصحف واستمعوا الخطبة فالمهجر إلى الصلاة كالمهدي بدنة ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ثم الذي يليه كالمهدي كبشا حتى ذكر البيضة والدجاجة ورواه النسائي من رواية معمر عن الزهري عن الأعرابي عبد الله عن أبي هريرة عن النبي قال إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد فكتبوا من جاء إلى الجمعة فإذا خرج الإمام طوت الملائكة الصحف قال قال رسول الله المهجر إلى الجمعة كالمهدي يعني بدنة ثم كالمهدي بقرة ثم كالمهدي شاة ثم كالمهدي بطة ثم كالمهدي دجاجة ثم كالمهدي بيضة وروى الطبراني في ( الكبير ) من حديث وائلة بن الأسقع قال قال رسول الله إن الله تبارك وتعالى يبعث الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد يكتبون القوم الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس فإذا بلغوا السابع كانوا بمنزلة في قرب العصافير وفي روايته مجهول وروى أحمد في ( مسنده ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي قال إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد فيكتبون الناس من جاء على منازلهم فرجل قدم جزورا ورجل قدم بقرة ورجل قدم دجاجة ورجل قدم بيضة فإذا أذن المؤذن وجلس الإمام على المنبر طويت الصحف فدخلوا المسجد يستمعون الذكر وإسناده جيد وفي كتاب ( الترغيب ) لأبي الفضل الجوزي من حديث فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عباس مرفوعا إذا كان يوم الجمعة قد دفع إلى الملائكة ألوية حمد إلى كل مسجد يجمع فيه ويحضر جبريل عليه الصلاة و السلام المسجد الحرام مع كل ملك كتاب وجوههم كالقمر ليلة البدر معهم أقلام من فضة وقراطيس من فضة يكتبون الناس على منازلهم فمن جاء قبل الإمام كتب من السابقين ومن جاء بعد خروج الإمام كتب شهد الخطبة ومن جاء حين تقام الصلاة كتب شهد الجمعة وإذا سلم الإمام تصفح الملائكة وجوه القوم فإذا فقدوا منهم رجلا كان فيما خلا من السابقين قالوا يا رب إنا فقدنا فلانا ولسنا ندري ما خلفه اليوم فإن كنت قبضته فارحمه وإن كان مريضا فاشفه وإن كان مسافرا فأحسن صحابته ويؤمن من معه من الكتاب
ذكر معناه قوله من اغتسل يدخل فيه بعمومه كل من يصح منه التقرب سواء كان ذكرا أو أنثى حرا أو عبدا قوله غسل الجنابة بنصب اللام على أنه صفة لمصدر محذوف أي غسلا كغسل الجنابة ويشهد بذلك رواية ابن جريج عن سمي عن عبد الرزاق فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة ووقع في رواية ابن ماهان من اغتسل غسل الجمعة واختلفوا في معنى غسل الجنابة فقال قوم إنه حقيقة حتى يستحب أن يواقع زوجته ليكون أغض لبصره وأسكن لنفسه قالوا ويشهد لذلك حديث أوس الثقفي قال سمعت رسول الله يقول من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها رواه أبو داود وغيره وقال الترمذي حديث أوس حديث حسن وقال معنى قوله غسل وطىء امرأته قبل الخروج إلى الصلاة يقال غسل الرجل امرأته وغسلها مشددا ومخففا إذا جامعها وفحل غسلة إذا كان كثير الضراب والأكثرون على أن التشبيه في قوله غسل الجنابة للكيفية لا للحكم قوله ثم راح أي ذهب أول النهار ويشهد لهذا ما رواه أصحاب ( الموطأ ) عن مالك في الساعة الأولى قوله ومن راح في الساعة الثانية قال مالك المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد زوال الشمس وبه قال القاضي حسين وإمام الحرمين والرواح عندهم بعد زوال الشمس وادعوا أن هذا معناه في اللغة وقال جماهير العلماء باستحباب

(6/171)


التبكير إليها أول النهار وبه قال الشافعي وابن حبيب المالكي والساعات عندهم من أول النهار والرواح يكون أول النهار وآخره وقال الأزهري لغة العرب أن الرواح الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره أو في الليل وهذا هو الصواب الذي يقتضيه الحديث والمعنى لأن النبي أخبر أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى وهو كالمهدي بدنة ثم من جاء في الساعة الثانية ثم في الثالثة ثم في الرابعة ثم في الخامسة وفي رواية النسائي السادسة فإذا خرج إمام طووا الصحف ولم يكتبوا بعد ذلك ومعلوم أن النبي كان يخرج إلى الجمعة متصلا بالزوال وهو بعد انقضاء الساعة السادسة فدل على أنه لا شيء من الفضيلة لمن جاء بعد الزوال ولأن ذكر الساعات إنما كان للحث على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظارها والاشتغال بالتنفل والذكر ونحو ذلك وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال لأن النداء يكون حينئذ ويحرم التخلف بعد النداء قلت الحاصل أن الجمهور حملوا الساعات المذكورة في الحديث على الساعات الزمانية كما في سائر الأيام وقد روى النسائي أنه قال يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة وأما أهل علم الميقات فيجعلون ساعات النهار ابتداءها من طلوع الشمس ويجعلون الحصة التي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من حساب الليل واستواء الليل والنهار عندهم إذا تساوى ما بين المغرب وطلوع الشمس وما بين طلوع الشمس وغروبها فإن أريد الساعات على اصطلاحهم فيكون ابتداء الوقت المرغب فيه لذهاب الجمعة من طلوع الشمس وهو أحد الوجهين للشافعية وقال الماوردي إنه الأصح ليكون قبل ذلك من طلوع الفجر زمان غسل وتأهب وقال الروياني إن ظاهر كلام الشافعي أن التبكير يكون من طلوع الفجر وصححه الروياني وكذلك صاحب ( المهذب ) قبله ثم الرافعي والنووي ولهم وجه ثالث إن التبكير من الزوال كقول مالك حكاه البغوي والروياني وفيه وجه رابع حكاه الصيدلاني إنه من ارتفاع النهار وهو وقت الهجير وقال الرافعي ليس المراد من الساعات على اختلاف الوجوه الأربع والعشرين التي قسم اليوم والليلة عليها وإنما المراد ترتيب الدرجات وفضل السابق على الذي يليه قوله قرب بدنة أي تصدق ببدنة متقربا إلى الله تعالى وقيل المراد أن للمبادر في أول ساعة نظير ما لصاحب البدنة من الثواب ممن شرع له القربان لأن القربان لم يشرع لهذه الأمة على الكيفية التي كانت للأمم الماضية وقيل ليس المراد بالحديث إلا بيان تفاوت المبادرين إلى الجمعة وأن نسبة الثاني من الأول نسبة البقرة إلى البدنة في القيمة مثلا ويدل عليه أن في مرسل طاووس رواه عبد الرزاق كفضل صاحب الجزور على صاحب البقرة والبدنة تطلق على الإبل والبقر وخصصها مالك بالإبل ولكن المراد ههنا من البدنة الإبل بالاتفاق لأنها قوبلت بالبقرة وتقع على الذكر والأنثى وقال بعضهم المراد بالبدنة هنا الناقة بلا خلاف قلت فيه نظر فكان لفظ الهاء فيه غره وحسب أنه للتأنيث وليس كذلك فإنه للوحدة كقمحة وشعيرة ونحوهما من أفراد الجنس سميت بذلك لعظم بدنها وقال الجوهري البدنة ناقة أو بقرة تنحر بمكة سميت بذلك لأنهم كانوا يسمونها وحكى النووي عن الأزهري أنه قال البدنة تكون من الإبل والبقر والغنم قلت هذا غلط الظاهر أنه من النساخ لأن المنقول الصحيح عن الأزهري أنه قال البدنة لا تكون إلا من الإبل وأما الهدي فمن الإبل والبقر والغنم قوله بقرة التاء فيها للوحدة قال الجوهري البقر اسم جنس والبقرة تقع على الذكر والأنثى وإنما دخله الهاء على أنه واحد من جنس والبقرات جمع بقرة والباقر جماعة البقر مع رعاتها والبقر وأهل اليمن يسمون البقرة باقورة وهو مشتق من البقر وهو الشق فإنها تبقر الأرض أي تشقها بالحراثة قوله كبشا أقرن الكبش هو الفحل وإنما وصف بالأقرن لأنه أكمل وأحسن صورة ولأن القرن ينتفع به وفيه فضيلة على الأجم قوله دجاجة بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان وحكى الضم أيضا وعن محمد بن حبيب إنها بالفتح من الحيوان وبالكسر من الناس والدجاجة تقع على الذكر والأنثى وسميت بذلك لإقبالها وإدبارها وجمعها دجاج ودجائج ودجاجات ذكره ابن سيده وفي ( المنتهى ) لأبي المعالي فتح الدال في الدجاج أفصح من كسره ودخلت الهاء في الدجاجة لأنه واحد من جنس مثل حمامة وبطة ونحوهما وكما جاءت الدال مثلثة في المفرد فكذلك يقال في الجمع الدجاج

(6/172)


والدجاج والدجاج قوله بيضة البيضة واحدة من البيض والجمع بيوض وجاء في الشعر بيضات قوله حضرت الملائكة بفتح الضاد وكسرها والفتح أعلى
ذكر ما يستفاد منه فيه استحباب الغسل يوم الجمعة وفيه فضيلة التبكير وقد ذكرنا حده عن قريب وفيه أن مراتب الناس في الفضيلة على حسب أعمالهم وفيه أن القربان والصدقة تقع على القليل والكثير وقد جاء في النسائي بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة وفي أخرى دجاجة ثم عصفور ثم بيضة وإسنادهما صحيح وفيه إطلاق القربان على الدجاجة والبيضة لأن المراد من التقرب التصدق ويجوز التصدق بالدجاجة والبيضة ونحوهما وفيه أن التضحية من الإبل أفضل من البقر لأن قدمها أولا وتلاها بالبقرة وأجمعوا عليه في الهدايا واختلفوا في الأضحية فمذهب أبي حنيفة والشافعي والجمهور أن الإبل أفضل ثم البقر ثم الغنم كالهدايا ومذهب مالك أن الغنم أفضل ثم البقر ثم الإبل قالوا لأن النبي ضحى بكبشين وهو فداء إسماعيل عليه الصلاة و السلام وحجة الجمهور حديث الباب مع القياس على الهدايا وفعله لا يدل على الأفضلية بل على الجواز ولعله لم يجد غيره كما ثبت في ( الصحيح ) أنه ضحى عن نسائه بالبقرة فإن قلت روى أبو داود وابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت بإسناد صحيح أنه قال خير الأضحية الكبش الأقرن قلت مراده خير الأضحية من الغنم الكبش الأقرن وقال إمام الحرمين البدنة من الإبل ثم الشرع قد يقيم مقامها بقرة وسبعا من الغنم وتظهر ثمرة هذا فيما إذا قال لله علي بدنة وفيه خلاف الأصح تعين الإبل إن وجدت وإلا فالبقر أو سبع من الغنم وقيل تتعين الإبل مطلقا وقيل يتخير مطلقا وفيه الملائكة المذكورون غير الحفظة ووظيفتهم كتابة حاضريها قاله الماوردي والنووي وقال ابن بزيزة لا أدري هم أم غيرهم قلت هؤلاء الملائكة يكتبون منازل الجائين إلى الجمعة مختصون بذلك كما روى أحمد في ( مسنده ) عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله يقول تقعد الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون الأول والثاني والثالث الحديث والحفظة لا يفارقون من وكلوا عليهم وروى أبو داود من حديث عطاء الخراساني قال سمعت عليا رضي الله تعالى عنه على منبر الكوفة يقول إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق فيرمون الناس بالترابيث أو الربائث ويثبطونهم عن الجمعة وتغدو الملائكة فتجلس على أبواب المسجد فيكتبون الرجل من ساعة والرجل من ساعتين حتى يخرج الإمام فإذا جلس الرجل مجلسا يتمكن فيه من الاستماع والنظر فأنصت ولم بلغ كان كفلان من الأجر فإن نأى حيث لا يستمع فأنصت ولم بلغ كان له كفل من الأجر وإن جلس مجلسا يتمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت كان له كفل من وزر ومن قال يوم الجمعة لصاحبه مه فقد لغى فليس له في جمعته تلك شيء ثم يقول في آخر ذلك سمعت رسول الله يقول ذلك قال أبو داود رواه الوليد بن مسلم عن ابن جابر قال بالربائث وقال مولى امرأته أم عثمان ابن عطاء ورواه أحمد من رواية الحجاج بن أرطاة عن عطاء الخراساني بلفظ وتقعد الملائكة على أبواب المسجد يكتبون الناس على قدر منازلهم السابق والمصلي والذي يليه حتى يخرج الإمام والربائث بفتح الراء والباء الموحدة وآخره ثاء مثلثة جمع ربيثة وهو ما يحبس الإنسان ويشغله وأما الترابيث فقال صاحب ( النهاية ) يجوز أن يكون جمع تربيثة وهي المرة الواحدة من التربيث وقال الخطابي وهذه الرواية ليست بشيء وفيه حضور الملائكة إذا خرج الإمام ليسمعوا الخطبة لأن المراد من قوله يستمعون الذكر هو الخطبة فإن قلت في الرواية الأخرى من ( الصحيح ) فإذا جلس الإمام طووا الصحف فما الفرق بين الروايتين قلت بخروج الإمام يحضرون من غير طي فإذا جلس الإمام على المنبر طووها ويقال ابتداء طيهم الصحف عند ابتداء خروج الإمام وانتهاؤه بجلوسه على المنبر وهو أول سماعهم للذكر والمراد به ما في الخطبة من المواعظ ونحوها
5 -
( باب )
ثبت لفظ باب هكذا من غير ضم إلى شيء في أصل البخاري وهو كالفصل من الباب الذي قبله وقد ذكرنا أن

(6/173)


الأبواب تجمع الفصول كما أن الكتب تجمع الأبواب وهو غير معرب لأن المعرب جزء المركب إلا إذا جعلناه محذوف المبتدأ على تقدير هذا باب فحينئذ يكون معربا
882 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( شيبان ) عن ( يحيى ) عن ( أبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) أن عمر رضي الله تعالى عنه بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل فقال عمر لم تحتبسون عن الصلاة فقال الرجل ما هو إلا أن سمعت النداء توضأت فقال ألم تسمعوا النبي قال إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل ( انظر الحديث 878 )
وجه مطابقة دخوله في باب فضل الجمعة من حيث إنكار عمر على هذا الداخل وهو عثمان بن عفان على ما ذكرناه مع جلالة قدره لأجل احتباسه عن التبكير فلولا عظم الفضيلة فيه لما أنكر عمر عليه بحضور الصحابة من المهاجرين والأنصار فإذا ثبتت الفضيلة في التبكير إلى الجمعة ثبتت للجمعة بالطريق الأولى
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين الثاني شيبان بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة وبعد الألف نون وهو ابن عبد الرحمن التميمي النحوي الثالث يحيى بن أبي كثير الرابع أبو سلمة بن عبد الرحمن الخامس أبو هريرة
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة

(6/174)


مواضع وفيه القول في موضع واحد وفيه أن الراويين الأولين كوفيان والثالث يماني والرابع مدني وفيه شيخ البخاري المذكور مذكور بكنيته وشيخه مذكور مجردا وفيه أبو سلمة مذكور بكنيته وفي اسمه اختلاف والأصح أن كنيته اسمه
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصلاة عن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه أبو داود في الطهارة عن أبي توبة الربيع بن نافع وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب فضل الغسل يوم الجمعة فإنه أخرج هناك من حديث ابن عمر عن عمر رضي الله تعالى عنهما قوله إذ دخل رجل سماه عبيد الله بن موسى في روايته عن شيبان أنه عثمان بن عفان وكذا سماه الأوزاعي في روايته عند مسلم وكذا سماه حرب بن شداد في رواية الطحاوي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير قوله لم تحتبسون عن الصلاة أي عن الحضور في أول وقتها قوله النداء أي الأذان قوله يقول ويروى قال
6 -
( باب الدهن للجمعة )
أي هذا باب في بيان حكم الدهن لأجل الجمعة والدهن بفتح الدال مصدر من دهنت دهنا وبالضم اسم وههنا بالفتح وإنما لم يجزم بحكمه للاختلاف فيه على ما نذكره
883 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( سعيد المقبري ) قال أخبرني أبي عن ( ابن وديعة ) عن ( سلمان الفارسي ) قال قال النبي لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ( الحديث 883 - طرفه في 910 )
مطابقته للترجمة في قوله ويدهن من دهنه
ذكر رجاله وهم ستة الأول آدم بن أبي إياس الثاني محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام القرشي العامري أبو الحارث المدني الثالث سعيد بن أبي سعيد واسمه كيسان المقبري أبو سعيد المدني والمقبري نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاورا بها الرابع أبو سعيد المقبري الخامس عبد الله بن وديعة بن حرام أبو وديعة الأنصاري المدني قتل بالحرة السادس سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن رواته كلم مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين متوالية وهم سعيد وأبوه وابن وديعة وقد ذكر ابن سعد ابن وديعة من الصحابة وكذا ذكره ابن منده وعزاه لأبي حاتم وقال الذهبي في ( تجريد الصحابة ) عبد الله ابن وديعة بن حرام الأنصاري له صحبة وروى عنه أبو سعيد المقبري فعلى هذا يكون فيه رواية تابعيين عن صحابيين وفيه رواية الابن عن الأب وفيه أن ابن وديعة ليس له في البخاري إلا هذا الحديث وفيه غمز الدارقطني على البخاري حيث قال إنه اختلف فيه على سعيد المقبري فرواه ابن أبي ذئب عنه هكذا ورواه ابن عجلان عنه فقال عن أبي ذر بدل سلمان وأرسله أبو معشر عنه فلم يذكر سلمان ولا أبا ذر ورواه عبيد الله العمري عنه فقال عن أبي هريرة انتهى قلت رواية ابن عجلان من حديث أبي ذر أخرجها ابن ماجه فقال أخبرنا سهل بن أبي سهل وحوثرة بن محمد قالا أخبرنا يحيى بن سعيد القطان عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبيه عن عبد الله بن وديعة عن أبي ذر عن النبي قال من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله وتطهر فأحسن طهوره ولبس من أحسن ثيابه ومس ما كتب الله له من طيب أهله ثم أتى الجمعة ولم يلغ ولم يفرق بين اثنين غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ورواية أبي معشر عن سعيد بن منصور ورواية عبيد الله العمري عن أبي يعلى ولا يرد كلام الدارقطني لأن رواية البخاري والطريقة التي فيها من اتقن الروايات وأحكمها وغيرها لا يلحقها
ذكر معناه قوله لا يغتسل رجل إلى آخره مشتمل على شروط سبعة لحصول المغفرة وجاء في غيره من الأحاديث شروط أخرى على ما نذكرها إن شاء الله تعالى الأول الاغتسال يوم الجمعة وفيه دليل على أنه يدخل وقت غسل الجمعة بطلوع الفجر من يومه وهو قول جمهور العلماء الثاني التطهر وهو معنى ويتطهر ما استطاع من الطهر وفي رواية الكشميهني من طهر بالتنكير ويراد به المبالغة في التنظيف فلذلك ذكره في باب التفعل وهو للتكلف والمراد به التنظيف بأخذ الشارب وقص الظفر وحلق العانة أو المراد بالاغتسال غسل الجسد وبالتطهر غسل الرأس أو المراد به تنظيف الثياب وورد ذلك في حديث أبي سعيد وأبي أيوب فحديث أبي سعيد عند أبي داود ولفظه من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه وحديث أبي أيوب عند أحمد والطبراني ولفظه من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه الثالث الادهان وهو معنى قوله ويدهن من دهنه والمراد به إزالة شعث الرأس واللحية به ويدهن بتشديد الدال من باب الافتعال لأن أصله يتدهن فقلبت التاء دالا وادغمت الدال في الدال الرابع مس الطيب وهو معنى قوله أو يمس من طيب بيته قيل معناه إن لم يجد دهنا يمس من طيب بيته وقيل أو بمعنى الواو وقال الكرماني و أو في أو يمس لا ينافي الجمع بينهما وقيل بطيب بيته ليؤذن بأن السنة أن يتخذ الطيب لنفسه ويجعل استعماله عادة له فيدخر في البيت بناء على أن المراد بالبيت حقيقته ولكن في حديث عبد الله بن عمرو عند داود أو يمس من طيب امرأته والمعنى على هذا إن لم يتخذ لنفسه طيبا فليستعمل من طيب امرأته وفي حديث سلمان عند البخاري ولفظه أو يمس من طيب بيته وقال شيخنا زين الدين في ( شرح الترمذي ) الظاهر أن تقييد ذلك بطيب المرأة والأهل غير مقصود وإنما خرج مخرج الغالب وإنما المراد بما سهل عليه مما هو موجود في بيته ويدل عليه قوله في حديث أبي سعيد وأبي هريرة ويمس من طيب إن كان عنده أي في البيت سواء كان فيه طيب أهله أو طيب امرأته قوله ثم يخرج زاد في حديث أبي أيوب عند ابن خزيمة إلى المسجد الخامس أن لا يفرق بين اثنين وهو معنى قوله فلا يفرق بين اثنين وهو كناية عن التبكير أي عليه أن يبكر فلا يتخطى رقاب الناس كذا قاله الكرماني ويقال معناه لا يزاحم رجلين فيدخل بينهما لأنه ربما ضيق عليهما خصوصا في شدة الحر واجتماع الأنفاس السادس يصلي ما شاء وهو معنى قوله ثم يصلي ما كتب له وفي حديث أبي الدرداء عند أحمد والطبراني وركع ما قضي له وفي حديث أبي أيوب عند أحمد والطبراني أيضا فيركع إن بدا له السابع الإنصات وهو معنى قوله ثم ينصت بضم الياء من الإنصات يقال أنصت إذا سكت وأنصته إذا أسكته فهو لازم ومتعد والأول المراد هنا ويروى ثم أنصت وفي أصول مسلم انتصت بزيادة التاء المثناة من فوق قال عياض وهو وهم وذكر صاحب ( الموعب ) والأزهري وغيرهما أنصت ونصت وانتصت ثلاث لغات بمعنى واحد فلا وهم

(6/175)


حينئذ قوله إذا تكلم الإمام أي إذا شرع في الخطبة وفي حديث قرثع الضبي حتى يقضي صلاته ونحوه في حديث أبي أيوب
وأما الزيادة على الشروط السبعة المذكورة فمنها المشي وترك الركوب وفي حديث أبي الدرداء عند أحمد والطبراني في ( الكبير ) من اغتسل يوم الجمعة الحديث وفيه ثم مشى إلى الجمعة ولا شك أن المشي في السعي إليها أفضل إلا أن يكون بعيدا عن إقامتها وخشي فوتها فالركوب أفضل وهل المراد بالمشي في الذهاب إليها فقط أو الذهاب والرجوع أما في الذهاب إليها فهو آكد وأما في الرجوع فهو مندوب إليه أيضا ومنها ترك الأذى ففي حديث أبي أيوب ولم يؤذ أحدا فإن قلت قوله فلا يفرق بين اثنين يغني عن هذا قلت الأذى أعم من التفريق بين الاثنين فيحتمل أن يكون الأذى في المسجد وفي طريق المسجد ويدل عليه ما في حديث أبي الدرداء ولم يتخط أحدا ولم يؤذ والعطف يقتضي المغايرة فهو من ذكر العام بعد الخاص ومنها المشي إلى المسجد وعليه السكينة وفي حديث أبي أيوب ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد والمراد به التؤدة في مشيه إلى الجمعة وتقصير الخطا ومنها الدنو من الإمام كما جاء في رواية أبي داود والنسائي وابن ماجه ثم المراد بالدنو من الإمام هل هو حالة الخطبة أو حالة الصلاة إذا تباعد ما بين المنبر والمصلى مثلا الظاهر أن المراد حينئذ الدنو منه في حالة الخطبة لسماعها وفي حديث ابن عباس عند البزار والطبراني في ( الأوسط ) ثم دنا حيث يسمع خطبة الإمام والحديث ضعيف ومنها ترك اللغو وفي حديث عبد الله بن عمر وعند أبي داود ثم لم يتخط رقاب الناس ولم يلغ عند الموعظة كانت كفارة لما بينهما ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا وفي حديث أبي طلحة عند الطبراني في ( الكبير ) وأنصت ولم يلغ في يوم الجمعة الحديث واللغو قد يكون بغير الكلام كمس الحصى وتقليبه بحيث يشغل سمعه وفكره وفي بعض الأحاديث ومن مس الحصى فقد لغا ومنها الاستماع وهو إلقاء السمع لما يقوله الخطيب فإن قلت الأنصات يغني عنه قلت لا لأن الانصات ترك الكلام والاستماع ما ذكرناه وقد يستمع ولا ينصت بأن يلقي سمعه لما يقوله وهو يتكلم بكلام يسير أو يكون قوي الحواس بحيث لا يشتغل بالاستماع عن الكلام ولا بالكلام عن الاستماع فالكمال الجمع بين الإنصات والاستماع
قوله ما بينه وبين الجمعة الأخرى أي ما بين يوم الجمعة هذا وبين يوم الجمعة الأخرى قوله الأخرى يحتمل الماضية قبلها والمستقبلة بعدها لأن الأخرى تأنيث الآخر بفتح الخاء لا بكسرها
ذكر ما يستفاد منه فيه استحباب الغسل يوم الجمعة وقوله لا يغتسل إلى آخره وهو محمول على الغسل الشرعي عند جمهور العلماء وحكي عن المالكية تجويزه بماء الورد ويرده قوله في ( الصحيح ) من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة وفيه استحباب تنظيف ثيابه يوم الجمعة وفيه استحباب الادهان والتطيب وفيه كراهة التخطي يوم الجمعة وقال الشافعي أكره التخطي إلا لمن لا يجد السبيل إلى المصلى إلا بذلك وكان مالك لا يكره التخطي إلا إذا كان الإمام على المنبر وفيه مشروعية التنفل قبل صلاة الجمعة بما شاء لقوله صلى ما كتب له وفيه وجوب الإنصات لورود الأمر بذلك واختلف العلماء في الكلام هل هو حرام أم مكروه كراهة تنزيه وهما قولان للشافعي قديم وجديد قال القاضي قال مالك وأبو حنيفة وعامة الفقهاء يجب الإنصات للخطبة وحكي عن الشعبي والنخعي أنه لا يجب إلا إذا تلى فيها القرآن واختلفوا إذا لم يسمع الإمام هل يلزمه الإنصات كما لو سمعه فقال الجمهور يلزمه وقال النخعي وأحمد والشافعي في أحد قوليه لا يلزمه ولو لغا الإمام هل يلزمه الإنصات أم لا فيه قولان وفيه أن المغفرة ما بينه وبين الجمعة الأخرى مشروطة بوجود ما تقدم من الأمور السبعة المذكورة في الحديث فإن قلت في حديث نبيشة يكون كفارة للجمعة التي تليها فما وجه الجمع بين الحديثين قلت يحتمل أن يحمل الحديثان على حالين فإن كانت له ذنوب في الجمعة التي قبلها كفرت ما قبلها فإن لم تكن له ذنوب فيها بأن حفظ فيها أو كفرت بأمر آخر إما بالأيام الثلاثة الزائدة على الأسبوع التي عينها في الحديث وزيادة ثلاثة أيام فتكفر عنه ذنوب الجمعة المستقبلة فإن قلت تكفير الذنوب الماضية بالحسنات وبالتوبة وبتجاوز الله تعالى فكيف يعقل تكفير الذنب قبل وقوعه قلت المراد عدم المؤاخذة به إذا وقع ومنه ما ورد في مغفرة ما تقدم من الذنب وما تأخر ومنه حديث أبي قتادة في ( صحيح مسلم ) صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده

(6/176)


884 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال ( طاووس ) قلت لابن عباس ذكروا أن النبي قال اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رؤوسكم وإن لم تكونوا جنبا وأصيبوا من الطيب قال ابن عباس أما الغسل فنعم وأما الطيب فلا أدري ( الحديث 884 - طرفه في 885 )
ليس في هذا الحديث ذكر الدهن ليطابق الترجمة ولكن تأتي المطابقة من وجه آخر وهو أن العادة استعمال الدهن بعد غسل الرأس فكأن هذا أشعر به ووجه آخر أن الدهن ذكر في حديث طاووس هذا في رواية إبراهيم بن ميسرة وإنما الزهري الذي لم يذكره وزيادة الثقة الحافظ مقبولة والحديث واحد فكأنه مذكور أيضا في رواية الزهري تقديرا وإن لم يكن صريحا
ورجال الحديث قد تكرر ذكرهم وأبو اليمان هو الحكم بن نافع غالبا يروي عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن طاووس وأخرجه النسائي أيضا في الصلاة عن محمد بن يحيى بن عبد الله عن أبي اليمان به
قوله ذكروا لم يسم طاووس من حدثه بذلك والظاهر أنه أبو هريرة لأن الطحاوي روى من طريق عمرو بن دينار عن طاووس عن أبي هريرة نحوه وكذلك رواه ابن خزيمة وابن حبان قوله واغسلوا رؤوسكم إما تأكيد لاغتسلوا من باب ذكر الخاص بعد العام وبيان لزيادة الاهتمام به أو يراد بالأول الغسل المشهور الذي هو كغسل الجنابة وبالثاني التنظيف من الأذى واستعمال الدهن قوله وإن لم تكونوا جنبا عطف على مقدر تقديره إن كنتم جنبا وإن لم تكونوا جنبا ولفظ الجنب يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث فلذلك وقع خبرا لقوله وإن لم تكونوا قوله وأصيبوا أمر من الإصابة وكلمة من في من الطيب للتبعيض قائم مقام المفعول أي أصيبوا بعض الطيب ومعناه استعملوا قوله فلا أدري أي فلا أعلم أن رسول الله قاله وهذا يخالف ما رواه ابن ماجه من رواية صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عبيد بن السباق عن ابن عباس مرفوعا من جاء إلى الجمعة فليغتسل وإن كان له طيب فليمس منه وصالح ضعيف وخالفه مالك فرواه عن الزهري عن عبيد بن سباق مرسلا
ومما يستفاد منه أن الاغتسال يوم الجمعة للجنابة يجوز عن الجمعة سواء نواه للجمعة أو لا وقال ابن المنذر أكثر من يحفظ فيه من أهل العلم يقولون يجزىء غسلة واحدة للجنابة والجمعة وقال ابن بطال رويناه عن ابن عمر ومجاهد ومكحول والثوري والأوزاعي وأبي ثور وقال أحمد أرجو أن يجزيه وهو قول أشهب وغيره وبه قال المزني وعن أحمد أنه لا يجزيه عن غسل الجنابة حتى ينويها وهو قول مالك في ( المدونة ) وذكره ابن عبد الحكم وذكر ابن المنذر عن بعض ولد أبي قتادة أنه قال من اغتسل للجنابة يوم الجمعة اغتسل للجمعة
885 - حدثنا إبراهيم بن موسى قال أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه ذكر قول النبي في الغسل يوم الجمعة فقلت لابن عباس أيمس طيبا أو دهنا إن كان عند أهله فقال لا أعلمه ( انظر الحديث 884 )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم ستة الأول ( إبراهيم بن موسى ) الفراء أبو إسحاق الرازي الحافظ الثاني ( هشام ) بن يوسف أبو عبد الرحمن قاضي صنعاء مات سنة سبع وتسعين ومائة باليمن الثالث عبد الملك بن جريج الرابع ( إبراهيم بن ميسرة ) بفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وفتح السين والراء المهملتين الطائفي المكي التابعي الخامس طاووس اليماني السادس عبد الله بن عباس
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي وفيه أن رواته ما بين رازي وصنعاني ومكي وطائفي ويماني على نسق مذكور فيه
وأخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن الحسن بن علي وعن محمد بن رافع وعن إسحاق بن إبراهيم وعن هارون بن عبد الله الكل عن ابن جريج
قوله أيمس طيبا الهمزة فيه للاستفهام

(6/177)


وطيبا منصوب بقوله يمس قوله فقال أي ( ابن عباس ) قوله لا أعلمه أي لا أعلم أنه ( قول ) النبي ولا كونه مندوبا
7 -
( باب يلبس أحسن ما يجد )
أي هذا باب ترجمته يلبس من يجيء إلى الجمعة أحسن ما يجد من الثياب
886 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) أن ( عمر بن الخطاب ) رأى حلة سبراء عند باب المسجد فقال يا رسول الله لو اشتريت هاذه فلبستها يوم الجمعة وللموفد إذا قدموا عليك فقال رسول الله إنما يلبس هاذه من لا خلاق له في الآخرة ثم جاءت رسول الله منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه منها حلة فقال عمر يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت قال رسول الله إني لم أكسكها لتلبسها فكساها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أخا له بمكة مشركا
مطابقته للترجمة من حيث إنه يدل على استحباب التجمل يوم الجمعة والتجمل يكون بأحسن الثياب وإنكاره على عمر رضي الله تعالى عنه لم يكن لأجل التجمل بأحسن الثياب وإنما كان لأجل تلك الحالة التي أشار إليها عمر بشرائها من الحرير وبهذا يرد على الداودي قوله ليس في الحديث دلالة على الترجمة لأنه لا يلزم أن تكون الدلالة صريحا ولم يلتزم البخاري بذلك وقد جرت عادته في التراجم بمثل ذلك وبأبعد منه في الدلالة عليها فافهم
ذكر بقية الكلام فيه أما رجاله فإنهم قد تكرر ذكرهم خصوصا على هذا النسق وهذا السند من أعلى الأسانيد وأحسنها مالك عن نافع عن ابن عمر
وأما البخاري فإنه أخرجه في الهبة أيضا عن القعنبي وأخرجه مسلم في اللباس عن يحيى ابن يحيى وأخرجه أبو داود في الصلاة عن القعنبي وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة الكل عن مالك رضي الله تعالى عنه وهو من مسند ابن عمر وجعله مسلم من مسند عمر لا ابنه
وأما معناه فقوله حلة هي الإزار والرداء لا تكون حلة حتى تكون ثوبين سواء كانا من برد أو غيره وقال ابن التين لا تكون حلة حتى تكون جديدة سميت بذلك لحلها عن طيها وقال أبو عبيد الحلل برود اليمن وتجمع على حلال أيضا والأشهر حلل قوله سيراء بكسر السين المهملة وفتح الياء آخر الحروف بعدها راء ممدودة قال ابن قرقول هو الحرير الصافي فمعناه حلة حرير وعن مالك السيراء شيء من حرير وعن ابن الأنباري السيراء الذهب وقيل هو نبت ذو ألوان وخطوط ممتدة كأنها السيور ويخالطها حرير وقال الفراء هي نبت وهي أيضا ثياب من ثياب اليمن وفي ( الصحاح ) برود فيها خطوط صفر وفي ( المحكم ) قيل هو ثوب مسير فيه خطوط يعمل من القز وفي ( الجامع ) قيل هي ثياب يخالطها حرير وفي ( العين ) يقال سيرت الثوب والسهم جعلته خطوطا وفي ( المغيث ) برود يخالطها حرير كالسيور فهو فعلاء من السير وهو القد وقال الطقرطبي هي المخططة بالحرير ذكره الخليل والأصمعي ثم إعراب حلة سيراء ورواه بعضهم على الوصفية قلت فعلى هذا حلة بالتنوين وسيراء صفته وقيل إن سيراء بدل من حلة وليس بصفة وقال الخطابي حلة سيراء كناقة عشراء قلت يعني بالتنوين ولكن أهل العربية يختارون الإضافة قال سيبويه لم يأت فعلاء صفة واختلفت الروايات في هذه اللفظة فقال أبو عمر قال أهل العلم إنها كانت حلة من حرير وجاء من استبرق وهو الحرير الغليظ وقال الداودي هو رقيق الحرير وأهل اللغة على خلافه وفي رواية أخرى من ديباج أو خز وفي رواية حلة سندس وكلها دالة على أنها كانت حريرا محضا وهو الصحيح لأنه هو المحرم وأما المختلط فلا يحرم إلا أن يكون الحرير أكثر وزنا عند الشافعية وعند الحنفية العبرة للحمة كما عرف في موضعه قوله لو اشتريت هذه يجوز أن تكون كلمة لو للشرط ويكون جزاؤها محذوفا تقديره لكان حسنا ويجوز أن تكون للتمني فلا تحتاج إلى الجزاء قوله فلبستها يوم الجمعة وللوفد وفي رواية

(6/178)


للبخاري فلبستها للعيد وللوفود وفي رواية الشافعي فلبستها للجمعة والوفود وهو جمع وفد والوفد جمع وافد وهو القادم رسولا وزائرا منتجعا أو مسترفدا قوله إنما يليس هذه من لا خلاق له وفي رواية إنما يلبس الحرير ويلبس بفتح الباء الموحدة والخلاق الحظ والنصيب من الخير والصلاح وقال ابن سيده لا خلاق له يعني لا رغبة له في الخير وقال عياض وقيل الحرمة وقيل الدين فعلى قول من يقول النصيب والحظ يكون محمولا على الكفار وعلى القولين الأخيرين يتناول المسلم والكافر قوله منها أي من الحلة السيراء والضمير في منها الثاني يرجع إلى الحلل قوله في حلة عطارد بضم العين المهملة وتخفيف الطاء المهملة وكسر الراء وفي آخره دال مهملة وهو عطارد بن حاجب بن زرارة بن زيد بن عبد الله ابن درام بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وفد على النبي سنة تسع وعليه الأكثرون وقيل سنة عشر وهو صاحب الديباج الذي أهداه للنبي وكان كسرى كساه إياه فعجب منه الصحابة فقال رسول الله لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا وقال الذهبي له وفادة مع الأقرع والزبرقان ذكره في ( كتاب الصحابة ) وكان عطارد يقيم بالسوق الحلل أي يعرضها للبيع فأضاف الحلة إليه بهذه الملابسة وقال أبو عمر قال أيوب عن ابن سيرين حلة عطارد أو لبيد على الشك قوله فكساها عمر أي فكسا الحلة التي أرسلها النبي أخا له بمكة مشركا وانتصاب أخا على أنه مفعول ثان لكسا يقال كسوته جبة فيتعدى إلى مفعولين أحدهما غير الأول قوله له في محل النصب لأنه صفة لقوله أخا تقديره أخا كائنا له وكذلك بمكة في محل النصب ومشركا أيضا نصب على أنه صفة بعد صفة قيل إنه أخوه من أمه وقيل أخوه من الرضاعة وفي النسائي و ( صحيح أبي عوانة ) فكساها أخا له من أمه مشركا واسمه عثمان ابن حكيم وقد اختلف في إسلامه قاله بعضهم قلت وفي رواية للبخاري أرسل بها عمر رضي الله تعالى عنه إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم وهذا يدل على إسلامه بعد ذلك
وأما الذي يستفاد منه فعلى أوجه الأول فيه دلالة على حرمة الحرير للرجال قال القرطبي رحمه الله اختلف الناس في لباس الحرير فمن مانع ومن مجوز على الإطلاق والجمهور من العلماء على منعه للرجال وقد صح أنه قال شققها خمرا بين نسائك وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله قال حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه خطب بالجابية فقال نهى النبي عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح الثاني فيه جواز البيع والشراء على أبواب المساجد الثالث فيه مباشرة الصالحين والفضلاء البيع والشراء الرابع فيه جواز ملك ما لا يجوز لبسه له وجواز هديته وتحصيل المال منه وقد جاء لتصيب بها مالا الخامس فيه ما كان عليه من السخاء والجود وصلة الإخوان والأصحاب بالعطاء السادس فيه صلة للأقارب الكفار والإحسان إليهم وجواز الهدية إلى الكافر السابع فيه جواز إهداء الحرير للرجال لأنها لا تتعين للبسهم فإن قلت يؤخذ منه عدم مخاطبة الكفار بالفروع حيث كساه عمر رضي الله تعالى عنه إياه قلت هذه حجة الحنفية فإن الكفار غير مخاطبين بالشرائع عندهم وقالت الشافعية يؤخذ منه ذلك لأنه ليس فيه الإذن وإنما هو الهدية إلى الكافر وقد بعث الشارع ذلك إلى عمر وعلي وأسامة رضي الله تعالى عنهم ولم يلزم منه إباحة لبسها لهم بل صرح بأنه إنما اعطاها لينتفع بها بغير اللبس حيث قال تبيعها وتصيب بها حاجتك الثامن فيه عرض المفضول على الفاضل ما يحتاج إليه من مصالحه التي لا يذكرها التاسع فيه أن من لبس الحرير في الدنيا من الرجال والنساء ظاهره أنه يحرم من ذلك في الآخرة لأن كلمة من تدل على العموم وتتناول الذكور والإناث لكن الحديث مخصوص بالرجال لقيام دلائل أخرى بإباحته للنساء وأما مسألة الحرمان في الآخرة فمنهم من حمله على حقيقته وزعم أن لابسه يحرم في الآخرة من لبسه سواء تاب عن ذلك أو لا جريا على الظاهر والأكثرون على أنه لا يحرم إذا تاب ومات على توبته العاشر فيه استحباب لبس الثياب الحسنة يوم الجمعة وروى أبو داود من حديث ابن سلام قال قال رسول الله ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته وروى ابن ماجه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول

(6/179)


الله ما على أحدكم أن وجد سعة أن يتخذ ثوبين للجمعة سوى ثوبي مهنته وروى ابن أبي شيبة بإسناد على شرط مسلم عن أبي سعيد مرفوعا إن من الحق على المسلم إذا كان يوم الجمعة السواك وأن يلبس من صالح ثيابه وأن يطيب بطيب إن كان
8 -
( باب السواك يوم الجمعة )
أي هذا باب في بيان استعمال السواك يوم الجمعة والسواك إسم لما يدلك به الأسنان من العيدان يقال ساك فاه يسوكه إذا دلكه بالسواك فإذ لم يذكر الفم يقال استاك وقال الجوهري السواك المسواك
وقال أبو سعيد عن النبي يستن
أبو سعيد هو الخدري واسمه سعد بن مالك وهذا تعليق وهو طرف من حديث أبي سعيد ذكره في باب الطيب للجمة وفي الحديث ذكر الجمعة وبه يقع التطابق بين هذا المعلق والترجمة قوله يستن من الاستنان وهو الاستياك
887 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال لولا أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ( الحديث 887 - طرفه في 7240 )
مطابقته للترجمة من حيث إن السواك عند كل صلاة وصلاة الجمعة من كل صلاة
ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان والأعرج عبد الرحمن بن هرمز وهذا الحديث رواه عن أبي هريرة جعفر بن ربيعة بلفظ على أمتي لأمرتهم بالسواك وعند النسائي من رواية قتيبة عن مالك مع كل صلاة وزعم أبو عمر أن رواية عبد الله بن يوسف عن مالك لولا أن أشق على المؤمنين أو على الناس لأمرتهم بالسواك وكذا قاله القعنبي وأيوب بن صالح ومعن وزاد عند كل صلاة وكذلك قال قتيبة فيه عند كل صلاة ولم يقل أو على الناس وذكر أبو العباس أحمد بن طاهر في آخر كتابه ( أطراف الموطأ ) أن أبا هريرة قال لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل وضوء وأنه موقوف عند يحيى بن يحيى وطائفة ورفعه روح وسعيد بن عفير ومطرف وجماعة عن مالك قال ورواية معن ومطرف وجويرية مع كل صلاة وأما الدارقطني فذكر في ( الموطأ ) أن ابن يوسف ومحمد بن يحيى قالا لولا أن أشق على أمتي أو على الناس وقال معن على المؤمنين أو على الناس لأمرتهم بالسواك وزاد معن عند كل صلاة انتهى وكأن قول الدارقطني هو الصواب كما ذكره البخاري وغيره وادعى ابن التين أنه ليس في هذا الحديث في ( الموطأ ) مع كل صلاة ولا قوله أو على الناس وقد ظهر لك خلافه وقال صاحب ( التوضيح ) وفي الباب عن سبعة عشر صحابيا ذكرهم الترمذي فإن قلت كيف التوفيق بين رواية عند كل وضوء ورواية عند كل صلاة قلت السواك الواقع عند الوضوء واقع للصلاة لأن الوضوء مشرع لها
ذكر معناه قوله لولا كلمة لربط امتناع الثانية لوجود الأولى نحو لولا زيد لأكرمتك أي لولا زيد موجود والمعنى ههنا لولا مخافة أن أشق لأمرتهم أمر إيجاب وإلا لانعكس معناها إذ الممتنع المشقة والموجود الأمر وقال القاضي البيضاوي لولا كلمة تدل على انتفاء الشيء لثبوت غيره والحق أنها مركبة من لو الدالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره و لا النافية فدل الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة لأن انتفاء النفي ثبوت فيكون الأمر منفيا لثبوت المشقة قوله أن أشق كلمة أن مصدرية وهي محل الرفع على الابتداء وخبره محذوف واجب الحذف والتقدير لولا المشقة موجودة لأمرتهم قوله أو على الناس شك من الراوي قوله بالسواك أي باستعمال السواك لأن السواك آلة
ذكر الأحكام المتعلقة به وهو على وجوه
الأول ان استعمال السواك هل هو واجب أم سنة فذهب أكثر أهل العلم إلى عدم وجوبه بل ادعى بعضهم فيه الإجماع وحكى الشيخ أبو حامد والماوردي عن إسحاق بن راهويه أنه قال

(6/180)


هو واجب لكل صلاة فمن تركه عامدا بطلت صلاته وعن داود أنه واجب ولكنه ليس بشرط واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به فعند ابن ماجه في حديث أبي أمامة مرفوعا تسوكوا ولأحمد نحوه من حديث العباس وقالوا في حديث أبي هريرة المذكور دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين أحدهما أنه نفي الأمر مع ثبوت الندبية ولو كان للندب لما جاز النفي والآخر أنه جعل الأمر مشقة عليهم وذلك إنما يتحقق أذا كان الأمر للوجوب إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك قلت الجواب أن شيئا من الأحاديث المذكورة لم يثبت وثبوت الندبية بدليل آخر والحديث نفي الفرضية بما ذكرنا والسنية أو الندبية بدلائل أخرى وقال الشافعي فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجبا لأمرهم به شق عليهم أو لم يشق والعجب من صاحب ( الهداية ) يقول السواك سنة لأنه كان يواظب عليه ولم يذكر شيئا من الأحاديث الدالة على المواظبة وقد علم أن مواظبة النبي على فعل شيء يدل على أن ذلك واجب وأعجب منه ما قاله الشراح ( للهداية ) أن المواظبة مع الترك دليل السنية وقد دل على تركه حديث الأعرابي فإنه لم ينقل فيه تعليم السواك فلو كان واجبا لعلمه قلت فيه نظر من وجهين الأول أنهم لم يأتوا بحديث فيه تصريح بأنه تركه في الجملة والثاني أن حديث الأعرابي لا يتم به استدلالهم لأن العلماء اختلفوا في السواك فقال بعضهم هو من سنة الدين وقال بعضهم هو من سنة الوضوء وقال آخرون من سنة الصلاة وقول من قال إنه من سنة الدين أقوى نقل ذلك عن أبي حنيفة وفيه أحاديث تدل على ذلك منها ما رواه أحمد والترمذي من حديث أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أربع من سنن المرسلين الختان والسواك والتعطر والنكاح ورواه ابن أبي خيثمة وغيره من حديث فليح بن عبد الله عن أبيه عن جده نحوه ورواه الطبراني من حديث ابن عباس ومنها ما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عشر من الفطرة فذكر فيها السواك ومنها ما رواه البزار من حديث أبي هريرة الطهارات أربع قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظافر والسواك ورواه الطبراني من حديث أبي الدرداء
الوجه الثاني في بيان وقت الاستياك فعند أكثر أصحابنا وقته وقت المضمضة وذكر صاحب ( المحيط ) وغيره إن وقته وقت الوضوء إلا أن المنقول عن أبي حنيفة أنه من سنن الدين فحينئذ يستوي فيه كل الأحوال وذكر في ( كفاية المنتهي ) أنه يستاك قبل الوضوء وعند الشافعي هو سنة القيام إلى الصلاة وعند الوضوء وعند كل حال يتغير فيها الفم
الوجه الثالث في كيفية الاستياك قال أصحابنا يستاك عرضا لا طولا عند مضمضة الوضوء وأخرج أبو نعيم من حديث عائشة قالت كان يستاك عرضا لا طولا وفي ( مراسيل ) أبي داود إذا استكتم فاستاكوا عرضا وأخرج الطبراني بإسناده إلى بهز قال كان النبي يستاك عرضا وعن إمام الحرمين أنه يمر السواك على طول الأسنان وعرضها فإن اقتصر على أحدهما فالعرض أولى وقال غيره من أصحاب الشافعي يستاك عرضا لا طولا ويأخذ السواك باليمنى والمستحب فيه ثلاث بثلاث مياه
الوجه الرابع في أنه لا تقدير في السواك بل يستاك إلى أن يطمئن قلبه بزوال النكهة واصفرار السن ويقول عند الاستياك اللهم طهر فمي ونور قلبي وطهر بدني وحرم جسدي على النار وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وفي ( المحيط ) العلك للمرأة يقوم مقام السواك لأن أسنانها ضعيفة يخاف منها السقوط وهي ينقي الأسنان ويشد اللثة كالسواك
الوجه الخامس فيمن لا يجد السواك يعالج بالأصبع لما روى البيهقي في ( سننه ) من حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي قال يجزىء من السواك الأصابع وضعفه وروى الطبراني في ( الأوسط ) من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قلت يا رسول الله الرجل يدهن فوه أيستاك قاال نعم قلت كيف يصنع قال يدخل إصبعه في فيه
الوجه السادس فيما يستاك به وما لا يستاك به المستحب أن يستاك بعود من أراك وروى البخاري في ( تاريخه ) وغيره من حديث أبي خيرة الصباحي كنت في الوفد فزودنا رسول الله بالأراك وقال استاكوا بهذا وروى الطبراني في ( الأوسط ) من حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله يقول نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة يطيب الفم ويذهب بالخفر وهو سواكي وسواك الأنبياء قبلي وروى الحارث في ( مسنده ) عن ضمرة بن حبيب قال نهى رسول الله عن السواك بعود الريحان وقال إنه يحرك الجذام
الوجه السابع في

(6/181)


الحكمة في الاستياك قال ابن دقيق العيد الحكمة في استحباب الاستياك عند القيام إلى الصلاة كونها حال تقرب إلى الله تعالى فاقتضى أن تكون حال كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة وقد ورد من حديث علي رضي الله تعالى عنه عند البزار ما يدل على أنه لأمر يتعلق بالملك الذي يستمع القرآن من المصلي فلا يزال يدنو منه حتى يضع فاه على فيه وروى أبو نعيم من حديث جابر برواة ثقاة إذا قام أحدكم من الليل يصلي فليستك فإنه إذا قام يصلي أتاه ملك فيضع فاه على فيه فلا يخرج شيء من فيه إلا وقع في الملك وروى القشيري بلا إسناد عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال عليكم بالسواك فإن في السواك أربعا وعشرين خصلة أفضلها أن يرضى الرحمن وتضاعف صلاته سبعا وسبعين ضعفا ويورث السعة والغنى ويطيب النكهة ويشد اللثة ويسكن الصداع ويذهب وجع الضرس وتصافحه الملائكة لنور وجهه وبرق أسنانه
الوجه الثامن في فضيلة السواك منها ما رواه أحمد وابن حبان من حديث عائشة رضي الله تعالى عنه قالت قال رسول الله السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ومنها ما رواه ابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ولفظه عليكم بالسواك فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب ومنها ما رواه أحمد وابن خزيمة والحاكم والدارقطني وابن عدي والبيهقي في ( الشعب ) وأبو نعيم من حديث عروة عن عائشة عن النبي فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعون ضعفا وقال أبو عمر فضل السواك مجمع عليه لا اختلاف فيه والصلاة عند الجميع به أفضل منها بغيره حتى قال الأوزاعي هو شطر الوضوء ويتأكد طلبه عند إرادة الصلاة وعند الوضوء وقراءة القرآن والاستيقاظ من النوم وعند تغير الفم ويستحب بين كل ركعتين من صلاة الليل ويوم الجمعة وقبل النوم وبعد الوتر وعند الأكل في السحر
الوجه التاسع في حديث الباب بيان ما كان النبي عليه من الشفقة على أمته لأنه لم يأمر بالسواك على سبيل الوجوب مخافة المشقة عليهم
الوجه العاشر فيه جواز الاجتهاد منه فيما لم ينزل عليه فيه نص لكونه جعل المشقة سببا لعدم أمره فلو كان الحكم متوقفا على النص لكان سبب انتفاء الوجوب عدم ورود النص لا وجود المشقة فيكون معنى قوله لأمرتهم أي عن الله بأنه واجب قلت هذا احتمال بعيد والظاهر أنه ترك الأمر به لخوف المشقة والأمر منه أمر من الله في الحقيقة لأنه لا ينطق عن الهوى
الثاني عشر استدل به النسائي على استحباب السواك للصائم بعد الزوال لعموم قوله عند كل صلاة
الثاني عشر استدل بهذه اللفظة على استحباب السواك للفرائض والنوافل وصلاة العيد والاستسقاء والكسوف والخسوف لاقتضاء العموم ذلك
الثالث عشر قال المهلب فيه إن السنن والفضائل ترتفع عن الناس إذا خشي منها الحرج على الناس وإنما أكد في السواك لمناجاة الرب وتلقي الملائكة فلزم تطهير النكهة وتطييب الفم
الرابع عشر فيه إباحة السواك في المسجد لأن عند تقتضي الظرفية حقيقة فتقتضي استحبابه في كل صلاة وعند بعض المالكية كراهته في المسجد لاستقذاره والمسجد ينزه عنه
888 - حدثنا ( أبو معمر ) قال حدثنا ( عبد الوارث ) قال حدثنا ( شعيب بن الحبحاب ) قال حدثنا ( أنس ) قال قال رسول الله أكثرت عليكم في السواك
مطابقته للترجمة من حيث إن الإكثار في السواك الذي هو المبالغة في الحث عليه يتناول فعلها عند سائر الصلوات المكتوبة والجمعة أقواها لأنها يوم ازدحام فكما أن الاغتسال مستحب فيه لتنظيف البدن وإزالة الرائحة الكريهة رفعا لأذاها عن الناس فكذلك تطهير النكهة بل هو أقوى على ما لا يخفى ولقد أبعد ابن رشيد في توجيه المطابقة بين الحديث وبين الترجمة واستحسنه بعضهم حتى نقله في كتابه فمن نظر فيه عرف وجه الاستبعاد فيه
ذكر رجاله وهم أربعة الأول أبو معمر بفتح الميمين عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج واسمه ميسرة التميمي البصري الثاني عبد الوارث بن سعيد وهو رواية الثالث شعيب بن الحبحاب بفتح الحاءين المهملتين بينهما باء موحدة ساكنة وبعد الألف باء أخرى أبو صالح البصري الرابع أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في كل الإسناد وفيه القول في خمسة مواضع وفيه أن رواته كلهم

(6/182)


بصريون وفيه أنه في أفراده قاله صاحب ( التوضيح ) وليس كذلك فإن النسائي أخرجه أيضا في الطهارة عن حميد بن مسعدة وعمران بن موسى عن عبد الوارث
ذكر معناه قوله أكثرت عليكم أي بالغت معكم في أمر السواك وقال الكرماني ويروى بصيغة المجهول من الماضي أي بولغت من عند الله قال الجوهري يقال فلان مكثور عليه إذا نفذ ما عنده وفي ( التوضيح ) معناه حقيق أن أفعل وحقيق أن تسمعوا وتطيعوا قوله في السواك أي في استعمال السواك هذا إذا كان المراد من السواك الآلة وإذا كان المراد منه الفعل فلا حاجة إلى التقدير فافهم
889 - حدثنا ( محمد بن كثير ) قال أخبرنا ( سفيان ) عن ( منصور وحصين ) عن ( أبي وائل ) عن ( حذيفة ) قال كان النبي إذا قام من الليل يشوص فاه ( انظر الحديث 245 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث إن قيامه في الليل يحتمل أن يكون للصلاة وهو الظاهر من حاله وكان يشوص فاه لأجل التنظيف وقد علم من زيادة اهتمامه بالجمعة في تنظيفها وكانت له مزية فضيلة وكان السواك مستحبا لكل صلاة فكانت الجمعة أولى بذلك خصوصا لأنه يوم ازدحام من الناس وحضور من الملائكة فدلالته على مطابقته للترجمة من هذه الحيثية وإن لم يكن صريحا لأن الأمور الاعتبارية تراعى في مثل هذه المواضع
ذكر رجاله وهم ستة الأول محمد بن كثير ضد القليل مر في باب الغضب في الموعظة الثاني سفيان الثوري الثالث منصور بن المعتمر الرابع حصين بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة ابن عبد الرحمن مر في باب الأذان بعد الوقت الخامس أبو وائل شقيق بن سلمة الكوفي السادس حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد والإخبار كذلك في موضع واحد وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضع واحد وفيه رواية واحد عن اثنين وفيه شيخ البخاري بصري والبقية كوفيون وفيه ثلاثة غير منسوبين وواحد مكي
والحديث أخرجه البخاري في آخر كتاب الوضوء في باب السواك عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن أبي وائل عن حذيفة إلى آخره نحوه وفي آخره بالسواك وقد تكلمنا هناك على جميع ما يتعلق به من الأشياء
قوله يشوص فاه أي يدلك أسنانه وينقيها وقيل هو أن يستاك من سفل إلى علو وأصل الشوص الغسل قاله ابن الأثير ومنهم من فسر الشوص بأن يستاك طولا وهو غير مرضي والوجه ما ذكرناه
9 -
( باب من تسوك بسواك غيره )
أي هذا باب في بيان من تسوك بسواك غيره فكأنه يشير بحديث هذا الباب إلى جواز ذلك وإلى طهارة ريق بني آدم
890 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( سليمان بن بلال ) قال قال ( هشام بن عروة ) أخبرني أبي عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت دخل عبد الرحمان بن أبي بكر ومعه سواك يستن به فنظر إليه رسول الله فقلت له أعطني هاذا السواك يا عبد الرحمان فأعطانيه فقصمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله فاستن به وهو مستسند إلى صدري
مطابقته للترجمة ظاهرة فإنه تسوك بسواك عبد الرحمن رضي الله تعالى عنه
ذكر رجاله وهم خمسة الأول إسماعيل بن أبي أويس الثاني سليمان بن بلال الثالث هشام بن عروة الرابع أبوه عروة بن الزبير بن العوام الخامس عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن رواته كلهم مدنيون وفيه أن رواية إسماعيل

(6/183)


عن سليمان بهذا الإسناد لم تعرف في غير طريق البخاري عنه وإسماعيل يروي عنه أيضا كثيرا بواسطة
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في فضائل أبي بكر وفي الجنائز بالإسناد المذكور عن إسماعيل وأخرجه أيضا في الخمس والمغازي ومرضه وفضل عائشة رضي الله تعالى عنها وأخرجه مسلم في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر معناه قوله دخل أي دخل عبد الرحمن حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها في مرض رسول الله قوله ومعه سواك جملة إسمية وقعت حالا وكذلك قوله يستن به جملة فعلية حالية أي يستاك به من الاستنان وقد مر عن قريب قوله إليه أي إلى عبد الرحمن قوله فقلت له أي قالت عائشة فقلت لعبد الرحمن قوله فقصمته في هذه اللفظة ثلاث روايات الأولى بالقاف والصاد المهملة وهي رواية الأكثرين أي كسرته فأبنت منه الموضع الذي كان عبد الله يستن منه وأصل القصم الدق والكسر ويقال لما يكسر من رأس السواك إذا قصم القصامة يقال والله لو سألني قصامة سواك ما أعطيته و القصمة بالكسر الكسرة وفي الحديث استغنوا ولو من قصمة السواك الرواية الثانية بالفاء والصاد المهملة فإنه كسر بإبانة وقال ابن التين هو في الكتب بصاد غير معجمة وقاف وضبطه بعضهم بالفاء والمعنى صحيح الرواية الثالثة بالقاف والضاد المعجمة وهي رواية كريمة وابن السكن والمستملي والحموي وهو من القضم بالقاف والضاد المعجمة وهو الأكل بأطراف الأسنان وقال ابن الجوزي وهو الأصح وكانت عائشة أخذته بأطراف أسنانها وقال ثعلب قضمت الدابة شعيرها بكسر ثانيه تقضم وحكى الفتح في الماضي قوله وهو مستند جملة إسمية وقعت حالا ويروى وهو مستسند فالأول من الاستناد من باب الافتعال والثاني من الاستسناد من باب الاستفعال
ذكر ما يستفاد منه فيه دليل على طهارة ريق بني آدم وعن النخعي نجاسة البصاق وفيه دليل على جواز الدخول في بيت المحارم وفيه إصلاح السواك وتهيئته وفيه الاستياك بسواك غيره وفيه العمل بما يفهم عند الإشارة والحركات وفيه الدليل على تأكد أمر السواك في استعماله
10 -
( باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة )
أي هذا باب في بيان ما يقرأ في صلاة الفجر في صبح يوم الجمعة وقوله يقرأ على صيغة المجهول ويجوز أن يكون على صيغة المعلوم أي يقرأ المصلي وكلمة ما موصولة ومنع بعضهم أن تكون استفهامية ولا مانع مع ذلك على ما لا يخفى
891 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( سفيان ) عن ( سعد بن إبراهيم ) عن عبد الرحمان هو ابن هرمز الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال كان النبي يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر الم تنزيل السجدة وهل أتى على الإنسان ( الحديث 891 - طرفه في 1068 )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله كلهم قد ذكروا غير مرة وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين وسفيان هو الثوري وسعد بن إبراهيم بن ( عبد الرحمن ) بن عوف
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضعين وفي بعض النسخ حدثنا محمد بن يوسف عن سفيان وهي رواية كريمة ومحمد بن يوسف هو الفريابي وفي بعضها حدثنا محمد بن يوسف أبو نعيم كلاهما عن سفيان وفيه رواية التابعي عن التابعي وهما سعد والأعرج وفيه الأولان من الرواة كوفيان والثالث والرابع مدنيان فإن قلت طعن سعد بن إبراهيم في روايته لهذا الحديث ولهذا امتنع مالك عن الرواية عنه والناس تركوا العمل به لا سيما أهل المدينة قلت لم ينفرد سعد به مطلقا فقد أخرجه مسلم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله وكذا ابن ماجه من حديث سعد بن أبي وقاص كان رسول الله يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة الم تنزيل وهل أتى وعن علي رضي الله تعالى عنه مرفوعا

(6/184)


مثله رواه الطبراني وعن ابن مسعود مثله أخرجه ابن ماجه والطبراني وامتناع مالك من الرواية عنه ليس لأجل هذا الحديث بل لكونه طعن في نسب مالك وقولهم إن الناس تركوا العمل به غير صحيح لأن ابن المنذر قال أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين قالوا به
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصلاة عن زهير بن حرب عن وكيع عن سفيان به وعن أبي الطاهر ابن السرح عن ابن وهب عن إبراهيم بن سعد عن أبيه به وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن بشار عن يحيى عن إبراهيم وعن عمرو بن علي عن ابن مهدي كلاهما عن سفيان به وأخرجه ابن ماجه فيه عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب به
ذكر معناه قوله كان النبي قال الكرماني قالوا مثل هذا التركيب يفيد الاستمرار انتهى قلت أكثر العلماء على أن كان لا يقتضي المداومة والدليل على ذلك ما رواه مسلم من حديث النعمان بن بشير قال كان رسول الله يقرأ في العيدين وفي الجمعة ب سبح اسم ربك الأعلى و هل أتاك حديث الغاشية الحديث وروى أيضا من حديث الضحاك بن قيس أنه سأل عن النعمان بن بشير ما كان النبي يقرأ به يوم الجمعة قال سورة الجمعة و هل أتاك حديث الغاشية وروى الطحاوي من حديث ( أبي هريرة ) عن النبي أنه كان يقرأ في الجمعة بسورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون فهذه الأحاديث فيها لفظة كان ولم تدل على المداومة بل كان قرأ بهذا مرة وبهذا مرة فحكى عنه كل فريق ما حضره ففيه دليل على أن لا توقيت للقراءة في ذلك وأن للإمام أن يقرأ في ذلك مع فاتحة الكتاب أي القرآن شاء قوله في الفجر يوم الجمعة وفي رواية كريمة والأصيلي في الجمعة في صلاة الفجر قوله آلم تنزيل الكتاب بضم اللام على الحكاية وفي رواية كريمة السجدة وهو بالنصب على أنه عطف بيان قوله وهل أتى على الإنسان وفي رواية الأصيلي زيادة حين من الدهر ومعناه يقرأ في الركعة الأولى الم تنزيل وفي الثانية هل أتى على الإنسان وأوضح ذلك في رواية مسلم من طريق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه بلفظ الم تنزيل في الركعة الأولى وفي الثانية هل أتى على الإنسان
ذكر ما يستفاد منه قال ابن بطال ذهب أكثر العلماء إلى القول بهذا الحديث روي ذلك عن علي وابن عباس واستحبه النخعي وابن سيرين وهو قول الكوفيين والشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا هو سنة واختلف قول مالك في ذلك فروى ابن وهب عنه أنه لا بأس أن يقرأ الإمام بالسجدة في الفريضة وروى عنه أشهب أنه كره للإمام إلا أن يكون من خلفه قليل لا يخاف أن يخلط عليهم قلت الكوفيون مذهبهم كراهة قراءة شيء من القرآن مؤقتة لشيء من الصلوات أن يقرأ سودة السجدة وهل أتى في الفجر كل جمعة وقال الطحاوي رحمه الله تعالى معناه إذ رآه حتما واجبا لا يجزىء غيره أو رأى القراءة بغيرها مكروهة أما لو قرأها في تلك الصلاة تبركا أو تأسيا بالنبي أو لأجل التيسير فلا كراهة وفي ( المحيط ) بشرط إن يقرأ غير ذلك أحيانا لئلا يظن الجاهل أنه لا يجوز غيره وقال المهلب القراءة في الصلاة محمولة على قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر منه ( المزمل 20 ) وقال أبو عمر في ( التمهيد ) قال مالك يقرأ في صلاة العيدين بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوهما وفي ( المغني ) لابن قدامة ويستحب أن يقرأ في الأولى من العيد بسبح وفي الثانية بالغاشية نص عليه أحمد وقال الشافعي فقرأ بقاف واقتربت لحديث أبي واقد الليثي قال سألني عمر رضي الله تعالى عنه بما قرأ رسول الله في العيدين قلت قاف واقتربت الساعة وانشق القمر رواه الطحاوي ومسلم وأخرجه الأربعة مرسلا واسم أبي واقد الحارث بن مالك وقيل الحارث بن عوف وقيل عوف بن الحارث وقال ابن حزم في ( المحلى ) واختيارنا هو اختيار الشافعي وأبي سليمان وأما صلاة الجمعة فقد قال أبو عمر اختلف الفقهاء فيما يقرأ به في صلاة الجمعة فقال مالك أحب إلي أن يقرأ الإمام في الجمعة هل أتاك حديث الغاشية مع سورة الجمعة وقال مرة أخرى أما الذي جاء به الحديث فهل أتاك حديث الغاشية مع سورة الجمعة والذي أدركت عليه الناس سبح اسم ربك الأعلى قال أبو عمر محصل مذهب مالك أن كلتي السورتين قراءتهما مستحبة مع سورة الجمعة فإن فعل وقرأ بغيرهما فقد أساء وبئس ما صنع ولا تفسد عليه بذلك صلاته وقال الشافعي وأبو ثور يقرأ في الركعة الأولى بسورة الجمعة وفي الثانية

(6/185)


إذا جاءك المنافقون واستحب مالك والشافعي وأبو ثور وداود بن علي أن لا يترك سورة الجمعة على كل حال فإن قلت قد ثبتت قراءة النبي في صلاة الفجر يوم الجمعة بسورة السجدة فهل ورد أنه سجد فيها أم لا قلت ذكر ابن أبي داود في ( كتاب الشريعة ) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس غدوت على النبي يوم الجمعة في صلاة الفجر فقرأ سورة فيها سجدة فسجد وروى الطبراني في ( الصغير ) من حديث على أن النبي سجد في صلاة الصبح في تنزيل السجدة والله أعلم وفي إسناد الأول أبان ولا يدري من هو والثاني ضعيف فإن قلت ما الحكمة في اختصاص يوم الجمعة بقراءة هذه السورة بعينها حتى إذا لم يقرأها يستحب أن يقرأ سورة فيها سجدة وفي إضافة هل أتى إليها قلت الحكمة في ذلك الإشارة إلى ما في هاتين السورتين من ذكر خلق آدم وأحوال يوم القيامة وأنها تقع يوم الجمعة
11 -
( باب الجمعة في القرى والمدن )
أي هذا باب في بيان حكم صلاة الجمعة في القرى والمدن والقرى جمع قرية على غير قياس قال الجوهري لأن ما كان على فعلة بفتح الفاء من المعتل فجمعه ممدود مثل ركوة وركاء وظبية وظباء فجاء القرى مخالفا لبابه لا يقاس عليه ويقال القرية لغة يمانية ولعلها جمعت على ذلك مثل لحية ولحى والنسبة إليها قروي وقال ابن الأثير القرية من المساكن والأبنية والضياع وقد تطلق على المدن وقال صاحب ( المطالع ) القرية المدينة وكل مدينة قرية لاجتماع الناس فيها من قريت الماء في الحوض أي جمعته والمدن بضم الميم وسكون الدال جمع مدينة وتجمع أيضا على مدائن بالهمزة وقد تضم الدال واشتقاقها من مدن بالمكان إذا أقام به ويقال وزنها فعيلة إذا كانت من مدن إذا أقام ومفعلة إذا كانت من دنت أي ملكتوفلان مدن المدائن كما يقال مصر الأمصار وسئل أبو علي الفسوي عن همز مدائن فقال إن كانت من مدن تهمز وإن كانت من دين أي ملك لا تهمز وإذا نسبت إلى مدينة الرسول قلت مدني والي مدينة منصور مديني وإلى مدائن كسرى قلت مدائني للفرق بين النسب لئلا يختلط
892 - حدثنا ( محمد بن المثنى ) قال حدثنا ( أبو عامر العقدي ) قال حدثنا ( إبراهيم بن طهمان ) عن ( أبي جمرة الضبعي ) عن ( ابن عباس ) أنه قال إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين ( الحديث 892 - طرفه في 4371 )
مطابقته للجزء الأول من الترجمة إنما تتجه إذا كان المراد من جواثى أنها تكون قرية من قرى البحرين وأما إذا كان جواثى اسم مدينة فالتطابق يكون للجزء الثاني من الترجمة وسنحقق الكلام فيما يتعلق بجواثى
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن المثنى بلفظ المفعول من التثنية بالثاء المثلثة وقد مر في باب حلاوة الإيمان الثاني أبو عامر العقدي واسمه عبد الملك بن عمرو والعقدي بفتح العين المهملة وفتح القاف نسبة إلى العقد قوم من قيس وهم صنف من الأزد مر في باب أمور الإيمان الثالث إبراهيم بن طهمان بفتح الطاء المهملة مر في باب القسمة وتعليق القنو في المسجد الرابع أبو جمرة بفتح الجيم واسمه نصر بن عمران والضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة وبالعين المهملة نسبة إلى ضبيعة أبو حي من بكر بن وائل الخامس عبد الله بن عباس
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن الأولين من الرواة بصريان والثالث هروي والرابع بصري وفيه عن ابن عباس هكذا رواه الحفاظ من أصحاب إبراهيم بن طهمان عنه وخالفهم المعافي بن عمران فقال عن ابن طهمان عن محمد بن زياد عن أبي هريرة أخرجه النسائي قالوا إنه خطأ من المعافي على أنه يحتمل أن يكون لإبراهيم فيه إسنادان
والحديث من أفراد البخاري وأخرج أبو داود وقال حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله المخرمي لفظه قالا حدثنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن أبي جمرة عن ابن عباس قال إن أول جمعة جمعت في الإسلام بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله بالمدينة

(6/186)


لجمعة جمعت بجواثى قرية من قرى البحرين قال عثمان قرية من قرى عبد القيس
ذكر معناه قوله جمعت بضم الجيم وتشديد الميم ويقال جمع القوم تجميعا أي شهدوا الجمعة وقضوا الصلاة فيها وفي رواية أبي داود جمعت في الإسلام كما ذكرنا الآن قوله بعد جمعة وفي رواية للبخاري في أواخر المغازي بعد جمعة جمعت قوله في مسجد رسول الله وفي رواية وكيع بالمدينة ووقع في رواية المعافي بمكة وهو خطأ بلا نزاع قوله في مسجد عبد القيس هو علم لقبيلة كانوا ينزلون بالبحرين وهو موضع قريب من بحر عمان بقرب القطيف والأحساء قوله بجواثى بضم الجيم وتخفيف الواو وبالثاء المثلثة وبالقصر ومنهم من يهمزها وهي قرية من قرى البحرين وهكذا وقع في رواية وكيع كما ذكرناه عن أبي داود وفي رواية عثمان شيخ أبي داود قرية من قرى عبد القيس وكذا وقع في رواية الإسماعيلي من رواية محمد بن أبي حفصة عن ابن طهمان وحكى ابن التين عن الشيخ أبي الحسن أنها مدينة وفي ( الصحاح ) للجوهري و ( البلدان ) للزمخشري جواثى حصن بالبحرين وقال أبو عبيد البكري وهي مدينة بالبحرين لعبد القيس قال امرؤ القيس
( ورحنا كأنا من جواثى عشية
نعالى النعاج بين عدل ومحقب )
يريد كأنا من تجار جواثى لكثرة ما معهم من الصيد وأراد كثرة أمتعة تجار جواثى قلت كثرة الأمتعة تدل غالبا على كثرة التجار وكثرة التجار تدل على أن جواثى مدينة قطعا لأن القرية لا يكون فيها تجار كثيرون غالبا عادة فإن قلت قد يطلق على المدينة اسم قرية كما في قوله تعالى لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( الزخرف 31 ) يعني مكة والطائف قلت إطلاق لفظ القرية على المدينة باعتبار المعنى اللغوي ولا يخرج ذلك عن كونه مدينة فلا يتم استدلال من يجيز الجمعة في القرى بهذا الوجه كما سنذكره مستوفى عن قريب إن شاء الله تعالى
ذكر ما يستفاد منه استدلت الشافعية بهذا الحديث على أن الجمعة تقام في القرية إذا كان فيها أربعون رجلا أحرارا مقيمين حتى قال البيهقي باب العدد الذين إذا حضروا في قرية وجبت عليهم ثم ذكر فيه إقامة الجمعة بجواثى قلنا لا نسلم أنها قرية بل هي مدينة كما حكينا عن البكري وغيره حتى قيل كان يسكن فيها فوق أربعة آلاف نفس والقرية لا تكون كذلك وإطلاق القرية عليها من الوجه الذي ذكرناه ولئن سلمنا أنها قرية فليس في الحديث أنه اطلع على ذلك وأقرهم عليه واختلف العلماء في الموضع الذي تقام فيه الجمعة فقال مالك كل قرية فيها مسجد أو سوق فالجمعة واجبة على أهلها ولا يجب على أهل العمود وإن كثروا لأنهم في حكم المسافرين وقال الشافعي وأحمد كل قرية فيها أربعون رجلا أحرارا بالغين عقلاء مقيمين بها لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء إلا ظعن حاجة فالجمعة واجبة عليهم وسواء كان البناء من حجر أو خشب أو طين أو قصب أو غيرها بشرط أن تكون الأبنية مجتمعة فإن كانت متفرقة لم تصح وأما أهل الخيام فإن كانوا ينتقلون من موضعهم شتاء أو صيفا لم تصح الجمعة بلا خلاف وإن كانوا دائمين فيها شتاء وصيفا وهي مجتمعة بعضها إلى بعض ففيه قولان أصحهما لا تجب عليهم الجمعة ولا تصح منهم وبه قال مالك والثاني تجب عليهم وتصح منهم وبه قال أحمد وداود ومذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه لا تصح الجمعة إلا في مصر جامع أو في مصلى المصر ولا تجوز في القرى وتجوز في منى إذا كان الأمير أمير الحاج أو كان الخليفة مسافرا وقال محمد لا جمعة بمنى ولا تصح بعرفات في قولهم جميعا وقال أبو بكر الرازي في كتابه ( الأحكام ) اتفق فقهاء الأمصار على أن الجمعة مخصوصة بموضع لا يجوز فعلها في غيره لأنهم مجتمعون على أنها لا تجوز في البوادي ومناهل الأعراب وذكر ابن المنذر عن ابن عمر أنه كان يرى على أهل المناهل والمياه أنهم يجمعون
ثم اختلف أصحابنا في المصر الذي تجوز فيه الجمعة فعن أبي يوسف هو كل موضع يكون فيه كل محترف ويوجد فيه جميع ما يحتاج إليه الناس من معايشهم عادة وبه قاض يقيم الحدود وقيل إذا بلغ سكانه عشرة آلاف وقيل عشرة آلاف مقاتل وقيل بحيث أن لو قصدهم عدو لأمكنهم دفعه وقيل كل موضع فيه أمير وقاض يقيم الحدود وقيل أن لو اجتمعوا إلى أكبر مساجدهم لم يسعهم وقيل أن يكون بحال يعيش كل محترف بحرفته من سنة إلى سنة من غير أن يشتغل بحرفة أخرى وعن محمد موضع مصرة الإمام فهو مصر حتى إنه لو بعث إلى قرية نائبا لإقامة الحدود والقصاص تصير مصرا فإذا عز له ودعاه يلحق بالقرى

(6/187)


ثم استدل أبو حنيفة على أنها لا تجوز في القرى بما رواه عبد الرزاق في ( مصنفه ) أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه قال لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ورواه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا عباد بن العوام عن حجاج عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله تعالى عنه قال لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة وروى أيضا بسند صحيح حدثنا جرير عن منصور عن طلحة عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن أنه قال قال علي رضي الله تعالى عنه لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع فإن قلت قال النووي حديث علي ضعيف متفق على ضعفه وهو موقوف عليه بسند ضعيف منقطع قلت كأنه لم يطلع إلا على الأثر الذي فيه الحجاج بن أرطاة ولم يطلع على طريق جرير عن منصور فإنه سند صحيح ولو اطلع لم يقل بما قاله وأما قوله متفق على ضعفه فزيادة من عنده ولا يدري من سلفه في ذلك على أن أبا زيد زعم في ( الأسرار ) أن محمد بن الحسن قال رواه مرفوعا معاذ وسراقة بن مالك رضي الله تعالى عنهما فإن قلت في ( سنن سعيد بن منصور ) عن أبي هريرة أنهم كتبوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه من البحرين يسألونه عن الجمعة فيكتب إليهم إجمعوا حيث ما كنتم وذكره ابن أبي شيبة بسند صحيح بلفظ جمعوا وفي ( المعرفة ) أن أبا هريرة هو السائل وحسن سنده وروى الدارقطني عن الزهري عن أم عبد الله الدوسية قالت قال رسول الله الجمعة واجبة على أهل كل قرية فيها إمام وإن لم يكونوا إلا أربعة وزاد أبو أحمد الجرجاني حتى ذكر النبي ثلاثة وفي ( المصنف ) عن مالك كان أصحاب النبي في هذه المياه بين مكة والمدينة يجمعون وروى أبو داود حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وكان قائد أبيه بعدما ذهب بصره عن أبيه عن كعب بن مالك أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة فقلت له إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد ابن زرارة قال لأن أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات قلت كم أنتم يومئذ قال أربعون وأخرجه أيضا ابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي وزاد قبل مقدم النبي وفي ( المعرفة ) قال الزهري لما بعث النبي مصعب بن عمير إلى المدينة ليقرئهم القرآن جمع بهم وهم اثنا عشر رجلا فكان مصعب أول من جمع الجمعة بالمدينة بالمسلمين قبل أن يقدمها رسول الله قال البيهقي يريد الاثنا عشر النقباء الذين خرجوا به إلى المدينة وكانوا له ظهيرا وفي حديث كعب جمع بهم أسعد وهم أربعون وهو يريد جميع من صلى معه ممن أسلم من أهل المدينة مع النقباء وعن جعفر بن برقان قال كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه إلى عدي بن عدي وأما أهل قرية ليسوا بأهل عمود فأمر عليهم أميرا يجمع بهم رواه البيهقي قلت الجواب عن الأول معناه جمعوا حيث ما كنتم من الأمصار ألا ترى أنها لا تجوز في البراري وعن الثاني أن رواته كلهم عن الزهري متروكون ولا يصح سماع الزهري من الدوسية وعن الثالث أنه ليس فيه دليل على وجوب الجمعة على أهل القرى وعن الرابع أن فيه محمد بن إسحاق فقال البيهقي الحفاظ يتوقون ما ينفرد به ابن إسحاق وهنا قد تفرد به والعجب منه تصحيحه هذا الحديث والحال أنه كان يتكلم في ابن إسحاق بأنواع الكلام فإن قلت قال الحاكم إنه على شرط مسلم قلت ليس كما قال لأن مداره على ابن إسحاق ولم يخرج له مسلم إلا متابعة وعن الخامس أن النبي لم يأمرهم بذلك ولا أقرهم عليه وعن السادس أنه رأى عمر بن عبد العزيز ليس بحجة ولئن سلمنا فليس فيه ذكر عدد وقال عبد الحق في أحكامه لا يصح في عدد الجمعة شيء فإن قلت قال ابن حزم في معرض الاستدلال لمذهبه ومن أعظم البرهان أن النبي أتى المدينة وإنما هي قرى صغار متفرقة فبنى مسجده في بني مالك بن النجار وجمع فيه في قرية ليست بالكبيرة ولا مصر هناك قلت هذا ليس بشيء من وجوه الأول قد صحح قول علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الذي هو أعلم الناس بأمر المدينة لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع الثاني أن الإمام أي موضع حل جمع الثالث التمصير للإمام فأي موضع مصر
وأما معنى حديث أبي داود فقوله في هزم النبيت الهزم بفتح الهاء وسكون الزاي بعدها ميم موضع بالمدية و النبيت بفتح النون وكسر الباء الموحدة بعدها ياء آخر الحروف وفي آخره تاء مثناة من فوق وهي حي من اليمن قوله من حرة بني بياضة الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد

(6/188)


الراء قرية على ميل من المدينة وبنو بياضة بطن من الأنصار منهم سلمة بن صخر البياضي له صحبة قوله في نقيع بفتح النون وكسر القاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره عين مهملة بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مدة فإذا نضب الماء أنبت الكلأ ومنه حديث عمر رضي الله تعالى عنه أنه حمى النقيع لخيل المسلمين وقد يصحفه بعض الناس فيرويه بالباء الموحدة و البقيع بالباء موضع القبور وهو بقيع الغرقد قوله يقال له نقيع الخضمات بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين قال ابن الأثير نقيع الخضمات موضع بنواحي المدينة
893 - حدثنا ( بشر بن محمد المروزي ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال أخبرنا ( سالم بن عبد الله ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله يقول كلكم راع وزاد الليث قال يونس كتب رزيق بن حكيم إلى ابن شهاب وأنا معه يومئذ بوادي القري هل ترى أن أجمع ورزيق عامل على أرض يعملها وفيها جماعة من السودان وغيرهم ورزيق يومئذ على أيلة فكتب ابن شهاب وأنا أسمع يأمره أن يجمع يخبره أن سالما حدثه أن عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله يقول كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته الإمام راع ومسؤل عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤل عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤلة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤل عن رعيته قال وحسبت أن قال والرجل راع في مال أبيه ومسؤل عن رعيته وكلكم راع ومسؤل عن رعيته
مطابقته للترجمة من حيث إن زريق بن حكيم لما كان عاملا على طائفة كان عليه أن يراعي حقوقهم ومن جملتها إقامة الجمعة فيجب عليه إقامتها وإن كانت في قرية هكذا قرره الكرماني قلت إنما تتجه المطابقة للجزء الثاني للترجمة لأن القرية إذا كان فيها نائب من جهة الإمام يقيم الحدود يكون حكمها حكم الأمصار والمدن كما ذكرناه عن قريب عن محمد بن الحسن وإن كان مراد الكرماني أن هذا الحديث يدل على جواز إقامة الجمعة في القرى فلا يتم به استدلاله والظاهر أن مراد البخاري هذا وليس كذلك لأنه ليس في هذا الحديث ولا في الحديث الذي قبله مطابقة إلا للجزء الثاني من الترجمة على الوجه الذي قررناه وإنما مطابقتها للجزء الأول وليس فيه خلاف وكان مقصود البخاري أن يشير إلى الخلاف فلم يتم فافهم
ذكر رجاله وهم سبعة الأول بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن محمد أبو محمد السجستاني المروزي مات سنة أربع وعشرين ومائتين الثاني عبد الله بن المبارك الثالث ابن يونس بن يزيد الأيلي الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب السادس أبوه عبد الله بن عمر السابع رزيق بضم الراء وفتح الزاي ابن حكيم بضم الحاء وفتح الكاف الفزاري مولى بني فزارة الأيلي والي أيلة لعمر بن عبد العزيز وقيل زريق بتقديم الزاي على الراء والمشهور الأول وقال ابن الحذاء وكان حاكما بالمدينة وقال ابن ماكولا كان عبدا صالحا وقال النسائي ثقة وقال علي بن المديني حدثنا سفيان مرة رزيق بن حكيم أو حكيم وكثيرا ما كان يقول ابن حكيم بالفتح والصواب الضم
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه الإخبار كذلك في موضعين بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في خمسة مواضع وفيه السماع وفيه الكتابة وفيه أن شيخ البخاري من أفراده

(6/189)


وفيه أن الاثنين الأولين من الرواة مروزيان والثالث أيلي وكان مرجئا وكذا السابع والرابع والخامس مدنيان وفيه قوله وزاد الليث إشارة إلى أن رواية الليث متفقة مع ابن المبارك إلا في القصة فإنها مختصة برواية الليث ورواية الليث معلقة وقد وصلها الذهلي عن أبي صالح كاتب الليث عنه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الوصايا عن بشر بن محمد أيضا وأخرجه مسلم في المغازي عن حرملة عن ابن وهب وأخرج مسلم والترمذي أيضا جحديث كلكم راع بغير هذه القصة عن نافع عن ابن عمر ورواه البخاري أيضا في النكاح وقد رواه عن ابن عمر غير نافع أيضا ورواه أيضا شعبة عن الزهري
ذكر معناه قوله كلكم راع أصل راع راعي فاعل إعلال قاض من رعى رعاية وهو حفظ الشيء وحسن التعهد له والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته فإن وفى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإن كان غير ذلك طالبه كل أحد من رعيته بحقه قوله وزاد الليث إلى قوله يخبره تعليق أي زاد الليث بن سعد في روايته على رواية عبد الله بن المبارك وقد وصله الذهلي كما ذكرنا قوله وأنا معه جملة إسمية وقعت حالا قوله بوادي القرى هو من أعمال المدينة وقال ابن السمعاني وادي القرى مدينة بالحجاز مما يلي الشام وفتحها النبي في جمادي الآخرة سنة سبع من الهجرة لما انصرف من خيبر بعد أن امتنع أهلها وقاتلوا وذكر بعضهم أنه قاتل فيها ولما فتحها عنوة قسم أموالها وترك الأرض والنخل في أيدي اليهود وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر وأقام عليها أربع ليالي قوله أن أجمع أي أصلي بمن معي الجمعة قوله على أرض يعملها أي يزرع فيها قوله من السودان
قوله على أيلة بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وفتح اللام قال أبو عبيد هي مدينة على شاطىء البحر في منتصف ما بين مصر ومكة وتبوك ورد صاحب أيلة على رسول الله وأعطاه الجزية وقال البكري سميت بأيلة بنت مدين بن إبراهيم عليه الصلاة و السلام وقد روي أن أيلة هي القرية التي كانت حاضرة البحر وقال اليعقوبي أيلة مدينة جليلة على ساحل البحر الملح وبها يجتمع حاج الشام ومصر والمغرب وبها التجارة الكثيرة ومن القلزم إلى أيلة ست مراحل في برية صحراء يتزود الناس من القلزم إلى أيلة لهذه المراحل قلت هي الآن خراب ينزل بها الحاج المصري والمغربي والغزي وبعض آثار المدينة ظاهر قوله فكتب ابن شهاب وأنا أسمع قول يونس المذكور فيه أي كتب محمد بن مسلم بن الشهاب الزهري والحال أنا أسمع والمكتوب هو الحديث والمسموع المأمور به قاله الكرماني والظاهر أن الذي كتب هو ابن شهاب لأن الأصل في الإسناد الحقيقة ويجوز أن يكون كاتبه كتبه بإملائه عليه فسموه يونس منه ففي الوجه الأول فيه تقدير وهو كتب ابن شهاب وقرأه وأنا أسمعه قوله يأمره جملة حالية أي يأمر ابن شهاب رزيق بن حكيم في كتابه إليه أن يجمع أي بأن يجمع أي بأن يصلي بالناس الجمعة ثم استدل ابن شهاب على أمره إياه بالتجميع بحديث سالم عن أبيه عن النبي أنه قال كلكم راع إلى آخره وجه الاستدلال به أن رزيقا كان أميرا على الطائفة المذكورة فكل من كان أميرا كان عليه أن يراعي حقوق رعيته ومن جملة حقوقهم إقامة الجمعة قوله يخبره أي يخبر ابن شهاب رزيقا في كتابه الذي كتب إليه أن سالما حدثه إلى آخره فإن قلت ما محل يخبره من الإعراب قلت هي جملة وقعت حالا من الضمير المرفوع الذي في يأمره من الأحوال المتداخلة كما أن قوله اسمع وقوله يأمره من الأحوال المترادفة قوله يقول سمعت محل يقول من الإعراب الرفع لأنه خبر إن ومحل يقول الثاني على الحال أي سمعت رسول الله حال كونه يقول كلكم راع وهذه جملة إسمية وإفراد الخبر بالنظر إلى لفظة كل وقد اشترك الإمام والرجل والمرأة والخادم في هذه التسمية ولكن المعاني مختلفة فرعاية الإمام إقامة الحدود والأحكام فيهم على سنن الشرع ورعاية الرجل أهله سياسته لأمرهم وتوفية حقهم في النفقة والكسوة والعشرة ورعاية

(6/190)


المرأة حسن التدبير في بيت زوجها والنصح له والأمانة في ماله وفي نفسها ورعاية الخادم لسيده حفظ ما في يده من ماله والقيام بما يستحق من خدمته والرجل ليس له بإمام ولا له أهل ولا خادم يراعي أصحابه وأصدقاءه بحسن المعاشرة على منهج الصواب فإن قيل إذا كان كل من هؤلاء راعياد فمن المرعي أجيب هو أعضاء نفسه وجوارحه وقواه وحواسه أو الراعي يكون مرعيا باعتبار أمر آخر ككون الشخص مرعيا للإمام راعيا لأهله أو الخطاب خاص بأصحاب التصرفات ومن تحت نظره ما عليه إصلاح حاله قوله قال وحسبت فاعل قال يونس بن يزيد المذكور فيه كذا قاله الكرماني جزما والظاهر أن فاعله سالم بن عبد الله الراوي وكلمة أن مخففة من المثقلة والتقدير وحسبت أنه أي أن النبي قد قال والرجل راع في مال أبيه إلى آخره ثم في هذا الموضع من النكتة أنه عمم أولا ثم خصص ثانيا وقسم الخصوصية إلى أقسام من جهة الرجل ومن جهة المرأة ومن جهة الخادم ومن جهة النسب ثم عمم ثانيا وهو قوله وكلكم راع إلى آخره تأكيدا وردا للعجز إلى الصدر بيانا لعموم الحكم أولا وآخرا
ذكر ما يستفاد منه وهو على وجوه الأول قال صاحب ( التوضيح ) إيراد البخاري هذا الحديث لأجل أن أيلة إما مدينة أو قرية وقد ترجم لهما قلت المشهور عند الجمهور أنها مدينة كما ذكرناه ولا وجه للتردد فيها وقد ذكر البخاري الباب بترجمتين بقوله في القرى والمدن وذكر فيه حديثين الأول منهما مطابق للترجمة الأولى على زعمه والثاني مطابق للترجمة الثانية وكلام صاحب ( التوضيح ) لا طائل تحته
الثاني قال بعضهم في هذه القصة يعني القصة المذكورة في الحديث إيماء إلى أن الجمعة تنعقد بغير إذن من السلطان إذا كان في القوم من يقوم بمصالحهم قلت الذي يقوم بمصالح القوم هو المولى عليهم من جهة السلطان ومن كان مولى من جهة السلطان كان مأذونا بإقامة الجمعة لأنها من أكبر مصالحهم والعجب من هذا القائل أنه يستدل على عدم إذن السلطان لإقامة الجمعة بالإيماء ويترك ما دل على ذلك حديث جابر أخرجه ابن ماجه وفيه من تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها وجحودا لها فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له ولا زكاة له ولا حج له ولا صوم له ولا بر له الحديث ورواه البزار أيضا ورواه الطبراني في ( الأوسط ) عن ابن عمر مثله فإن قلت في سند ابن ماجه عبد الله بن محمد العدوي وفي سند البزار علي بن زيد بن جدعان وكلاهما متكلم فيه قلت إذا روي الحديث من طرق ووجوه مختلفة تحصل له قوة فلا يمنع من الاحتجاج به ولا سيما اعتضد بحديث ابن عمر والقائل المذكور أشار بقوله إلى قول الشافعي فإن عنده إذن السلطان ليس بشرط لصحة الجمعة ولكن السنة أن لا تقام إلا بإذن السلطان وبه قال مالك وأحمد في رواية وعن أحمد أنه شرط كمذهبنا واحتجوا بما روي أن عثمان رضي الله تعالى عنه لما كان محصورا بالمدينة صلى علي رضي الله تعالى عنه الجمعة بالناس ولم يرو أنه صلى بأمر عثمان وكان الأمر بيده قلنا هذا الاحتجاج ساقط لأنه يحتمل أن عليا فعل ذلك بأمره أو كان لم يتوصل إلى إذن عثمان ونحن أيضا نقول إذا لم يتوصل إلى إذن الإمام فللناس أن يجتمعوا ويقدموا من يصلي بهم فمن أين علم أن عليا فعل ذلك بلا إذن عثمان وهو بحيث يتوصل إلى إذنه وقال ابن المنذر مضت السنة بأن الذي يقيم الجمعة السلطان أو من قام بها بأمره فإذا لم يكن ذلك صلوا الظهر وقال الحسن البصري أربع إلى السلطان فذكر منها الجمعة وقال حبيب بن أبي ثابت لا تكون الجمعة إلا بأمير وخطبة وهو قول الأوزاعي ومحمد بن مسلمة ويحيى بن عمر المالكي وعن مالك إذا تقدم رجل بغير إذن الإمام لم يجزهم وذكر صاحب ( البيان ) قولا قديما للشافعي أنها لا تصح إلا خلف السلطان أو من أذن له وعن أبي يوسف إن لصاحب الشرطة أن يصلي بهم دون القاضي وقيل يصلي القاضي
الثالث قال بعضهم في الحديث إقامة الجمعة في القرى خلافا لمن شرط لها المدن قلت لا دليل على ذلك أصلا لأنه إن كان يدعى بذلك بنفس الحديث المتصل فلا يقوم به حجة ولا يتم وإن كان يدعي بكتاب ابن شهاب يأمر فيه لرزيق بن حكيم بأن يجمع فلا تتم به حجته أيضا لأنه من أين علم أنه أمر بذلك سواء كان في قرية أو مدينة فإن قال رزيق كان عاملا على أرض يعملها وكان فيها جماعة من السودان وغيرهم وليس هذا إلا قرية فلا يتم به استدلاله أيضا لأن الموضع المذكور صار حكمه حكم المدينة بوجود المتولي عليهم من جهة الإمام وقد قلنا فيما مضى إن

(6/191)


الإمام إذا بعث إلى قرية نائبا لإقامة الأحكام تصير مصرا على أن إمامه لا يرى قول الصحابي حجة فكيف بقول التابعي
الرابع قال الخطابي فيه دليل على أن الرجلين إذا حكما رجلا بينهما نقد حكمه إذا أصاب
الخامس قال الحافظ المنذري عن بعضهم إنه استدل به على سقوط القطع عن المرأة إذا سرقت من مال زوجها وعن العبد إذا سرق من مال سيده إلا فيما حجبهما عنه ولم يكن لهما فيه تصرف والله أعلم
12 -
( باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم )
أي هذا باب ترجمته هل على من إلى آخره وإنما اقتصر على الاستفهام ولم يجزه بالحكم لوقوع الإطلاق والتقييد في أحاديث هذا الباب منها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه حق على كل مسلم أن يغتسل فإنه مطلق يتناول الجميع ومنها حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل فإنه مقيد بالمجيء ويخرج من ذلك من لم يجيء ومنها حديث أبي سعيد الخدري غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم فإنه مقيد بالاحتلام فيخرج الصبيان ومنها حديث النهي عن منع النساء عن المساجد إلا بالليل فإنه يخرج الجمعة وقد مضى الكلام مستوفى في هذه الأحاديث
قوله وغيرهم أي وغير النساء والصبيان مثل المسافرين والعبيد وأهل السجن والمرضى والعميان ومن بهم زمانه
وقال ابن عمر إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة
مطابقة هذا الأثر للترجمة من حيث إنه نبه به على أن الغسل يوم الجمعة لا يشرع إلا على من تجب عليه الجمعة وأن مراده بالاستفهام في الترجمة الحكم بعدم الوجوب على من لم يشهد الجمعة وهذا التعليق وصله البيهقي بإسناد صحيح عن ابن عمر
894 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال حدثني ( سالم بن عبد الله ) أنه سمع ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما يقول سمعت رسول الله يقول من جاء منكم الجمعة فليغتسل ( انظر الحديث 877 وطرفه )
مطابقته للترجمة من حيث المفهوم لأن عدم وجوب الغسل على من لم يجيء الجمعة ومن لم يجيء لم يشهدها ونبه به أيضا على أن مراده بالاستفهام الحكم بعدم الوجوب على من لم يشهد وقد أخرج البخاري هذا في باب فضل الغسل يوم الجمعة عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وقد مر الكلام فيه مستوفى هناك وأبو اليمان الحكم بن نافع والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب
895 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( صفوان بن سليم ) عن ( عطاء بن يسار ) عن ( أبي سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم
مطابقته للترجمة من حيث المفهوم لأن مفهومه عدم وجوب الغسل على كل من لم يحتلم ومن لم يحتلم ممن لا يشهد الجمعة والحديث أخرجه البخاري في باب وضوء الصبيان عن علي بن عبد الله عن سفيان عن صفوان عن عطاء عن أبي سعيد وأخرجه أيضا في باب فضل الغسل يوم الجمعة عن عبد الله بن يوسف عن مالك وههنا عن عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك وقد ذكرنا في باب وضوء الصبيان جميع ما يتعلق به
896 - حدثنا ( مسلم بن إبراهيم ) قال حدثنا ( وهيب ) قال حدثنا ( ابن طاوس ) عن أبيه عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله نحن الآخرون السابقون يوم القيامة أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهاذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله فغدا لليهود وبعد غد

(6/192)


للنصارى فسكتثم قال حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله كل مسلم لأن المراد من كل مسلم هو المسلم المحتلم لأن الأحاديث الواردة في هذا الباب يفسر بعضها بعضا وقد مر في الحديث السابق على كل محتلم وليس المراد من لفظ محتلم أي محتلم كان بل المراد كل محتلم مسلم وهذا معلوم بالضرورة فإذا كان المراد المسلم المحتلم يخرج عنه المسلم غير المحتلم وهو يدخل في قوله من لم يشهد الجمعة وأيضا المراد من المسلم هو المسلم الذي يجيء إلى الجمعة يدل عليه حديث ابن عمر المذكور في أول الباب والمسلم الذي لا يجيء يخرج منه وبهذا التقرير يخرج الجواب عما قاله الكرماني التحقيق أن الحديث الأول أعني حديث ابن عمر دل على أن الغسل لمن جاء إلى الجمعة خاصة وهذا الحديث أعنى حديث أبي هريرة عام للمجمع وغيره فلا يحتاج إلى الجواب بقوله لا منافاة بين ذكر الخاص والعام لأن المنافاة حاصلة بحسب الظاهر لاتحاد المحل والتحقيق ما ذكرناه
( ذكر رجاله ) وهم خمسة مسلم بن إبراهيم الأزدي القصاب البصري ووهيب بن خالد البصري صاحب الكرابيس وابن طاوس عبد الله وأبوه طاوس بن كيسان وأبو هريرة
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن الاثنين الأولين من الرواة بصريان والاثنين الآخرين يمانيان وفيه رواية الابن عن الأب
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في ذكر بني إسرائيل عن موسى بن إسماعيل عن وهيب وأخرجه مسلم في الجمعة عن ابن عمر عن سفيان عن ابن طاوس به دون ذكر الغسل وعن محمد بن حاتم عن بهز بن أسد عن وهيب بذكر الغسل فقط وأخرجه النسائي فيه عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن سفيان مثل حديث ابن أبي عمر وأول الحديث وهو من قوله نحن الآخرون السابقون بعد غد أخرجه البخاري في باب فرض الجمعة عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وقد تكلمنا على جميع ما يتعلق به هناك قوله فغدا لليهود ظرف متعلق إما بالخبر وإما بالمبتدأ تقديره الاجتماع لليهود في غد وللنصارى من بعد غد ويروى فغد بالرفع على أنه مبتدأ في حكم المضاف فلا يضر كونه في الصورة نكرة تقديره فغد الجمعة لليهود وغد بعد غد للنصارى قوله فسكت أي النبي قوله فحق الفاء فيه يجوز أن تكون جواب شرط محذوف تقديره إذا كان الأمر كذلك فحق على كل مسلم أن يغتسل وكلمة أن مصدرية قوله يوما مبهم هنا وقد عينه جابر في حديث عند النسائي بلفظ الغسل واجب على كل مسلم في كل أسبوع يوما وهو يوم الجمعة وصححه ابن خزيمة وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من حديث البراء بن عازب مرفوعا نحوه ولفظه من الحق على المسلم أن يغتسل يوم الجمعة وبنحوه روى الطحاوي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من الصحابة مرفوعا قوله وجسده أي ويغسل جسده أيضا وإنما ذكر الرأس وإن كان ذكر الجسد يشمله للاهتمام به من حيث أنه قوام البدن والعمدة فيه
( رواه أبان بن صالح عن مجاهد عن طاوس عن أبي هريرة قال قال النبي لله تعالى على كل مسلم حق أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما )
أي روى الحديث المذكور أبان بن صالح بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة وهذا التعليق وصله البيهقي من طريق سعيد بن أبي هلال عن أبان عن مجاهد بن جبر وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن طاوس وصرح فيه بسماعه له من أبي هريرة رضي الله تعالى عنه

(6/193)


899 - حدثنا ( عبد الله بن محمد ) قال حدثنا ( شبابة ) قال حدثنا ( ورقاء ) عن ( عمرو بن دينار ) عن ( مجاهد ) عن ( ابن عمر ) عن النبي قال ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد
مطابقته للترجمة من حيث إنه يخرج الجمعة في حقهن فلا يلزمهن شهودها ومن لم يشهدها فليس عليه غسل وقال الكرماني فإن قلت ما وجه تعلقه بالترجمة قلت عادة البخاري أنه إذا عقد ترجمة للباب وذكر ما يتعلق بها يذكر أيضا ما يناسبها فجاء بهذا الحديث والذي بعده ليبين إن النساء لهن شهود الجمعة انتهى قلت الإذن مقيد بالليل فكيف يكون لهن الخروج إلى الجمعة وهي نهارية قلت قال الكرماني فيما قبل كلامه هذا فإن قلت لفظ بالليل مفهومه أن لا يؤذن في الخروج بالنهار قلت إذا جاز خروجهن بالليل الذي هو محل الوقوع في الفتن فجواز الخروج بالنهار بالطريق الأولى انتهى قلت الذي قاله مخالف لما قاله العلماء فإنهم قالوا يخرجن بالليل لوقوع الأمن من الفساد من جهة الفساق لأنهم بالليل إما مشغولون بفسقهم أو نائمون ولا يخرجن بالنهار لعدم الأمن لانتشار الفساق
ذكر رجاله وهم ستة عبد الله بن محمد البخاري المسندي وقد مر غير مرة وشبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء موحدة أخرى ابن سوار الفزاري أبو عمرو المدايني وقد مر في باب الصلاة على النفساء وورقاء بن عمرو المدائني مر في باب وضع الماء عند الخلاء وعمرو بن دينار تكرر ذكره ومجاهد بن جبر مر في أول كتاب الإيمان قالوا قد رأى هاروت وماروت وكاد يتلف
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن شيخ البخاري من أفراده وفيه أن رواته ما بين بخاري ومدائني ومكيين وهما عمرو ومجاهد
وقد أخرج البخاري هذا الحديث في باب خروج النساء إلى المساجد بالليل عن عبد الله بن عمر بغير هذا الإسناد وغير هذا اللفظ أما إسناده فعن عبيد الله بن موسى عن حنظلة عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر وأما لفظه إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن وقال هناك تابعه شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر وقد أوضحناه هناك
900 - حدثنا ( يوسف بن موسى ) الله قال حدثنا ( أبو أسامة ) قال حدثنا ( عبيد الله بن عمر ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) قال كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد فقيل لها لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذالك ويغار قالت وما يمنعه أن ينهاني قال يمنعه قول رسول الله لا تمنعوا إماء الله مساجد الله
هذا الحديث مطلق والذي قبله مقيد فكأن البخاري حمل هذا المطلق على ذاك المقيد فإذا كان كذلك يكون المعنى لا تمنعوا أماء الله مساجد الله بالليل والجمعة تخرج عنه لأنها نهارية فحينئذ لا تشهدها ومن لا يشهدها ليس عليه غسل فحصلت المطابقة بينه وبين الترجمة بهذا الطريق فافهم
ذكر رجاله وهم خمسة الأول يوسف بن موسى بن راشد بن بلال القطان الكوفي مات ببغداد سنة اثنتين وخمسين ومائتين الثاني أبو أسامة حماد بن أسامة الليثي مات سنة إحدى ومائتين وهو ابن ثمانين سنة الثالث عبيد الله بتصغير العبد ابن عمر حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عثمان المدني وقد تكرر ذكره الرابع نافع مولى ابن عمر الخامس عبد الله بن عمر
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخ البخاري من أفراده وفيه أن رواته ما بين كوفي ومدني وفيه أحد الرواة بالكنية والآخر بالتصغير وقد ذكره المزي في ( الأطراف ) من حديث ابن عمر في مسنده وقيل هو من مسند عمر رضي الله تعالى عنه والحديث أيضا من أوله إلى قوله قول رسول الله من المرسلات

(6/194)


ذكر معناه قوله كانت امرأة لعمر رضي الله تعالى عنه اسمها عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل أخت سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرة وعينها الزهري في رواية عبد الرزاق عن معمر عنه قال كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل عند عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وكانت تشهد الصلاة في المسجد وكان عمر يقول لها والله إنك لتعلمين أني ما أحب هذا قالت والله لا أنتهي حتى تنهاني قال فلقد طعن عمر رضي الله تعالى عنه وإنها لفي المسجد كذا ذكره مرسلا ورواه عبد الأعلى عن معمر موصولا بذكر سالم بن عبد الله عن أبيه لكن أبهم المرأة أخرجه أحمد عنه وسماها من وجه آخر عن سالم قال كان عمر رجلا غيورا وكان إذا خرج إلى الصلاة اتبعته عاتكة بنت زيد الحديث وهو مرسل قوله تشهد أي تحضر قوله فقيل لها أي لامرأة عمر وقال بعضهم إن قائل ذلك كله هو عمر ولا مانع أن يعبر عن نفسه بقوله إن عمر إلى آخره فيكون من باب التجريد والالتفات انتهى قلت هو من باب التجريد لا من باب الالتفات قوله لم تخرجين أصله لما تخرجين فحذفت الألف كما في قوله تعالى عم يتساءلون ( النبأ 1 ) قوله وقد تعلمين جملة وقعت حالا وقد علم أن الفعل المضارع إذا وقع حالا وهو مثبت تدخل فيه كلمة قد قوله ذلك إشارة إلى خروجها الذي يدل عليه قوله تخرجين قوله ويغار على وزن يخاف من الغيرة قوله فما يمنعه ويروى وما يمنعه بالواو وكلمة أن مصدرية في محل الرفع لأنه فاعل والتقدير فما يمنعني بأن ينهاني أي بنهيه إياي وقد مر البحث فيه مستوفى في باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد قبيل كتاب الجمعة
14 -
( باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر )
أي هذا باب في بيان حكم الرخصة إن لم يحضر المصلي صلاة الجمعة في وقت نزول المطر وكلمة إن بالكسر و لم يحضر على صيغة المعلوم وقال الكرماني و أن بالفتح أي في أن و يحضر على لفظ المبني للمفعول وفي بعض النسخ باب الرخصة لمن لم يحضر الجمعة وهذه أحسن من غيرها على ما لا يخفى
والرخصة في اللغة عبارة عن الإطلاق والسهولة وفي الشريعة ما يكون ثابتا على إعذار العباد تيسيرا يسمى رخصة
901 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( إسماعيل ) قال أخبرني ( عبد الحميد صاحب الزيادي ) قال حدثنا ( عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيرين ) قال ابن عباس لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم فكأن الناس استنكروا قال فعله من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والدحض ( انظر الحديث 616 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة والكلام في هذا الحديث قد مر في باب الكلام في الأذان مستوفى لأنه أخرجه هناك عن مسدد عن حماد عن أيوب وعبد الحميد بن دينار صاحب الزيادي وعاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث قال خطبنا ابن عباس في يوم ردغ الحديث وهنا أخرجه عن مسدد أيضا عن إسماعيل بن علية إلى آخره قوله في يوم مطير قوله فكأن الناس استنكروا أي استنكروا قوله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم وفي رواة الحجبي كأنهم أنكروا ذلك وفي باب الكلام في الأذان فنظر القوم بعضهم إلى بعض أي نظر إنكار قوله فقال أي ابن عباس قوله فعله أي فعل ما قلته للمؤذن قوله من هو خير مني أراد به رسول الله قوله عزمة بسكون الزاي أي واجبة متحتمة وقال الإسماعيلي قوله إن الجمعة عزمة لا أظنه صحيحا فإن أكثر الروايات بلفظ إنها عزمة أي إن كلمة الأذان وهي حي على الصلاة عزمة لأنها دعاء إلى الصلاة يقتضي لسامعه الإجابة ولو كان المعنى إن الجمعة عزمة لكانت

(6/195)


عزيمة لا تزول بترك بقية الأذان انتهى قلت كأن الإسماعيلي إنما استشكل هذا بالنظر إلى معنى العزيمة وهو ما يكون ثابتا ابتداء غير متصل بمعارض ولكن المراد بقول ابن عباس وإن كانت الجمعة عزيمة ولكن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة وهذا مذهب ابن عباس أن من جملة الأعذار لترك الجمعة المطر وإليه ذهب ابن سيرين وعبد الرحمن بن سمرة وهو قول أحمد وإسحاق وقالت طائفة لا يتخلف عن الجمعة في اليوم المطير وروى ابن قانع قيل لمالك أتتخلف عن الجمعة في اليوم المطير قال ما سمعت قيل له في الحديث ألا صلوا في الرحال قال ذلك في السفر وقد رخص في ترك الجمعة بأعذار أخر غير المطر روى ابن القاسم عن مالك أنه أجاز أن يتخلف عنها لجنازة أخ من إخوانه لينظر في أمره وقال ابن حبيب عن مالك وكذا إن كان له مريض يخشى عليه الموت وقد زار ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ابنا لسعد بن زيد ذكر له شكواه فأتاه إلى العقيق وترك الجمعة وهو مذهب عطاء والأوزاعي وقال الشافعي في أمر الوالد إذا خاف فوات نفسه وقال عطاء إذا استصرخ على أبيك يوم الجمعة والإمام يخطب فقم إليه واترك الجمعة وقال الحسن يرخص ترك الجمعة للخائف وقال مالك في ( الواضحة ) وليس على المريض والصحيح الفاني جمعة وقال أبو مجلز إذا اشتكى بطنه لا يأتي الجمعة وقال ابن حبيب أرخص في التخلف عنها لمن شهد الفطر والأضحى صبيحة ذلك اليوم من أهل القرى الخارجة عن المدينة لما في رجوعه من المشقة لما أصابهم من شغل العيد وفعله عثمان رضي الله تعالى عنه لأهل الغوالي واختلف قول مالك فيه والصحيح عند الشافعية السقوط واختلف في تخلف العروس والمجذوم حكاه ابن التين واعتبر بعضهم شدة المطر واختلف عن مالك هل عليه أن يشهدها وكذا روي عنه فيمن يكون مع صاحبه فيشتد مرضه لا يدع الجمعة إلا أن يكون في الموت قوله أن أحرجكم من الإحراج بالحاء المهملة وبالجيم من الحرج وهو المشقة والمعنى إني كرهت أن أشق عليكم بإلزامكم السعي إلى الجمعة في الطين والمطر ويروى أن أخرجكم من الإخراج بالخاء المعجمة من الخروج ويروى كرهت أو أؤثمكم أي أن أكون سببا لاكتسابكم الإثم عند ضيق صدوركم قوله في الدحض بفتح الدال والحاء المهملتين وفي آخره ضاد معجمة ويجوز تسكين الحاء وهو الزلق قال في ( المطالع ) كذا في رواية الكافة وعند القابسي بالراء وفسره بعضهم بما يجري في البيوت من الرحاضة وهو بعيد إنما الرحض الغسل والمرحاض خشبة يضرب بها الثوب ليغسل عند الغسل وأما ابن التين فإنه ذكره بالراء قال وكذا لأبي الحسن ورحضت الشيء غسلته ومنه المرحاض أي المغتسل فوجهه أن الأرض حين يصيبها المطر تصير كالمغتسل والجامع بينهما الزلق
15 -
( باب من أين تؤتى الجمعة وعلى عن تجب لقول الله عز و جل إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ( الجمعة 9 ) )
أي هذا باب ترجمته من أين تؤتى الجمعة وكلمة أين استفهام عن المكان وقوله تؤتى مجهول من الإتيان قوله وعلى من تجب أي الجمعة قوله لقوله تعالى يتعلق بقوله تجب وأراد بإيراده بعض هذه الآية الكريمة الإشارة إلى وجوب الجمعة وهذا لا خلاف فيه ولكن الخلاف فيمن تجب عليه فكأنه ذكر الترجمة بالاستفهام لهذا المعنى وقد تكلمنا فيما يتعلق بالآية الكريمة في أول كتاب الجمعة لأنه ذكر الآية الكريمة هناك
وقال عطاء إذا كنت في قرية جامعة فنودي بالصلاة من يوم الجمعة فحق عليك أن تشهدها سمعت النداء أو لم تسمعه
عطاء هو ابن أبي رباح ووصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه وزاد في روايته عن ابن جريج أيضا قلت لعطاء ما القرية الجامعة قال ذات الجماعة والأمير والقاضي والدور المجتمعة الآخذ بعضها ببعض مثل جدة انتهى قلت هذا الذي ذكره حد المدينة أطلق عليها اسم القرية كما في قوله تعالى على رجل من القريتين ( الزخرف 31 ) وهما مكة والطائف وبهذا قال أصحابنا الحنفية قوله سمعت النداء أو لم تسمعه يعني إذا كان داخل البلد وبهذا صرح

(6/196)


أحمد ونقل النووي أنه لا خلاف فيه
وكان أنس رضي الله تعالى عنه في قصره أحيانا يجمع وأحيانا لا يجمع وهو بالزاوية على فرسخين
أنس هو ابن مالك خادم النبي وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن أبي البختري قال رأيت أنسا شهد الجمعة من الزاوية وهي على فرسخين من البصرة قوله أحيانا أي في بعض الأوقات وانتصابه على الظرفية قوله يجمع بضم الياء وتشديد الميم أي يصلي الجمعة بمن معه أأو يشهد الجمعة بجامع البصرة قوله وهو أي القصر بالزاوية وهو موضع ظاهر البصرة معروف بينها وبين البصرة فرسخان والفرسخ فيه وقعة كبيرة بين الحجاج وابن الأشعث قوله فرسخين أي من البصرة فإن قلت روى عبد الرزاق عن معمر عن ثابت قال كان أنس يكون في أرضه وبينه وبين البصرة ثلاثة أميال فيشهد الجمعة بالبصرة فهذا يعارض ما رواه ابن أبي شيبة قلت ليس الأمر كذلك لأن الأرض المذكورة غير القصر وأيضا الفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف خطوة
902 - حدثنا ( أحمد ) قال حدثنا ( عبد الله بن وهب ) قال أخبرني ( عمرو بن الحارث ) عن ( عبيد الله بن أبي جعفر ) أن ( محمد بن جعفر بن الزبير ) حدثه عن ( عروة بن الزبير ) عن ( عائشة ) زوج النبي قالت كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق فيخرج منهم العرق فأتى رسول الله إنسان منهم وهو عندي فقال النبي لو أنكم تطهرتم ليومكم هاذا
مطابقته للترجمة ظاهرة في قوله كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم والعوالي
ذكر رجاله وهم سبعة الأول أحمد بن صالح كذا في رواية أبي ذر وبه قال ابن السكن وذكر الجياني أن البخاري روى عن أحمد يعني غير مسمى عن ابن وهب في كتاب الصلاة في موضعين وقال حدثنا أحمد حدثنا ابن وهب قال ونسبه أبو علي بن السكن في نسخته فقال أحمد بن صالح المصري وقال الحاكم روى البخاري في كتاب الصلاة في ثلاثة مواضع عن أحمد عن ابن وهب فقيلإنه ابن صالح المصري وقيل ابن عيسى التستري ولا يخلو أن يكون واحدا منهما فقد روى عنهما في ( الجامع ) ونسبهما في مواضع وذكر أبو نصر الكلاباذي قال قال لي أبو أحمد يعني الحاكم أحمد عن ابن وهب في ( الجامع ) هو ابن أخي ابن وهب وقال الحاكم أبو عبد الله من قال هذا فقد وهم وغلط دليله أن المشايخ الذين ترك البخاري الرواية عنهم في ( الجامع ) فقد روى عنهم في سائر مصنفاته كابن صالح وغيره وليس له عن ابن أخي وهب رواية في موضع فهذا يدل على أنه لم يكتب عنه أو كتب عنه ثم ترك الرواية عنه أصلا وقال الكلاباذي قال ابن منده كلما قال البخاري في ( الجامع ) حدثنا أحمد عن ابن وهب فهو ابن صالح ولم يخرج عن ابن أخي ابن وهب في ( الصحيح ) وإذا حدث عن أحمد بن عيسى نسبة الثاني عبد الله بن وهب المصري الثالث عمرو بن الحارث مر في باب المسح على الخفين الرابع عبيد الله بن أبي جعفر الأموي القرشي واسم أبي جعفر يسار أحد أعلام مصر مات سنة خمس أو ست وثلاثين ومائة الخامس محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام القرشي السادس عروة بن الزبير بن العوام السابع أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه أن الأربعة من الرواة مصريون وهم شيخه وثلاثة بعده متناسقون واثنان بعدههما مدنيان وفيه رواية الرجل عن عمه
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم أيضا في الصلاة عن هارون بن سعيد وأحمد بن عيسى كلاهما عن ابن وهب وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن صالح عن ابن وهب
ذكر معناه قوله ينتابون الجمعة أي يحضرونها بالنوبة وهو من الانتياب من النوبة وهو المجيء نوبا

(6/197)


ويروى يتناوبون من النوبة أيضا قوله والعوالي جمع العالية وهي مواضع وقرى بقرب مدينة رسول الله من جهة المشرق من ميلين إلى ثمانية أميال وقيل أدناها من أربعة أميال قوله فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار كذا وقع لأكثر الرواة وعند القابسي فيأتون في العباء بفتح العين المهملة وبالمد جمع عباءة وعباية لغتان مشهورتان وكذا شرحه النووي في ( شرحه ) لأنه عند مسلم كذا هو وكذا عند الإسماعيلي وغيرهما وهو الصواب قوله إنسان منهم وفي رواية الإسماعيلي أناس منهم قوله لو أنكم تطهرتم كلمة لو تقتضي دخولها على الفعل تقديره لو ثبت تطهركم ثم إن لو هذه يجوز أن تكون للتمني فلا تحتاج إلى جواب ويجوز أن تكون على أصلها والجزاء محذوف تقديره لكان حسنا
ذكر ما يستفاد منه اختلف العلماء في هذا الباب أعني في وجوب الجمعة على من كان خارج المصر فقالت طائفة تحب على من آواه الليل إلى أهله وروي ذلك عن أبي هريرة وأنس وابن عمر ومعاوية وهو قول نافع والحسن وعكرمة والحكم والنخعي وأبي عبد الرحمن السلمي وعطاء والأوزاعي وأبي ثور حكاه ابن المنذر عنهم لحديث أبي هريرة مرفوعا الجمعة على من آواه الليل إلى أهله رواه الترمذي والبيهقي وضعفاه ونقل عن أحمد أنه لم يره شيئا وقال لمن ذكره له استغفر ربك استغفر ربك ومعنى هذا الحديث أنه إذا جمع مع الإمام أمكنه العود إلى أهله آخر النهار قبل دخول الليل وقالت طائفة إنها تجب على من سمع النداء روي ذلك عن عبد الله بن عمر أيضا وحكاه الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق وحكاه ابن العربي عن مالك أيضا واستدل له بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه أبو داود من رواية سفيان عن محمد بن سعيد عن أبي سلمة بن نبيه عن عبد الله بن هارون عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال الجمعة على من سمع النداء قال أبو داود روى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصورا على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه ورواه الدارقطني من رواية الوليد عن زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قال إنما الجمعة على من سمع النداء والوليد هو ابن مسلم وزهير ابن محمد كلاهما من رجال ( الصحيح ) لكن زهيرا روى عنه أهل الشام مناكير منهم الوليد والوليد مدلس وقد رواه بالعنعنة فلا تصح وقد رواه الدارقطني أيضا من رواية محمد ابن الفضل بن عطية عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال والجمعة على من يهدىء الصوت قال داود بن رشيد يعني حيث يسمع الصوت ومحمد بن الفضل بن عطية ضعيف جدا والحجاج هو ابن أرطأة وهو مدلس مختلف في الاحتجاج به وقال ابن العربي الوجوب على من سمع النداء عند الشافعي قال وتعليقه السعي على سماع النداء يسقطه عمن كان في المصر الكبير إذا لم يسمعه وقالت طائفة يجب على أهل المصر ولا يجب على من كان خارج المصر سمع النداء أو لم يسمعه قال شيخنا في ( شرح الترمذي ) وهو قول أبي حنيفة بناء على قوله إن الجمعة لا تجب على أهل القرى والبوادي ما لم يكن في المصر ورجحه القاضي أبو بكر بن العربي وقال إن الظاهر مع أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه قلت مذهب أبي حنيفة أن الجمعة لا تصح إلا في مصر جامع أو في مصلى المصر نحو مصلى العيد وفي ( المفيد ) و ( الاسبيجابي ) و ( التحفة ) لا تجب الجمعة عندنا إلا في مصر جامع أو فيما هو في حكمه كمصلى العيد وفي ( جوامع الفقه ) وأرباض المصر كالمصر وفي ( الينابيع ) لو كان منزله خارج المصر لا تجب عليه قال وهذا أصح ما قيل فيه وفي ( قاضيخان ) عن أبي يوسف هو رواية عنه وعنه من ثلاثة فراسخ وعنه إذا شهد الجمعة فإن أمكنه المبيت بأهله لزمته الجمعة واختاره كثير من مشايخنا وفي ( الذخيرة ) في ظاهر رواية أصحابنا لا يجب شهود الجمعة إلا على من يسكن المصر والأرباض دون السواد سواء كان قريبا من مصر أو بعيدا عنها وعن محمد إذا كان بينه وبين المصر ميل أو ميلان أو ثلاثة أميال فعليه الجمعة وهو قول مالك والليث وفي ( منية المفتي ) على أهل السواد الجمعة إذا كانوا على قدر فرسخ هو المختار وعنه إذا كان أقل من فرسخين تجب وفي الأكثر لا وفي رواية كل موضع لو خرج الإمام إليه صلى الجمعة فتجب وعن معاذ بن جبل يجب الحضور من خمسة عشر فرسخا وقال ابن المنذر يجب عند ابن المنكدر وربيعة والزهري في رواية من أربعة أميال وعن الزهري من ستة أميال وحكاه ابن التين عن النخعي وعن مالك والليث ثلاثة أميال وحكى أبو حامد عن عطاء عشرة أميال
واختلف أصحاب مالك هل مراعاة

(6/198)


ثلاثة أميال من المنار أو من طرف المدينة فالأول قاله القاضي أبو محمد والثاني قاله محمد بن عبد الحكم وعن حذيفة ليس على من على رأس ميل جمعة وقال صاحب ( التوضيح ) في حديث الباب رد لقول الكوفيين أن الجمعة لا تجب على من كان خارج المصر لأن عائشة رضي الله تعالى عنها أخبرت عنهم بفعل دائم أنهم كانوا يتناوبون الجمعة فدل على لزومها عليهم قلت هذا نقله عن القرطبي وهو ليس بصحيح لأنه لو كان واجبا على أهل العوالي ما تناوبوا ولكانوا يحضرون جميعا
وفيه من الفوائد رفق العالم بالمتعلم واستحباب التنظيف لمجالسة أهل الخير واجتناب أذى المسلم بكل طريق وحرص الصحابة على امتثال الأمر ولو شق عليهم
16 -
( باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس )
أي هذا باب في بيان أن وقت صلاة الجمعة إذا زالت الشمس من كبد السماء وقال بعضهم جزم بهذه المسألة مع وقوع الخلاف فيها لضعف دليل المخالف عنده قلت لا حاجة إلى القيد بلفظ عنده لأن عند غيره أيضا من جماهير العلماء إن وقت الجمعة إذا زالت الشمس
وكذالك يروى عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث رضي الله تعالى عنهم
أي كما ذكرنا إن وقت الجمعة إذا زالت الشمس كذلك روي عن هؤلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهذه أربع تعاليق
الأول عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فرواه ابن أبي شيبة من طريق سويد بن غفلة أنه صلى مع أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما حين تزول الشمس وفي حديث السقيفة عن ابن عباس قال فلما كان يوم الجمعة وزالت الشمس خرج عمر فجلس على المنبر
الثاني عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فرواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن أبي العنبس عمرو بن مروان عن أبيه قال كنا نجمع مع علي إذا زالت الشمس وقال ابن حزم روينا عن أبي إسحاق قال شهدت علي بن أبي طالب يصلي الجمعة إذا زالت الشمس
عن النعمان بن بشير فرواه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عبيد الله بن موسى عن سماك قال كان النعمان يصلي بنا الجمعة بعد ما تزول الشمس انتهى وكان النعمان أميرا على الكوفة في أول خلافة يزيد بن معاوية
الرابع عن عمرو بن حريث فرواه ابن أبي شيبة أيضا من طريق الوليد بن الغيزار قال ما رأيت إماما كان أحسن صلاة للجمعة من عمرو بن حريث فكان يصليها إذا زالت الشمس إسناده صحيح وكان عمرو ينوب عن زياد وعن ولده في الكوفة أيضا فإن قلت لم اقتصر البخاري على هؤلاء الصحابة دون غيرهم قلت قيل لأنه نقل عنهم خلاف ذلك وفي التوضيح لأنه روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال من طريق لا يثبت قاله ابن بطال وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي رزين قال كنا نصلي مع علي الجمعة فأحيانا نجد فيئا وأحيانا لا نجد وروي أيضا عن طريق عبد الله بن سلمة بكسر اللام وقال صلى بنا عبد الله يعني ابن مسعود الجمعة ضحى وقال خشيت عليكم الحر وروي أيضا من طريق سعيد بن سويد قال صلى بنا معاوية الجمعة ضحى وروي أيضا عن غندر عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن مصعب بن سعد قال كان سعد يقيل بعد الجمعة قلت الجواب عما روي عن علي رضي الله تعالى عنه إنه محمول على المبادرة عند الزوال أو التأخير قليلا وأما الذي روي عن ابن مسعود ففيه عبد الله وهو صدوق ولكنه تغير لما كبر قاله شعبة وغيره وأما الذي روى عن معاوية ففي سنده سعد ذكره ابن عدي في الضعفاء وقال البخاري لا يتابع على حديثه وأما الذي روى عن سعد فلا يدل على فعلها قبل الزوال بل أنه كان يؤخر النوم للقائلة إلى بعد الزوال لاشتغاله بالتهيئة إلى الجمعة من الغسل والتنظيف أو لتبكيره إليها
26 - ( حدثنا عبدان قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يحيى بن سعيد أنه سأل عمرة عن الغسل يوم الجمعة فقالت قالت عائشة رضي الله عنها كان الناس مهنة أنفسهم وكانوا إذا راحوا

(6/199)


إلى الجمعة راحوا في هيئتهم فقيل لهم لو اغتسلتم )
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا لأن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال ( فإن قلت ) روي عن الزهري أنه قال المراد بالرواح في قوله من اغتسل يوم الجمعة ثم راح الذهاب مطلقا فإذا كان كذلك لا توجد المطابقة بين الحديث والترجمة ( قلت ) إما يكون مجازا أو مشتركا فعلى كل من التقديرين فالقرينة مخصصة في قوله من راح في الساعة الأولى قائمة في إرادة مطلق الذهاب وفي هذا قائمة في الذهاب بعد الزوال
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول عبدان بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وتخفيف الدال المهملة وبعد الألف نون واسمه عبد الله بن عثمان بن جبلة الأزدي أبو عبد الرحمن المروزي مات سنة إحدى وعشرين ومائتين الثاني عبد الله بن المبارك الثالث يحيى بن سعيد الأنصاري الرابع عمرة بفتح العين المهملة وسكون الميم بنت عبد الرحمن بن سعد الأنصارية المدنية الخامس عائشة الصديقة رضي الله تعالى عنها
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وبصيغة الإخبار كذلك في موضعين وفيه السؤال وفيه القول في أربعة مواضع وفيه شيخ البخاري مذكور باللقب وفيه رواية التابعية عن الصحابية وفيه رواية التابعي عن التابعية وفيه من الرواة مروزيان وهما شيخه وشيخ شيخه ومدني ومدنية وهما يحيى وعمرة
( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه مسلم أيضا في الصلاة عن محمد بن رمح عن الليث وأخرجه أبو داود في الطهارة عن مسدد عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد به
( ذكر معناه ) قوله مهنة أنفسهم بفتح الميم والهاء والنون جمع ماهن ككتبة جمع كاتب والماهن الخادم وحكى ابن التين أنه روي بكسر الميم وسكون الهاء وهو مصدر ومعناه أصحاب خدمة أنفسهم ( قلت ) هي رواية أبي ذر وفي رواية مسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد أكان الناس أهل عمل ولم يكن لهم كفاءة أي لم يكن لهم من يكفيهم العمل من الخدم قوله إذا راحوا أي إذا ذهبوا بعد الزوال لأن حقيقة الرواح بعد الزوال عند أكثر أهل اللغة وفيه سؤال ذكرناه عن قريب مع جوابه قوله لو اغتسلتم كلمة لو إما للتمني فلا تحتاج إلى جواب وإما على أصلها فجوابها محذوف نحو لكان حسنا ونحو ذلك
( ومما يستفاد منه ) أن وقت الجمعة بعد الزوال وهو وقت الظهر وإن الاغتسال مستحب لإزالة الرائحة الكريهة حتى لا يتأذى الناس بل الملائكة أيضا -
904 - حدثنا ( سريج بن النعمان ) قال حدثنا ( فليح بن سليمان ) عن ( عثمان بن عبد الرحمان بن عثمان التيمي ) عن ( أنس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه أن النبي كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس
مطابقته للترجمة ظاهرة وسريج بضم السين المهملة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره جيم ابن النعمان بضم النون البغدادي مات سنة سبع عشرة ومائتين وفليح بضم الفاء مر في أول كتاب العلم قوله عن أنس صرح الإسماعيلي من طريق زيد بن الحباب عن فليح بسماع عثمان له من أنس
ذكر من أخرجه غيره أخرجه أبو داود أيضا في الصلاة عن الحسن بن علي عن زيد بن الحباب عن فليح به وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع عن سريج بن النعمان به وعن يحيى بن موسى عن أبي داود عن فليح نحوه وقال حسن صحيح وقال وفي الباب عن سلمة بن الأكوع وجابر والزبير بن العوام قلت وفيه أيضا عن سهل بن سعد وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وسعد القرظي وبلال رضي الله تعالى عنهم أما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه الأئمة الستة خلا الترمذي من رواية إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال كنا نصلي مع النبي الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به وفي رواية لمسلم كنا نجمع مع رسول الله إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء أما حديث جابر فأخرجه مسلم والنسائي من رواية جعفر بن محمد عن جابر بن عبد الله قال كنا نصلي مع رسول الله ثم نرجع فنريح نواضحنا قال حسن يعني ابن عياش فقلت لجعفر في أي ساعة تلك قال بعد زوال الشمس وأما حديث

(6/200)


الزبير بن العوام فأخرجه أحمد من رواية مسلم بن جندب عن الزبير قال كنا نصلي مع النبي الجمعة ثم ننصرف فنبتدر في الأجام فما نجد من الظل إلا قدر موضع أقدامنا قال يزيد بن هارون الأجام الأطام وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه البخاري على ما يأتي وأخرجه أيضا مسلم والنسائي والترمذي وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه أحمد في ( مسنده ) وأما حديث عمار بن ياسر فرواه الطبراني في ( الكبير ) عنه قال كنا نصلي الجمعة ثم ننصرف فما نجد للحيطان فيئا نستظل به وأما حديث سعد القرظي فأخرجه ابن ماجه عنه أنه كان يؤذن يوم الجمعة على عهد رسول الله إذا كان الفيء مثل الشراك وأما حديث بلال فرواه الطبراني في ( الكبير ) أنه كان يؤذن لرسول الله يوم الجمعة إذا كان الفيء قدر الشراك إذا قعد النبي على المنبر
ذكر ما يستفاد منه أجمع العلماء على أن وقت الجمعة بعد زوال الشمس إلا ما روي عن مجاهد أنه قال يجوز فعلها في وقت صلاة العيد لأنها صلاة عيد وقال أحمد تجوز قبل الزوال ونقله ابن المنذر عن عطاء وإسحاق ونقله الماوردي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه في السادسة وقال ابن قدامة في ( المقنع ) يشترط لصحة الجمعة أربعة شروط أحدها الوقت وأوله أول وقت صلاة العيد قال وقال الجرمي يجوز فعلها في الساعة السادسة قال وروي عن ابن مسعود وجابر وسعد ومعاوية أنهم صلوها قبل الزوال وقال القاضي وأصحابه يجوز فعلها في وقت صلاة العيد قال وروي ذلك عن عبد الله عن أبيه قال نذهب إلى أنها كصلاة العيد وأراد بعبد الله عبد الله بن أحمد بن حنبل وقال عطاء كل عيد حين يمتد الضحى الجمعة والأضحى والفطر لما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال ما كان عيدا إلا في أول النهار ولقد كان رسول الله يصلي بنا الجمعة في ظل الحطيم رواه ابن البختري في ( أماليه ) بإسناده واحتج بعض الحنابلة بقوله إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين قالوا فلما سماه عيدا جازت الصلاة فيه في وقت العيد كالفطر والأضحى وفيه نظر لأنه لا يلزم من تسمية يوم الجمعة عيدا أن يشتمل على جميع أحكام العيد بدليل أن يوم العيد يحرم وصومه مطلقا سواء صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة بالاتفاق
17 -
( باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة )
أي هذا باب ترجمته إذا اشتد الحر وجواب إذا محذوف تقديره إذا اشتد الحر يوم الجمعة أبرد بها وإنما لم يجزم بالحكم الذي يفهم من الجواب لكونه لم يتيقن أن قوله يعني الجمعة من كلام التابعي أو من كلام من دونه لأن قول أنس كان

(6/201)


النبي إذا اشتد البرد بكر بالصلاة وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة ومطلق يتناول الظهر والجمعة كما أن قوله في رواية حميد عنه كنا نبكر بالجمعة مطلق يتناول شدة الحر وشدة البرد والحاصل أن النقل عن أنس رضي الله تعالى عنه مختلف فرواية حميد عنه تدل على التبكير بالجمعة مطلقا ورواية أبي خلدة عنه تدل على التفصيل فيها وروايته الثانية عنه تدل على أن هذا الحكم بالصلاة مطلقا يعني سواء كان جمعة أو ظهرا وروايته الثالثة التي رواها عنه بشر بن ثابت تدل على أن هذا الحكم بالظهر ويحصل الائتلاف بين هذه الروايات بأن نقول الأصل في الظهر التبكير عند اشتداد البرد والإبراد عند اشتداد الحر كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة والأصل في الجمعة التبكير لأن يوم الجمعة يوم اجتماع الناس وازدحامهم فإذا أخرت يشق عليهم وقال ابن قدامة ولذلك كان النبي يصليها إذا زالت الشمس صيفا وشتاء على ميقات واحد ثم إن أنسا رضي الله تعالى عنه قاس الجمعة على الظهر عند اشتداد الحر لا بالنص لأن أكثر الأحاديث تدل على التفرقة في الظهر وعلى التبكير في الجمعة
906 - حدثنا ( محمد بن أبي بكر المقدمي ) قال حدثنا ( حرمي بن عمارة ) قال حدثنا ( أبو خلدة ) هو ( خالد بن دينار ) قال سمعت ( أنس بن مالك ) يقول كان النبي إذا اشتد البرد بكر بالصلاة وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعني الجمعة
مطابقته للترجمة في قوله إذا اشتد الحر
ذكر رجاله وهم أربعة المقدمي بضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المفتوحة وحرمي بفتح الحاء المهملة والراء وكسر الميم ابن عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم وأبو خلدة بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام وبفتحها أيضا وهو كنية خالد بن دينار التميمي السعدي البصري الخياط بفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه السماع وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أحد الرواة بصيغة النسبة والآخر بالكنية وتصريح الاسم وفيه أن الرواة كلهم بصريون وفيه أن البخاري روى هذا الحديث الواحد فقط من أبي خلدة قاله الغساني وأخرجه النسائي ولم يذكر فيه لفظ الجمعة بل ذكره بعد قوله تعجيل الظهر في البرد
قال يونس بن بكير أخبرنا أبو خلدة فقال بالصلاة ولم يذكر الجمعة
هذا التعليق وصله البخاري في ( الأدب المفرد ) ولفظه سمعت أنس بن مالك وهو مع الحكم أمير البصرة على السرير يقول كان النبي إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد بكر بالصلاة قوله وقال بالصلاة أي وقال أبو خلدة في رواية يونس عنه بلفظ الصلاة فقط ولم يذكر الجمعة وكذا أخرجه الإسماعيلي عن أبي الحسن حدثنا أبو هشام عن يونس بلفظ إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد بكرها يعني الظهر وكذا أخرجه البيهقي من حديث عبيد بن يعيش عنه بلفظ الصلاة فقط وقال الكرماني قوله ولم يذكر الجمعة موافق لقول الفقهاء حيث قالوا ندب الإبراد إلا في الجمعة لشدة الخطر في فواتها ولأن الناس يبكرون إليها فلا يتأذون بالحر
وقال بشر بن ثابت حدثنا أبو خلدة قال صلى بنا أمير الجمعة ثم قال لأنس رضي الله تعالى عنه كيف كان النبي يصلي الظهر
هذا التعليق وصله الإسماعيلي من حديث إبراهيم بن مرزوق عن بشر عن أنس بلفظ إذا كان الشتاء بكر بالظهر وإذا كان الصيف أبرد بها ولكن يصلي العصر والشمس بيضاء نقية وأخرجه البيهقي أيضا قوله أمير سماه البخاري في كتاب ( الأدب المفرد ) على ما ذكرناه وهو الحكم بن أبي عقيل الثقفي كان نائبا عن ابن عمه الحجاج بن يوسف وكان على طريقة

(6/202)


ابن عمه في تطويل الخطبة يوم الجمعة حتى يكاد الوقت أن يخرج واستدل به ابن بطال على أن وقت الجمعة وقت الظهر لأن أنسا سوى بينهما في جوابه للحكم المذكور حتى قيل كيف كان النبي يصلي الظهر خلافا لمن أجاز الجمعة قبل الزوال وقال التيمي معنى الحديث أن الجمعة وقتها وقت الظهر وأنها تصلى بعد الزوال ويبرد بها في شدة الحر ولا يكون الإبراد إلا بعد تمكن الوقت
18 -
( باب المشي إلى الجمعة وقول الله جل ذكره فاسعوا إلى ذكر الله ومن قال السعي العمل والذهاب لقوله تعالى وسعى لها سعيها ( ) الإسراء 19 ) )
أي هذا باب في بيان المشي إلى صلاة الجمعة أراد أن في حالة المشي إليها ما يترتب من الحكم قوله وقول الله بالجر عطف على قوله المشيأي وفي بيان معنى قول الله عز و جل فاسعوا إلى ذكر الله ( الجمعة 9 ) والسعي في لسان العرب الإسراع في المشي والاشتداد وفي ( المحكم ) السعي عدو دون الشد سعى يسعى سعيا والسعي الكسب وكل عمل من خير أو شر سعي وقال ابن التين ذهب مالك إلى أن المشي والمضي يسميان سعيا من حيث كانا عملا وكل من عمل بيده أو غيرها فقد سعى وأما السعي بمعنى الجري فهو الإسراع يقال سعى إلى كذا بمعنى العدو والجري فيتعدى بإلى وإن كان بمعنى العمل فيتعدى باللام وقال الكرماني في قوله وسعى لها سعيها ( الإسراء 19 ) أي عمل لها وذهب إليها فإن قلت هذا معدى باللام وذلك بإلى قلت لا تفاوت بينهما إلا بإرادة الاختصاص والانتهاء انتهى كلامه قلت الفرق بين سعى له وسعى إليه بما ذكرنا وهو الذي ذكره أهل اللغة وإليه أشار البخاري بقوله ومن قال السعي العمل والذهاب يعني من فسر السعي بالعمل والذهاب يقول باللام كما في قوله تعالى وسعى لها سعيها ( الإسراء 19 ) أي عمل لها ولكن باللام لا تأتي إلا في تفسير السعي بالعمل وأما في تفسير السعي بالذهاب فلا يأتي إلا بإلى ثم اختلفوا في معنى قوله تعالى فاسعوا ( الجمعة 9 ) فمنهم من قال معناه فامضوا واحتجوا بأن عمر وابن مسعود 0ما كانا يقرآن فامضوا إلى ذكر الله قالا ولو قرأناها فاسعوا لسعينا حتى يسقط رداؤنا وقال عمر رضي الله تعالى عنه لأبي بن كعب رضي الله تعالى عنه وقرأ فاسعوا لا تزال تقرأ المنسوخ كذا ذكره ابن الأثير وفي تفسير عبد بن حميد قيل لعمر رضي الله تعالى عنه إن أبيا يقرأ فاسعوا فامشوا فقال عمر أبي أعلمنا بالمنسوخ وفي ( المعاني ) للزجاج وقرأ أبي وابن مسعود فامضوا وكذا ابن الزبير فيما ذكره ابن التين ومنهم من قال معنى فاسعوا فاقصدوا وفي تفسير أبي القاسم الجوزي فاسعوا أي فاقصدوا إلى صلاة الجمعة ومنهم من قال معناه فامشوا كما ذكرناه عن أبي وقال ابن التين ولم يذكر أحد من المفسرين أنه الجريء وقد ذكرنا نبذا من ذلك في أول كتاب الجمعة
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يحرم البيع حينئذ
أي حين نودي للصلاة وهذا التعليق وصله ابن حزم من طريق عكرمة عن ابن عباس بلفظ لا يصلح البيع يوم الجمعة حتى ينادى للصلاة فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع وقال الزجاج البيع في وقت الزوال من يوم الجمعة إلى انقضاء الصلاة كالحرام وقال الفراء إذا أذن المؤذن حرم البيع والشراء لأنه إذا أمر بترك البيع فقد أمر بترك الشراء ولأن المشتري والبائع يقع عليهما البيعان وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن محمد بن عجلان عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله تحرم التجارة عند الأذان ويحرم الكلام عند الخطبة ويحل الكلام بعد الخطبة وتحل التجارة بعد الصلاة وعن قتادة إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة حرم البيع والشراء وقال الضحاك إذا زالت الشمس وعن عطاء والحسن مثله وعن أيوب لأهل المدينة ساعة يوم الجمعة ينادون حرم البيع وذلك عند خروج الإمام وفي ( المصنف ) عن مسلم ابن يسار إذا علمت أن النهار قد انتصف يوم الجمعة فلا تتبايعن شيئا وعن مجاهد من باع شيئا بعد زوال الشمس يوم الجمعة فإن بيعه مردود وقال صاحب ( الهداية ) قيل المعتبر في وجوب السعي وحرمة البيع هو الأذان الأصلي الذي كان على عهد النبي بين يدي المنبر قلت هو مذهب الطحاوي فإنه قال هو الله لمعتبر في وجوب السعي إلى الجمعة على المكلف وفي حرمة البيع والشراء وفي ( فتاوى العتابي ) هو المختار وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر فقهاء الأمصار ونص في المرغيناني أنه هو

(6/203)


الصحيح وقال ابن عمر الأذان الأول بدعة ذكره ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عنه ثم البيع إذا وقع فعند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر والشافعي يجوز البيع مع الكراهة وهو قول الجمهور وقال مالك وأحمد والظاهرية يبطل البيع وفي ( المحلى ) يفسخ البيع إلى أن تقضى الصلاة ولا يصححه خروج الوقت ولو كانا كافرين ولا يحرك نكاح ولا إجارة ولا سلم وقال مالك كذلك في البيع الذي فيه سلم وكذا في النكاح والإجارة والسلم وأباح الهبة والقرض والصدقة وعن الثوري البيع صحيح وفاعله عاص لله تعالى وروى ابن القاسم عن مالك أن البيع مفسوخ وهو قول أكثر المالكية وروى عنه ابن وهب وعلي بن زياد بئس ما صنع ويستغفر الله تعالى وقال عنه ولا أرى الربح فيه حراما وقال ابن القاسم لا يفسح ما عقد من النكاح ولا يفسخ الهبة والصدقة والرهن والحمالة وقال أصبغ يفسخ النكاح وقال ابن التين كل من لزمه التوجه إلى الجمعة يحرم عليه ما يمنعه منه من بيع أو نكاح أو عمل قال واختلف في النكاح والإجارة قال وذكر القاضي أبو محمد أن الهبات والصدقات مثل ذلك وقال أبو محمد من انتقض وضوؤه فلم يجد ماء إلا بثمن جاز له أن يشتريه ليتوضأ به ولا يفسخ شراؤه قال الشافعي في ( الام ) ولو تبايع رجلان ليسا من أهل فرض الجمعة لم يحرم بحال ولا يكره وإذا بايع رجلان من أهل فرضها أو أحدهما من أهل فرضها فإن كان قبل الزوال فلا كراهة وإن كان بعده وقبل ظهور الإمام أو قبل جلوسه على المنبر أو قبل شروع المؤذن في الأذان بين يدي الخطيب كره كراهة تنزيه وإن كان بعد جلوسه وشروع المؤذن فيه حرم على المتبايعين جميعا سواء كان من أهل الفرض أو أحدهما ولا يبطل البيع وحرمة البيع ووجوب السعي مختصان بالمخاطبين بالجمعة أما غيرهم كالنساء فلا يثبت في حقه ذلك وذكر ابن أبي موسى في غير المخاطبين روايتين
وقال عطاء تحرم الصناعات كلها
هذا التعليق عن عطاء بن أبي رباح وصله عبد بن حميد في ( تفسيره الكبير ) عن روح عن ابن جريج قال قلت لعطاء هل من شيء يحرم إذا نودي بالأول سوى البيع قال عطاء إذا نودي بالأول حرم اللهو والبيع والصناعات كلها بمنزلة البيع والرقاد وأن يأتي الرجل أهله وأن يكتب كتابا
وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري إذا أذن المؤذن يوم الجمعة وهو مسافر فعليه أن يشهد
إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق الزهري القريشي المدني كان على قضاء بغداد يروي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وأخرج أبو داود في ( مراسيله ) حدثنا قتيبة عن أبي صفوان عن أبي ذئب عن صالح بن أبي كثير أن ابن شهاب خرج لسفر يوم الجمعة من أول النهار قال فقلت له في ذلك فقال إن رسول الله خرج لسفر يوم الجمعة من أول النهار ورواه ابن أبي شيبة عن الفضل حدثنا ابن أبي ذئب عن ابن شهاب بغير واسطة وقال ابن المنذر اختلف فيه عن الزهري وقد روى عنه مثل قول الجماعة أي لا جمعة على مسافر كذا رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري وقال ابن المنذر هو كالإجماع من أهل العلم على ذلك لأن الزهري اختلف عليه فيه وقيل يحمل كلام الزهري على حالين فحيث قال لا جمعة على مسافر وأراد على طريق الوجوب وحيث قال فعليه أن يشهد أراد على طريق الاستحباب وأما رواية إبراهيم بن سعد عنه فيمكن أن تحمل على أنه إذا اتفق حضوره في موضع تقام فيه الجمعة فسمع النداء لها أنها تلزم المسافر وقال ابن بطال وأكثر العلماء على أنه لا جمعة على مسافر حكاه ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب وابن عمر وأنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وابن مسعود ونفر من أصحاب عبد الله ومكحول وعروة بن المغيرة وإبراهيم النخعي وعبد الملك بن مروان والشعب وعمر بن عبد العزيز ولما ذكر ابن التين قول الزهري قال إن أراد وجوبها فهو قول شاذ وفي ( شرح المهذب ) أما السفر ليلها يعني ليلة الجمعة قبل طلوع الفجر فيجوز عندنا وعند العلماء كافة إلا ما حكاه العبدري عن إبراهيم النخعي قال لا يسافر بعد دخول العشاء من يوم الخميس حتى يصلي الجمعة وهذا مذهب باطل لا أصل له انتهى قلت بل له أصل صحيح رواه ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة قالت إذا أدركتك ليلة الجمعة فلا تخرج حتى تصلي

(6/204)


الجمعة وأما السفر قبل الزوال فجوزه عمر بن الخطاب والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح وعبد الله بن عمر والحسن وابن سيرين وبه قال مالك وابن المنذر وفي ( شرح المهذب ) الأصح تحريمه وبه قالت عائشة وعمر بن عبد العزيز وحسان بن عطية ومعاذ بن جبل وأما السفر بعد الزول يوم الجمعة إذا لم يخف فوت الرفقة ولم يصل الجمعة في طريقه فلا يجوز عند مالك وأحمد وجوزه أبو حنيفة
907 - حدثنا ( علي بن عبد الله ) قال حدثنا ( الوليد بن مسلم ) قال حدثنا ( يزيد بن أبي مريم ) قال حدثنا ( عبابة بن رفاعة ) قال أدركني أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة فقال سمعت النبي يقول من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار ( الحديث 907 - طرفه في 2811 )
مطابقته للترجمة من حيث إن الجمعة تدخل في قوله في سبيل الله لأن السبيل اسم جنس مضاف فيفيد العموم ولأن أبا عبس جعل حكم السعي إلى الجمعة حكم الجهاد
ذكر رجاله وهم خمسة علي بن عبد الله بن المديني قد تكرر ذكره والوليد بن مسلم قد مر في باب وقت المغرب ويزيد بفتح الياء آخر الحروف وكسر الزاي ابن أبي مريم أبو عبد الله الأنصاري الدمشقي إمام جامعها مات سنة أربع وأربعين ومائة وعباية بفتح العين المهملة والباء الموحدة المخففة وبعد الألف ياء آخر الحروف مفتوحة ابن رفاعة بكسر الراء وتخفيف الفاء وبعد الألف عين مهملة ابن رافع بن خديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبالجيم الأنصاري وأبو عبس بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وفي آخره سين مهملة واسمه عبد الرحمن على الصحيح ابن جبير بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة وبالراء وقال الذهبي وقيل جابر بن عمرو الأنصاري الأوسي الحارثي بدري مشهور
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع وفيه السماع وفيه القول في خمسة مواضع وفيه أن الأولين من الرواة مدنيان والآخران دمشقيان وفيه أنه ليس للبخاري في الكتاب من أبي عبس إلا هذا الحديث الواحد وفيه أن يزيد هذا من أفراد البخاري وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي لأن يزيد بن أبي مريم رأى واثلة بن الأسقع ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الجهاد عن إسحاق عن محمد بن المبارك وأخرجه الترمذي في الجهاد عن أبي عمار الحسين بن حريث عن الوليد بن مسلم به وقال حديث حسن صحيح وأخرجه النسائي في الجهاد أيضا كذلك ولفظه قال يزيد بن أبي مريم لحقني عباية بن رافع بن خديج وأنا ماش إلى الجمعة فقال أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله سمعت أبا عبس يقول قال رسول الله من اغبرت قدماه في سبيل الله فهو حرام على النار وزاد الإسماعيلي في روايته وهو راكب فقال احتسب خطاك هذه فذكر الحديث والظاهر أن القصة المذكورة وقعت لكل منهما والله أعلم وفي الباب عن ابن عمر رواه الفلاس عن أبي نصر التمار عن كوثر بن حكيم عن نافع عنه عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه حرمها الله على النار وعن عثمان رضي الله تعالى عنه عند ابن المقري ولفظه ما اغبرت قدما رجل في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار وعن معاذ يرفعه عند ابن عساكر ولفظه والذي نفسي بيده ما اغبرت قدما عبد ولا وجهه في عمل أفضل عند الله يوم القيامة بعد المكتوبة من جهاد في سبيل الله وعن عبادة يرفعه عند المخلص بسند جيد لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف امرىء مسلم وعن أبي سعيد الخدري مثله عند أبي نعيم وعن مالك بن عبد الله النخعي مثله عند أحمد وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه عند الطبراني لا تلثموا من الغبار في سبيل الله فإنه مسك الجنة وعن أنس عنده أيضا الغبار في سبيل الله إسفار الوجوه يوم القيامة وعن أبي أمامة عند ابن عساكر ما من رجل يغبر وجهه في سبيل الله إلا أمن الله وجهه من النار وما من رجل يغبر قدماه في سبيل الله إلا أمن الله قدمه من النار يوم القيامة وعن عائشة رضي الله تعالى عنها عند الخلعي من اغبرت قدماه في سبيل الله فلن يلج النار أبدا
ذكر معناه قوله وأنا أذهب جملة إسمية وقعت حالا وكذا وقع عند البخاري أن القصة وقعت لعباية مع أبي عبس

(6/205)


وعند الإسماعيلي من رواية علي بن بحر وغيره عن الوليد بن مسلم أن القصة وقعت ليزيد بن أبي مريم مع عباية وكذا أخرجه النسائي كما ذكرناه عن قريب وذكرنا التوفيق بين الروايتين قوله اغبرت قدماه أي أصابها الغبار وإنما ذكر القدمين وإن كان الغبار يعم البدن كله عند ثورانه لأن أكثر المجاهدين في ذلك الزمان كانوا مشاة والأقدام تتغبر على كل حال سواء كان الغبار قويا أو ضعيفا ولأن أساس ابن آدم على القدمين فإذا سلمت القدمان من النار سلم سائر أعضائه عنها وكذلك الكلام في ذكر الوجه في سبيل الله
908 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( ابن أبي ذئب ) قال حدثنا ( الزهري ) عن ( سعيد وأبي سلمة ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه عن النبي وحدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( أبو سلمة بن عبد الرحمان ) أن ( أبا هريرة ) قال سمعت رسول الله يقول إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ( انظر الحديث 636 )
مطابقته للترجمة من حيث وجود لفظ السعي في كل منهما مع الإشارة إلى أن بين لفظي السعي فيهما مغايرة بيانه أن السعي المذكور في قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله ( الجمعة 9 ) المذكور في الترجمة غير السعي المذكور في هذا الحديث في قولهفلا تأتوها تسعون بيان ذلك أن السعي المذكور في الآية المأمور به مفسر بالمضي والذهاب والسعي المذكور في هذا الحديث مفسر بالعدو وحيث قابله المشي بقوله واتوها تمشون وهذا الحديث قد ذكر في باب لا يسعى إلى الصلاة وليأتها بالسكينة والوقار في أواخر كتاب الأذان بالإسناد المذكور هنا عن آدم بن أبي إياس عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب وأخرجه هناك أيضا من طريق آخر عن آدم وههنا أخرجه أيضا من طريقين الأول عن آدم إلى آخره والثاني عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري وفي ألفاظ الحديث بعض تفاوت وقد تكلمنا هناك على جميع ما يتعلق به
قوله تسعون جملة حالية فالنهي يتوجه إليه لا إلى الإتيان قال الكرماني فإن قلت كيف نهى عنه والقرآن قد أمر به حيث قال فاسعوا إلى ذكر الله ( الجمعة 9 ) قلت المراد بالسعي هنا هو الإسراع وفي القرآن القصد أو الذهاب أو العمل انتهى قلت الذي ذكرناه الآن في وجه المطابقة يغني عن هذا السؤال مع جوابه قوله السكينة بالنصب يعني الزموا السكينة ومعناها الهنيئة والتأني ويجوز بالرفع على الابتداء
909 - حدثنا ( عمرو بن علي ) قال حدثني ( أبو قتيبة ) قال حدثنا ( علي بن المبارك ) عن يحياى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة قال أبو عبد الله لا أعلمه إلا عن أبيه عن النبي قال لا تقوموا حتى تروني وعليكم السكينة ( انظر الحديث 637وطرفه )
وجه المطابقة بين هذا الحديث وبين الترجمة قريب من وجه المطابقة المذكورة في الحديث السابق ويؤخذ ذلك من لفظ السكينة وإن كان فيه بعض التعسف وأخرج البخاري هذا الحديث في أواخر كتاب الأذان في باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة عن مسلم بن إبراهيم عن هشام قال كتب إلى ( يحيى بن أبي كثير ) عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال قال رسول الله إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني وهنا أخرجه عن عمرو بن علي الفلاس عن أبي قتيبة بضم القاف وفتح المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة واسمه سلم بفتح السين المهملة وسكون اللام ابن قتيبة الشعيري بفتح الشين المعجمة الخراساني سكن البصرة مات بعد المائتين عن علي بن المبارك الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون وبالمد وقد تكلمنا هناك على جميع ما يتعلق به
قوله قال أبو عبد الله المراد به البخاري نفسه قوله لا أعلمه هو مقول قال أبو عبد الله أي قال البخاري لا أعلم رواية عبد الله هذا الحديث عن أحد

(6/206)


إلا عن أبيه وقوله قال أبو عبد الله في رواية المستملي وحده وأشار به إلى أن عنده توقف في وصله لكونه كتبه من حفظه أو لغير ذلك ولأجل ذلك قال الكرماني هذا منقطع لأن شيخه لم يروه إلا منقطعا وأن حكم البخاري بأنه رواه من أبيه قيل في الأصل هو موصول لا شك فيه لأن الإسماعيلي أخرجه عن ابن ناجية عن أبي حفص وهو عمرو بن علي شيخ البخاري فقال فيه عن ( عبد الله بن أبي قتادة ) عن أبيه ولم يشك
19 -
( باب لا يفرق بين اثنين يوم الجمعة )
أي هذا باب ترجمته لا يفرق أي الداخل المسجد بين اثنين يوم الجمعة
910 - حدثنا ( عبدان ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( سعيد المقبري ) عن أبيه عن ( ابن وديعة ) عن ( سلمان الفارسي ) قال قال رسول الله من اغتسل يوم الجمعة وتطهر بما استطاع من طهر ثم ادهن أو مس من طيب ثم راح فلم يفرق بين اثنين فصلى ما كتب له ثم إذا خرج الإمام أنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ( انظر الحديث 883 )
مطابقته للترجمة في قوله فلم يفرق بين اثنين والحديث قد مضى في باب الدهن للجمعة أخرجه عن آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب إلى آخره وقد تكلمنا هناك على ما يتعلق به من سائر الوجوه لكن لم نمعن في الكلام في التفريق بين اثنين ونذكره ههنا إن شاء الله تعالى
وعبدان بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وهو لقب عبد الله بن عثمان أبو عبد الرحمن المروزي وقد تكرر ذكره وعبد الله هو ابن المبارك وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن وقد تكرر ذكره وأبو سعيد اسمه كيسان وابن وديعة اسمه عبد الله ووديعة بفتح الواو وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى
واختلفوا في التفرقة بين اثنين والأشبه بتأويله أن لا يتخطى رجلين أو يجلس بينهما على ضيق الموضع ويؤيده ما في ( الموطأ ) عن أبي هريرة لأن يصلي أحدكم بظهر الحرة خير له من أن يقعد حتى إذا قام الإمام جاء يتخطى رقاب الناس ومعناه أن المأثم عنده في التخطي أكثر من المأثم في التخلف عن الجمعة كذا تأوله القاضي أبو الوليد وقال أبو عبد الملك إن صلاته بالحرة أحب إلي من أن أتخطى رقاب الناس يوم الجمعة وعن سعيد بن المسيب مثله وقال كعب لأن أدع الجمعة أحب إلي من أن أتخطى رقاب الناس يوم الجمعة وقال سلمان إياك والتخطي واجلس وهو قول عطاء والثوري وأحمد
وقد ورد في هذا الباب أحاديث منها ما رواه الترمذي من حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه قال قال رسول الله من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم وقال حديث سهل بن معاذ عن أبيه حديث غريب ومنها حديث جابر بن عبد الله أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله يخطب فجعل يتخطى الناس فقال رسول الله إجلس فقد آذيت وآنيت أخرجه ابن ماجه وفي سنده إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف ومنها حديث عبد الله بن بسر رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد من رواية أبي الزاهرية واسمه صدير بن كريب قال كنا مع عبد الله بن بسر صاحب النبي يوم الجمعة فجاء رجل يتخطى رقاب الناس والنبي يخطب فقال له النبي إجلس فقد آذيت ومنها حديث عبد الله بن عمرو رواه أبو داود بإسناد حسن من رواية عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي أنه قال من اغتسل يوم الجمعة الى آخره وفيه ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا يعني لا تكون له كفارة لما بينهما ومنها حديث الأرقم أخرجه أحمد في ( مسنده ) عن النبي أنه قال إن الذي يتخطى رقاب الناس ويفرق بين اثنين بعد خروج الإمام كالجار قصبه في النار ورواه الطبراني أيضا في ( المعجم الكبير ) وفي سنده هشام بن زياد ضعفه أحمد وأبو داود والنسائي ومنها حديث عثمان بن الأزرق أخرجه الطبراني في ( الكبير ) ولفظه من تخطى رقاب الناس بعد خروج الإمام وفرق بين اثنين كان

(6/207)


كالجار قصبه في النار وقال الذهبي عثمان بن الأزرق له صحبة قاله في معجم الطبراني ومنها حديث أبي الدرداء أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) قال قال رسول الله لا تأكل متكئا ولا تخط رقاب الناس يوم الجمعة وفي سنده عبد الله بن زريق قال الأزدي لم يصح حديثه ومنها حديث أنس رضي الله تعالى عنه أخرجه الطبراني أيضا قال بينما النبي يخطب إذ جاء رجل فتخطى رقاب الناس الحديث وفيه رأيتك تخطى رقاب الناس وتؤذيهم من آذى مسلما فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز و جل قوله اتخذ جسرا قال شيخنا في ( شرح الترمذي ) المشهور اتخذ على بناء المجهول بمعنى يجعل جسرا على طريق جهنم ليوطأ ويتخطى كما تخطى رقاب الناس فإن الجزاء من جنس العمل ويحتمل إن يكون على بناء الفاعل أي اتخذ لنفسه جسرا يمشي عليه إلى جهنم بسبب ذلك قوله وآنيت أي أخرت المجيء وأبطأت قوله قصبه القصب بضم القاف المعاء وجمعه أقصاب وقيل القصب إسم للأمعاء كلها وقيل هو ما كان أسفل البطن من الأمعاء قوله متكئا أي حال كونك متكئا
وقال صاحب ( التوضيح ) وقد اختلف العلماء في التخطي فمذهبنا أنه مكروه إلا أن يكون قدامه فرجة لا يصليها إلا بالتخطي فلا يكره حينئذ وبه قال الأوزاعي وآخرون وقال ابن المنذر بكراهته مطلقا عن سلمان الفارسي وأبي هريرة وكعب وبن سعيد بن المسيب وعطاء وأحمد بن حنبل وعن مالك كراهته إذا جلس على المنبر ولا بأس به قبله وقال قتادة يتخطاهم إلى مجلسه وقال الأوزاعي يتخطاهم إلى السعة وهذا يشبه قول الحسن قال لا بأس بالتخطي إذا كان في المسجد سعة وقال أبو بصرة يتخطاهم بإذنهم وقال ابن المنذر لا يجوز شيء من ذلك عندي لأن الأذى يحرم قليله وكثيره وقال صاحب ( التوضيح ) وهو المختار وعند أصحابنا الحنفية لا بأس بالتخطي والدنو من الإمام إذا لم يؤذ الناس وقيل لا بأس به إذا لم يأخذ الإمام في الخطبة ويكره إن أخذ وقال الحلواني الصحيح أن الدنو من الإمام أفضل لا التباعد منه ثم تقييد التخطي بالكراهة يوم الجمعة هو المذكور في الأحاديث وكذلك قيده الترمذي في حكايته عن أهل العلم وكذلك قيده الشافعية في كتب فقههم في أبواب الجمعة وكذا هو عبارة الشافعي في ( الأم ) وأكره تخطي رقاب الناس يوم الجمعة لما فيه من الأذى وسوء الأدب انتهى قلت هذا التعليل يشمل يوم الجمعة وغيره من سائر الصلوات في المساجد وغيرها وسائر المجامع من حلق العلم وسماع الحديث ومجالس الوعظ وعلى هذا يحمل التقييد بيوم الجمعة على أنه خرج مخرج الغالب لاختصاص الجمعة بمكان الخطبة وكثرة الناس بخلاف غيره ويؤيد ذلك ما رآه أبو منصور الديلمي في ( مسند الفردوس ) من حديث أبي أمامة قال قال رسول الله من تخطى حلقة قوم بغير إذنهم فهو عاص ولكنه ضعيف لأنه من رواية جعفر بن الزبير فإنه كذبه شعبة وتركه للناس
ثم اختلفوا في كراهة ذلك هل هو للتحريم أو لا فالمتقدمون يطلقون الكراهة ويريدون كراهة التحريم وحكى الشيخ أبو حامد في تعليقه عن نص الشافعي التصريح بتحريمه وحكى الرافعي في الشهادات عن صاحب ( العدة ) أنه عده من الصغائر ونازعه الرافعي وقال إنه من المكروهات وقال في باب الجمعة إن تركه من المندوبات وصرح النووي في ( شرح المهذب ) بأنه مكروه كراهة تنزيه وقال في ( زوائد الروضة ) إن المختار تحريمه للأحاديث الصحيحة واقتصر أصحاب أحمد على الكراهة فقط وقال شارح الترمذي ويستثنى من التحريم أو الكراهة الإمام أو من كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي وأطلق النووي في ( الروضة ) استثناء الإمام ومن بين يديه فرجه ولم يقيد الإمام بالضرورة ولا الفرجة بكون التخطي إليها يزيد على صفين وقيد ذلك في ( شرح المهذب ) فقال فإن كان إماما لم يجد طريقا إلى المنبر والمحراب إلا بالتخطي لم يكره لأنه ضرورة وفي ( الأم ) فإن كان الزحاام دون الإمام لم أكره له من التخطي ما أكره للمأموم لأنه مضطر إلى أن يمضي إلى الخطبة وقال في ( الأم ) أيضا فإن كان دون مدخل الرجل زحام وأمامه فرجة وكان تخطيه إليها بواحد أو اثنين رجوت أن يسعه التخطي وإن كرهته إلا أن لا يجد السبيل إلى مصلى فيه الجمعة إلا أن يتخطى فيسعه التخطي إن شاء الله تعالى ونقل النووي عن الشافعي في ( الفروق ) إنه إذا وصل إليها بتخطي واحد أو اثنين فلا بأس به فإن كان أكثر من ذلك كرهت له أن يتخطى ثم لا فرق في كراهة التخطي أو تحريمه بين أن يكون المتخطي من ذوي الحشمة والأصالة أو رجلا صالحا أو ليس فيه وصف منهما ونقل صاحب ( البيان ) عن القفال أنه لو كان محتشما أو محترما لم يكره التخطي قلت هذا ليس بشيء والأصل عدم

(6/208)


التخصيص وقال المتولي إذا كان له موضع يألفه وهو معظم في نفوس الناس لا يكره له التخطي قلت فيه نظر
20 -
( باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه )
أي هذا باب ترجمته لا يقيم الرجل إلى آخره قوله ويقعد يجوز فيه الرفع والنصب أما الرفع فعلى أنه عطف على لا يقيم أي لا يقيم أخاه ولا يقعد مكانه فيكون كل منهما ممنوعا وأما النصب فعلى تقدير وأن يقعد فيكون حينئذ منعا عن الجمع بين الإقامة والقعود ويجوز أن يكون ويقعد في محل النصب على الحال فتقديره وهو يقعد فيكون ممنوعا كالأول فلو أقامه ولم يقعد هو في مكانه لم يكن مرتكبا للنهي ولو أقامه وقعد غيره فالقياس عليه أن لا يرتكب النهي فإن قلت لم قيد الترجمة بيوم الجمعة مع أن الحديث الذي أورده في الباب مطلق والحديث الذي فيه التقييد بالجمعة أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير رضي الله تعالى عنه عن جابر بلفظ لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول تفسحوا وكان المناسب للترجمة هذا الحديث قلت إنما لم يخرج هذا الحديث لأنه ليس على شرطه ولكن أشار بهذا القيد إلى هذا الحديث
911 - حدثنا ( محمد ) قال أخبرنا ( مخلد بن يزيد ) قال أخبرنا ( ابن جريج ) قال سمعت ( نافعا ) يقول سمعت ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما يقول نهى النبي أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه قلت لنافع الجمعة وغيرها
قد ذكرنا أن حديث الباب مطلق والترجمة مقيدة بيوم الجمعة وأجبنا عنه وأيضا لما كان يوم الجمعة يوم ازدحام فربما يحتاج شخص في الجلوس إلى مكان الغير وأيضا فيه إشارة إلى التبكير فمن بكر لم يحتج إلى شيء من ذلك
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن سلام بتخفيف اللام ابن الفرج أبو عبد الله البخاري البيكندي مات يوم الأحد لتسع خلون من صفر سنة خمس وعشرين ومائتين الثاني نافع مولى ابن عمر الخامس عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإخبار كذلك في موضعين وفيه السماع في موضعين وفيه القول في خمسة مواضع وفيه شيخ البخاري من أفراده وفيه ذكر أبيه وهو رواية أبي ذر وفيه ذكر أحد الرواة منسوبا إلى جده وهو ابن جريج لأنه هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وفيه أن الراوي الأول بخاري والثاني حراني والثالث مكي والرابع مدني والحديث أخرجه مسلم رضي الله تعالى عنه في الاستئذان عن يحيى بن حبيب
ذكر معناه قد علم أن قول الصحابي نهى النبي أو قوله أمر النبي قوله أن يقيم كلمة أن مصدرية أي نهى عن إقامة الرجل أخاه قوله مقعدة بفتح الميم موضع قعوده قوله ويجلس بالنصب عطفا على قوله أن يقيم أي وأن يجلس والمعنى كل واحد منهما منهي عنه ولو صحت الرواية بالرواية بالرفع لكان الكل المجموعي منهيا عنه قوله قلت لنافع الجمعة القائل لنافع هو ابن جريج يعني هذا النهي في يوم الجمعة خاصة أو مطلقا قال أي نافع الجمعة وغيرها يعني النهي عام في حق سائر الأيام في مواضع الصلوات وقوله الجمعة مرفوع عى أنه مبتدأ وقوله وغيرها عطف عليه والخبر محذوف أي الجمعة وغيرها متساويان في النهي أو التقدير منهي عن الإقامة فيهما ويجوز النصب فيهما أي في الجمعة وغيرها فيكون النصب بنزع الخافض
ذكر ما يستفاد منه وجه الكراهة في هذا الباب هو أنه لا يفعل إلا تكبرا واحتقارا للذي يقيمه قال الله تعالى تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ( القصص 83 ) وهذا من الفساد وأيضا فالإيثار ممنوع في الأعمال الأخروية ولأن المسجد بيت الله والناس فيه سواء فمن سبق إلى مكان فهو أحق به وقال الكرماني النهي ظاهر في التحريم فلا يعدل عنه إلا بدليل

(6/209)


وذكر ابن قدامة في ( المغني ) فإن قدم صاحبا فجلس في موضع حتى إذا قام وأجلسه مكانه جاز فعل ابن سيرين ذلك كان يرسل غلامه يوم الجمعة فيجلس في مكان فإذا جاء قام الغلام فإن لم يكن له نائب وجاء فقام له شخص ليجلسه مكانه جاز لأنه باختياره فإن انتقل القائم إلى مكان أقرب لسماع الخطبة فلا بأس وإن انتقل إلى دونه كره ولو آثر شخصا بمكانه لم يجز لغيره أن يسبقه إليه لأن الحق للجالس آثر به غيره فقام مقامه في استحقاقه كما لو حجر مواتا ثم آثر به غيره وقال ابن عقيل يجوز لأن القائم أسقط حقه فبقي على الأصل وإن فرش مصلاه في مكان ففيه وجهان أحدهما يجوز رفعه والجلوس في موضعه لأنه لا حرمة له ولأن السبق بالأجسام لا بالمصلى والثاني لا يجوز لأنه ربما يفضي إلى الخصومة ولأنه سبق إليه فصار كحجر الموات وقال القاضي أبو الطيب من الشافعية تجوز إقامة الرجل من مكانه في ثلاث صور وهو أن يقعد في موضع الإمام أو في طريق يمنع الناس من المرور فيه أو بين يدي الصف مستقبل القبلة
21 -
( باب الأذان يوم الجمعة )
أي هذا باب في بيان حكم الأذان يوم الجمعة متى يشرع
912 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( الزهري ) عن ( السائب بن يزيد ) قال كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي وأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فلما كان عثمان رضي الله تعالى عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم أربعة آدم بن أبي إياس ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري والسائب بن يزيد الكندي ابن اخت النمر
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه عن السائب وفي رواية عقيل عن ابن شهاب أن السائب ابن يزيد أخبره وفي رواية يونسوفيه عن الزهري سمعت السائب وستأتي هاتان الروايتان عن قريب إن شاء الله تعالى
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الجمعة عن أبي نعيم وعن يحيى بن بكير وعن محمد بن مقاتل وأخرجه أبو داود في الصلاة عن محمد بن سلمة المرادي وعن عبد الله بن محمد النفيلي وعن هناد بن السري وعن محمد بن يحيى بن فارس وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع وقال حسن صحيح وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن سلمة المرادي به وعن محمد بن يحيى وعن محمد بن عبد الأعلى وأخرجه ابن ماجه فيه عن يوسف بن موسى القطان وعن عبد الله بن سعيد
ذكر معناه قوله كان النداء أي الأذان وكذا وقع في رواية ابن خزيمة عن وكيع عن ابن أبي ذئب كان الأذان على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة يريد بالأذانين الأذان والإقامة تغليبا أو لاشتراكهما في الإعلام وفي رواية لابن خزيمة عن أبي عامر عن ابن أبي ذئب كان ابتداء النداء الذي ذكره الله تعالى في القرآن يوم الجمعة قوله أوله بالرفع بدل من النداء قوله إذا جلس الإمام على المنبر جملة في محل النصب لأنها خبر كان وفي رواية أبي عامر المذكورة إذا خرج الإمام وإذا أقيمت الصلاة وكذا في رواية البيهقي من طريق ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب وفي رواية النسائي عن سليمان التيمي عن الزهري كان بلال يؤذن إذا جلس النبي على المنبر فإذا نزل أقام ثم كان كذلك في زمن أبي بكر وعمر وفي رواية أبي داود كان يؤذن بين يدي رسول الله على باب المسجد وأبي بكر وعمر وكذا في رواية الطبراني وفي رواية عبد بن حميد في تفسيره في زمن رسول الله وأبي بكر وعمر وعامة خلافة عثمان فلما تباعدت المنازل وكثر الناس أمر بالنداء الثالث فلم يعب ذلك عليه وعيب عليه إتمام الصلاة بمنى وقال الشافعي رحمه الله حدثنا بعض أصحابنا عن ابن أبي ذئب وفيه ثم أحدث عثمان الأذان الأول على الزوراء وفي ( مصنف عبد الرزاق ) عن ابن جريج قال سليمان بن موسى أول من زاد الأذان بالمدينة عثمان رضي الله تعالى عنه فقال عطاء كلا إنما كان يدعو الناس دعاء ولا

(6/210)


يؤذن غير أذان واحد وفيه أيضا عن الحسن النداء الأول يوم الجمعة الذي يكون عند خروج الإمام والذي يكون قبل ذلك محدث وكذا قال ابن عمر في رواية عنه الأذان الأول يوم الجمعة بدعة وعن الزهري أول من أحدث الأذان الأول عثمان يؤذن لأهل الأسواق وفي لفظ فأحدث عثمان التأذينة الثالثة على الزوراء ليجتمع الناس ووقع في ( تفسير جويبر ) عن الضحاك عن برد بن سنان عن مكحول عن معاذ بن عمر هو الذي زاد فلما كانت خلافة عمر رضي الله تعالى عنه وكثر السلمون أمر مؤذنين أن يؤذنا للناس بالجمعة خارجا في المسجد حتى يسمع الناس الأذان وأمر أن يؤذن بين يديه كما كان يفعل المؤذن بين يدي النبي وبين يدي أبي بكر ثم قال عمر أما الأذان الأول فنحن ابتدعناه لكثرة المسلمين فهو سنة من رسول الله ماضية وقيل إن أول من أحدث الأذان الأول بمكة الحجاج وبالبصرة زياد قوله فلما كان عثمان أراد أنه لما صار خليفة قوله وكثر الناس أي بمدينة النبي وصرح به في رواية الماجشون وظاهر هذا أن عثمان أمر بذلك في ابتداء خلافته لكن في رواية أبي حمزة عن يونس عند أبي نعيم في ( المستخرج ) أن ذلك كان بعد مضي مدة خلافته قوله زاد النداء الثالث إنما سمي ثالثا باعتبار كونه مزيدا لأن الأول هو الأذان عند جلوس الإمام على المنبر والثاني هو الإقامة للصلاة عند نزوله والثالث عند دخول وقت الظهر فإن قلت هو الأول لأنه مقدم عليهما قلت نعم هو أول في الوجود ولكنه ثالث باعتبار شرعيته باجتهاد عثمان وموافقة سائر الصحابة به بالسكوت وعدم الإنكار فصار إجماعا سكوتيا وإنما أطلق الأذان على الإقامة لأنها إعلام كالأذان ومنه قوله بين كل أذانين صلاة لمن شاء ويعني به بين الأذان والإقامة وإنما أولناه هكذا حتى لا يلزم أن يكون الأذان ثلاثا ولم يكن كذلك ولا يلزم أيضا أن يكون في الزمن الأول أذانان ولم يكن إلا أذان واحد فالأذان الثالث الذي زاده عثمان هو الأول اليوم فيكون الأول هو الأذان الذي كان في زمن النبي وزمن أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما عند الجلوس على المنبر والثاني هو الإقامة والثالث الأذان الذي زاده عثمان فأذن به على الزوراء
ذكر ما يستفاد منه قيل استدل البخاري بهذا الحديث على الجلوس على المنبر قبل الخطبة قال بعضهم خلافا لبعض الحنفية وقال صاحب ( التوضيح ) قوله إذا جلس الإمام على المنبر هذا سنة وعليه عامة العلماء خلافا لأبي حنيفة كذا قاله ابن بطال وتبعه ابن التين وقالا خالف الحديث قلت هما خالفا الحديث حيث نسبا إليه ما لم يقل لأن مذهبه ما ذكره صاحب ( الهداية ) وإذا صعد الإمام على المنبر جلس وأذن المؤذن بين يدي المنبر بذلك جرى التوارث انتهى واختلف أن جلوس الإمام على المنبر قبل الخطبة هل هو للأذان أو لراحة الخطيب فعلى الأول لا يسن في العيد لأنه لا أذان له ومما يستفاد منه أن الأذان قبل الخطبة وأن الخطبة قبل الصلاة ومنه أن التأذين كان بواحد وقال أبو عمر اختلف الفقهاء هل يؤذن بين يدي الإمام واحد أو مؤذنون فذكر ابن عبد الحكم عن مالك إذا جلس على المنبر ونادى المنادي منع الناس من البيع تلك الساعة هذا يدل على أن النداء عنده واحد بين يدي الإمام ونص عليه الشافعي ويشهد له حديث السائب لم يكن لرسول الله غير مؤذن واحد وهذا يحتمل أن يكون أراد بلالا لمواظبته على الأذان دون ابن أم مكتوم وغيره وعن ابن القاسم عن مالك إذا جلس الإمام على المنبر وأخذ المؤذنون في الأذان حرم البيع فذكر المؤذنون بلفظ الجماعة ويشهد لهذا حديث الزهري عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر رضي الله تعالى عنه وجلس على المنبر وأذن المؤذنون الحديث وهكذا حكاه الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه قال ابن عمر ومعلوم عند الناس أنه جائز أن يكون المؤذنون واحدا وجماعة في كل صلاة إذا كان ذلك مترادفا لا يمنع من إقامة الصلاة في وقتها وعن الداودي كانوا يؤذنون في أسفل المسجد ليسوا بين يدي الإمام فلما كان عثمان رضي الله تعالى عنه جعل من يؤذن على الزوراء وهي كالصومعة فلما كان هشام جعل المؤذنين أو بعضهم يؤذنون بين يديه فصاروا ثلاثة فسمي فعل عثمان ثالثا لذلك فإن قلت قد مر عن السائب لم يكن لرسول الله غير مؤذن واحد رواه أبو داود والنسائي وفي رواية البخاري لم يكن للنبي مؤذن غير واحد فقد ثبت في الصحيح أن ابن أم مكتوم كان يؤذن للنبي فلذلك قال فكلوا واشربوا حتى تسمعوا

(6/211)


تأذين ابن أم مكتوم وكان من مؤذنيه أيضا سعد القرظ وأبو محذورة والحارث الصدائي فما التوفيق بين هذه الروايات قلت أراد السائب بقوله لم يكن لرسول الله غير مؤذن واحد يعني في الجمعة فلم ينقل أن غيره كان يؤذن للجمعة فالذي ورد عنه التأذين يوم الجمعة بلال رضي الله تعالى عنه ولم ينقل أن ابن أم مكتوم كان يؤذن للجمعة وأما سعد القرظ فكان جعله مؤذنا بقباء وأما أبو محذورة جعله مؤذنا بمكة شرفها الله تعالى وأما الحارث فإنه تعلم الأذان حتى يؤذن لقومه
قال أبو عبيد الله الزوراء موضع بالسوق بالمدينة
أبو عبد الله هو البخاري نفسه والزوراء بفتح الزاي وسكون الواو بعدها راء ممدودة وقد فسرها البخاري بقوله موضع بالسوق بالمدينة وقال ابن بطال هو حجر كبير عند باب المسجد قال أبو عبيد هي ممدودة ومتصلة بالمدينة وبها كان مال أحيحة بن الجلاح وهي التي عنيت بقوله
إني مقيم على الزوراء أعمرها
إن الكريم على الإخوان ذو المال
وقال أبو عبد الله الحموي هي قرب الجامع مرتفعة كالمنارة ويفرق بينها وبين أرض أحيحة وفي ( فتاوى ابن يعقوب الخاصي ) هي المأذنة وفيه نظر ولم يكن في زمن النبي مأذنة التي يقال لها المنارة نعم كل موضع مرتفع عال يشبه بالمنارة وعند ابن ماجه وابن خزيمة بلفظ زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها الزوراء وعند الطبراني فأمر بالنداء الأول على دار له يقال لها الزوراء
22 -
( باب المؤذن الواحد يوم الجمعة )
أي هذا باب ترجمته المؤذن الواحد يوم الجمعة وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من قال كان النبي إذا رقي المنبر وجلس أذن المؤذنون وكانوا ثلاثة واحدا بعد واحد فإذا فرغ الثالث قام فخطب وممن قال به ابن حبيب
913 - حدثنا ( أبو نعيم ) قال حدثنا ( عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ) عن ( الزهري ) عن ( السائب بن يزيد ) أن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه حين كثر أهل المدينة ولم يكن للنبي مؤذن غير واحد وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام يعني على المنبر
مطابقته للترجمة ظاهرة والحديث أخرجه في الباب الذي قبله عن آدم بن أبي إياس وأخرجه ههنا لأجل الترجمة المذكورة للزيادة التي فيه وهي قوله ولم يكن للنبي مؤذن غير واحد عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن عبد العزيز ابن أبي سلمة بفتح اللام الماجشون بفتح الجيم وكسرها عن محمد بن مسلم الزهري إلى آخره
وفيه أن عثمان هو الذي زاد الأذان الثالث الذي هو الأول في الوجود كما ذكرنا وجهه مستقصى وذكرنا أيضا وجه قوله ولم يكن للنبي مؤذن غير واحد وفيه أن المستحب أن يجلس الإمام على المنبر بعد صعوده إما للأذان أو للاستراحة كما ذكرناه في الباب السابق وأن المستحب الخطبة على المنبر فإن لم يكن فعلى موضع عال مشرف وسمي المنبر أيضا به لأنه من النبر وهو الارتفاع والقياس فيه فتح الميم ولكن المسموع كسرها فافهم
23 -
( باب يجيب الإمام على المنبر إذا سمع النداء )
أي هذا باب ترجمته يجيب الإمام وهو على المنبر إذا سمع النداء أي الأذان وإنما أطلق الأذان عليه وإن كان جوابا له لأن صورته صورة الأذان وفي رواية كريمة يؤذن بدل يجيب فكأنه سماه أذانا لكونه بلفظه

(6/212)


914 - حدثنا ( بن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( أبو بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف ) عن ( أبي أمامة بن سهل بن حنيف ) قال سمعت ( معاوية بن أبي سفيان ) وهو جالس على المنبر أذن المؤذن قال ألله أكبر الله أكبر قال معاوية الله أكبر الله أكبر قال أشهد أن لا إله إلا الله فقال معاوية وأنا فقال أشهد أن محمدا رسول الله فقال معاوية وأنا فلما أن قضى التأذين قال يا أيها الناس إني سمعت رسول الله على هذا المجلس حين أذن المؤذن يقول ما سمعتم مني من مقالتي ( انظر الحديث 612 وطرفه )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول محمد بن مقاتل المروزي المجاور بمكة ثقة صاحب حديث مات سنة ست وعشرين ومائتين الثاني عبد الله بن المبارك المروزي الثالث أبو بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء الرابع أبو أمامة بضم الهمزة واسمه أسعد بن سهل بن حنيف الخامس معاوية بن أبي سفيان واسمه صخر بن حرب بن أمية
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه الإخبار كذلك في موضعين وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه السماع وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وفيه رواية الرجل عن عمه وهي رواية أبي بكر عن أبي أمامة وفيه رواية الصحابي عن الصحابي وفيه عن أبي أمامة وفيه رواية الإسماعيلي سمعت أبا أمامة وفيه أن الأولين من الرواة مروزيان والاثنان مدنيان
ذكر من أخرجه غيره أخرجه النسائي في الصلاة وفي اليوم والليلة عن محمد بن قدامة وعن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك وعن محمد بن منصور وأخرج البخاري أيضا حديث أبي أمامة بهذا الإسناد بعينه في باب وقت العصر وتكلمنا في حديث الباب مستقصى في باب ما يقول إذا سمع المنادي
قوله وهو جالس على المنبر جملة إسمية وقعت حالا قوله أنا أي وأنا أشهد أيضا به أو وأنا أيضا أقول مثله قوله فلما أن قضى كلمة أن زائدة وسقطت في رواية الأصيلي ومعناه فلما فرغ وفي راية الكشميهني فلما أن انقضى أي انتهى
ومما يستفاد منه تعلم العلم وتعليمه من الإمام وهو على المنبر وفيه إجابة الخطيب للمؤذن وهو على المنبر وفيه قول المجيب وأنا كذلك ونحوه وظاهره أن هذا المقدار يكفي ولكن الأولى أن يقول مثل قول المؤذن وفيه إباحة الكلام قبل الشروع في الخطبة وفيه الجلوس قبل الخطبة
24 -
( باب الجلوس على المنبر عند التأذين )
أي هذا باب في بيان جلوس الخطيب على المنبر عند التأذين أي عند الأذان أو عند تأذين المؤذن بين يديه
915 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) أن ( السائب ابن يزيد ) أخبره أن التأذين الثاني يوم الجمعة أمر به عثمان حين كثر أهل المسجد وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام
مطابقته للترجمة في قوله وكان التأذين يوم الجمعة إلى آخره وكان المناسب أن يقول باب التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام على المنبر ورجاله قد ذكروا غير مرة و عقيل بضم العين المهملة ابن خالد وقد تقدم ما فيه من المباحث
52 -
( باب التأذين عند الخطبة )
أي هذا باب في بيان التأذين عند الخطبة أي قبلها عند إرادتها

(6/213)


916 - حدثنا ( محمد بن مقاتل ) قال أخبرنا ( عبد الله ) قال أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) قال سمعت ( السائب بن يزيد ) يقول إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله وأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فلما كان في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه وكثروا أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث فأذن به على الزوراء فثبت الأمر على ذالك
مطابقته للترجمة في قوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر وقد مر الكلام فيه عن قريب وعبد الله هو ابن المبارك ويونس ابن يزيد قوله كان أوله أي أول الأذان أي قبل أمر عثمان به قوله وكثروا أي الناس قوله أمر جواب فلما قوله بالأذان الثالث قد مر وجه ذلك وتسميته بالثالث قوله فأذن به على صيغة المجهول من التأذين قوله فثبت الأمر أي أمر الأذان على ذلك أي على أذانين وإقامة كما أن اليوم العمل عليه في جميع الأمصار اتباعا للخلف والسلف
26 -
( باب الخطبة على المنبر )
أي هذا باب في بيان الخطبة على المنبر يعني مشروعيتها عليه وإنما لم يقل يوم الجمعة ليتناول الجمعة وغيرها
وقال أنس رضي الله تعالى عنه خطب النبي على المنبر
هذا التعليق وصله البخاري في الاعتصام وفي الفتن مطولا وفيه قصة عبد الله بن حذافة وحديث أنس أيضا في الاستسقاء في قصة الذي قال هلك المال وسيأتي إن شاء الله تعالى
917 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) قال حدثنا ( يعقوب بن عبد الرحمان بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري القرشي الإسكندراني ) قال حدثنا ( أبو حازم بن دينار ) أن ( رجالا أتوا سهل بن سعد الساعدي ) وقد امتروا في المنبر مم عوده فسألوه عن ذالك فقال والله إني لاعرف مما هو ولقد رأيته أول يوم وضع يوم جلس عليه رسول الله أرسل رسول الله إلى فلانة امرأة قد سماها سهل مري غلامك النجار أن يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس فأمرته فعملها من طرفاء الغابة ثم جاء بها إلى رسول الله فأمر بها فوضعت هاهنا ثم رأيت رسول الله صلى عليها وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ثم عاد فلما فرغ أقبل على الناس فقال أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي
مطابقته للترجمة في قوله إذا كلمت الناس إذ العادة أن الخطيب لا يتكلم على المنبر إلا بالخطبة
ذكر رجاله وهم أربعة الأول قتيبة بن سعيد وقد تكرر ذكره الثاني يعقوب بن عبد الرحمن هو القاري بالقاف وبالراء المخففة وبياء النسبة إلى القارة وهي قبيلة وإنما قيل له القرشي لأنه حليف بني زهرة و المدني لأن أصله من المدينة والاسكندراني لأنه سكن فيها ومات بها سنة إحدى وثمانين ومائة الثالث أبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي واسمه سلمة بن دينار الأعرج الرابع سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخ البخاري بلخي والإثنان مدنيان والحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي جميعهم عن قتيبة

(6/214)


ذكر معناه قد مضى الكلام فيه مستوفى في باب الصلاة في المنبر والسطوح والخشب ولكن نذكر ههنا ما لم نذكر هناك زيادة للبيان وإن وقع فيه بعض تكرار فنقول قوله إن رجالا لم يسموا من هم قوله وقد امتروا جملة في محل النصب على الحال من الامتراء قال الكرماني وهو الشك وقال بعضهم من المماراة وهي المجادلة والذي قاله الكرماني هو الأصوب قوله والله إني لا أعرف مما هو أي من أي شيء هو أي عوده وإنما أتى بالقسم مؤكدا بالجملة الإسمية وبكلمة أن التي للتحقيق وبلام التأكيد في الخبر لإرادة التأكيد فيما قاله للسامع قوله ولقد رأيته أول يوم وضع أي لقد رأيت المنبر في أول يوم وضع في موضعه وهو زيادة على السؤال وكذا قوله وأول يوم جلس عليه أي أول يوم جلس النبي على المنبر وفائدة هذه الزيادة المؤكدة باللام وكلمة قد للإعلام بقوة معرفته بما سألوه قوله ارسل رسول الله الى آخره شرح جوابه لهم وبيانه فلذلك فصله عما قبله ولم يذكره بعطف قولهإلى فلانة فلان للمذكر وفلانة للمؤنث كناية عن اسم سمي به المحدث عنه خاص غاالب ويقال في غير الناس الفلان والفلانة والمانع من صرفه وجود العلتين العلمية والتأنيث وقد ذكرنا في باب الصلاة على المنبر ما قالوا في إسمها وكذلك ذكرنا الاختلاف في صانع المنبر على أقوال كثيرة مستقصاة وفي حديث سهل المذكور وهناك عمله فلان مولى فلانة وههنا قوله مري غلامك تقديره أرسل إليها وقال لها مري غلامك وهو أمر من أمر يأمر وأصله أؤمري على وزن افعلي فاجتمعت همزتان فنقلتا فحذفت الثانية واستغنيت عن همزة الوصل فصار مري على وزن علي لأن المحذوف فاء الفعل قوله غلامك النجار بنصب النجار لأنه صفة للغلام وقد سماه عباس بن سهل بأن اسمه ميمون وقد ذكرنا هناك من رواه ويقال اسمه مينا ذكره إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه قال عمل المنبر غلام لامرأة من الأنصار من بني سلمة أو بني ساعدة أو امرأة لرجل منهم يقال له مينا وأشبه الأقوال التي ذكرت في صانع المنبر بالصواب قول من قال هو ميمون لكون الإسناد فيه من طريق سهل بن سعد وبقية الأقوال بأسانيد ضعيفة بل فيها شيء واه
فإن قلت كيف يكون طريق الجمع بين هذه الأقوال وهي سبعة على ما ذكرنا في باب الصلاة على المنبر قلت لا طريق في هذا إلا أن يحمل على واحد بعينه ما هو في صنعته والبقية أعوانه فإن قلت لم لا يجوز أن يكون الكل قد اشتركوا في العمل قلت جاء في روايات كثيرة أنه لم يكن بالمدينة إلا نجار واحد فإن قلت متى كان عمل هذا المنبر قلت ذكر ابن سعد أنه كان في السنة السابعة لكن يرده ذكر العباس وتميم فيه وكان قدوم العباس بعد الفتح في آخر سنة ثمان وقدوم تميم سنة تسع وذكر ابن النجار بأنه كان في سنة ثمان ويرده أيضا ما ورد في حديث الإفك في ( الصحيحين ) عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت فثار الحيان الأوس والخزرج حتى كادوا أن يقتتلوا ورسول الله على المنبر فحفضهم حتى سكتوا وعن الطفيل بن أبي ابن كعب عن أبيه قال كان النبي يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشا وكان يخطب إلى ذلك الجذع فقال رجل من أصحابه يا رسول الله هل لك أن نجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة وتسمع الناس يوم الجمعة خطبتك قال نعم فصنع له ثلاث درجات هي على المنبر فلما صنع المنبر وضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله وبدأ رسول الله أن يقوم فيخطب عليه فمر إليه فلما جاز الجذع الذي كان يخطب إليه خار حتى تصدع وانشق فنزل النبي لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ثم رجع إلى المنبر وعن عائشة رضي الله تعالى عنها لما وضع النبي يده على الجذع وسكنه غار الجذع فذهب وقيل لما سكن لم يزل على حاله فلما هدم المسجد أخذ ذلك أبي بن كعب فكان عنده إلى أن بلي وأكلته الأرض فعاد رفاتا رواه الشافعي وأحمد وابن ماجه وفي رواية لما وضع يده على الجذع سكن حنينه وجاء في رواية أخرى لو لم أفعل ذلك لحن إلى قيام الساعة فإن قلت حكى بعض أهل السير أنه كان يخطب على منبر من طين قبل أن يتخذ المنبر الذي من خشب قلت يرده الحديث الذي ذكرناه والأحاديث الصحيحة أنه كان يستند إلى الجذع إذا خطب
ثم إعلم أن المنبر لم يزل على حاله ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله وكان سبب ذلك ما حكاه الزبير بن بكار في ( أخبار المدينة ) بإسناده إلى حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال بعث معاوية إلى مروان وهو عامله على المدينة أن يحمل المنبر إليه فأمر به فقلع فأظلمت المدينة فخرج مروان فخطب فقال

(6/215)


إنماأمرني أمير المأمنين أن أرفعه فدعا نجارا وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التي هو عليها اليوم ورواه من وجه آخر قال فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم قال وزاد فيه ست درجات وقال إنما زدت فيه حين كثر الناس فإن قلت روى أبو داود عن ابن عمر أن النبي لما بدن قال له تميم الداري ألا اتخذ لك منبرا يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك قال بلى فاتخذ له منبرا مرقاتين أي اتخذ له منبرا درجتين فبينه وبين ما ثبت في الصحيح أنه ثلاث درجات منافاة قلت الذي قال مرقاتين لم يعتبر الدرجة التي كان يجلس عليها وقال ابن النجار وغيره استمر على ذلك إلا ما أصلح منه إلى أن أحترق مسجد المدينة سنة أربع وخمسين وستمائة فاحترق ثم جدد المظفر صاحب اليمن سنة ست وخمسين منبرا ثم أرسل الظاهر بيبرس رحمه الله بعد عشر سنين منبرا فأزيل منبر المظفر فلم يزل ذلك إلى هذا العصر فأرسل الملك المؤيد شيخ رحمه الله في سنة عشرين وثمان مائة منبرا جديدا وكان أرسل في سنة ثماني عشرة منبرا جديدا إلى مكة أيضا
قوله وأجلس بالرفع والجزم قاله الكرماني قلت أما الرفع فعلى تقدير وأنا أجلس وأما الجزم فلأنه جواب الأمر قوله من طرفاء الغابة وفي رواية سفيان عن أبي حازم من أثل الغابة الطرفاء بفتح الطاء وسكون الراء المهملتين وبعد الراء فاء ممدودة وهو شجر من شجر البادية واحدها طرفة بفتح الفاء مثل قصبة وقصباء وقال سيبويه الطرفاء وأحمد وجمع والأثل بسكون الثاء المثلثة قال القزاز هو ضرب من الشجر يشبه الطرفاء وقال الخطابي هو الشجرة الطرفاء قلت فعلى هذا لا منافاة بين الروايتين والغاية بالغين المعجمة وبعد الألف باء موحدة وهي أرض على تسعة أميال من المدينة كانت إبل النبي مقيمة بها للمرعى وبها وقعت قصة العرنيين الذي أغاروا على سرحه وقال ياقوت بينها وبين المدينة أربعة أميال وقال الزمخشري الغابة بريد من المدينة من طريق الشام وفي ( الجامع ) كل شجر ملتف فهو غابة وفي ( المحكم ) الغابة الأجمة التي طالت ولها أطراف مرتفعة باسقة وقال أبو حنيفة هي أجمة القصب قال وقد جعلت جماعة الشجر غابا مأخوذا من الغيابة والجمع غابات وغاب قوله فأرسلت أي المرأة تعلم النبي بأنه فرغ قوله فأمر بها فوضعت أنث الضمير في الموضعين باعتبار الأعواد والدرجات قوله عليها أي على الأعواد قوله وهو عليها جملة حالية قوله ثم نزل القهقرى وهو الرجوع إلى خلف قيل يقال رجع القهقرى ولا يقال نزل القهقرى لأنه نوع من الرجوع لا من النزول وأجيب بأنه لما كان النزول رجوعا من فوق إلى تحت صح ذلك وكان الحامل على ذلك المحافظة على استقبال القبلة ولم يذكر في هذه الرواية القيام بعد الركوع ولا القراءة بعد التكبير وقد بين ذلك في رواية سفيان عن أبي حازم ولفظه كبر فقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى وفي رواية هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني فخطب الناس عليه ثم أقيمت الصلاة فكبر وهو على المنبر قوله في أصل المنبر أي على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه قوله ثم عاد وزاد مسلم من رواية عبد العزيز حتى فرغ من آخر صلاته قوله ولتعلموا بكسر اللام وفتح التاء المثناة من فوق وتشديد اللام وأصله لتتعلموا فحذفت إحدى التاءين وعرف منه أن الحكمة في صلاته في أعلى المنبر ليراه من قد يخفى عليه رؤيته إذا صلى على الأرض وقال ابن حزم وبكيفية هذه الصلاة قال أحمد والشافعي والليث وأهل الظاهر ومالك وأبو حنيفة لا يجيزانها وقال ابن التين الأشبه أن ذلك كان له خاصة
ذكر ما يستفاد منه فيه أن من فعل شيئا يخالف العادة بين حكمته لأصحابه فإن النبي صلى هذه الصلاة بهذه الكيفية وكان ذلك لمصلحة بيناها فنقول إذا كان مثل ذلك لمصلحة ينبغي أن لا تفسد صلاته ولا تكره أيضا كما في مسألة من انفرد خلف الصف وحده فإن له أن يجذب واحدا من الصف إليه ويصطفان فإن المجذوب لا تبطل صلاته ولو مشى خطوة أو خطوتين وبه صرح أصحابنا في الفقه وفيه دليل على أن الفعل الكثير بالخطوات وغيرها إذا تفرق لا يبطل الصلاة لأن النزول عن المنبر والصعود تكرر وجملته كثيرة ولكن أفراده المتفرقة كل واحد منها قليل وفيه استحباب اتخاذ المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه ويستحب أن يكون المنبر على يمين المحراب مستقبل القبلة فإن لم يكن منبر فموضع عال وإلا فإلى خشبة للاتباع فإنه كان يخطب إلى جذع قبل اتخاذ المنبر فلما صنع تحول إليه ويكره المنبر الكبير جدا الذي يضيق على المصلين إذا لم يكن المسجد متسعا وفيه استحباب الافتتاح بالصلاة في كل شيء جديد إما شكرا وإما تبركا

(6/216)


918 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال حدثنا ( محمد بن جعفر ) قال أخبرني ( يحيى بن سعيد ) قال أخبرني ( ابن أنس ) أنه سمع جابر بن عبد الله قال كان جذع يقوم عليه النبي فلما وضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار حتى نزل النبي فوضع يده عليه
مطابقته للترجمة تفهم من قوله حتى نزل النبي لأن نزول كان بعد صعودة إلى المنبر
ذكر رجاله وهم خمسة الأول سعيد بن أبي مريم وقد تكرر ذكره الثاني محمد بن جعفر بن أبي كثير ضد قليل الأنصاري الثالث يحيى بن سعيد الأنصاري الرابع ابن أنس هو حفص بن عبيد الله بن أنس وقد بينه باسمه في الرواية المعلقة التي تأتي عن قريب وقال الكرماني هو مجهول فصار الإسناد به من باب الرواية عن المجاهيل ثم أجاب عنه بأن يحيى لما كان لا يروي إلا عن العدل الضابط فلا بأس به أو لما علم من الطريق الذي بعده أنه حفص بن عبيد الله بن أنس فاكتفى به وقال أبو مسعود الدمشقي في ( الأطراف ) إنما أبهم البخاري حفصا لأن محمد بن جعفر بن أبي كثير يقول عبيد الله بن حفص فيقبله وكذا رواه أبو نعيم في ( المستخرج ) من طريق محمد بن مسكين عن ابن أبي مريم شيخ البخاري فيه وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عن يحيى بن سعيد ولكن أخرجه من طريق أبي الأحوص محمد بن الهيثم عن ابن أبي مريم فقال عن حفص بن عبيد الله على الصواب وقال الصواب فيه حفص بن عبيد الله وقال البخاري في ( تاريخه ) قال بعضهم عبد الله بن حفص ولا يصح وفي نسخة أبي ذر حفص بن عبد الله بتكبير العبد وصوابه عبيد الله بالتصغير وحفص هذا روى له البخاري ومسلم روى عن جده وجابر بن عبد الله وابن عمر وأبي هريرة وقال أبو حاتم لا يثبت له السماع إلا من جده وفي البخاري في ( علامات النبوة ) عن جابر مصرحا به الخامس جابر بن عبد الله الأنصاري
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضعين وفيه السماع وفيه القول في أربعة مواضع وفيه رواية عن مجهول صورة وبينا وجهه وفيه ليس لابن أنس عن جابر في البخاري إلا هذا الحديث قاله الحميدي في جمعه وفيه إطلاق الابن على ابن ابنه مجازا وفيه أن شيخ البخاري مصري والإثنان مدنيان والرابع بصري
ذكر معناه قوله جذع بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة قاله الجوهري واحد جذوع النخل قوله يقوم عليه ويروى يقوم إليه قوله مثل أصوات العشار بكسر العين المهملة بعدها شين معجمة قاله الجوهري العشار جمع عشراء بالضم ثم الفتح وهي الناقة الحامل التي مضت لها عشرة أشهر ولا يزال ذلك إسمها إلى أن تلد وفي ( المطالع ) العشار النوق الحوامل قال الداودي هي التي معها أولادها وقال الخطابي هي التي قاربت الولادة يقال ناقة عشراء ونوق عشار على غير قياس ونقل ابن التين أنه ليس في الكلام فعلاء على فعال غير نفساء وعشراء ويجمع على عشراوات ونفساوات ومثل صوت الجذع بأصوات العشار عند فراق أولادها وفيه علم عظيم من أعلام نبوته ودليل على صحة رسالته وهو حنين الجماد وذلك أن الله تعالى جعل للجذع حياة حن بها وهذا من باب الإفضال من الرب جل جلاله الذي يحيي الموتى بقوله كن فيكون ( البقرة 217 آل عمران 47 لأ59 الأنعام 273 النحل 240 مريم 35 يس 83 وغافر 68 ) وفيه الرد على القدرية لأن الصياح ضرب من الكلام وهم لا يجوزون الكلام إلا ممن له فم ولسان
قال سليمان عن يحيى أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس أنه سمع جابر بن عبد الله
هذا التعليق عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد إلى آخره وقد وصله البخاري في علامات النبوة بهذا الإسناد وزعم بعضهم أنه سليمان بن كثير

(6/217)


لأنه رواه عن يحيى بن سعيد ورد بأن سليمان بن كثير قال فيه عن يحيى عن سعيد بن المسيب عن جابر كذلك أخرجه الدارمي عن محمد بن كثير عن أخيه سليمان فإن كان هذا محفوظا فليحيى بن سعيد فيه شيخان وقال المزي في ( الأطراف ) ذكر أبو مسعود وخلف إن سليمان الذي استشهد به البخاري في الصلاة هو ابن بلال وذكر أن سليمان بن كثير أيضا رواه عن يحيى بن سعيد عن حفص بن عبد الله بن أنس كما قال سليمان والذي ذكره الذهلي والدارقطني أن سليمان بن كثير رواه عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن جابر رضي الله تعالى عنه
919 - حدثنا ( آدم بن أبي إياس ) قال حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( الزهري ) عن ( سالم ) عن أبيه قال سمعت النبي يخطب على المنبر فقال من جاء إلى الجمعة فليغتسل ( انظر الحديث 877 وطرفه )
مطابقته للترجمة في قوله سمعت النبي ولأجل هذا المقدار أورده ههنا لأجل الترجمة وأخرج بقيته في باب فضل الغسل يوم الجمعة عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وأخرجه أيضا في باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري وحدثني سالم بن عبد الله أنه سمع عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله يقول من جاء منكم الجمعة فليغتسل وههنا أخرجه عن آدم عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن محمد بن مسلم الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب
والمستفاد منه أن الخطبة ينبغي أن تكون على المنبر إن وجد وإلا فعلى موضع مشرف
27 -
( باب الخطبة قائما )
أي هذا باب في بيان حكم الخطبة قائما أي يكون الخطيب فيها قائما هذا التقدير على كون الباب مضافا إلى الخطبة ويجوز أن ينقطع عن الإضافة وينون على أنه خبر مبتدأ محذوف ويكون لفظ الخطبة مرفوعا على الابتداء ويكون التقدير هذا باب ترجمته الخطبة يخطبها الخطيب حال كونه قائما فانتصاب قائما على الوجه الأول بكونه خبر يكون وعلى الوجه الثاني على أنه حال من الخطيب وهذا كله لا يخلو عن تعسف لأجل التعسف في تركيب الترجمة
وقال أنس بينا النبي يخطب قائما
هذا التعليق موافق للترجمة وهو طرف من حديث الاستسقاء على ما سيأتي إن شاء الله تعالى وقد مر غير مرة أن بينا أصله بين فأشبعت فتحة النون فصارت ألفا وهو ظرف زمان بمعنى المفاجأة مضاف إلى الجملة من مبتدأ وخبر ويحتاج إلى جواب يتم به المعنى وجوابه في حديث الاستسقاء
والمستفاد منه أن يكون الخطيب قائما لكن على أي وجه نبينه عن قريب إن شاء الله تعالى
920 - حدثنا ( عبيد الله بن عمر القواريري ) قال حدثنا ( خالد بن الحارث ) قال حدثنا ( عبيد الله بن عمر ) عن ( نافع ) عن ( ابن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال كان النبي يخطب قائما ثم يقعد ثم يقوم كما تفعلون الآن ( الحديث 920 - طرفه في 928 )
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول عبيد الله بتصغير العبد ابن عمر بن ميسرة البصري أبو سعيد القواريري والقواريري بالقاف نسبة لمن يعمل القوارير أو يبيعها الثاني خالد بن الحارث بن سليم الهجيمي البصري مات سنة ست وثمانين ومائة ومر ذكره في باب استقبال القبلة الثالث عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي الرابع نافع مولى ابن عمر الخامس عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن نصف رواته بصري والنصف الآخر مدني
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الصلاة عن القواريري وأبي كامل فضيل بن الحسين الجحدري وأخرجه الترمذي فيه عن حميد بن مسعدة عن خالد بن الحارث وروى أحمد والبزار وأبو يعلى والطبراني من رواية الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن النبي أنه

(6/218)


كان يخطب يوم الجمعة قائما ثم يقعد ثم يقوم ثم يخطب اللفظ لأحمد وأبي يعلى قوله ثم يقعد أي بعد الخطبة الأولى ثم يقوم للخطبة الثانية
ذكر ما يستفاد منه فيه الإخبار عن النبي أنه كان يخطب قائما قال شيخنا في ( شرح الترمذي ) في اشتراط القيام في الخطبتين إلا عند العجز وإليه ذهب الشافعي وأحمد في رواية انتهى قلت لا يدل الحديث على الاشتراط غاية ما في الباب أنه يدل على السنية وفي ( التوضيح ) القيام للقادر شرط لصحتها وكذا الجلوس بينهما عند الشافعي رضي الله تعالى عنه وأصحابه فإن عجز عنه استخلف فإن خطب قاعدا أو مضطجعا للعجز جاز قطعا كالصلاة ويصح الاقتداء به حينئذ وعندنا وجه أنها تصح قاعدا للقادر وهو شاذ نعم هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد كما حكاه النووي عنهم قاسوه على الأذان وحكى ابن بطال عن مالك كالشافعي وعن ابن القصار كأبي حنيفة ونقل ابن التين عن القاضي أبي محمد أنه مسيىء ولا يبطل حجة الشافعي حديث الباب قلت حديث الباب لا يدل على الاشتراط واستدل بعضهم للشافعي رضي الله تعالى عنه بما في ( صحيح مسلم ) أن كعب بن عجرة دخل المسجد وعبد الرحمن بن أبي الحكم يخطب قاعدا فقال انظروا إلى هذا الخطيب يخطب قاعدا وقال تعالى وتركوك قائما ( الجمعة 11 ) وفي ( صحيح ابن خزيمة ) قال كعب ما رأيت كاليوم قط إمام يؤم المسلمين يخطب وهو جالس يقول ذلك مرتين وأجيب عنه بأن إنكار كعب عليه إنما هو لتركه السنة ولو كان القيام شرطا لما صلوا معه مع ترك الفرض فإن قلت روى مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية سماك بن حرب عن جابر ابن سمرة قال كانت للنبي خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس وفي رواية كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة قلت هذا محمول على المبالغة لأن هذا القدر من الجمع إنما يكمل في نيف وأربعين سنة وهذا القدر لم يصله رسول الله فإن قلت قال النووي المراد الصلوات الخمس لا الجمع لأنه غير ممكن قلت سياق الكلام ينافي هذا التأويل لأن الكلام في الجمع لا في الصلوات الخمس واحتجوا أيضا بما ذكره ابن أبي شيبة عن طاووس قال خطب رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان قياما وأول من جلس على المنبر معاوية قال الشعبي حين كثر شحم بطنه ولحمه ورواه ابن حزم عن على رضي الله تعالى عنه أيضا والجواب عنه وعن كل حديث ورد فيه القيام في خطبة النبي وعن قوله وتركوك قائما ( الجمعة 11 ) بأن ذلك إخبار عن حالته التي كان عليها عند انقضاضهم وبأنه كان يواظب على الشيء الفاضل مع جواز غيره ونحن نقول به ومن أقوى الحجج لأصحابنا ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري أن النبي جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله على ما سيأتي إن شاء الله تعالى وحديث سهل مري غلامك يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس
28 -
( باب يستقبل الإمام القوم واستقبال الناس الإمام إذا خطب )
أي هذا باب في بيان استقبال الناس الإمام والاستقبال مصدر مضاف إلى فاعله والإمام بالنصب مفعول له وفي رواية كريمة باب يستقبل الإمام القوم واستقبال الناس الإمام إذا خطب
واستقبل ابن عمر وأنس رضي الله تعالى عنه الإمام
مطابقته للترجمة ظاهرة أما أثر عبد الله بن عمر فأخرجه البيهقي من طريق الوليد بن مسلم قال ذكرت الليث بن سعد فأخبرني عن ابن عجلان عن نافع أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله وأما أثر أنس بن مالك فأخرجه ابن أبي شيبة حدثنا عبد الصمد عن المستمر بن ريان قال رأيت أنسا إذا أخذ الإمام يوم الجمعة في الخطبة يستقبله بوجهه حتى يفرغ الإمام من خطبته ورواه ابن المنذر من وجه آخر عن أنس أنه جاء يوم الجمعة فاستند إلى الحائط واستقبل الإمام قال ابن المنذر ولا أعلم في ذلك خلافا بين العلماء وحكى غيره عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يستقبل هشام بن إسماعيل إذا خطب فوكل به هشام شرطيا يعطفه إليه وهشام هذا هو هشام بن إسماعيل بن الوليد بن

(6/219)


المغيرة المخزومي كان واليا بالمدينة وهو الذي ضرب سعيد بن المسيب أفضل التابعين بالسياط فويل له من ذلك وفي ( المغني ) روي عن الحسن أنه استقبل القبلة ولم ينحرف إلى الإمام وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال كان رسول الله إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا وفي إسناده محمد بن الفضل وقال الترمذي هو ضعيف ذاهب الحديث عند أصحابنا والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم يستحبون استقبال الإمام إذا خطب وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ولا يصح في هذا الباب عن النبي شيء وروى ابن ماجه عن عدي بن ثابت عن أبيه كان النبي إذا قام على المنبر استقبله الناس وفي ( سنن الأثر ) عن مطيع أبي يحيى المزني عن أبيه عن جده قال كان رسول الله إذا قام على المنبر أقبلنا بوجوهنا إليه وقال ابن أبي شيبة أخبرنا هشيم أخبرنا عبد الحميد بن جعفر الأنصاري بإسناد لا أحفظه قال كانوا يجيؤن يوم الجمعة يجلسون حول المنبر ثم يقبلون على النبي بوجوههم وفي ( المبسوط ) كان أبو حنيفة إذا فرغ المؤذن من أذانه أدار وجهه إلى الأمام وهو قول شريح وطاووس ومجاهد وسالم والقاسم وزادان وعمر بن عبد العزيز وعطاء وبه قال مالك والأوزاعي والثوري وسعيد بن عبد العزيز وابن جابر ويزيد بن أبي مريم والشافعي وأحمد وإسحاق قال ابن المنذر وهذا كالإجماع
921 - حدثنا ( معاذ بن فضالة ) قال حدثنا ( هشام ) عن ( يحيى ) عن ( هلال بن أبي ميمونة ) قال حدثنا ( عطاء بن يسار ) أنه سمع ( أبا سعيد الخدري ) قال إن النبي جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله
مطابقته للترجمة من حيث إن جلوسهم حول النبي لا يكون إلا وهم ينظرون إليه وهو عين الاستقبال
ذكر رجاله وهم ستة الأول معاذ بن فضالة أبو زيد الزهراني البصري الثاني هشام الدستوائي الثالث يحيى بن أبي كثير الرابع هلال بن أبي ميمونة ويقال هلال بن هلال وهو هلال بن علي تقدم ذكره في أول كتاب العلم الخامس عطاء بن يسار بفتح الياء آخر الحروف السادس أبو سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك مشهور باسمه وكنيته
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه السماع وفيه القول في موضع واحد وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن الأول من الرواة بصري والثاني أهوازي والثالث يماني والرابع والخامس مدنيان
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في الجهاد أيضا عن محمد بن سنان عن فليح وفي الزكاة عن معاذ بن فضالة أيضا وفي الرقاق عن إسماعيل بن عبد الله عن مالك وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي الطاهر ابن السرح وعن علي بن حجر وأخرجه النسائي فيه عن زياد بن أيوب عن ابن علية به وأخرجه الترمذي عن ابن مسعود وقد ذكرناه عن قريب وفي الباب عن ابن عمر رواه الطبراني في ( الأوسط ) والبيهقي في ( سننه ) من رواية عيسى ابن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر قال كان النبي إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عنده فإذا صعده استقبل الناس بوجهه لفظ البيهقي وضعفه وقال الطبراني فإذا صعد المنبر توجه إلى الناس وسلم عليهم وعيسى بن عبد الله فيه مقال وعن عدي بن ثابت عن أبيه أخرجه ابن ماجه وقد ذكرناه عن قريب وعن مطيع أبي يحيى عن أبيه عن جده أخرجه الأثرم وقد ذكرناه عن قريب وعن البراء من طريق أبان بن عبد الله البجلي أخرجه ابن خزيمة وقال إنه معلول
ذكر ما يستفاد منه الحكمة في استقبالهم للخطيب أن يتفرغوا لسماع موعظته وتدبر كلامه ولا يشتغلوا بغيره قال الفقهاء إنما استدبر القبلة لأنه إذا استقبلها فإن كان في صدر المسجد كان مستديرا للقوم واستدبارهم وهم المخاطبون قبيح خارج عن عرف المخاطبات وإن كان في آخره فإما أن يستقبله القوم فيكونوا مستدبرين القبلة واستدبار واحد أهون من استدبار الجماعة وإما أن يستدبروه فتلزم الهيئة القبيحة ولو خالف الخطيب فاستدبرهم واستقبل القبلة كره وصحت خطبته وحكى الشاشي وجها شاذا أنه لا يصح فإن قلت ما المراد باستقبال الناس الخطيب هل المراد من يواجهه أو المراد جميع أهل

(6/220)


المسجد حتى أن من هو في الصف الأول والثاني وإن طالت الصفوف ينحرفون بأبدانهم أو بوجوههم لسماع الخطبة قلت الظاهر أن المراد بذلك من يسمع الخطبة دون من بعد فلم يسمع فاستقبال القبلة أولى به من توجهه لجهة الخطيب ثم إن الرافعي والنووي جزما باستحباب ذلك وصرح القاضي أبو الطيب بوجوب ذلك ثم بقي هنا استقبال الخطيب للناس فذكر الرافعي أنه من سنن الخطبة ولو خطب مستدبرا للناس جاز وإن خالف السنة وحكى في ( البيان ) وغيره وجه أنه لا يجزيه كما ذكرنا عن قريب عن الشاشي فإن قلت حول النبي ظهره إلى الناس في خطبة الاستسقاء قلت كان ذلك تفاؤلا بتغير الحال كما قلب رداءه فيها تفاؤلا بذلك فأما في الجمعة فلم ينقل ذلك مع كونه قد استسقى في خطبة الجمعة ولم يحول وجهه في الدعاء للقبلة وكل منهما أصل بنفسه لا يقاس عليه غيره واستنبط الماوردي وغيره من الحديث المذكور أن الخطيب لا يلتفت يمينا ولا شمالا حالة الخطبة وفي ( شرح المهذب ) اتفق العلماء على كراهة ذلك وهو معدود في البدع المنكرة خلافا لأبي حنيفة فإنه قال يلتفت يمنة ويسرة كالأذان نقله الشيخ أبو حامد قلت في هذا النقل عن أبي حنيفة نظر ولا يصح ذلك عنه ومن السنة عندنا أن يترك الخطيب السلام من وقت خروجه إلى دخوله في الصلاة والكلام أيضا وبه قال مالك وقال الشافعي وأحمد السنة إذا صعد المنبر أن يسلم على القوم إذا أقبلهم بوجهه كذا روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه عن النبي قلت هذا الحديث أورده ابن عدي من حديث ابن عمر في ترجمة عيسى بن عبد الله الأنصاري وضعفه وكذا ضعفه ابن حبان فإن قلت روى ابن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن الشعبي قال كان رسول الله إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس فقال السلام عليكم قلت هذا مرسل فلا يحتج به عندهم وقال عبد الحق في ( الأحكام الكبرى ) هو مرسل وإن أسنده أحمد من حديث عبد الله بن لهيعة فهو معروف في الضعفاء فلا يحتج به وقال البيهقي الحديث ليس بقوي
29 -
( باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد )
أي هذا باب في بيان قول من قال في الخطبة بعد الثناء عن الله عز و جل كلمة أما بعد وكان البخاري رحمه الله لم يجد في صفة خطبة النبي يوم الجمعة حديثا على شرطه فاقتصر على ذكر الثناء واللفظ وضع للفصل بينه وبين ما بعده من موعظة ونحوها وقال أبو جعفر النحاس عن سيبويه معنى أما بعد مهما يكن من شيء وقال أبو إسحاق إذا كان رجل في حديث وأراد أن يأتي بغيره قال أما بعد وأجاز الفراء أما بعدا بالنصب والتنوين و أما بعد بالرفع والتنوين وأجاب هشام أما بعد بفتح الدال واعلم أن بعد وقبل من الظروف التي قطعت عن الإضافة فإذا أريد منهما المضاف إليه المتعين بعد القطع يبنى ولا يعرب ويكون بناؤهما على الضم لأن بناءهما عارض يزول بالإضافة فكانت الحركة ضمة لأنها لا توهم إعرابا لأن الضم لا يدخلهما مضافين وفي ( المحكم ) معناه أما بعد دعائي لك وفي ( الجامع ) يعني بعد الكلام المتقدم أو بعد ما بلغني من الخبر
واختلف في أول من قالها فقيل داود عليه الصلاة و السلام رواه الطبراني مرفوعا من حديث أبي موسى الأشعري وفي اسناده ضعف وقيل قس بن ساعدة وقيل يعرب بن قحطان وقيل كعب بن لؤي جد النبي وقيل سحبان بن وائل وفي ( غرائب مالك ) للدارقطني بسند ضعيف لما جاء ملك الموت إلى يعقوب عليه الصلاة و السلام قال يعقوب في جملة كلامه أما بعد فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء وذكر الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي أن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهمرووا هذه اللفظة عن سيدنا رسول الله منهم سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله والفضل ابنا العباس بن عبد المطلب وجابر بن عبد الله وأبو هريرة وسمرة بن جندب وعدي بن حاتم وأبو حميد الساعدي وعقبة بن عامر والطفيل بن سخبرة وجرير بن عبد الله البجلي وأبو سفيان بن حرب وزيد بن أرقم وأبو بكرة وأنس بن مالك وزيد بن خالد وقرة بن دعموص والمسور بن مخرمة وجابر بن سمرة وعمرو بن ثعلبة ورزين بن أنس السلمي والأسود بن سريع وأبو شريح بن عمرو وعمرو بن حزم وعبد الله ابن عليم وعقبة بن مالك وأسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهم أجمعين

(6/221)


رواه عكرمة عن ابن عباس عن النبي
أي روى القول بكلمة أما بعد في الخطبة عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس عن النبي وهذا التعليق وصله البخاري في آخر هذا الباب عن إسماعيل بن أبان عن ابن الغسيل عن عكرمة عن ابن عباس قال صعد النبي المنبر الحديث
45 - ( وقال محمود حدثنا أبو أسامة قال حدثنا هشام بن عروة قال أخبرتني فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت دخلت على عائشة رضي الله عنها والناس يصلون قلت ما شأن الناس فأشارت برأسها إلى السماء فقلت آية فأشارت برأسها أي نعم قالت فأطال رسول الله جدا حتى تجلاني الغشي وإلى جنبي قربة فيها ماء ففتحتها فجعلت أصب منها على رأسي فانصرف رسول الله وقد تجلت الشمس فخطب الناس وحمد الله بما هو أهله ثم قال أما بعد قالت ولغط نسوة من الأنصار فانكفأت إليهن لأسكتهن فقلت لعائشة ما قال قالت قال من شيء لم أكن أريته إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار وإنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبا من فتنة المسيح الدجال يؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو قال الموقن شك هشام فيقول هو رسول الله هو محمد جاءنا بالبينات والهدى فآمنا وأجبنا واتبعنا وصدقنا فيقال له نم صالحا قد كنا نعلم أن كنت لتؤمن به وأما المنافق أو قال المرتاب شك هاشم فيقال له ما علمك بهذا الرجل فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلت قال هشام فلقد قالت لي فاطمة فأوعيته غير أنها ذكرت ما يغلط عليه )
مطابقته للترجمة ظاهرة وهي قوله ثم قال أما بعد
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول محمود بن غيلان أحد مشايخه مر في باب النوم قبل العشاء الثاني أبو أسامة حماد بن أسامة الليثي وقد تكرر ذكره الثالث هشام بن عروة بن الزبير بن العوام وقد تكرر ذكره الرابع فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام امرأة هشام بن عروة الخامس أسماء بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله بن الزبير وعروة أخت عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين والإخبار بصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في أربعة مواضع وفيه قال محمود ولم يقل حدثنا محمود أو أخبرنا لأن الظاهر أنه ذكره له محاورة ومذاكرة لا نقلا وتحميلا لكن كلام أبي نعيم في المستخرج يشعر بأنه قال حدثنا محمود وفيه رواية الرجل عن بنت عمه وزوجته وفيه رواية التابعية عن الصحابية وفيه رواية الصحابية عن الصحابية وفيه شيخ البخاري مروزي وشيخه كوفي والبقية مدنية
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري في مواضع قد بيناه في باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس في كتاب العلم وقد ذكرنا أيضا من أخرجه غير البخاري وذكرنا جميع ما يتعلق به هناك ونذكر ههنا مختصرا عما قد ذكرناه هناك وما لم نذكره قوله والناس يصلون جملة حالية قوله ما شأن الناس أي قائمين فزعين قوله فأشارت أي عائشة قوله فقلت آية أصله بهمزة الاستفهام أي آية وارتفاعها على أنها خبر مبتدأ محذوف أي أهي آية أي

(6/222)


علامة لعذاب الناس كأنها مقدمة له قوله حتى تجلاني بفتح التاء المثناة من فوق والجيم وتشديد اللام وأصله تجللني أي علاني وكذا وقع في رواية هناك قوله الغشي بفتح الغين المعجمة وسكون الشين المعجمة وفي آخره ياء آخر الحروف مخففة من غشي عليه غشية وغشيا وغشيانا فهو مغشي عليه واستغشى بثوبه وتغشى أي تغطى به قوله وقد تجلت الشمس جملة حالية أي انكشفت قوله ثم قال أما بعد هذا لم يذكر هناك قال الكرماني كلمة أما لا بد لها من أخت فما هي إذا وقعت بعد الثناء على الله كما هو العادة في ديباجة الرسائل والكتب بأن يقال الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد وأجاب بأن الثناء أو الحمد مقدم عليه كأنه قال أما الثناء على الله فكذا وأما بعد فكذا ولا يلزم في قسيمه أن يصرح بلفظه بل يكتفي ما يقوم مقامه قيل هي من أفصح الكلام وهو فصل بين الثناء على الله وبين الخبر الذي يريد الخطيب إعلام الناس به ومثل هذه الكلمة تسمى بفصل الخطاب الذي أوتي داود عليه الصلاة و السلام لأنه فصل ما تقدم وقال الحسن هي فصل القضاء وهي البينة على المدعي واليمين على من أنكر قوله لغط نسوة من الأنصار اللغط بالتحريك الأصوات المختلفة التي لا تفهم قال ابن التين ضبطه بعضهم بفتح الغين وبعضهم بكسرها وهو عند أهل اللغة بالفتح قوله فانكفأت أي ملت بوجهي ورجعت إليهن لأسكتهن وأصله من كفأت الإناء إذا أملته وكببته قوله ما من شيء كلمة ما للنفي وكلمة من زائدة لتأكيد النفي وشيء اسم ما وقوله لم أكن أريته جملة في محل الرفع لأنها صفة لشيء وهو مرفوع في الأصل وإن كان جر بمن الزائدة واسم أكن مستتر فيه وأريته بضم الهمزة جملة في محل النصب لأنها خبر لم أكن قوله إلا وقد رأيته استثناء مفرغ وتحقيق الكلام قد ذكرناه قوله حتى الجنة والنار يجوز فيهما الرفع على أن تكون حتى ابتدائية ورفع الجنة على الابتداء محذوف الخبر تقديره حتى الجنة مرئية والنار عطف عليها ويجوز فيهما النصب على أن تكون حتى عاطفة على الضمير المنصوب في رأيته ويجوز الجر أيضا على أن تكون حتى جارة قوله أوحي إلي على صيغة المجهول قوله أنكم بفتح الهمزة قوله مثل أو قريبا أصله مثل فتنة الدجال أو قريبا من فتنة الدجال وتحقيقه قد مر قوله يؤتى على صيغة المجهول قوله الموقن أي المصدق بنبوة محمد أو الموقن بنبوته قوله صالحا أي منتفعا بأعمالك قوله أن كنت أن هذه مخففة من الثقيلة أي أن الشأن كنت وهي مكسوة ودخلت اللام في قوله لموقنا لتفرق بين أن هذه وبين أن النافية قوله المنافق هو المظهر خلاف ما يبطن والمرتاب الشاك وهو في مقابلة الموقن وهذا اللفظ مشترك فيه الفاعل والمفعول والفرق تقديري قوله فأوعيته الأصل في مثل هذا أن يقال وعيته يقال وعيت العلم وأوعيت المتاع وقال ابن الأثير في حديث الإسراء ذكر في كل سماء أنبياء قد سماهم فأوعيت منهم إدريس في الثانية هكذا روي فإن صح فيكون معناه أدخلته في وعاء قلبي يقال أوعيت الشيء في الوعاء إذا أدخلته فيه ولو روى وعيت بمعنى حفظت لكان أبين وأظهر يقال وعيت الحديث أعيه وعيا فأنا واع إذا حفظته وفهمته وفلان أوعى من فلان أي أحفظ وأفهم وههنا كذلك إن صحت الرواية فيكون معناه أدخلته في وعاء قلبي وإلا فالقياس وعيته بدون الهمزة فافهم وفي بعض النسخ فوعيته على الأصل قوله ما يغلظ عليه ويروى ما يغلظ فيه
( وما يستفاد منه ) الافتتان في القبر وهو الاختبار ولا فتنة أعظم من هذه الفتنة وقد وردت فيه أحاديث كثيرة منها حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي من رواية سعيد بن أبي سعيد المقبري عنه قال قال رسول الله إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر وللآخر النكير فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال له نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك فإن كان منافقا قال سمعت الناس يقولون فقلت مثله لا أدري فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك انفرد بإخراجه الترمذي من هذا الوجه وله طريق آخر من رواية

(6/223)


سعيد بن يسار عن أبي هريرة أخرجه ابن ماجه عن النبي قال إن الميت يصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشغوب ثم يقال له فيم كنت فيقول كنت في الإسلام فيقال له ما هذا الرجل فيقول محمد رسول الله جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له هل رأيت الله فيقول ما ينبغي لأحد أن يرى الله فتفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له انظر إلى ما وقاك الله ثم يفرج له فرجة قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له هذا مقعدك ويقال له على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله ويجلس الرجل السوء في قبره فزعا مشغوبا فيقال له فيم كنت فيقول لا أدري فيقال له ما هذا الرجل فيقول سمعت الناس يقولون قولا فقلته فيفرج له قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له انظر إلى ما صرف الله عنك ثم يفرج له فرجة إلى النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له هذا مقعدك على الشك كنت عليه ومت وعليه تبعث إن شاء الله وأخرجه النسائي في سننه الكبرى في التفسير وفي الملائكة من هذا الوجه وأخرج أبو داود من حديث أنس وفيه قال إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول له ما كنت تعبد فإن الله إذا هداه قال كنت أعبد الله فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول هو عبد الله ورسوله وما يسأل عن شيء غيرها فينطلق به إلى بيت كان له في النار فيقال له هذا بيتك كان في النار ولكن الله عصمك ورحمك فأبدلك به بيتا في الجنة فيقول دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي فيقال له اسكن وإن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فيهزه فيقول له ما كنت تعبد فيقول لا أدري فيقول له لا دريت ولا تليت فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول كنت أقول ما يقول الناس فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين وأخرجه أبو داود أيضا من حديث البراء على اختلاف طرقه وفيه ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا قال فيضرب ضربة يسمعها من بين المشرق والمغرب إلا الثقلين فيصير ترابا ثم يعاد فيه الروح وأخرج أبو داود الطيالسي حديث البراء بن عازب يقول العبد هو رسول الله الحديث وفيه يمثل له عمله في هيئة رجل حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب فيقول أبشر بما أعد الله لك أبشر برضوان الله تعالى وجنات في نعيم مقيم فيقول بشرك الله بخير من أنت فوجهك الذي جاء بالخير فيقول هذا يومك الذي كنت توعد أنا عملك الصالح وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة مرفوعا فيأتيه الملكان أعينهما مثل قدور النحاس وفي رواية معمر أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف معهما مرزبة من حديد لو اجتمع عليها أهل الأرض لم يقلوها وعند الحكيم الترمذي خلقهما لا يشبه خلق الآدميين ولا خلق الملائكة ولا خلق الطير ولا خلق البهائم ولا خلق الهوام بل هما خلق بديع الحديث وروى أبو نعيم من حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله يقول إن ابن آدم لفي غفلة عما خلقه الله عز و جل الحديث وفيه فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده ثم يرتفع ملك الموت ثم جاءه ملكا القبر فامتحناه وذكر بقية الحديث وقد روي في عذاب القبر عن جماعة من الصحابة وهم أبو هريرة عند الترمذي والبخاري وزيد بن ثابت عند مسلم وابن عباس عند الستة وأبو أيوب عند الشيخين والنسائي وأنس عند الشيخين وأبو داود والنسائي وجابر عند ابن ماجه وعائشة عند الشيخين والنسائي وأبو سعيد عند ابن مردويه في تفسيره وابن عمر عند النسائي وعمر بن الخطاب عند أبي داود والنسائي وابن ماجه وسعد عند البخاري والترمذي والنسائي وابن مسعود عند الطحاوي وزيد بن أرقم عند مسلم وأبو بكرة عند النسائي وعبد الرحمن بن حسنة عند أبي داود والنسائي وابن ماجه وعبد الله بن عمرو عند النسائي وأسماء بنت أبي بكر عند البخاري والنسائي وأسماء بنت يزيد عند النسائي وأم مبشر عند ابن أبي شيبة في المصنف وأم خالد عند البخاري والنسائي
46 - ( حدثنا محمد بن معمر قال حدثنا أبو عاصم عن جرير بن حازم قال سمعت الحسن يقول حدثنا عمرو بن تغلب أن رسول الله أتي بمال أو سبي فقسمه فأعطى رجالا

(6/224)


وترك رجالا فبلغه أن الذين ترك عتبوا فحمد الله ثم أثنى عليه ثم قال أما بعد فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير فيهم عمرو بن تغلب فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله حمر النعم
مطابقته للترجمة في قوله ثم قال أما بعد
( ذكر رجاله ) وهم خمسة الأول محمد بن معمر بفتح الميمين أبو عبد الله البصري العبسي المعروف بالبحراني ضد البراني الثاني أبو عاصم النبيل واسمه الضحاك بن مخلد الثالث جرير بفتح الجيم وتكرار الراءين ابن حازم بالحاء المهملة وبالزاي الرابع الحسن البصري الخامس عمرو بفتح العين ابن تغلب بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الغين المعجمة وكسر اللام وفي آخره باء موحدة العبدي التميمي البصري روي له عن النبي حديثان رواهما البخاري
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين في الرواة وفي موضع آخر عن الصحابي وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه السماع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن رواته كلهم بصريون وفيه أن هذا الحديث من إفراد البخاري وأخرجه أيضا في الخمس عن موسى بن إسماعيل وفي التوحيد عن أبي النعمان وقال عبد الغني لم يرو عن عمرو بن تغلب غير الحسن البصري فيما قاله غير واحد ( قلت ) لعل مراده في الصحيح وإلا فقد قال ابن عبد البر أن الحكم بن الأعرج روى عنه أيضا كما نبه عليه المزي رحمه الله ( فإن قلت ) قال الحكم وعليه الجمهور أن شرط البخاري في صحيحه أن لا يذكر إلا حديثا رواه صحابي مشهور عن رسول الله وله راويان ثقتان فأكثر ثم يرويه عنه تابعي مشهور وله أيضا راويان ثقتان فأكثر ثم كذلك في كل درجة وهذا الحديث لم يروه عن عمرو بن تغلب إلا راو واحد وهو الحسن ( قلت ) قد ذكرت لك أن الحكم بن الأعرج روى عنه أيضا
( ذكر معناه ) قوله أتى بالمال أو بشيء بالشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف بعدها همزة ويروى بسبي بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة بعدها ياء آخر الحروف ويروى أو سبي بدون حرف الباء وفي رواية الإسماعيلي أتى بمال من البحرين قوله فبلغه أن الذين ترك كذا بخط الحافظ الدمياطي وقال الحافظ قطب الدين الذي في أصل روايتنا أن الذي ترك ( قلت ) الضمير الذي في ترك يرجع إلى رسول الله ومفعوله محذوف تقديره أن الذين تركهم رسول الله عتبوا حيث حرموا عن العطاء وأما وجه أن الذي بإفراد الموصول فعل تقدير أن الصنف الذي تركه رسول الله قوله أما بعد أي أما بعد الحمد لله تعالى والثناء عليه قوله وإني أعطي الرجل أعطي بلفظ المتكلم لا بلفظ المجهول من الماضي قوله وأدع الرجل أي الرجل الآخر وأدع بلفظ المتكلم أيضا أي أترك قوله من الذي أعطي على لفظ المتكلم أيضا ومفعول أعطي الذي هو صلة الموصول محذوف قوله لما أرى من نظر القلب لا من نظر العين قوله من الجزع بالتحريك ضد الصبر يقال جزع جزعا وجزوعا فهو جزع وجازع وقال يعقوب الجزع الفزع وقال ابن سيده وجزع وجزاع قوله والهلع بالتحريك أيضا وهو أفحش الفزع وقال محمد بن عبد الله بن طاهر لأحمد بن يحيى ما الهلوع فقال قد فسره الله تعالى حيث قال إن الإنسان خلق هلوعا بقوله إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ويقال الهلع والهلاع والهلعان الجبن عند اللقاء وفي أمالي ثعلب الهلواعة الرجل الجبان وفي تهذيب أبي منصور قال الحسن بن أبي الحسن الهلوع الشره وعن الفراء الضجور وقال أبو إسحق الهلوع الذي يفزع ويجزع من الشر وقال القزاز الهلع سوء الجزع ورجل هلعته مثال همزة إذا كان يجزع سريعا قوله من الغنى والخير أي أتركهم مع ما وهب الله تعالى لهم من غنى النفس فصبروا وتعففوا عن المسألة والشره قوله بكلمة رسول الله مثل هذه الباء تسمى بالباء البدلية وباء المقابلة نحو اعتضت بهذا الثوب خير منه أي ما أحب أن حمر النعم لي بدل

(6/225)


كلمة رسول الله أي يقابلها أي هذه الكلمة كانت أحب إلي منها وكيف لا والآخرة خير وأبقى والحمر بضم الحاء المهملة وسكون الميم ( تابعه يونس )
لم يوجد هذا في كثير من النسخ ويونس هو ابن عبيد الله بن دينار العبدي المصري ووصله أبو نعيم بإسناده عنه عن الحسن عن عمرو بن ثعلب -
924 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عروة ) أن ( عائشة ) أخبرته أن رسول الله خرج ذات ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها
مطابقته للترجمة في قوله فتشهد ثم قال أما بعد فإن قلت الترجمة هو القول في الخطبة بكلمة أما بعد ولا ذكر للخطبة ههنا قلت معنى قوله فتشهد هو التشهد في صدر الخطبة ونظير هذا الحديث قد مر في باب إذا كان بين الإمام والقوم حائط أو سترة أخرجه هناك عن محمد عن عبدة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت كان رسول الله يصلي من الليل في حجرته الحديث وأخرجه في كتاب الصوم في باب فضل من قام رمضان بهذا الإسناد بعينه عن يحيى ابن بكير عن الليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة إلى آخره نحوه وفي آخره فتوفي رسول الله والأمر على ذلك وقد مضى بعض الكلام هناك وستأتي البقية في الصوم إن شاء الله تعالى
تابعه يونس
يونس هو ابن يزيد الأيلي وقد وصله مسلم من طريقه عن حرملة عن ابن وهب عنه وأخرجه النسائي عن زكريا بن يحيى عن إسحاق عن عبد الله بن الحارث عن يونس وقال خلف قوله تابعه يونس أي في قوله أما بعد وتبعه المزي على ذلك وقال الشيخ قطب الدين إنه روى جميع الحديث فلا يختص بأما بعد فقط
925 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرني ( عروة ) عن ( أبي حميد ) هو ( الساعدي ) أنه أخبره أن رسول الله قام عشية بعد الصلاة فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد
مطابقته للترجمة ظاهرة
ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو اليمان هو الحكم بن نافع وشعيب هو ابن أبي حمزة والزهري هو محمد بن شهاب الزهري وأبو حميد اسمه عبد الرحمن وقيل غير ذلك وقد مر غير مرة وهذا بعض حديث ذكره في الزكاة وترك الحيل والاعتكاف والنذور استعمل رسول الله رجلا من الأزد يقال له ابن اللتيبة على الصدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدى لي فقام رسول الله على المنبر فقال أما بعد فإني استعمل الرجل منكم وأخرجه مسلم في المغازي عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو بن محمد الناقذ وابن أبي عمر وأخرجه أيضا من وجوه كثيرة وأخرجه أبو داود في الجراح عن أبي الطاهر بن سرح ومحمد بن أحمد بن أبي خلف كلاهما عن سفيان بن عيينة عن الزهري

(6/226)


تابعه أبو معاوية وأبو أسامة عن هشام عن أبيه عن أبي حميد عن النبي قال أما بعد
أما متابعة أبي معاوية محمد بن حازم الضرير الكوفي فأخرجها مسلم في المغاوي عن أبي كريب محمد بن العلاء عن أبي معاوية به وأما متابعة أبي أسامة حماد بن أسامة فأخرجها البخاري في الزكاة
وتابعه العدني عن سفيان في أما بعد
العدني هو محمد بن يحيى وسفيان هو ابن عيينة وأخرج مسلم متابعة العدني عنه عن هشام قيل يحتمل أن يكون العدني هو عبد الله بن الوليد وسفيان هو الثوري ومن هذا الوجه وصله الإسماعيلي وفيه قوله أما بعد قلت الذي ذكره مسلم هو الأقرب إلى الصواب قوله في أما بعد أي تابعه في مجرد كلمة أما بعد لا في تمام هذا الحديث
927 - حدثنا ( إسماعيل بن أبان ) قال حدثنا ( ابن الغسيل ) قال حدثنا ( عكرمة ) عن ( ابن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال صعد النبي المنبر وكان آخر مجلس جلسه متعطفا ملحفة على منكبه قد عصب راسه بعصابة دسمة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إلي فثابوا إليه ثم قال أما بعد فإن هاذا الحي من الأنصار يقلون ويكثر الناس فمن ولي شيئا من أمة محمد فاستطاع أن يضر فيه أحدا أو ينفع فيه أحدا فليقل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم أربعة الأول إسماعيل بن أبان بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف نون أبو إسحاق الوراق الأزدي الكوفي الثاني عبد الرحمن بن الغسيل هو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الراهب المعروف بابن الغسيل الأنصاري المدني مات سنة إحدى وسبعين ومائة وحنظلة هو غسيل الملائكة استشهد بأحد وغسلته الملائكة فسألوا امرأته فقالت سمع الهيعة وهو جنب فلم يتأخر للاغتسال الثالث عكرمة مولى ابن عباس الرابع عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخ البخاري من أفراده وفيه أن شيخه كوفي والبقية مدنيون
والحديث أخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة عن أبي نعيم وفي فضائل الأنصار عن أحمد بن يعقوب وأخرجه الترمذي في الشمائل عن يوسف بن عيسى عن وكيع عنه مختصرا

(6/227)


ذكر معناه قوله متعطفا أي مرتديا يقال تعطفت بالعطاف أي ارتديت بالرداء والتعطف التردي بالرداء وسمي الرداء عطافا لوقوعه على عطف الرجل وهما ناحيتا عنقه ومنكب الرجل عطفه وكذلك العطف وقد اعتطف به وتعطف ذكره الهروي وفي ( المحكم ) الجمع العطف وقيل المعاطف الأردية لا واحد لها قوله ملحفة بكسر الميم وهو الإزار الكبير قوله على منكبه ويروى منكبيه بالتثنية قوله بعصابة دسمة وفي رواية دسما ذكرها في اللباس وضبط صاحب ( المطالع ) دسمة بكسر السين وقال الدسماء السوداء وقيل لونه لون الدسم كالزيت وشبهه من غير أن يخالطها شيء من الدسم وقيل متغيرة اللون من الطيب والغالية وزعم الداودي أنها على ظاهرها من عرقه في المرض وقال ابن دريد الدسمة غبرة فيها سواد والعصابة العمامة سميت عصابة لأنها تعصب الرأس أي تربطه ومنه الحديث أمرنا أن نمسح على العصائب قوله إلي بتشديد الياء متعلق بمحذوف تقديره تقربوا إلي قوله فتابوا إليه أي اجتمعوا إليه من ثاب بالثاء المثلثة يثوب إذا رجع وهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة ومنه قوله تعالى وإذ جعلنا البيت مثابة للناس ( البقرة 125 ) أي مرجعا ومجتمعا قوله ثم قال أما بعد أي بعد الحمد لله والثناء عليه قوله هذا الحي من الأنصار وهم الذين نصروا رسول الله من أهل المدينة قوله يقلون وفي رواية حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام هو من معجزاته وإخباره عن المغيبات فإنهم الآن فيهم القلة قوله فليقبل من محسنهم أي الحسنة ويتجاوز أي يعف وذلك في غير الحدود
ذكر ما يستفاد منه فيه أنه كان إذا أراد المبالغة في الموعظة طلع المنبر فيتأسى به وفيه الخطبة بالوصية وفيه فضيلة الأنصار وفيه البداءة بالحمد والثناء وفيه الإخبار بالغيب لأن الأنصار قلوا وكثر الناس وفيه دليل على أن الخلافة ليست في الأنصار إذ لو كانت فيهم لأوصاهم ولم يوص بهم وفيه من جوامع الكلم لأن الحال منحصر في الضر أو النفع والشخص في المحسن والمسيىء
30 -
( باب القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة )
أي هذا باب في بيان القعدة الكائنة بين الخطبتين يوم الجمعة إنما لم يبين حكم هذه القعدة هل هي واجبة أم سنة لأن الحديث حكاية حال ولا عموم له
928 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( بشر بن المفضل ) قال حدثنا ( عبيد الله بن عمر ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) قال كان النبي يخطب خطبتين يقعد بينهما ( انظر الحديث 920 )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأنه يدل على أن رسول الله كان يقعد بين الخطبتين
ورجاله قد تكرر ذكرهم ورواه مسلم عن عبيد الله بن عمر القواريري والنسائي عن إسماعيل بن مسعود وابن ماجه عن يحيى بن خلف ورواه النسائي أيضا من رواية عبد الرزاق بلفظ كان يخطب خطبتين بينهما جلسة وفي لفظ مرتين مكان خطبتين ورواه أبو داود من رواية عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كان النبي يخطب خطبتين كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ أراه المؤذن ثم يقوم فيخطب ثم يجلس ولا يتكلم ثم يقوم فيخطب واستدل به على مشروعية الجلوس بين الخطبتين ولكن هل هو على سبيل الوجوب أو على سبيل الندب فذهب الشافعي إلى أن ذلك على سبيل الوجوب وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنها سنة وليست بواجبة كجلسة الاستراحة في الصلاة عند من يقول باستحبابها وقال ابن عبد البر ذهب مالك والعراقيون وسائر فقهاء الأمصار إلا الشافعي إلى أن الجلوس بين الخطبتين سنة لا شيء على من تركها وذهب بعض الشافعية إلى أن المقصود الفصل ولو بغير الجلوس حكاه صاحب ( الفروع ) وقيل الجلسة بعينها ليست معتبرة وإنما المعتبر حصول الفصل سواء حصل بجلسة أو بسكتة أو بكلام من غير ما هو فيه وقال القاضي ابن كج إن هذا الوجه غلط وقال ابن قدامة هي مستحبة للاتباع وليست بواجبة في قول أكثر أهل العلم لأنها جلسة ليس فيها ذكر مشروع فلم تكن واجبة وفي ( التوضيح ) وصرح إمام الحرمين بأن الطمأنينة بينهما واجبة وهو خفيف جدا قدر قراءة سورة الإخلاص تقريبا وفي وجه شاذ يكفي السكوت في حق القائم لأنه فصل وذكر ابن التين أن مقدارها كالجلسة بين السجدتين وعزاه لابن القاسم

(6/228)


وجزم الرافعي وغيره أن يكون بقدر سورة الإخلاص وحكي وجه بوجوب هذا المقدار حكاه الرافعي عن رواية الروياني ولفظ الروياني ولا يجوز أقل من ذلك نص عليه وقال ابن بطال حديث الباب دال على السنية لأنه كان يفعله ولم يقل لا يجزيه غيره لأن البياض فرض عليه وقال الطحاوي لم يقل بوجوب الجلوس بين الخطبتين غير الشافعي قيل حكى القاضي عياض عن مالك رواية كمذهب الشافعي قلت ليست هذه الرواية عنه صحيحة وقال الكرماني وفي الحديث أن خطبة الجمعة خطبتان وفيه الجلوس بينهما لاستراحة الخطيب ونحوها وهما واجبتان لقوله صلوا كما رأيتموني أصلي قلت هذا أصل لا يتناول الخطبة لأنها ليست بصلاة حقيقة وقال أحمد روي عن أبي إسحاق أنه قال رأيت عليا يخطب على المنبر فلم يجلس ختى فرغ وفي ( شرح الترمذي ) وفيه اشتراط خطبتين لصحة الجمعة وهو قول الشافعي وأحمد في روايته المشهورة عنه وعند الجمهور يكتفي بخطبة واحدة وهو قول مالك وأبي حنيفة والأوزاعي وإسحاق ابن راهويه وأبي ثور وابن المنذر وهو رواية عن أحمد
31 -
( باب الاستماع إلى الخطبة )
أي هذا باب في بيان الاستماع أي الإصغاء إلى الخطبة والإصغاء من صغى يصغو ويصغي صغوا أي مال وأصغيت إلى فلان إذا أملت بسمعك نحوه وقال الكرماني رحمه الله الاستماع الإصغاء للسماع والتوجه له والقصد إليه وكل مستمع سامع دون العكس قلت الاستماع من باب الافتعال وفيه تكلف واعتمال بخلاف السماع
929 - حدثنا ( آدم ) قال حدثنا ( ابن أبي ذئب ) عن ( الزهري ) عن ( أبي عبد الله الأغر ) عن ( أبي هريرة ) قال قال النبي إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة ثم كالذي يهدي بقرة ثم كبشا ثم دجاجة ثم بيضة فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر ( الحديث 929 - طرفه في 3211 )
مطابقته للترجمة في قوله ويستمعون الذكر أي الخطبة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول آدم بن أبي أياس الثاني محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب الثالث محمد بن مسلم الزهري الرابع أبو عبد الله واسمه سلمان الجهني مولاهم معدود في أهل المدينة وأصله من أصفهان ولقبه الأغر بفتح الهمزة والغين المعجمة وتشديد الراء الخامس أبو هريرة رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أحد الرواة مذكور بكنيته ولقبه والآخر بنسبته إلى جده والآخر بنسبته إلى قبيلته وفيه أن شيخ البخاري من أفراده وفيه أنه خراساني سكن عسقلان والبقية مدنيون
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في بدء الخلق عن أحمد بن يونس وأخرجه مسلم في الجمعة عن أبي الطاهر بن السرح وحرملة بن يحيى وعمرو بن سواد وأخرجه النسائي في الصلاة عن نصر بن علي وفي الملائكة عن أحمد بن عمرو الحارث بن مسكين وعمرو بن سواد وعن سويد بن نصر وعن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وأخرج أيضا فيهما عن محمد بن خالد
ذكر معناه قوله المهجر أي المبكر إلى المسجد قوله يهدي أي يقرب
وقد استوفينا معناه في باب فضل الجمعة لأنه روى عن أبي هريرة قريبا من هذا الحديث عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن سمي عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
ذكر ما يستفاد منه فيه الإنصات إلى الخطبة وهو مطلوب بالاتفاق وفي ( التوضيح ) والجديد الصحيح من مذهب الشافعي أنه لا يحرم الكلام ويسن الإنصات وبه قال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير والشعبي والنخعي والثوري وداود والقديم أنه يحرم وبه قال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله وقال ابن بطال استماع الخطبة واجب وجوب سنة عند أكثر العلماء ومنهم من جعله فريضة وروي عن مجاهد أنه قال لا يجب الإنصات للقرآن إلا في موضعين في الصلاة

(6/229)


والخطبة ثم نقل عن أكثر العلماء أن الإنصات واجب على من سمعها ومن لم يسمعها وأنه قول مالك وقد قال عثمان للمنصت الذي لا يسمع من الأجر مثل ما للمنصت الذي يسمع وكان عروة لا يرى بأسا بالكلام إذا لم يسمع الخطبة وقال أحمد لا بأس أن يذكر الله ويقرأ من لم يسمع الخطبة وقال ابن عبد البر لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات لها على من سمعها
واختلف فيمن لم يسمعها قال وجاء في هذا المعنى خلاف عن بعض التابعين فروي عن الشعبي وسعيد ابن جبير والنخعي وابن بردة أنهم كانوا لا يتكلمون والإمام يخطب إلا في قراءة القرآن في الخطبة خاصة لقوله تعالى فاستمعوا له وأنصتوا ( الأعراف 204 ) وفعلهم مردود عند أهل العلم وأحسن أحوالهم أنهم لم يبلغهم الحديث في ذلك وهو قوله إذا قلت لصاحبك أنصت الحديث لأنه حديث انفرد به أهل المدينة ولا علم لمتقدمي أهل العراق به وقال ابن قدامة وكان سعيد بن جبير وإبراهيم بن مهاجر وأبو بردة والنخعي والشعبي يتكلمون والحجاج يخطب انتهى وقال أصحابنا إذا اشتغل الإمام بالخطبة ينبغي للمستمع أن يجتنب ما يجتبه في الصلاة لقوله عز و جل فاستمعوا إليه وأنصتوا ( الأعراف 204 ) وقوله إذا قلت لصاحبك أنصت الحديث فإذا كان كذلك يكره له رد السلام وتشميت العاطس إلا في قول جديد للشافعي إنه يرد ويشمت وقال شيخ الإسلام والأصح أنه يشمت وفي ( المجتبي ) قيل وجوب الاستماع مخصوص بزمن الوحي وقيل في الخطبة الأولى دون الثانية لما فيها من مدح الظلمة وعن أبي حنيفة إذا سلم عليه يرده بقلبه وعن أبي يوسف يرد السلام ويشمت العاطس فيها وعن محمد يرد ويشمت بعد الخطبة ويصلي على النبي في قلبه واختلف المتأخرون فيمن كان بعيدا لا يسمع الخطبة فقال محمد بن سلمة المختار السكوت وهو الأفضل وبه قال بعض أصحاب الشافعي وقال نصر بن يحيى يسبخ ويقرأ القرآن وهو قول الشافعي وأجمعوا أنه لا يتكلم وقيل الاشتغال بالذكر وقراءة القرآن أفضل من السكوت وأما دراسة الفقه والنظر في كتب الفقه وكتابته فقيل يكره وقيل لا بأس به وقال شيخ الإسلام الاستماع إلى خطبة النكاح والختم وسائر الخطب واجب وفي ( الكامل ) ويقضي الفجر إذا ذكره في الخطبة ولو تغذى بعد الخطبة أو جامع فاغتسل يعيد الخطبة وفي الوضوء في بيته لا يعيد
ثم اختلف العلماء في وقت الإنصات فقال أبو حنيفة خروج الإمام يقطع الكلام والصلاة جميعا لقوله فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر وقالت طائفة لا يجب الإنصات إلا عند ابتداء الخطبة ولا بأس بالكلام قبلها وهو قول مالك والثوري وأبي يوسف ومحمد والأوزاعي والشافعي وقال بعضهم وقالت الحنفية يحرم الكلام من ابتداء خروج الإمام وورد فيه حديث ضعيف قلت حديث الباب هو حجة للحنفية وحجة عليهم بالتأمل يدرى
32 -
( باب إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين )
أي هذا باب ترجمته إذا رأى الإمام إلى آخره قوله جاء جملة في محل النصب على أنها صفة لرجلا قوله وهو يخطب جملة إسمية وقعت حالا عن الإمام قوله أمره جواب إذا وإنما يأمره إذا كان لم يصل الركعتين قبل أن يراه قوله أن يصلي أي بأن يصلي وكلمة أن مصدرية تقديره أمره بصلاة ركعتين
930 - حدثنا ( أبو النعمان ) قال حدثنا ( حماد بن زيد ) عن ( عمرو بن دينار ) عن ( جابر بن عبد الله ) قال جاء رجل والنبي يخطب الناس يوم الجمعة فقال أصليت يا فلان قال لا قال قم فاركع ركعتين
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد ذكروا غير مرة وأبو النعمان هو محمد بن الفضل السدوسي
وأخرجه مسلم أيضا في الصلاة عن أبي بكر بن أبي شيبة ويعقوب الدورقي وعن أبي الربيع وقتيبة وأخرجه أبو داود فيه عن سليمان بن حرب وأخرجه الترمذي والنسائي جميعا فيه عن قتيبة وقال الترمذي حديث حسن صحيح
ذكر معناه قوله جاء رجل هذا الرجل هو سليك بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره

(6/230)


كاف ابن هدبة وقيل ابن عمر والغطفاني بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة والفاء من غطفان بن سعيد بن قيس غيلان وهكذا وقع في رواية مسلم في هذه القصة من رواية الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر ولفظه جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله قائم على المنبرلا فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له أصليت ركعتين قال لا فقال قم فاركعهما ومن طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر نحوه وفيه فقال له يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما هكذا رواه حفاظ أصحاب الأعمش عنه وروى أبو داود من رواية حفص ابن غياث عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر وعن أبي صالح عن أبي هريرة قالا جاء سليك الغطفاني ورسول الله يخطب فقال له أصليت قال لا قال صل ركعتين تجوز فيهما وروى النسائي قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر قال جاء سليك الغطفاني ورسول الله قاعد على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له النبي أركعت ركعتين قال لا قال قم فاركعهما وقال ابن ماجه حدثنا هشام بن عمار حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع جابرا وأبو الزبير سمع جابرا قال دخل سليك الغطفاني المسجد والنبي يخطب قال أصليت قال لا قال فصل ركعتين وأما عمرو فلم يذكر سليكا وروى أيضا عن أبي صالح عن أبي هريرة وعن أبي سفيان عن جابر قال جاء سليك الغطفاني الحديث وروى الطحاوي من طريق حفص بن غياث عن الأعمش قال سمعت أبا صالح يحدث بحديث سليك الغطفاني ثم سمعت أبا سفيان يحدث به عن جابر فظهر من هذه الروايات أن هذه القصة لسليك وأن من روى بلفظ رجل غير مسمى فالمراد منه سليك ففي رواية البخاري بلفظ رجل كما مر وكذلك في رواية أبي داود كرواية البخاري وفي رواية الترمذي كذلك وفي رواية للنسائي كذلك وكذلك لابن ماجه في رواية وجاء أيضا في هذا الباب من غير جابر وهو ما رواه الطبراني من طريق أبي صالح عن أبي ذر أنه أتى النبي وهو يخطب فقال لأبي ذر صليت ركعتين قال لا الحديث وفي إسناده ابن لهيعة وشذ بقوله وهو يخطب فإن الحديث مشهور عن أبي ذر أنه جاء إلى النبي وهو جالس في المسجد أخرجه ابن حبان وغيره وروى الطبراني في ( الكبير ) من رواية منصور بن الأسود عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال دخل النعمان بن قوقل ورسول الله على المنبر يخطب يوم الجمعة فقال النبي صل ركعتين تجوز فيهما وروى الدارقطني من حديث معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس دخل رجل من قيس المسجد ورسول الله يخطب فقال قم فاركع ركعتين وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته فإن قلت كيف وجه هذه الروايات قلت كون معنى هذه الأحاديث واحدا لا يمنع تعدد القضية وأما حديث أنس رضي الله تعالى عنه فإنه لا يخالف كون الداخل فيه من قيس أن يكون سليكا فإن سليكا غطفاني وغطفان من قيس قوله صليت أي أصليت وهمزة الاستفهام فيه مقدرة ويروى بإظهار الهمزة
ذكر ما يستفاد منه قال النووي هذه الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب يستحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد ويكره الجلوس قبل أن يصليهما وأنه يستحب أن يتجوز فيهما ليسمع الخطبة وحكي هذا المذهب أيضا عن الحسن البصري وغيره من المتقدمين وقال القاضي قال مالك والليث وأبو حنيفة والثوري وجمهور السلف من الصحابة والتابعين لا يصليهما وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم وحجتهم الأمر بالإنصات للإمام وتأولوا هذه الأحاديث أنه كان عريانا فأمره رسول الله بالقيام ليراه الناس ويتصدقوا عليه وهذا تأويل باطل يرده صريح قوله إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل ولا أظن عالما يبلغه هذا اللفظ صحيحا فيخالفه قلت أصحابنا لم يأولوا الأحاديث المذكورة بهذا الذي ذكره حتى يشنع عليهم هذا التشنيع بل أجابوا بأجوبة غير هذا الأول أن النبي أنصت له حتى فرغ من صلاته والدليل عليه ما رواه الدارقطني في ( سننه ) من حديث عبيد بن محمد العبدي حدثنا معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس قال دخل رجل المسجد ورسول الله يخطب فقال له النبي

(6/231)


قم فاركع ركعتين وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته فإن قلت قال الدارقطني أسنده عبيد بن محمد ووهم فيه قلت ثم أخرجه عن أحمد بن حنبل حدثنا معتمر عن أبيه قال جاء رجل والنبي يخطب فقال يا فلان أصليت قال لا قال قم فصل ثم انتظره حتى صلى قال وهذا المرسل هو الصواب قلت المرسل حجة عندنا ويؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة حدثنا هشيم قال أخبرنا أبو معشر عن محمد بن قيس أن النبي حيث أمره أن يصلي ركعتين أمسك عن الخطبة حتى فرغ من ركعتيه ثم عاد إلى خطبته
الجواب الثاني أن ذلك كان قبل شروعه في الخطبة وقد بوب النسائي في ( سننه الكبرى ) على حديث سليك قال باب الصلاة قبل الخطبة ثم أخرج عن أبي الزبير عن جابر قال جاء سليك الغطفاني ورسول الله قاعد على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له أركعت ركعتين قال لا قال قم فاركعهما
الثالث أن ذلك كان منه قبل أن ينسخ الكلام في الصلاة ثم لما نسخ في الصلاة نسخ أيضا في الخطبة لأنها شطر صلاة الجمعة أو شرطها وقال الطحاوي ولقد تواترت الروايات عن رسول الله بأن من قال لصاحبه أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغا فإذا كان قول الرجل لصاحبه والإمام يخطب أنصت لغوا كان قول الإمام للرجل قم فصل لغوا أيضا فثبت بذلك أن الوقت الذي كان فيه من رسول الله الأمر لسليك بما أمره به إنما كان قبل النهي وكان الحكم فيه في ذلك بخلاف الحكم في الوقت الذي جعل مثل ذلك لغوا وقال ابن شهاب خروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام وقال ثعلبة بن أبي مالك كان عمر رضي الله تعالى عنه إذا خرج للخطبة أنصتنا وقال عياض كان أبو بكر وعمر وعثمان يمنعون من الصلاة عند الخطبة
وقال ابن العربي الصلاة حين ذاك حرام من ثلاثة أوجه الأول قوله تعالى وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له ( الأعراف 204 ) فكيف يترك الفرض الذي شرع الإمام فيه إذا دخل عليه فيه ويشتغل بغير فرض الثاني صح عنه أنه قال إذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الاصلان المفروضان الركنان في المسألة يحرمان في حال الخطبة فالنفل أولى أن يحرم الثالث لو دخل والإمام في الصلاة ولم يركع والخطبة صلاة إذ يحرم فيها من الكلام والعمل ما يحرم في الصلاة
وأما حديث سليك فلا يعترض على هذه الأصول من أربعة أوجه الأول هو خبر واحد الثاني يحتمل أنه كان في وقت كان الكلام مباحا في الصلاة لأنا لا نعلم تاريخه فكان مباحا في الخطبة فلما حرم في الخطبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو آكد فرضية من الاستماع فأولى أن يحرم ما ليس بفرض الثالث أن النبي كلم سليكا وقال له قم فصل فلما كلمه وأمره سقط عنه فرض الاستماع إذ لم يكن هناك قول في ذلك الوقت إلا مخاطبته له وسؤاله وأمره الرابع أن سليكا كان ذا بذاذة فأراد أن يشهره ليرى حاله
وعند ابن بزيزة كان سليك عريانا فأراد النبي أن يراه الناس وقد قيل إن ترك الركوع حالتئذ سنة ماضية وعمل مستفيض في زمن الخلفاء وعولوا أيضا على حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه يرفعه لا تصلوا والإمام يخطب واستدلوا بإنكار عمر رضي الله تعالى عنه على عثمان في ترك الغسل ولم ينقل أنه أمره بالركعتين ولا نقل أنه صلاهما وعلى تقدير التسليم لما يقول الشافعي فحديث سليك ليس فيه دليل له إذ مذهبه أن الركعتين تسقطان بالجلوس وفي ( اللباب ) وروى علي بن عاصم عن خالد الحذاء أن أبا قلابة جاء يوم الجمعة والإمام يخطب فجلس ولم يصل وعن عقبة بن عامر قال الصلاة والإمام على المنبر معصية وفي ( كتاب الأسرار ) لنا ما روى الشعبي عن ابن عمر عن النبي أنه قال إذا صعد الإمام المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ والصحيح من الرواية أذا جاء أحدكم والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام وقد تصدى بعضهم لرد ما ذكر من الاحتجاج في منع الصلاة والإمام يخطب يوم الجمعة فقال جميع ما ذكروه مردود ثم قال لأن الأصل عدم الخصوصية قلنا نعم إذا لم تكن قرينة وهنا قرينة على الخصوصية وذلك في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه النسائي عنه يقول جاء رجل يوم الجمعة والنبي يخطب بهيئة بذة فقال له رسول الله أصليت قال لا قال

(6/232)


صل ركعتين وحث الناس على الصدقة قال فألقوا ثيابا فأعطاه منها ثوبين فلما كانت الجمعة الثانية جاء ورسول الله يخطب فحث الناس على الصدقة قال فألقى أحد ثوبيه فقال رسول الله جاء هذا يوم الجمعة بهيئة بذة فأمرت الناس بالصدقة فألقوا ثيابا فأمرت له منها بثوبين ثم جاء الآن فأمرت الناس بالصدقة فألقى أحدهما فانتهره وقال خذ ثوبك انتهى وكان مراده بأمره إياه بصلاة ركعتين أن يراه الناس ليتصدقوا عليه لأنه كان في ثوب خلق وقد قيل إنه كان عريانا كما ذكرناه إذ لو كان مراده إقامة السنة بهذه الصلاة لما قال في حديث أبي هريرة أن النبي قال إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت وهو حديث مجمع على صحته من غير خلاف لأحد فيه حتى كاد أن يكون متواترا فإذا منعه من الأمر بالمعروف الذي هو فرض في هذه الحالة فمنعه من إقامة السنة أو الاستحباب بالطريق الأولى فحينئذ قول هذا القائل فدل على أن قصة التصديق عليه جزء علة لا علة كاملة غير موجه لأنه علة كاملة وقال أيضا وأما إطلاق من أطلق أن التحية تفوت بالجلوس فقد حكى النووي في ( شرح مسلم ) عن المحققين أن ذلك في حق العامد العالم أما الجاهل أو الناسي فلا قلت هذا حكم بالاحتمال والاحتمال إذا كان غير ناشىء عن دليل فهو لغو لا يعتد به وقال أيضا في قولهم إنه لما خاطب سليكا سكت عن خطبته حتى فرغ سليك من صلاته رواه الدارقطني بما حاصله أنه مرسل والمرسل حجة عندهم وقال أيضا فيما قاله ابن العربي من أنه لما تشاغل بمخاطبة سليك سقط فرض الاستماع عنه إذ لم يكن منه حينئذ خطبة لأجل تلك المخاطبة وادعى أنه أقوى الأجوبة قال هو من أضعف الأجوبة لأن المخاطبة لما انقضت رجع إلى خطبة وتشاغل سليك بامتثال ما أمر به من الصلاة فصح أنه صلى في حالة الخطبة قلت يرد ما قاله من قوله هذا ما في حديث أنس الذي رواه الدارقطني الذي ذكرنا عنه أنه قال والصواب أنه مرسل وفيه وأمسك أي النبي عن الخطبة حتى فرغ من صلاته يعني سليك فكيف يقول هذا القائل فصح أنه صلى في حالة الخطبة والعجب منه أنه يصحح الكلام الساقط وقال أيضا قيل كانت هذه القضية قبل شروعه في الخطبة ويدل عليه قوله في رواية الليث عند مسلم والنبي قاعد على المنبر وأجيب بأن القعود على المنبر لا يختص بالابتداء بل يحتمل أن يكون بين الخطبتين أيضا قلت الأصل ابتداء قعوده بين الخطبتين محتمل فلا يحكم به على الأصل على أن أمره إياه بأن يصلي ركعتين وسؤاله إياه هل صليت وأمره للناس بالصدقة يضيق عن القعود بين الخطبتين لأن زمن هذا القعود لا يطول وقال هذا القائل أيضا ويحتمل أيضا أن يكون الراوي تجوز في قوله قاعد قلت هذا ترويج لكلامه ونسبة الراوي إلى ارتكاب المجاز مع عدم الحاجة والضرورة وقال أيضا قيل كانت هذه القضية قبل تحريم الكلام في الصلاة ثم رده بقوله إن سليكا متأخر الإسلام جدا وتحريم الكلام متقدم حجدا فكيف يدعى نسخ المتأخر بالمتقدم مع ان النسخ لا يثبت بالاحتمال قلت لم يقل أحد إن قضية سليك كانت قبل تحريم الكلام في الصلاة وإنما قال هذا القائل إن قضية سليك كانت في حالة إباحة الأفعال في الخطبة قبل أن ينهى عنها ألا يرى أن في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه فألقى الناس ثيابهم وقد أجمع المسلمون أن نزع الرجل ثوبه والإمام يخطب مكروه وكذلك مس الحصى وقول الرجل لصاحبه أنصت كل ذلك مكروه فدل ذلك على أن ما أمر به سليكا وما أمر به الناس بالصدقة عليه كان في حال إباحة الأفعال في الخطبة ولما أمر بالإنصات عند الخطبة وجعل حكم الخطبة كحكم الصلاة وجعل الكلام فيها لغوا كما كان جعله لغوا في الصلاة ثبت بذلك أن الصلاة فيها مكروهة فهذا وجه قول القائل بالنسخ ومبنى كلامه هذا على هذا الوجه لا على تحريم الكلام في الصلاة وقال هذا القائل أيضا قيل اتفقوا على أن منع الصلاة في الأوقات المكروهة يستوي فيه من كان داخل المسجد أو خارجه وقد اتفقوا على أن من كان داخل المسجد يمتنع عليه التنفل حال الخطبة فليكن الآتي كذلك قاله الطحاوي وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد قلت لم يبن الطحاوي كلامه ابتداء على القياس حتى يكون ما قاله قياسا في مقابلة النص وإنما مدعي الفساد لم يحرر ما قاله الطحاوي فادعى الفساد فوقع في الفساد وتحرير كلام الطحاوي أنه روى أحاديث عن سليمان وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وأوس بن أوس رضي الله تعالى عنهم كلها تأمر بالإنصات إذا خطب الإمام فتدل كلها أن موضع كلام الإمام ليس بموضع للصلاة فبالنظر إلى ذلك يستوي الداخل والآتي

(6/233)


ومع هذا الذي قاله الطحاوي وافقه عليه الماوردي وغيره من الشافعية وقال هذا القائل أيضا قيل اتفقوا على أن الداخل والإمام في الصلاة تسقط عنه التحية ولا شك أن الخطبة صلاة فتسقط عنه فيها أيضا وتعقب بأن الخطبة ليست صلاة من كل وجه والداخل في حال الخطبة مأمور بشغل البقعة بالصلاة قبل جلوسه بخلاف الداخل في حال الصلاة فإن إتيانه بالصلاة التي أقيمت تحصل المقصود قلت هذا القائل لم يدع أن الخطبة صلاة من كل وجه حتى يرد عليه ما ذكره من التعقيب بل قال هي صلاة من حيث إن الصلاة قصرت لمكانها فمن حيث هذا الوجه يستوي الداخل والآتي ويؤيد هذا حديث أبي الزاهرية عن عبد الله بن بشر قال كنت جالسا إلى جنبه يوم الجمعة فقال جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة فقال له رسول الله إجلس فقد آذيت وآنيت ألا ترى أنه أمره بالجلوس ولم يأمره بالصلاة فهذا خلاف حديث سليك فافهم وقال هذا القائل أيضا قيل اتفقوا على سقوط التحية عن الإمام مع كونه يجلس على المنبر مع أن له ابتداء الكلام في الخطبة دون المأموم فيكون ترك المأموم التحية بطريق الأولى وتعقب بأنه أيضا قياس في مقابلة النص فهو فاسد قلت إنما يكون القياس في مقابلة النص فاسدا إذا كان ذلك النص سالما عن المعارض ولم يسلم سليك عن أمور ذكرناها وروي أيضا عن جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم منع الصلاة للداخل والإمام يخطب أما الصحابة فهم عقبة بن عامر الجهني وثعلبة ابن أبي مالك القرظي وعبد الله بن صفوان بن أمية المكي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس
أما أثر عقبة فأخرجه الطحاوي عنه أنه قال الصلاة والإمام على المنبر معصية فإن قلت في إسناده عبد الله بن لهيعة وفيه مقال قلت وثقه أحمد وكفى به ذلك
وأما أثر ثعلبة بن مالك فأخرجه الطحاوي أيضا بإسناد صحيح أن جلوس الإمام على المنبر يقطع الصلاة وأخرج ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا عباد بن العوام عن يحيى بن سعيد عن يزيد بن عبد الله عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال أدركت عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما فكان الإمام إذا خرج تركنا الصلاة فإذا تكلم تركنا الكلام
وأما أثر عبد الله بن صفوان فأخرجه الطحاوي أيضا بإسناد صحيح عن هشام بن عروة قال رأيت عبد الله بن صفوان ابن أمية دخل المسجد يوم الجمعة وعبد الله بن الزبير يخطب على المنبر وعليه ازار ورداء ونعلان وهو معتم بعمامة فاستلم الركن ثم قال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ثم جلس ولم يركع
وأما أثر عبد الله بن عمر وعبد الله ابن عباس رضي الله تعالى عنهم فأخرجه الطحاوي أيضا عن عطاء قال كان ابن عمر وابن عباس يكرهان الكلام والصلاة إذا خرج الإمام يوم الجمعة
وأما التابعون فهم الشعبي والزهري وعلقمة وأبو قلابة ومجاهد
فأثر الشعبي عامر بن شراحيل أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح عنه عن شريح أنه إذا جاء وقد خرج الإمام لم يصل وأثر الزهري محمد بن مسلم أخرجه الطحاوي أيضا بإسناد صحيح عنه في الرجل يدخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب قال يجلس ولا يسبح
وأثر علقمة فأخرجه الطحاوي أيضا بإسناد صحيح عن القاضي بكار عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد عن شعبة عن منصور بن المعتمر عن أبراهيم قال لعلقمة أتكلم والإمام يخطب وقد خرج الإمام قال لا إلى آخره
وأثر أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي أخرجه الطحاوي أيضا بإسناد صحيح عنه أنه جاء يوم الجمعة والإمام يخطب فجلس ولم يصل وأثر مجاهد أخرجه الطحاوي أيضا بإسناد صحيح عنه كره أن يصلي والإمام يخطب وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا
فهؤلاء السادات من الصحابة والتابعين الكبار لم يعمل أحد منهم بما في حديث سليك ولو علموا أنه يعمل به لما تركوه فحينئذ بطل اعتراض هذا المعترض
فإن قلت روى الجماعة من حديث أبي قتادة السلمي أن رسول الله قال إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس فهذا عام يتناول كل داخل في المسجد سواء كان يوم الجمعة والإمام يخطب أو غيره قلت هذا على من دخل المسجد في حال تحل فيها الصلاة لا مطلقا ألا يرى أن من دخل المسجد عند طلوع الشمس وعند غروبها أو عند قيامها في كبد السماء لا يصلي في هذه الأوقات للنهي الوارد فيه فكذلك لا يصلي والإمام يخطب يوم الجمعة لورود وجوب الإنصات فيه والصلاة حينئذ مما يخل بالانصات وقال أيضا قيل لا نسلم

(6/234)


أن المراد بالركعتين المأمور بهما تحية المسجد بل يحتمل أن تكون صلاة فائتة كالصبح مثلا ثم قال وقد تولى رده ابن حبان في ( صحيحه ) فقال لو كان كذلك لم يتكرر أمره له بذلك مرة بعد أخرى قلت هذا القائل نقل عن ابن المنير ما يقوي القول المذكور حيث قال لعله كان كشف له عن ذلك وإنما استفهمه ملاطفة له في الخطاب قال ولو كان المراد بالصلاة التحية لم يحتج إلى استفهامه لأنه قد رآه لما قد دخل وهذه تقوية جيدة بإنصاف وما نقله عن ابن حبان ليس بشيء لأن تكراره يدل على أن الذي أمره به من الصلاة الفائتة لأن التكرار لا يحسن في غير الواجب ومن جملة ما قال هذا القائل وقد نقل حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنه دخل ومروان يخطب فصلى الركعتين فأراد حرس مروان أن يمنعوه فأبى حتى صلاهما ثم قال ما كنت لأدعهما بعد أن سمعت رسول الله يأمر بهما انتهى ولم يثبت عن أحد من الصحابة ما يخالف ذلك ونقل أيضا عن شارح الترمذي أنه قال كل من نقل عنه منع الصلاة والإمام يخطب محمول على من كان داخل المسجد لأنه لم يقع عن أحد منهم التصريح بمنع التحية انتهى قلت قد ذكرنا أن الطحاوي روى عن عقبة بن عامر الصلاة والإمام على المنبر معصية وكيف يقول هذا القائل ولم يثبت عن أحد من الصحابة ما يخالف ذلك وإي مخالفة تكون أقوى من هذا حيث جعل الصلاة والإمام على المنبر معصية وكيف يقول الشارح الترمذي لم يقع عن أحد منهم التصريح بمنع التحية وأي تصريح يكون أقوى من قول عقبة حيث أطلق على فعل هذه الصلاة معصية فلو كان قال يكره أو لا يفعل لكان منعا صريحا فضلا أنه قال معصية وفعل المعصية حرام وإنما أطلق عليه المعصية لأنها في هذا الوقت تخل بالإنصات المأمور به فيكون بفعلها تاركا للأمر وتارك الأمر يسمى عاصيا وفعله يسمى معصية وفي الحقيقة هذا الإطلاق مبالغة فإن قلت في سند أثر عقبة بن عبد الله بن لهيعة قلت ماله وقد قال أحمد من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه وحدث عنه أحمد كثيرا وقال ابن وهب حدثني الصادق البار والله عبد الله بن لهيعة وقال أحمد بن صالح كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلابا للعلم
وقال هذا القائل أيضا وأما ما رواه الطحاوي عن عبد الله بن صفوان أنه دخل المسجد وابن الزبير يخطب فاستلم الركن ثم سلم عليه ثم جلس وعبد الله بن صفوان وعبد الله بن الزبير صحابيان صغيران فقد استدل به الطحاوي فقال لما لم ينكر ابن الزبير على ابن صفوان ولا من حضرهما من الصحابة ترك التحية فدل على صحة ما قلناه وتعقب بأن تركهم النكير لا يدل على تحريمها بل يدل على عدم وجوبها ولم يقل به مخالفوهم قلت هذا التعقيب متعقب لأنه ما ادعى تحريمها حتى يرد ما استدل به الطحاوي ولم يقل هو ولا غيره بالحرمة وإنما دعواهم أن الداخل ينبغي أن يجلس ولا يصلي شيئا والحال أن الإمام يخطب وهو الذي ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين
وقال هذا القائل أيضا هذه الأجوبة التي قدمناها تندفع من أصلها بعموم قوله في حديث أبي قتادة إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين قلت قد أجبنا عن هذا بأنه مخصوص وقال النووي هذا نص لا يتطرق إليه التأويل ولا أظن عالما يبلغه هذا اللفظ ويعتقده صحيحا فيخالفه قلت فرق بين التأويل والتخصيص ولم يقل أحد من المانعين عن الصلاة والإمام يخطب أنه مؤول بل قالوا إنه مخصوص وقال القائل المذكور وفي هذا الحديث أعني حديث هذا الباب جواز صلاة التحية في الأوقات المكروهة لأنها إذا لم تسقط في الخطبة مع الأمر بالإنصات لها فغيرها أولى قلت من جملة الأوقات المكروهة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها ووقت استوائها وحديث عقبة ابن عامر رضي الله تعالى عنه ثلاث ساعات كان رسول الله نهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازعة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب رواه مسلم والأربعة فإن هذا الحديث بعمومه يمنع سائر الصلوات في هذه الأوقات من الفرائض والنوافل وصلاة التحية من النوافل
33 -
( باب من جاء والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين )
أي هذا باب ترجمته من جاء إلى آخره وكلمة من في محل الرفع على الابتداء وقوله صلى ركعتين خبره قوله والإمام يخطب جملة حالية

(6/235)


54 - ( حدثنا علي بن عبدالله قال حدثنا سفيان عن عمرو سمع جابرا قال دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه و سلم يخطب فقال أصليت قال لا قال قم فصل ركعتين )
مطابقته للترجمة في قوله ( فصل ركعتين ) قيل في الترجمة قيد الركعتين بقوله ( ( خفيفتين ) ) وليس في الحديث هذا القيد فلم تقع المطابقة تامة ( وأجيب ) بأن من عادته أن يشير إلى ما وقع في بعض طرق الحديث وهذا القيد وقع في سنن أبي داود قرة عن الثوري عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بلفظ ( ( قم فاركع ركعتين خفيفتين ) ) ووقع في مسلم بمعناه بلفظ ( ( وتجوز فيهما ) ) وهذا الحديث هو المذكور في الباب عن علي بن عبدالله المعروف بابن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن جابر والفرق بينهما في بعض الألفاظ ففي حديث الباب الأول لم يصرح بسماع عمرو عن جابر وهاهنا قد صرح بقوله عن عمرو سمع جابرا ونسب عمرا إلى أبيه دينار وفي الحديث الأول وهاهنا لم ينسبه وقوله ( ( أصليت ) ) بهمزة الاستفهام وفي رواية كريمة والمستملي وفي رواية غيرهما بحذف الهمزة كما في الحديث السابق قوله ( ( قال قم فصل ) ) هكذا في رواية أبي ذر ( ( قال قم فصل ) ) وقد مر الكلام فيه مستوفى في بيان حكم رفع اليدين وفي الباب السابق
( باب رفع اليدين في الخطبة )
أي هذا الباب في بيان حكم رفع اليدين في الخطبة
55 - ( حدثنا قال حدثنا حماد بن زيد عن عبدالعزيز عن أنس وعن يونس عن ثابت عن أنس قال بينما النبي صلى الله عليه و سلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال يارسول الله هلك الكراع وهلك الشاء فادع الله أن يسقينا فمد يديه ودعا )
مطابقته للترجمة في قوله ( ( فمد يديه ودعا ) ) ( فإن قلت ) في الترجمة رفع اليدين وفي الحديث المد ومن أين التطابق ( قلت ) في الحديث الذي بعده ( ( فرفع يديه ) ) كلفظ الترجمة فكأنه أشار بذلك إلى أن المراد بالرفع هنا المد لا كالرفع الذي في الصلاة وأخرج هذا الحديث من طريقين الأول عن مسدد عن حماد بن زيد عن عبدالعزيز بن صهيب عن أنس والثاني عن مسدد أيضا عن حماد بن زيد عن يونس بن عبيد عن أنس والرجال كلهم بصريون والبخاري أخرجه بالطريق الأول أيضا في علامات النبوة عن مسدد وأخرجه أبو داود نحوه عن مسدد بالطريق الثاني أخرجه النسائي عن حماد بن زيد عن يونس عن ثابت عن أنس وهذا طرف من حديث أنس في الاستسقاء أخرجه مطولا ومختصرا في مواضع عديدة على ما يأتي إن شاء الله تعالى قوله ( بينما ) أصله بين فزيدت فيه الألف والميم وقد تكرر ذكره فيما مضى وأضيف إلى الجملة بعده وقوله ( ( إذ قام ) جوابه وفي الحديث الذي بعده ( ( قام أعرابي ) ) وفي أخرى ( فقام المسلمون ) وفي أخرى ( ( جاء من نحو دار القصار ) ) وفي أخرى الاستسقاء ( ( فقام الناس فصاحوا يارسول الله قحط المطر ) ) قوله ( ( الكراع ) ) بضم الكاف وضبطه بعضهم عن الأصيلي بالكسر وهو خطأ وهو اسم لجمع الخيل قوله ( الشاء ) جمع شاة وأصل الشاة شاهة لأن تصغيرها شويهة والجمع شياه بالهاء في العدد تقول تقول ثلاث شياه فإذا جاوزت فبالتاء فغذا كثرت قيل هذه شاء كثير وجمع الشاء شوى قوله ( فمد يديه ) قد ذكرنا أن المراد من المد ليس الرفع كما في الصلاة
( باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة )
أي هذا باب في بيان الاستسقاء الاستسقاء استفعال وهو طلب السقيا بضم السين وهو المطر يقال سقى الله عباده الغيث واسقاهم وأسقيت فلانا إذا طلبت منه أن يسقيك وفي المطالع يقال سقى وأسقى بمعنى واحد
عمدة القاري ج6 ص 236
56 - ( حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا أبو عمرو قال حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال أصابت الناس سنة على عهد النبي فبينا النبي يخطب في يوم جمعة قام أعرابي فقال يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة فوالذي نفسي بيده وما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى وقام ذلك الأعرابي أو قال غيره فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله لنا فرفع يديه فقال اللهم حوالينا ولا علينا فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت وصارت المدينة مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهرا ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود )
مطابقته للترجمة في قوله فرفع يديه لأنه إنما رفعهما لكونه استسقى فببركته وبركة دعائه أنزل الله المطر حتى سال الوادي قناة شهرا
( ذكر رجاله ) وهم خمسة والأوزاعي اسمه عبد الرحمن بن عمرو ونسبته إلى الأوزاع وهي من قبائل شتى وقال ابن الأثير نسبته إلى الأوزاع بطن من ذي الكلاع من اليمن وقيل نسبته إلى الأوزاع قرية بدمشق
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في موضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أحد الرواة مذكور بكنيته ونسبته وفيه أن شيخه مدني واثنان بعده دمشقيان والذي بعدهما مدني أيضا
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري أيضا في الاستسقاء عن الحسن بن بشر وفي الاستئذان عن محمد بن مقاتل وأخرجه مسلم في الصلاة عن داود بن رشيد وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن خالد كلاهما عن الوليد به
( ذكر معناه ) قوله سنة بفتح السين أي شدة وجهد من الجدوبة وهو من قوله تعالى ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين وأصل السنة سنهة بوزن جبهة فحذفت لامها ونقلت حركتها إلى النون فبقيت سنة لأنها من سنهت النخل وتسنهت إذا أتى عليها السنون وقيل أن أصلها سنوة بالواو فحذفت كما حذفت الهاء لقولهم تسنيت عنده إذا أقمت عنده سنة فلهذا يقال على الوجهين استأجرته مسانهة ومساناة وأما السنة التي هي أول النوم فبكسر السين وأصله وسن لأنه من الوسن بفتحتين يقال وسن يوسن كعلم يعلم سنة فحذفت الواو وعوضت منها الهاء كما في عدة قوله على عهد النبي أي على زمنه قوله فبينا قد مر الكلام فيه في الباب الذي قبله قوله قام أعرابي الأعرابي نسبة إلى الأعراب لأنه لا واحد له وليس هو جمعا لعرب وإنما الأعراب سكان البادية خاصة والعرب جيل من الناس والنسبة إليه عربي بين العروبة وهم أهل الأمصار وقال ابن الأثير الأعراب ساكنوا البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة والعرب اسم لهذا الجيل المعروف من الناس ولا واحد له من لفظه وسواء أقام بالبادية أو المدن والنسبة إليها أعرابي وعربي قوله هلك المال المراد بالمال هنا وما بعده الحيوان كذا فسره في حديث الموطأ ومعنى هلك المال يعني الحيوانات هلكت إذ لم تجد ما ترعى قوله والعيال قال الجوهري عيال الرجل من يعوله وواحد العيال عيل والجمع عيايل مثل جيد جياد وجيايد وأعال الرجل أي كثر عياله فهو معيل وامرأة معيلة قال الأخفش أي صار ذا عيال وذكر الجوهري هذه المادة في عيل في الياء آخر الحروف وذكره ابن الأثير في عول في الواو ثم قال يقال عال الرجل عياله يعولهم إذا قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة وغيرهما وقال الكسائي يقال عال الرجل يعول إذا كثر عياله واللغة الجيدة أعال يعيل قوله قزعة بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات وهي القطعة من السحاب وفي المحكم القزع قطع من السحاب

(6/237)


رقاق كأنها ظل إذا مرت من تحت السحاب الكثيرة قال أبو عبيدة وأكثر ما يكون ذلك في الخريف وقال يعقوب عن الباهلي يقال ما على السماء قزعة أي شيء من غيم وفي تهذيب الأزهري كل شيء متفرق فهو قزع قوله حتى ثار السحاب بالثاء المثلثة أي هاج يقال ثار الشيء يثور إذا ارتفع وانتشر قوله كأمثال الجبال أي لكثرتها وإطباقها وجه السماء قوله يتحادر أي ينزل ويقطر وهو يتفاعل من الحدور وهو ضد الصعود ويقال حدر في قراءته إذا أسرع وكذلك في أذانه وهو يتعدى ولا يتعدى وأصل باب التفاعل للمشاركة بين قوم وههنا ليس كذلك لأن تفاعل قد تجيء بمعنى فعل مثل توانيت أي ونيت وهذا كذلك ومعناه يحدر قوله فمطرنا يومنا ذلك بضم الميم وكسر الطاء معناه حصل لنا المطر يقال مطرت السماء تمطر ومطرتهم تمطرهم مطرا وأمطرتهم أصابتهم بالمطر وأمطرهم الله بالعذاب خاصة ذكره ابن سيده وقال الفراء قطرت السماء وأقطرت مثل مطرت السماء وأمطرت وفي الجامع مطرت السماء تمطر مطرا فالمطر بالسكون المصدر والمصدر بالحركة الاسم وفيه لغة أخرى مطرت تمطر مطرا وكذا أمطرت السماء تمطر وفي الصحاح مطرت السماء وأمطرها الله وناس يقولون مطرت السماء وأمطرت بمعنى قوله يومنا منصوب على الظرفية يعني في يومنا ذلك قوله ومن الغد كلمة من إما بمعنى في أي في الغد وإما تبعيضية قوله حتى الجمعة الأخرى مثل أكلت السمكة حتى رأسها في جواز الحركات الثلاث في مدخولها أما النصب فعلى أن حتى عاطفة على المنصوب قبله وأما الرفع فعلى أن مدخولها مبتدأ وخبره محذوف وأما الجر فعلى أن حتى جارة قوله حوالينا بفتح اللام وفي مسلم حولنا وكلاهما صحيح يقال قعدوا حوله وحواله وحواليه أي مطيفين به من جوانبه وهو ظرف متعلق بمحذوف تقديره اللهم أنزل أو أمطر حوالينا ولا تنزل علينا ( فإن قلت ) إذا مطرت حول المدينة فالطريق ممتنعة فإذا لم يزل شكواهم ( قلت ) أراد بحوالينا الآكام والضراب وشبههما كما في الحديث فتبقى الطرق على هذا مسلوكة كما سألوا قوله ولا علينا أي ولا تمطر علينا أراد به الأبنية قوله إلا انفرجت أي إلا انكشفت وقال ابن القاسم معناه تدورت كما يدور جيب القميص وقال ابن وهب معناه انقطعت عن المدينة كما ينقطع الثوب وقال ابن شعبان خرجت عن المدينة كما يخرج الجيب عن الثوب قوله مثل الجوبة بفتح الجيم وسكون الواو وفتح الباء الموحدة قال الداودي أي صارت مستديرة كالحوض المستدير وأحاطت بها المياه ومنه قوله تعالى وجفان كالجواب وقال ابن التين هذا عندي وهم لأن اشتقاق الجابية من جبا العين بكسر الجيم مقصور وهو ما جمع فيها من الماء فيكون اسم الفعلة منه جبوة وإنما من باب جاب يجوب إذا قطع من قوله تعالى جابوا الصخر بالواد فالعين منه واو فتكون الفعلة منه جوبة كما في الحديث وقال الجوهري الجوبة الفرجة من السحاب والجبال وقال ابن فارس الجوبة كالغائط من الأرض وقال الخطابي هي الترس وفي حديث آخر فبقيت المدينة كالترس وقال والجوبة أيضا الوهدة المنقطعة عما علا عن الأرض وجاء في حديث آخر مثل الإكليل أي دار بها السحاب قوله الوادي قناة بفتح القاف وتخفيف النون وهو علم لبقعة غير منصرف مرفوع لأنه بدل عن الوادي والوادي مرفوع لأنه فاعل سال والقناة اسم واد من أودية المدينة قال الكرماني وفي بعض الروايات قناة بالنصب والتنوين فهو بمعنى البئر المحفور أي سال الوادي مثل القناة وفي بعض الروايات قناة بالجر بإضافة الوادي إليها قوله بالجودة بفتح الجيم وسكون الواو وفي آخره دال مهملة وهو المطر الغزير الواسع يقال جادهم المطر يجودهم جودا
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه معجزة ظاهرة للنبي في إجابة دعائه متصلا به في الدعاء فإنه لم يسأل رفع المطر من أصله بل سأل دفع ضرره وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر به ساكن ولا ابن سبيل وسأل بقاءه في مواضع الحاجة بحيث يبقى نفعه وخصبه في بطون الأودية ونحوها وفيه استحباب طلب انقطاع المطر عن المنازل إذا كثر وتضرروا به وفيه رفع اليدين في الخطبة واختلف العلماء في رفع اليدين عند الدعاء فكرهه مالك في رواية وأجازه غيره في كل الدعاء وبعض العلماء جوزوه في الاستسقاء فقط وقال جماعة من العلماء السنة في دعاء رفع البلاء أن يرفع يديه ويجعل ظهرهما إلى السماء وفي دعاء سؤال شيء وتحصيله يجعل بطنهما إلى السماء وعن مالك بن يسار أن رسول الله قال إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها وقال فيما رواه سلمان الفارسي

(6/238)


من عند الترمذي محسنا إن الله حي كريم يستحيي أن يرفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا قال الترمذي رواه بعضهم فلم يرفعه وعن أبي يوسف إن شاء رفع يديه في الدعاء وإن شاء أشار بإصبعيه وفي المحيط بإصبعه السبابة وفي التجريد من يده اليمنى وقال ابن بطال رفع اليدين في الخطبة في معنى الضراعة إلى الجليل والتذلل له وقال الزهري رفع الأيدي يوم الجمعة محدث وقال ابن سيرين أول من رفع يديه في الجمعة عبيد الله بن عبد الله بن معمر وفيه الاستسقاء بالدعاء بدون صلاة وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وبه احتج على ذلك وفيه قيام الواحد بأمر العامة وفيه إتمام الخطبة في المطر وفيه قال ابن شعبان في قوله إلا انفرجت خرجت عن المدينة كما يخرج الجيب عن الثوب وقال ابن التين فيه دليل على أن من أودع وديعة فجعلها في جيب قميصه أنه يضمن قال وقيل لا يضمن قال والأول أحوط لهذا الحديث -
36 -
( باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب وإذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا )
أي هذا باب في بيان حكم الإنصات يوم الجمعة في حالة خطبة الإمام قوله والإمام يخطب جملة حالية ذكرها للإشعار بأن الإنصات قبل شروع الإمام فيها لا يجب خلافا لقوم في ذلك ولكن الأولى الإنصات من وقت خروج الإمام قوله وإذا قال لصاحبه انصت فقد لغا من جملة الترجمة وهو لفظ حديث الباب في بعض طرقه وهي رواية النسائي عن قتيبة عن الليث عن عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي قال إذا قال الرجل لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب انصت فقد لغا وبهذا السند روى الترمذي عن قتيبة عن الليث إلى آخره ولفظه من قال يوم الجمعة والإمام يخطب انصت فقد لغا قوله لصاحبه المراد به جليسه وقيل الذي يخاطبه بذلك مطلقا وإنما أطلق عليه الصاحب باعتبار أنه صاحبه في الخطاب أو الجلوس قوله أنصت أمر من أنصت ينصب إنصاتا وقال أبو المعاني في ( المنتهى ) نصت ينصت إذا سكت وأنصت لغتان أي استمع يقال انصته وأنصت له وينشد
( اذا قالت حذام فأنصتوها )
ويروى فصدقوها وفي ( المحكم ) أنصت أعلى والنصتة الاسم من الإنصات وفي ( الجامع ) والرجل ناصت ومنصت وفي ( المجمل ) و ( المغرب ) الإنصات السكوت للاستماع وأنشد الراغب في المجالسات
( السمع للإنصات والإنصات للأذن )
وقد مر عن قريب باب الاستماع إلى الخطبة وقد ذكرنا هناك أن الاستماع هو الإصغاء ويعلم الفرق بين الاستماع والإنصات مما ذكرنا الآن فلذلك ذكر البخاري ترجمة للاستماع وترجمة للانصات قوله فقد لغا اللغو واللغاء السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع واللغو في الأيمان لا والله وبلى والله وقيل معناه الإثم ولغا في القول يلغو ويلغى لغوا ولغا وملغاة أخطا ولغا يلغو لغوا تكلم ذكره ابن سيده وفي ( الجامع ) اللغو الباطل تقول لغيت ألغى لغيا ولغى بمعنى ولغا الطائر يلغو لغوا إذا صوت وفي ( التهذيب ) لغوت اللغو والغى ولغى ثلاث لغات واللغو كل ما لا يجوز وقال الأخفش اللغو الساقط من القول وقيل الميل عن الصواب وقال النضر بن شميل معنى لغوت خبت من الأجر وقيل بطلت فضيلة جمعتك وقيل صارت جمعتك ظهرا وقيل تكلمت بما لا ينبغي
وقال سلمان عن النبي ينصت إذا تكلم الإمام
هذا التعليق قطعة من حديث سلمان الذي أخرجه في باب الدهن للجمعة وفي باب لا يفرق بين إثنين يوم الجمعة
934 - حدثنا ( يحيى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) أخبره أن رسول الله قال إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت
مطابقته للترجمة ظاهرة ورجاله قد تكرر ذكرهم وعقيل بضم العين هو ابن خالد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري
وأخرجه مسلم في الصلاة عن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث عنه به وعن عبد الملك بن شعيب عن الليث بن سعد عن أبيه عن جده عن عقيل عن الزهري ورواه أبو داود عن القعنبي عن مالك عن ابن شهاب

(6/239)


عن سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله قال إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت وأخرجه الترمذي عن قتيبة عن الليث عن عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قال من قال يوم الجمعة والإمام يخطب انصت فقد لغا وأخرجه النسائي أيضا عن قتيبة عن الليث إلى آخره وقد ذكرناه في أول الباب وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن شبابة بن سوار عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة أن النبي قال إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ولما روى الترمذي حديثه قال وفي الباب عن ابن أبي أوفى وجابر بن عبد الله أما حديث ابن أبي أوفى فرواه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) من رواية إبراهيم بن السكسكي قال سمعت ابن أبي أوفى قال ثلاث من سلم منهن غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى من أن يحدث حدثا يعني أذى أو أن يتكلم أو أن يقول صه ورجاله ثقات وهذا وإن كان موقوفا فمثله لا يقال من قبل الرأي فحكمه الرفع وأما حديث جابر رضي الله تعالى عنه فرواه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) والبزار وأبو يعلى في ( مسنديهما ) من رواية مجالد بن سعيد عن عامر عن جابر قال قال سعد لرجل يوم الجمعة لا صلاة لك قال فذكر ذلك الرجل للنبي فقال يا رسول الله إن سعدا قال لا صلاة لك فقال النبي لم يا سعد قال إنه كان يتكلم وأنت تخطب قال صدق سعد اللفظ لابن أبي شيبة وقال أبو يعلى والبزار سمعت سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه ومجالد ضعفه الجمهور
قلت وفي الباب عن ابن عباس وأبي ذر وأبي الدرداء وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أما حديث ابن عباس فرواه أحمد والبزار في ( مسنديهما ) والطبراني في ( الكبير ) من رواية مجالد عن عامر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت ليس له جمعة وأما حديث أبي ذر وأبي الدرداء فرواهما الطبراني من رواية أنس ابن عياض عن شريك عن عطاء بن يسار عن أبي الدرداء وأبي ذر قرأ رسول الله يوم الجمعة على المنبر سورة فغمز أبو الدرداء أبي بن كعب فقال متى أنزلت هذه السورة فإني لم أسمعها إلا الآن فأشار إليه أن اسكت فلما انصرفوا قال أبي ليس لك من صلاتك إلا ما لغوت فأخبر أبو الدرداء النبي بما قال أبي فقال صدق أبي وأما حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فرواه ابن أبي شيبة في ( المصنف ) والطبراني في ( الكبير ) من رواية الركين بن الربيع عن أبيه عن عبد الله قال كفى لغوا إذا صعد الإمام المنبر أن تقول لصاحبك أنصت ورجاله ثقات فهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود حدثنا مسدد وأبو كامل قالا حدثنا يزيد عن حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال يحضر الجمعة ثلاثة نفر رجل حضرها بلغو فهو حظه منها ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله عز و جل إن شاء أعطاه وإن شاء منعه ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك بأن الله تعالى يقول من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأما حديث علي فأخرجه أحمد مرفوعا ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له
قوله لصاحبك المراد منه الجليس كما ذكرنا قوله والإمام يخطب جملة حالية قوله فقد لغوت قد مر تفسيره قال الكرماني وفي بعض الروايات لغيت وظاهر القرآن يقتضي هذه اللغة قال الله تعالى والغوا فيه ( فصلت 26 ) وهذا من لغى يلغي إذ لو كان من لغى يلغو لقالوالغوا بضم الغين
ومما يستفاد منه أن فيه النهي عن جميع الكلام حال الخطبة ونبه بهذا على ما سواه لأنه إذا قال أنصت وهو في الأصل أمر بمعروف وسماه لغوا فغيره أولى قيل ذلك لأن الخطبة أقيمت مقام الركعتين فكما لا يجوز التكلم في المنوب لا يجوز في النائب وقد استقصينا الكلام فيه في باب الاستماع إلى الخطبة وقال النووي وقولهوالإمام يخطب دليل على أن وجوب الإنصات والنهي عن الكلام إنما هو في حال الخطبة وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجمهور وقال أبو حنيفة يجب الإنصات بخروج الإمام قلت أخرجه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم أنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الإمام

(6/240)


37 -
( باب الساعة التي في يوم الجمعة )
أي هذا باب في بيان الساعة التي الدعوة فيها مستجابة في يوم الجمعة
935 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) عن ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله ذكر يوم الجمعة فقال فيه ساعة لا يوافقها عبد وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه وأشار بيده ويقللها
مطابقته للترجمة من حيث إن المذكور فيه ذكر الساعة التي في يوم الجمعة ففي كل من الحديث والترجمة الساعة مبهمة وقد بينت في أحاديث أخرى كما نذكره إن شاء الله تعالى
ورجاله قد تكرر ذكرهم وأبو الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز
وأخرجه مسلم أيضا في الجمعة عن يحيى بن يحيى وقتيبة وأخرجه النسائي فيه أيضا عن قتيبة وفي اليوم والليلة عن محمد بن مسلمة عن ابن القاسم عن مالك به وروى هذا الحديث عن أبي هريرة ابن عباس وأبو موسى ومحمد بن سيرين وأبو سلمة بن عبد الرحمن وهمام ومحمد بن زياد وأبو سعيد المقبري وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وأبو رافع وأبو الأحوص وأبو بردة ومجاهد ويعقوب بن عبد الرحمن أما طريق ابن عباس فأخرجها النسائي في اليوم والليلة وأما طريق أبي موسى فذكرها الدارقطني في علله وأما طريق ابن سيرين فأخرجها البخاري في الطلاق على ما سيأتي إن شاء الله تعالى وأما طريق أبي سلمة فأخرجها أبو داود حدثنا القعنبي عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة الحديث بطوله وفيه وفيها ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها وأخرجه الترمذي حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك بن أنس إلى آخره نحوه وأخرجه النسائي حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا بكر وهو ابن مضر عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال أتيت الطور فوجدت فيه كعبا الحديث بطوله وفيه وفيها ساعة لا يصادفها عبد مؤمن وهو في الصلاة يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه وأما طريق همام فأخرجها مسلم وأما طريق محمد بن زياد فأخرجها مسلم أيضا وأما طريق أبي سعيد المقبري فأخرجها النسائي في اليوم والليلة وأما طريق سعيد بن المسيب فأخرجها النسائي أيضا في اليوم والليلة وأما طريق عطاء من أبي رباح فأخرجها الدارقطني وقال وهو موقوف ومن رفعه فقد وهم وأما طريق أبي رافع فذكرها الدارقطني في ( علله ) وأما طريق أبي الأحوص فأخرجها الدارقطني أيضا وقال الأشبه عن ابن مسعود وأما طريق أبي بردة ومجاهد فذكرهما الدارقطني أيضا وأما طريق عبد الرحمن بن يعقوب فذكرها أبو عمر بن عبد البر وصححها
قوله لا يوافقها أي لا يصادفها وهذه اللفظة أعم من أن يقصد لها أو يتفق له وقوع الدعاء فيها قوله مسلم وفي رواية النسائي مؤمن قوله وهو قائم جملة إسمية وقعت حالا وقال الكرماني قوله وهو قائم مفهومه أنه لو لم يكن قائما لا يكون له هذا الحكم ثم أجاب بأن شرط مفهوم المخالفة أن لا يخرج مخرج الغالب وههنا ورد بناء على أن الغالب في المصلي أن يكون قائما فلا اعتبار لهذا المفهوم قوله يصلي جملة فعلية حالية وقوله يسأل الله أيضا جملة حالية من الأحوال المترادفة أو المتداخلة وقال بعضهم وهو قائم يصلي يسأل الله صفات لمسلم قلت لا يصح ذلك لأن لفظ مسلم ولفظ صالح صفتان لعبد والصفة والموصوف في حكم شيء واحد والنكرة إذا اتصفت يكون حكمها حكم المعرفة فلا يجوز وقوع الجمل بعدها صفات لها لأن الجمل لا تقع صفة للمعرفة بل إذا وقعت بعدها تكون حالا كما هو المقرر في موضعه والعجب منه أنه قال ويحتمل أن يكون يصلي حالا فلا وجه لذكر الاحتمال لكونه حالا محققا قوله قائم يصلي يحتمل الحقيقة أعني حقيقة القيام ويحتمل الدعاء

(6/241)


ويحتمل الانتظار ويحتمل المواظبة على الشيء لا الوقوف من قوله تعالى ما دمت عليه قائما ( آل عمران 75 ) يعني مواظبا وقال النووي قال بعضهم معنى يصلي يدعو ومعنى قائم ملازم ومواظب وإنما ذكر هذه الاحتمالات لئلا يرد الإشكال بأصح الأحاديث الواردة في تعيين الساعة المذكورة وهما حديثان أحدهما من جلوس الخطيب على المنبر إلى انصرافه من الصلاة والآخر من بعد العصر إلى غروب الشمس ففي الأول حال الخطبة كله وليست صلاة حقيقة وفي الثاني ليست ساعة صلاة ألا ترى أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه لما روى حديثه المذكور قال فلقيت عبد الله بن سلام فذكرت له هذا الحديث فقال أنا أعلم تلك الساعة فقلت أخبرني بها ولا تضنن بها علي قال هي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس قلت وكيف تكون بعد العصر وقد قال رسول الله لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي وتلك الساعة لا يصلي فيها قال عبد الله ابن سلام أليس قد قال رسول الله من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة قلت بلى قال فهو ذاك انتهى فهذا دل على أن المراد من الصلاة الدعاء ومن القيام الملازمة والمواظبة لا حقيقة القيام ولهذا سقط قوله قائم من رواية أبي مصعب وابن أبي أويس ومطرف والتنيسي وقتيبة وأثبتها الباقون قال أبو عمر وهذه زيادة محفوظة عن أبي الزناد من رواية مالك وورقاء وغيرهما عنه وكان محمد بن وضاح يأمر بحذف هذه الزيادة من الحديث لأجل أنه كان يستشكل بالإشكال الذي ذكرناه ولكن الجواب ما ذكرناه قوله شيئا أي مما يليق أن يدعو به المسلم ويسأل الله وفي رواية عند البخاري في الطلاق يسأل الله خيرا وفي رواية لمسلم كذلك وفي رواية ابن ماجه ما لم يسأل حراما وعند أحمد في حديث سعد بن عبادة ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم فإن قلت قطيعة رحم من جملة الإثم قلت هو من عطف الخاص على العام للاهتمام به قوله وأشار بيده أي وأشار رسول الله بيده وكذا هو في رواية أبي مصعب عن مالك قوله يقللها جملة وقعت حالا وهو من التقليل خلاف التكثير يريد أن الساعة لحظة خفيفة وفي رواية لمسلم يزهدها وهو بمعناه وفي لفظ وهي ساعة خفيفة وللطبراني في ( الأوسط ) في حديث أنس وهي قدر هذا يعني قبضة ثم بقي الكلام هنا في بيان الساعة المذكورة وبيان ما فيها من الأقوال وهو مشتمل على وجوه
الأول في حقيقة الساعة وهي اسم لجزء مخصوص من الزمان ويرد على أنحاء أحدها يطلق على جزء من أربعة وعشرين جزأ وهي مجموع اليوم والليلة وتارة تطلق مجازا على جزء ما غير مقدر من الزمان فلا يتحقق وتارة تطلق على الوقت الحاضر ولأرباب النجوم والهندسة وضع آخر وذلك أنهم يقسمون كل نهار وكل ليلة باثني عشر قسما سواء كان النهار طويلا أو قصيرا وكذلك الليل ويسمون كل ساعة من هذه الأقسام ساعة فعلى هذا تكون الساعة تارة طويلة وتارة قصيرة على قدر النهار في طوله وقصره ويسمون هذه الساعات المعوجة وتلك الأول مستقيمة
الثاني إن في هذه الساعة اختلافا هل هي باقية أو رفعت فزعم قوم أنها رفعت حكاه أبو عمر بن عبد البر وزيفه وقال عياض رده السلف على قائله واحتج أبو عمر فيه بما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن داود بن أبي عاصم عن عبد الله بن يحنس مولى معاوية قال قلت لأبي هريرة زعموا أن الساعة التي في يوم الجمعة قد رفعت قال كذب من قال ذلك قلت فهي باقية في كل جمعة استقبلها قال نعم إسناده قوي قال أبو عمر على هذا تواترت الأخبار وفي ( صحيح الحاكم ) من حديث أبي سلمة قلت يا أبا سعيد إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في يوم الجمعة هل عندك فيها علم فقال سألنا النبي عنها فقال إني كنت أعلمها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر ثم قال صحيح وخرجه ابن خزيمة أيضا في ( صحيحه ) وفي ( كتاب ابن زنجويه ) عن محمد ابن كعب القرظي أن كلبا مر بعد العصر في مسجد رسول الله فقال رجل من الصحابة اللهم اقتله فمات فقال النبي لقد وافق هذا الساعة التي إذا دعي استجيب
الثالث أنها لما ثبت أنها باقية هل هي في كل جمعة أو في جمعة واحدة من كل سنة قال كعب الأحبار في كل سنة يوم فقال أبو هريرة بلى في كل جمعة قال فقرأ كعب التوراة فقال صدق رسول الله رواه أبو داود والنسائي والترمذي فرجع كعب إليه
الوجه الرابع في بيان وقتها وهو على أقوال فقيل هي مخفية في جميع اليوم كليلة القدر قاله ابن قدامة وحكاه القاضي

(6/242)


عياض وغيره ونقله ابن الصباغ عن كعب الأحبار والحكمة في إخفائها الجد والاجتهاد في طلبها في كل اليوم كما أخفى أولياءه في خلقه تحسينا للظن بالصالحين وقيل إنها تنتقل في يوم الجمعة ولا تلزم ساعة معينة لا ظاهرة ولا مخفية قال الغزالي هذا أشبه الأقوال وجزم به ابن عساكر وغيره وقال المحب الطبري إنه هو الأظهر وقيل إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة ذكره ابن أبي شيبة وقيل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ورواه ابن عساكر من طريق أبي جعفر الرازي عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة قوله وقيل مثله وزاد ومن العصر إلى الغروب رواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة عن ليث ابن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة وتابعه فضيل بن عياض عن ليث عن ابن المنذر وقيل مثله وزاد وما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن يكبر رواه حميد بن زنجويه في ( الترغيب ) له من طريق عطاء بن قرة عن عبد الله بن سمرة عن أبي هريرة قال التمسوا الساعة التي يجاب فيها الدعاء يوم الجمعة في هذه الأوقات الثلاثة فذكرها وقيل إنها أول ساعة بعد طلوع الشمس حكاه المحب الطبري وقيل عند طلوع الشمس حكاه الغزالي في ( الإحياء ) وقيل في آخر الثالثة من النهار لما رواه أحمد من طريق علي بن أبي طلحة عن أبي هريرة مرفوعا يوم الجمعة فيه طبعت طينة آدم وفي آخره ثلاث ساعات منه ساعة من دعى الله تعالى فيها استجيب له وفي إسناده فرح بن فضالة وهو ضعيف وعلي لم يسمع من أبي هريرة وقيل من الزوال إلى أن يصير الظل نصف ذراع حكاه المحب الطبري في ( الأحكام ) وقيل مثله لكن قال إلى أن يصير الظل ذراعا حكاه عياض والقرطبي والنووي وقيل بعد زوال الشمس بشبر إلى ذراع رواه ابن المنذر وابن عبد البر بإسناد قوي إلى الحارث بن يزيد الحضرمي عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبي ذر أن امرأته سألته عنها فقال ذلك وقيل إذا زالت الشمس حكاه ابن المنذر عن أبي العالية وروى ابن سعد في ( الطبقات ) عن عبيد الله بن نوفل نحوه وروى ابن عساكر من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال كانوا يرون الساعة المستجاب فيها الدعاء إذا زالت الشمس وقيل إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة رواه ابن المنذر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت يوم الجمعة مثل يوم عرفة تفتح فيه أبواب السماء وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه قيل أية ساعة قالت إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة والفرق بينه وبين القول الذي قبله من حيث إن الأذان قد يتأخر عن الزوال وقيل من الزوال إلى أن يدخل الرجل في الصلاة ذكره ابن المنذر عن أبي السوار العدوي وحكاه ابن الصباغ بلفظ إلى أن يدخل الإمام وقيل من الزوال إلى خروج الإمام حكاه القاضي أبو الطيب الطبري وقيل من الزوال إلى غروب الشمس حكي عن الحسن ونقله صاحب ( التوضيح ) وقيل ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة رواه ابن المنذر عن الحسن وقيل عند خروج الإمام روي ذلك عن الحسن وقيل ما بين خروج الإمام إلى أن تنقضي الصلاة رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن سالم عن الشعبي قوله من طريق معاوية بن قرة عن أبي بردة لبن ابي موسى قوله وفيه أن ابن عمر استصوب ذلك وقيل ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل رواه سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي قوله وقيل ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة رواه حميد بن زنجويه عن ابن عباس وحكاه البغوي في ( شرح السنة ) عنه وقيل ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة رواه مسلم وأبو داود من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى أن ابن عمر سأله عما سمع من أبيه في ساعة الجمعة فقال سمعت أبي يقول سمعت رسول الله د يقول فذكره ويحتمل أن يكون هذا والقولان اللذان قبله متحدة وقيل عند التأذين وعند تذكير الإمام وعند الإمامة رواه حميد بن زنجويه من طريق سليم بن عامر عن عوف بن مالك الأشجعي الصحابي رضي الله تعالى عنه وقيل مثله لكن قال إذا أذن وإذا رقي المنبر وإذا أقيمت الصلاة رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي أمامة الصحابي قوله وقيل من حين يفتتح الإمام الخطبة حتى يفرغها رواه ابن عبد البر من طريق محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا وإسناده ضعيف وقيل إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة حكاه الغزالي في ( الإحياء ) وقيل عند الجلوس بين الخطبتين حكاه الطيبي عن بعض شراح ( المصابيح ) وقيل عند نزول الإمام عن المنبر رواه ابن أبي شيبة وحميد بن زنجويه وابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح إلى أبي إسحاق عن أبي بردة قوله وقيل حين تقام الصلاة حتى يقوم الإمام في مقامه حكاه ابن المنذر عن الحسن

(6/243)


أيضا ورواه الطبراني من حديث ميمونة بنت سعد نحوه مرفوعا بإسناد ضعيف وقيل من إقامة الصلاة إلى تمام الصلاة رواه الترمذي وابن ماجه من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا وفيه قالوا أية ساعة يا رسول الله قال حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها ورواه البيهقي في ( شعب الإيمان ) من هذا الوجه بلفظ ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن تنقضي الصلاة ورواه ابن أبي شيبة من طريق مغيرة عن واصل الأحدب عن أبي بردة قوله وإسناده قوي وفيه أن ابن عمر استحسن ذلك منه وبرك عليه ومسح على رأسه ورواه ابن جرير وسعيد بن منصور عن ابن سيرين نحوه وقيل هي الساعة التي كان النبي يصلي فيها الجمعة رواه ابن عساكر بإسناد صحيح عن ابن سيرين وقيل من صلاة العصر إلى غروب الشمس رواه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا ومن طريق صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ فالتمسوها بعد العصر ورواه الترمذي من طريق موسى بن وردان عن أنس مرفوعا بلفظ بعد العصر إلى غيبوبة الشمس وإسناده ضعيف وقيل في صلاة العصر رواه عبد الرزاق عن عمر بن أبي ذر عن يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة عن النبي مرسلا وقيل بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار حكاه الغزالي في ( الأحياء ) وقيل بعد العصر مطلقا رواه أحمد من طريق محمد بن سلمة الأنصاري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وابن سعيد مرفوعا بلفظ وهي بعد العصر ورواه ابن المنذر عن مجاهد مثله وقيل من حين تصفر الشمس إلى أن تغيب رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن إسماعيل بن كيسان عن طاووس قوله وقيل آخر ساعة بعد العصر رواه أبو داود من حديث جابر مرفوعا ولفظه يوم الجمعة ثنتا عشرة يريد ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله شيئا إلا أتاه الله فالتمسوها آخر الساعة يوم الجمعة وأخرجه النسائي والحاكم وقيل من حين يغيب نصف قرص الشمس إلى أن يتكامل غروبها رواه الطبراني في ( الأوسط ) والدارقطني في ( العلل ) والبيهقي في ( الشعب ) و ( فضائل الأوقات ) من طريق زيد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم حدثتني مرجانة مولاة فاطمة بنت رسول الله قالت حدثتني فاطمة رضي الله تعالى عنها عن أبيها فذكر الحديث وفيه قلت للنبي أي ساعة هي قال إذا تدلى نصف الشمس للغروب فكانت فاطمة رضي الله تعالى عنها
فهذه أربعون قولا وكثير من هذه الأقوال يمكن اتحاده مع غيره وقال المحب الطبري أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام وقال البيهقي بإسناده إلى مسلم أنه قال حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه وبذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة آخرون وقال القرطبي هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره وقال النووي هو الصحيح بل الصواب وجزم في ( الروضة ) أنه هو الصواب ورجح أيضا بكونه مرفوعا صريحا في أحد الصحيحين وذهب الأخرون إلى ترجيح قول عبد الله بن سلام فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال أكثر الأحاديث على ذلك وقال ابن عبد البر إنه أثبت شيء في هذا الباب قلت حديث أبي موسى أخرجه مسلم من رواية مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال قال لي عبد الله بن عمر أسمعت أباك الحديث وقد ذكرناه ولما روى الترمذي من حديث أنس وأبي هريرة قال وفي الباب عن أبي موسى وأبي ذر وسلمان وعبد الله بن سلام وأبي أمامة وسعد بن عبادة قلت وفيه أيضا عن جابر وعلي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري وفاطمة بنت النبي وميمونة بنت سعد فحديث أبي موسى عند مسلم كما ذكرناه وحديث أبي ذر عند وحديث سلمان عند وحديث عبد الله بن سلام عند ابن ماجه وحديث أبي أمامة عند ابن ماجه أيضا وحديث سعد بن عبادة عند أحمد والبزار والطبراني وحديث جابر عند أبي داود والنسائي وحديث علي بن أبي طالب عند البزار وحديث أبي سعيد عند أحمد وحديث فاطمة عند الطبراني في ( الأوسط ) وحديث ميمونة بنت سعد عند الطبراني في ( الكبير ) ح
وقال شيخنا شارح الترمذي حديث أبي هريرة أصحها وليس بين حديث أبي هريرة وبين حديث أبي موسى اختلاف ولا تباين

(6/244)


وإنما الاختلاف بين حديث أبي موسى وبين الأحاديث الواردة في كونها بعد العصر أو آخر ساعة منه فإما أن يصار إلى الجمع أوالترجيح فأما الجمع فإنما يمكن بأن يصار إلى القول بالانتقال وإن لم يقل بالانتقال يكون الأمر بالترجيح فلا شك أن الأحاديث الواردة في كونها بعد العصر أرجح لكثرتها واتصالها بالسماع ولهذا لم يختلف في رفعها والاعتضاد بكونه قول أكثر الصحابة ففيها أوجه من وجوه الترجيح
وفي حديث أبي موسى وجه واحد من وجوه الترجيح وهو كونه في أحد الصحيحين دون بقية الأحاديث ولكن عارض كونه في أحد الصحيحين أمران أحدهما أنه ليس متصلا بالسماع بين مخرمة بن بكير وبين أبيه بكير بن عبد الله بن الأشج قال أحمد بن حنبل مخرمة ثقة ولم يسمع من أبيه وقال عباس الدوري عن ابن معين مخرمة ضعيف الحديث ليس حديثه بشيء يقولون إن حديثه عن أبيه كتاب والأمر الثاني أن أكثر الرواة جعلوه من قول أبي بردة مقطوعا وأنه لم يرفعه غير مخرمة عن أبيه وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم
38 -
( باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة فصلاة الإمام ومن بقي جائزة )
أي هذا باب ترجمته إذا نفر الناس عن الإمام إلى آخره يعني خرجوا عن مجلس الإمام وذهبوا قوله فصلاة الإمام كلام إضافي مبتدأ قوله ومن بقي عطف عليه أي وصلاة منبقي من القوم مع الإمام قوله جائزة خبر المبتدأ وفي رواية الأصيلي تامة وظاهر هذه الترجمة يدل على أن البخاري رحمه الله لا يرى استمرار الجمعة الذين تنعقد بهم الجمعة إلى تمامها شرطا في صحة الجمعة وسيجيء بيان الاختلاف فيه مفصلا إن شاء الله تعالى
936 - حدثنا ( معاوية بن عمرو ) قال حدثنا ( زائدة ) عن ( حصين ) عن ( سالم بن أبي الجعد ) قال حدثنا ( جابر بن عبد الله ) قال بينما نحن نصلي مع النبي أذ أقبلت عير تحمل طعاما فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي إلا اثنا عشر رجلا فنزلت هاذه الآية وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما
مطابقته للترجمة من حيث إن الصحابة لما انفضوا حين إقبال العير ولم يبق منهم إلا اثنا عشر نفسا أتم النبي صلاة الجمعة بهم لأنه لم ينقل أنه أعاد الظهر فدل على الترجمة من هذه الحيثية
ذكر رجاله وهم خمسة الأول معاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي البغدادي أصله كوفي مات في جمادي الأولى سنة أربع عشرة ومائتين الثاني زائدة بن قدامة أبو الصلت الكوفي الثالث حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وبعدها نون ابن عبد الرحمن الواسطي الرابع سالم بن أبي الجعد واسم أبي الجعد رافع الكوفي الخامس جابر بن عبد الله الأنصاري
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن البخاري روى هنا عن معاوية بن عمر وبلا واسطة وروى في مواضع عنه بواسطة عبد الله بن المسندي ومحمد بن عبد الرحيم وأحمد بن أبي رجاء وفيه أن رواته ما بين بغدادي وكوفي وواسطي وقد علم ذلك مما سلف وفيه أن مدار هذا الحديث في الصحيحين على حصين المذكور لأنه تارة يرويه عن سالم بن أبي الجعد وحده كما هنا وهي رواية أكثر أصحابه وتارة عن أبي سفيان طلحة بن نافع وحده وهي رواية قيس بن الربيع وإسرائيل عند ابن مردويه وتارة جمع بينهما عن جابر وهي رواية خالد بن عبد الله عند البخاري في التفسير وعند مسلم وكذا رواية هشيم عنده أيضا
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في البيوع عن طلق بن غنام عن زائدة وعن محمد هو ابن سلام عن محمد بن فضيل وفي التفسير عن حفص بن عمر عن خالد بن عبد الله وأخرجه مسلم في الصلاة عن عثمان ابن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن رفاعة بن الهيثم وعن إسماعيل بن سالم وأخرجه

(6/245)


الترمذي في التفسير عن أحمد بن منيع وأخرجه النسائي فيه وفي الصلاة عن عبد الله بن أحمد بن عبد الله
ذكر معناه قوله بينما قد مر غير مرة أن أصله بين فزيدت عليه الألف والميم وأضيف إلى الجملة بعده وقوله إذا أقبلت جوابه ويروى بينا بدون الميم قوله نحن نصلي ظاهره أن انفضاضهم كان بعد دخولهم في الصلاة والدليل عليه رواية خالد بن عبد الله عند أبي نعيم في ( المستخرج ) بينما نحن مع رسول الله في الصلاة ولكن وقع عند مسلم ورسول الله يخطب وله في رواية بينا النبي قائم وزاد أبو عوانة في ( صحيحه ) والترمذي والدارقطني من طريقه يخطب فإن قلت كيف التوفيق بين الكلامين قلت قالوا قوله نصلي أي ننتظر الصلاة وهو معنى قوله في الصلاة في رواية أبي نعيم في الخطبة وهو من تسمية الشيء بما قاربه وقال النووي والمراد بالصلاة انتظارها في حال الخطبة ليوافق رواية مسلم وقال ابن الجوزي معناه حضرنا الصلاة وكان يخطب يومئذ قائما وبين هذا في حديث جابر أنه كان يخطب قائما وقال البيهقي الأشبه أن يكون الصحيح رواية من روى أن ذلك كان في الخطبة قلت إخراج كلام جابر الذي رواه البخاري يؤدي إلى عدم مطابقته للترجمة لأنه وضع الترجمة في نفور القوم عن الإمام وهو في الصلاة وما ذكره يدل على أنهم نفروا والإمام يخطب قوله عير بكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء وهي الإبل التي تحمل التجارة طعاما كانت أو غيره وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها وقال الزمخشري في قوله تعالى فأذن مؤذن أيتها العير ( يوسف 70 ) إنها الإبل التي عليها الأحمال لأنها تعير أي تذهب وتجيء وقيل هي قافلة الحمير ثم كثر حتى قيل لكل قافلة عير كأنها جمع عير بفتح العين والمراد أصحاب العير فعلى هذا إسناد الإقبال إلى العير مجاز وفي ( المحكم ) والجمع عيرات وعير ونقل عبد الحق في جمعه أن البخاري لم يخرج قوله إذا أقبلت عير تحمل طعاما وليس كذلك فإنه ثبت هنا وفي أوائل البيوع نعم سقط ذلك في التفسير وزاد البخاري في البيوع أنها أقبلت من الشام ومثله لمسلم من طريق جرير عن حصين فإن قلت لمن كانت العير المذكورة قلت في رواية الطبري من طريق السدي أن الذي قدم بها من الشام هو دحية بن خليفة الكلبي وقال السهيلي ذكر أهل الحديث أن دحية بن خليفة الكلبي قدم من الشام بعير له تحمل طعاما وبرا وكان الناس إذ ذاك محتاجين فانفضوا إليها وتركوا النبي وفي رواية ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس جائت عير لعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فإن قلت كيف التوفيق بين الروايتين قلت قيل جمع بين هاتين الروايتين بأن التجارة كانت لعبد الرحمن وكان دحية السفير فيها قلت يحتمل أن يكونا مشتركين فصحت نسبتها لكل منهما بهذا الاعتبار قوله فالتفتوا إليها أي إلى العير وفي رواية ابن فضيل في البيوع فانفض الناس أي فتفرق الناس وهو موافق لنص القرآن فدل هذا على أن المراد من الالتفات الانصراف وبهذا يرد على من حمل الالتفات على ظاهره حيث قال لا يفهم من هذا الانصراف عن الصلاة وقطعها وإنما الذي يفهم منه التفاتهم بوجوههم أو بقلوبهم ويرد هذا أيضا قوله حتى ما بقي مع النبي إلا اثنا عشر رجلا فإن بقاء اثني عشر رجلا منهم يدل على أن الباقين ما بقوا معه وقال بعضهم وفي قوله فالتفتوا التفات لأن السياق يقتضي أن يقول فالتفتنا وكأن النكتة في عدول جابر عن ذلك أنه هو لم يكن ممن التفت قلت ليس فيه التفات لأن جابرا رضي الله تعالى عنه كان من الاثني عشر على ما جاء أنه قال وأنا فيهم فيكون هذا إخبارا عن الذين انفضوا فلا عدول فيه عن الأصل قوله إلا اثنا عشر استثناء من الضمير الذي في لفظه بقي الذي يعود إلى المصلي فإذا كان كذلك يجوز فيه الرفع والنصب وجاءت الرواية بهما ولا يقال إن الاستثناء مفرغ فيتعين الرفع لأن إعرابه على حسب العوامل لأن ما ذكر يمنع أن يكون مفرغا وهنا وجه آخر لجواز الرفع والنصب أما الرفع فيكون المستثنى فيه محذوفا تقديره ما بقي أحد مع النبي إلا عدد كانوا اثني عشر رجلا وأما النصب فلإعطاء اثني عشر حكم أخواته التي هي ثلاثة عشر وأربعة عشر وغيرهما لأن الأصل فيها البناء لتضمنها الحرف فافهم
ثم تعيين عدد الذين بقوا مع النبي مثل ما هو في ( الصحيح ) وهم اثني عشر وفي الدارقطني ليس معه إلا أربعين رجلا أنا فيهم ثم قال الدارقطني لم يقل كذلك

(6/246)


إلا علي بن عاصم عن حصين وخالفه أصحاب حصين فقالوا اثني عشر رجلا وفي ( المعاني ) للفراء إلا ثمانية نفر وفي تفسير عبد بن حميد إلا سبعة ووقع في ( تفسير الطبري ) وابن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى قتادة قال قال لهم النبي كم أنتم فعدوا أنفسهم فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي وامرأتان ولابن مردويه من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وسبع نسوة لكن إسناده ضعيف
وأما تسميتهم فوقع في رواية خالد الطحان عند مسلم أن جابرا قال أنا فيهم وله في رواية هشيم فيهم أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي أن سالما مولى أبي حذيفة منهم روى العقيلي عن ابن عباس أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناس من الأنصار وحكى السهيلي أن أسد بن عمرو روى بسند منقطع أن الاثني عشر هم العشرة المبشرة وبلال وابن مسعود قال وفي رواية عمار بدل ابن مسعود وأهمل جابرا وهو منهم كما ذكر في الصحيح
قوله فنزلت هذه الآية ظاهر هذا أن سبب نزول هذه الآية قدوم العير المذكورة وفي ( مراسيل أبي داود ) حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد أخبرني بكير بن معروف أنه سمع مقاتل بن حبان قال كان رسول الله يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين حتى كان يوم جمعة والنبي يخطب وقد صلى الجمعة فدخل رجل فقال إن دحية قدم بتجارته وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدفوف فخرج الناس لم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء فأنزل الله عز و جل وإذا رأوا تجارة ( الجمعة 11 ) الآية فقدم النبي الخطبة يوم الجمعة وأخر الصلاة فكان أحد لا يخرج لرعاف أو حدث بعد النهي حتى يستأذن النبي يشير إليه بإصبعه التي تلي الإبهام فيأذن له ثم يشير إليه بيده قال السهيلي هذا وإن لم ينقل من وجه ثابت فالظن الجميل بالصحابة يوجب أن يكون صحيحا وقال عياض وقد أنكر بعضهم كونه خطب قط بعد صلاة الجمعة وفي ( سنن الشافعي ) رحمه الله عن إبراهيم بن محمد حدثني جعفر بن محمد عن أبيه كان النبي يخطب يوم الجمعة وكانت لهم سوق يقال لها البطحاء كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل والسمن وقدموا فخرج إليهم الناس وتركوا رسول الله وكان لهم لهو إذا تزوج أحد من الأنصار يضربونه يقال له الكبر فعيرهم الله بذلك فقال وإذا رأوا تجارة أو لهوا ( الجمعة 11 ) وهو مرسل لأن محمد الباقر من التابعين ووصله أبو عوانة في ( صحيحه ) والطبري يذكر جابرا فيه أنهم كانوا إذ نكحوا تضرب لهم الجواري بالمزامير فيشتد الناس إليهم ويدعون رسول الله قائما فنزلت هذه الآية وفي تفسير عبد بن حميد حدثنا يعلى عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قدم دحية بتجارة فخرجوا ينظرون إلا سبعة نفر وأخبرني عمرو بن عوف عن هشيم عن يونس عن الحسن قال فلم يبق معه إلا رهط منهم أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فنزلت هذه الآية وإذا رأوا تجارة ( الجمعة 11 ) فقال والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى معي أحد منكم لسال بكم الوادي نارا حدثنا يونس عن شيبان عن قتادة قال ذكر لنا أن نبي الله قام يوم جمعة فخطبهم فقيل جاءت عير فجعلوا يقومون حتى بقيت عصابة منهم فقال كم أنتم فعدوا أنفسهم فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة ثم قام الجمعة الثانية فخطبهم ووعظهم فقيل جاءت عير فجعلوا يقومون حتى بقيت منهم عصابة فقيل لهم كم أنتم فعدوا أنفسهم فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة فقال والذي نفس محمد بيده لو اتبع آخركم أولكم لألهب الوادي عليكم نارا فأنزل الله تعالى فيها ما تسمعون وإذا رأوا تجارة ( الجمعة 11 ) الآية حدثنا شيبان عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإذا رأوا تجارة أو لهو ( الجمعة 11 ) قال كان رجال يقومون إلى نواضحهم وإلى السفر يقدمون يتبعون التجارة واللهو وفي ( تفسير ابن عباس ) جمع إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن جويبر عن الضحاك عن أبان عن أنس بينما نحن مع رسول الله يخطب يوم الجمعة إذ سمع أهل المسجد صوت الطبول والمزامير وكان أهل المدينة إذا قدمت عليهم العير من الشام بالبر والزبيب استقبلوها فرحا بالمعازف فقدمت عير لدحية والنبي يخطب فتركوا النبي وخرجوا فقال النبي من ههنا فقال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة فإذا اثنا عشر رجلا وامرأتان فقال لو اتبع آخركم أولكم لاضطرم الوادي عليكم نارا ولكن الله تطول على بكم

(6/247)


فرفع العقوبة بكم عمن خرج فنزلت الآية وفي ( تفسير النسفي ) وكانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق وهو المراد باللهو وفيه أيضا بينا رسول الله يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية بن خليفة الكلبي ثم أحد بني الخزرج ثم أحد بني زيد بن مناة من الشام بتجارة وكان إذا قدم لم يبق بالمدينة عاتق وكان يقدم إذا قدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق أو بر أو غيره فنزل عند أحجار الزيت وهو مكان في سوق المدينة ثم يضرب الطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ليبتاعوا منه فقدم ذات يوم جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم ورسول الله قائم على المنبر يخطب فخرج إليه الناس فلم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلا وامرأة فقال النبي كم بقي في المسجد فقالوا اثني عشر رجلا وامرأة فقال النبي لولا هؤلاء لقد سومت لهم الحجارة من السماء وأنزل الله تعالى هذه الآية
قوله انفضوا إليها من الانفضاض وهو التفرق يقال فضضت القوم فانفضوا أي فرقتهم فتفرقوا قال الزمخشري كيف قال إليها وقد ذكر شيئين قلت تقديره إذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهوا انفضوا إليه فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه وكذلك قراءة من قرأ انفضوا إليه وقراءة من قرأ لهوا أو تجارة انفضوا إليها وقرىء إليهما انتهى وقيل أعيد الضمير إلى التجارة فقط لأنها كانت أهم إليهم وقال الزجاج يجوز في الكلام انفضوا إليه وإليها وإليهما ولأن العطف إذا كان ضميرا فقياسه عوده إلى أحدهما لا إليهما وأن الضمير أعيد إلى المعنى دون اللفظ أي انفضوا إلى الرؤية التي رأوها أي مالوا إلى طلب ما رأوه
ذكر ما يستفاد منه يستفاد من ظاهر حديث الباب أن القوم إذا نفروا عن الإمام وهو في صلاة الجمعة فصلاة من بقي وصلاة الإمام على حالها فلذلك ترجم البخاري الباب بقوله باب إذا نفر الناس إلى آخره وقال ابن بطال اختلف العلماء في الإمام يفتتح صلاة الجمعة بجماعة ثم يتفرقون فقال الثوري إذا ذهبوا إلا رجلين صلى ركعتين وإن بقي واحد صلى أربعا وقال أبو ثور يصليها جمعة انتهى قلت إذا اقتدى الناس بالإمام في صلاة الجمعة ثم عرض للناس عارض أداهم إلى النفور فنفروا وبقي الإمام وحده وذلك قبل أن يركع ويسجد استقبل الظهر عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد إن نفروا عنه بعدما افتتح الصلاة صلى الجمعة وإن بقي وحده وبه قال المزني في قول وإن نفروا عنه بعدما ركع وسجد سجدة بنى على الجمعة في قولهم جميعا خلافا لزفر فعنده يصلي الظهر وعند مالك ان انفضوا بعد الإحرام ويئس من رجوعهم بنى على إحرامه أربعا وإلا جعلها نافلة وانتظرهم وإن انفضوا بعد ركعة قال أشهب وعبد الوهاب يتمها جمعة وهو اختيار المزني وقال سحنون هو كما بعد الإحرام فتشترط إلى الانتهاء وقال إسحاق إن بقي معه اثنا عشر صلى الجمعة وظاهر كلام أحمد استدامة الأربعين
وقال النووي لو أحرم بالأربعين المشروطة ثم انفضوا ففيه خمسة أقوال أصحها يتمها ظهرا كالابتداء وللمزني تخريجان أحدهما يتمها جمعة وحده والثاني إن صلى ركعة بسجدتيها أتمها جمعة وقيل إن بقي معه واحد أتمها جمعة نص عليه في القديم وذكر ابن المنذر إن بقي معه اثنان أتمها جمعة وهي رواية البويطي وقال صاحب ( التقريب ) يحتمل أن يكتفي بالعبد والمسافر وأقام الماوردي الصبي والمرأة مقامهما فالحاصل بقاء الأربعين في كل الصلاة هل هو شرط أم لا قولان فإن قلنا لا فهل يشترط بقاء عدد أم لا فقولان فإن قلنا لا فهل يفصل بين الركعة الأولى والثانية أم لا قولان فإن قلنا نعم فكم يشترط قولان أحدهما ثلاثة والآخر إثنان فإذا أردت اختصار ذلك قلت في المسألة خمسة أقوال أحدها يتمها ظهرا كيف ما كان وهو الصحيح والثاني جمعة كيف ما كان والثالث إن بقي معه إثنان أتمها جمعة وإلا ظهرا الرابع إن بقي معه واحد أتمها جمعة والخامس إن انفضوا أو بعضهم بعد تمام الركعة بسجدتيها أتمها جمعة وإلا ظهرا
قلت الأصل أن الجماعة من شرائط الجمعة لأنها مشتقة منها وأجمعت الأمة على أن الجمعة لا تصح من المنفرد إلا ما ذكر ابن حزم في ( المحلى ) عن بعض الناس أن الفذ يصلي الجمعة كالظهر ثم أقل الجماعة عند أبي حنيفة ثلاثة سوى الإمام وبه قال زفر والليث بن سعد وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي والثوري في قول وأبي ثور واختاره المزني وعند أبي يوسف ومحمد اثنان سوى الإمام وبه قال أبو ثور والثوري في قول وهو قول الحسن البصري ثم الجماعة للجمعة شرط تأحكد العقد بالسجدة عند أبي حنيفة وعندهما للشروع وعند زفر يشترط دوامها كالوقت

(6/248)


والطهارة وفائدة الخلاف تظهر فيما ذكرناه عنهم الآن
وفي العدد الذي تصح به الجمعة أربعة عشر قولا ثلاثة سوى الإمام عند أبي حنيفة وإثنان سواه عندهما وواحد سواه عند النخعي والحسن بن حي وجميع الظاهرية وسبعة عن عكرمة وتسعة واثنا عشر عن ربيعة وثلاثة عشر وعشرون وثلاثون عن مالك في رواية ابن حبيب وأربعون موالي عن عمر بن عبد العزيز وأربعون أحرارا بالغين عقلاء مقيمين لا يظعنون صيفا ولا شتاء إلا ظعن حاجة عند الشافعي وأحمد في ظاهر قوله وخمسون رجلا عن أحمد في رواية وعمر بن عبد العزيز في رواية وثمانون ذكره المازري وغير محدود بعدد ذكره المازري أيضا وقال الكرماني وفي الحديث دليل لمالك حيث قال تنعقد الجمعة بإثني عشر وأجاب الشافعي بأنه محمول على أنهم رجعوا أو رجع منهم تمام أربعين فأتم بهم الجمعة قلت في استدلال مالك نظر وكذا في جواب الشافعية لأنه لم يرد أنه أتم الصلاة ويحتمل أنه أتمها ظهرا وقيل إن إسحاق بن راهويه ذهب إلى ظاهر هذا الحديث فقال إذا تفرقوا بعد الانعقاد يشترط بقاء اثني عشر وتعقب بأنها واقعة عين لا عموم لها وقال بعضهم ترجح كون انفضاض القوم وقع في الخطبة لا في الصلاة وهو اللائق بالصحابة تحسينا للظن بهم وقال الأصيلي وصف الله تعالى الصحابة بخلاف هذا فقال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ( النور 37 ) قلت قيل إن نزول الآية بعد وقوع هذا الأمر على أنه ليس في الآية تصريح بنزولها في الصحابة ولئن سلمنا فلم يكن تقدم لهم نهي عن ذلك فلما نزلت آية الجمعة وفهموا منها ذم ذلك اجتنبوه فوصفوا بعد ذلك بآية النور
39 -
( باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها )
أي هذا باب في بيان كمية الصلاة بعد صلاة الجمعة وقبلها
9337 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال أخبرنا ( مالك ) عن ( نافع ) عن ( عبد الله بن عمر ) أن رسول الله كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين
مطابقته للترجمة في قوله وكان لا يصلي بعد الجمعة إلى آخره فإن قلت الترجمة مشتملة على بعد الجمعة وقبلها وليس في الحديث إلا بعدها قلت أجيب عنه من وجوه الأول كأنه أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب وهو ما رواه أبو داود وابن حبان من طريق أيوب عن نافع قال كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين ويحدث أن رسول الله كان يفعل ذلك وقد جرت عادته بمثل ذلك والثاني أنه أشار به إلى استواء الظهر والجمعة حتى يدل الدليل على خلافه لأن الجمعة بدل الظهر وكانت عنايته بحكم الصلاة بعدها أكثر فلذلك ذكره في الترجمة مقدما على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد والثالث ورود الخبر في البعد صريح وأشار إلى الذي فيه القبل فذكر الذي فيه البعد صريحا وأشار الذي فيه القبل
وأما رجال الحديث فقد ذكروا غير مرة
وأما من أخرجه غيره فقد أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق مالك عن نافع إلى آخره وأخرجه الترمذي من حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر عن أبيه عن النبي أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين وأخرجه ابن ماجة عن محمد بن الصباح عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري وأخرج الترمذي أيضا من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا وفي ( سنن سعيد ابن منصور ) عن أبي عبد الرحمن السلمي قال علمنا ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن نصلي بعد الجمعة أربعا فلما قدم علينا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه علمنا أن نصلي ستا وروى ابن حبان من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان وعند أبي داود وقال هو مرسل عن أبي قتادة أن رسول الله كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة وعن أبي هريرة مثله رواه

(6/249)


الشافعي عن إبراهيم شيخه وفي ( الأوسط ) للطبراني من حديث ابن عبيدة عن أبيه أن النبي كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا وعند ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس قال كان النبي يركع قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شيء منهن ورواه الطبراني في ( المعجم الكبير ) برجال ابن ماجه وهي رواية بقية عن مبشر بن عبيد عن حجاج بن أرطاة عن عطية العوفي عن ابن عباس فزاد فيه وبعدها أربعا قال النووي في ( الخلاصة ) هذا حديث باطل اجتمع فيه هؤلاء الأربعة وهم ضعفاء ومبشر وضاع صاحب أباطيل قلت بقية بن الوليد موثق ولكنه مدلس وحجاج صدوق روى له مسلم مقرونا بغيره وعطية مشاه يحيى بن معين فقال فيه صالح ولكن ضعفهما الجمهور
قوله حتى ينصرف أي إلى البيت قوله فيصلي بالرفع لا بالنصب
ومما يستفاد منه أن صلاة النوافل في البيت أولى وقال ابن بطال إنما أعاد ابن عمر ذكر الجمعة بعد ذكر الظهر من أجل أنه كان يصلي سنة الجمعة في بيته بخلاف الظهر قال والحكمة فيه أن الجمعة لما كانت بدل الظهر واقتصر فيها على ركعتين ترك التنفل بعدها في المسجد خشية أن يظن أنها التي حذفت انتهى وقد أجاز مالك الصلاة بعد الجمعة في المسجد للناس ولم يجز للأمة وقال ابن بطال اختلف العلماء في الصلاة بعد الجمعة فقالت طائفة يصلي بعدها ركعتين في بيته كالتطوع بعد الظهر وروي ذلك عن عمر وعمران بن حصين والنخعي وقال مالك إذا صلى الإمام الجمعة فينبغي أن لا يركع في المسجد لما روي عن رسول الله أنه كان ينصرف بعد الجمعة ولم يركع في المسجد حتى قال ومن خلفه أيضا إذا سلموا فأحب أن ينصرفوا ولا يركعوا في المسجد وإن ركعوا فذاك واسع وقالت طائفة يصلي بعدها ركعتين ثم أربعا روي ذلك عن علي وابن عمر وأبي موسى وهو قول عطاء والثوري وأبي يوسف إلا أن أبا يوسف استحب أن تقدم الأربع قبل الركعتين وقال الشافعي ما أكثر المصلي بعد الجمعة من التطوع فهو أحب إلي وقالت طائفة يصلي بعدها أربعا لا يفصل بينهن بسلام وروي ذلك عن ابن مسعود وعلقمة والنخعي وهو قول أبي حنيفة وإسحاق
حجة الأولين حديث ابن عمر أن رسول الله كان لا يصلي بعد الجمعة إلا ركعتين في بيته قال المهلب وهما الركعتان بعد الظهر وحجة الطائفة الثانية ما رواه أبو إسحاق عن عطاء قال صليت مع ابن عمر الجمعة فلما سلم قام فركع ركعتين ثم صلى أربع ركعات ثم انصرف وجه قول أبي يوسف ما رواه الأعمش عن إبراهيم عن سليمان بن مسهر عن حرشة بن الحر أن عمر رضي الله تعالى عنه كره أن تصلي بعد صلاة مثلها وحجة الطائفة الثالثة ما رواه ابن عيينة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا وقد مر ذكره
وبقي الكلام في سنة الظهر والمغرب والعشاء أما سنة الظهر فسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى وأما سنة المغرب فقد روى الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود أنه قال ما أحصي ما سمعت رسول الله يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل صلاة الفجر بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وأخرجه ابن ماجه أيضا وأخرجه الترمذي أيضا من رواية أيوب عن نافع عن ابن عمر قال حفظت من النبي عشر ركعات الحديث وفيه ركعتين بعد المغرب في بيته واتفق عليه الشيخان من رواية يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وفي هذا الباب عن عبد الله بن جعفر عند الطبراني في ( الأوسط ) وابن عباس عند أبي داود وأبي أمامة عند الطبراني في ( الكبير ) وأبي هريرة عند النسائي وابن ماجه وهاتان الركعتان بعد المغرب من السنن المؤكدة وبالغ بعض التابعين فيهما فروى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) عن وكيع عن جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم الأسدي عن سعيد بن جبير قال لو تركت الركعتين بعد المغرب لخشيت أن لا يغفر لي وقد شذ الحسن البصري فقال بوجوبهما ولم يقل مالك بشيء من التوابع للفرائض إلا ركعتي الفجر وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال من صلى بعد المغرب أربعا كان كالمعقب غزوة بعد غزوة وروي أيضا عن مكحول قال رسول الله من صلى ركعتين بعد المغرب يعني قبل أن يتكلم رفعت صلاته في عليين قال شارح الترمذي وهذا لا يصح لإرساله وأيضا فلا يدري من القائل يعني قبل أن يتكلم

(6/250)


قلت رواه متصلا أبو الشيخ ابن حبان في كتاب ( الثواب وفضائل الأعمال ) من رواية مقاتل عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا ما من صلاة أحب إلى الله من المغرب الحديث وفيه فمن صلاها ثم صلى بعدها ركعتين قبل أن يتكلم جليسه رفعت صلاته في أعلى عليين قلت يصح هذا مستندا لأصحابنا في استحبابهم إيصال السنن للفرائض وقال شارح الترمذي وله وجه في المغرب بسبب ضيق وقتها على القول بأن وقتها ضيق على قول الشافعي في الجديد ثم المستحب في ركعتي المغرب أن تكونا في بيته لظاهر الحديث وكذلك سائر النوافل التابعة للفرائض أن تكون في البيت عند جمهور العلماء للحديث المتفق عليه أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وعند الثوري ومالك نوافل النهار كلها في المسجد أفضل وذهب ابن ألي ليلى إلى أن سنة المغرب لا يجزىء فعلها في المسجد وأما سنة العشاء وهما الركعتان بعدها فمن السنن المؤكدة وقد صح أنه كان لا يدعهما وعن أنس قال قال رسول الله من صلى ركعتين بعد العشاء الآخرة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وعشرين مرة قل هو الله أحد بنى الله عز و جل له قصرا في الجنة رواه أبو الشيخ ابن حبان
40 -
( با قول الله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله )
أي هذا باب في بيان المراد من ذكر قول الله عز و جل فإذا قضيت ( الجمعة 10 ) وأراد بذكر هذه الآية الكريمة هنا الإشارة إلى أن الأمر في قوله فانتشروا ( الجمعة 10 ) والأمر في قوله وابتغوا ( الجمعة 10 ) للإباحة لا للوجوب لأنهم منعوا عن الانتشار في الأرض للتكسب وقت النداء يوم الجمعة لأجل إقامة صلاة الجمعة فلما صلوا وفرغوا أمروا بالانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله وهو رزقه وإنما قلنا هذا الأمر للإباحة لأنه لمنفعة لنا فلو كان للوجوب لعاد علينا وذلك كما في قوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا ( المائدة 2 ) فإنه حرم عليهم الصيد وهم محرمون فلما خرجوا عن الإحرام أحل لهم الصيد كما كان أولا وقال ابن التين جماعة أهل العلم على أن هذا إباحة بعد الحظر وقيل هو أمر على بابه وعن الداودي هو إباحة لمن كان له كفاف ولا يطيق التكسب وفرض على من لا شيء له ويطيق التكسب وقال غيره من تعطف عليه بسؤال أو غيره ليس طلب التكسب عليه بفريضة وفي ( تفسير النسفي ) فإذا قضيت الصلاة ( الجمعة 10 ) فرغ منها فانتشروا في الأرض ( الجمعة 10 ) للتجارة والتصرف في حوائجكم وابتغوا من فضل الله ( الجمعة 10 ) أي الرزق ثم أطلق لهم ما حظر عليهم بعد قضاء الصلاة من الانتشار وابتغاء الربح مع التوصية بإكثار الذكر وأن لا يلهيهم شيء من التجارة ولا غيرها عنه وهما أمر إباحة وتخيير كما في قوله وإذا حللتم فاصطادوا ( المائدة 2 ) وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله في قول الله فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ( الجمعة 10 ) ليس لطلب دنياكم ولكن عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله وقيل صلاة تطوع وقال الحسن وسعيد بن جبير ومحكول وابتغوا من فضل الله هو طلب العلم وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه وابتغوا من فضل الله يوم السبت
938 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال حدثنا ( أبو غسان ) قال حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل بن سعد ) قال كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا فكانت إذا كان يوم جمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها فتكون اصول السلق عرقه وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها فتقرب ذالك الطعام إلينا فنلعقه وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذالك
مطابقته للترجمة التي هي آية من القرآن الكريم من حيث إن في الآية الانتشار بعد الفراغ من الصلاة وهو الانصراف منها وفي الحديث أيضا كانوا ينصرفون بعد فراغهم من صلاة الجمعة وفي الآية الابتغاء من فضل الله الذي هو الرزق

(6/251)


وفي الحديث أيضا كانوا بعد انصرافهم منها يبتغون ما كانت تلك المرأة تهيؤه من أصول السلق وهو أيضا رزق ساقه الله إليهم ذكر رجاله وهم أربعة الأول سعيد بن أبي مريم وهو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري الثاني أبو غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة هو محمد بن مطرف المدني الثالث أبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي هو سلمة بن دينار الرابع سهيل بن سعيد بن مالك الأنصاري والساعدي
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه راويان مذكوران بالكنية وفيه أن رجاله مدنيون ما خلا شيخ البخاري فإنه مصري
ذكر معناه قوله امرأة لم يعلم اسمها قوله تجعل بالجيم والعين المهملة وفي رواية الكشميهني تحقل بالحاء المهملة والقاف أي تزرع وقال الجوهري الحقل الزرع إذا تشعب ورقه قبل أن يغلظ سوقه تقول منه أحقل الزرع ومنه المحاقلة وهو بيع الزرع وهو في سنبله قوله على أربعاء جمع ربيع كأنصباء جمع نصيب وهو الجداول وذكر ابن سيده أن الربيع هو الساقية الصغيرة تجري إلى النخل مجاريه وقال ابن التين هي الساقية وقيل النهر الصغير وقال عبد الملك هو حافات الأحواض ومجاري المياه الجداول جمع جدول وهو النهر الصغير قاله الجوهري قوله في مزرعة بفتح الراء وحكى ابن مالك جواز تثليثها قوله سلقا بكسر السين وهو معروف وانتصابه على أنه مفعول تجعل أو تحقل على الروايتين وقال الكرماني وسلق بالرفع مبتدأ خبرهلها أو مفعول ما لم يسم فاعله على تقدير أن يجعل بلفظ المجهول وبالنصب إن كان بلفظ المعروف وحينئذ الأصل فيه أن يكتب بالألف لكن جاز على اللغة الربيعية أن يسكن بدون الألف لأنهم يقفون على المنصوب المنون بالسكون فلا يحتاج الكاتب على لغتهم إلى الألف ومثله كثير في هذا الصحيح نحو سمعت أنس ورأيت سالم انتهى قلت تصرفه في إعراب سلقا تعسف مع عدم مجيء الرواية على الرفع وهو منصوب قطعا على ما ذكرنا قوله تطحنها من الطحن ومحله النصب على الحال من شعير قاله الكرماني وليس كذلك لأن شرط ذي الحال أن يكون معرفة والجملة بعد النكرة صفة وفي رواية المستملي تطبخها من الطبخ قوله عرقه بفتح العين وسكون الراء المهملتين وفتح القاف بعدها هاء الضمير أي عرق الطعام الذي تطبخه المرأة من أصول السلق وقال بعضهم أي عرق الطعام وليس بشيء لأنه لم يمض ذكره ولفظ الطعام قد ذكر فيما بعده والعرق اللحم الذي على العظم يقال عرقت العظم عرقا إذا أكلت ما عليه من اللحم والمراد أن أصول السلق كانت عوضا عن اللحم وفي رواية الكشميهني غرقة بفتح الغين المعجمة وكسر الراء وبعد القاف هاء تأنيث بمعنى مغروقة يعني السلق يغرق في المرقة لشدة نضجه قوله فنلعقه من لعق يلعق من باب علم يعلم واختيار ثعلب في الفصيح هكذا بكسر العين في الماضي وفتحها في المستقبل
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز السلام على النسوة الأجانب واستحباب التقرب بالخير ولو بالشيء الحقير وفيه قناعة الصحابة رضي الله تعالى عنهم وشدة العيش وعدم حرصهم على الدنيا ولذاتها وفيه المبادرة إلى الطاعة
939 - حدثنا ( عبد الله بن مسلمة ) قال حدثنا ( ابن أبي حازم ) عن أبيه عن ( سهل ) بهاذا وقال ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة
عبد الله بن مسلمة بفتح الميمين هو القعنبي وابن أبي حازم هو عبد العزيز ابن أبي حازم سلمة بن دينار المدني مات سنة أربع وثمانين ومائة وهو ساجد وقال أبو داود مات فجأة يوم الجمعة في مسجد النبي في التاريخ المذكور قوله بهذا أي بهذا الحديث الذي قبله وأشار بهذا إلى أن أبا غسان وعبد العزيز المذكور اشتركا في رواية هذا الحديث عن أبي حازم وزاد عبد العزيز قوله ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة قوله نقيل بفتح النون من قال يقيل قيلولة فهو قائل والقيلولة الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم وكذلك المقيل وأصله أجوف يائي قوله ولا نتغدى بالغين المعجمة والدال المهملة من الغداء وهو الطعام الذي يؤكل أول النهار واستدلت الحنابلة بهذا الحديث لأحمد على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال ورد عليهم بما قاله ابن بطال بأنه لا دلالة فيه على هذا لأنه لا يسمى بعد الجمعة وقت الغداء بل فيه أنهم كانوا يتشاغلون عن الغداء والقائلة بالتهيىء

(6/252)


للجمعة ثم بالصلاة ثم ينصرفون فيقيلون ويتغدون فتكون قائلتهم وغداؤهم بعد الجمعة عوضا عما فاتهم في وقته من أجل بكورهم وعلى هذا التأويل جمهور الأئمة وعامة العلماء وقد استوفينا الكلام فيه في باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس
41 -
( باب القائلة بعد الجمعة )
أي هذا باب في بيان حكم القائلة بعد صلاة الجمعة والقائلة على وزن الفاعلة بمعنى القيلولة وقد ذكرناه عن قريب
940 - حدثنا ( محمد بن عقبة الشيباني ) قال حدثنا ( أبو إسحاق الفزاري ) عن ( حميد ) قال سمعت ( أنسا ) يقول كنا نبكر إلى الجمعة ثم نقيل ( انظر الحديث 905 )
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن ظاهر الحديث أنهم كانوا يصلون الجمعة ثم يقيلون
ذكر رجاله وهم أربعة الأول محمد بن عقبة أبو عبد الله الشيباني الكوفي أخو الوليد الثاني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي وبالراء المصيصي بإهمال الصادين مات سنة ست وثمانين ومائة الثالث حميد بضم الحاء ابن أبي حميد الطويل البصري الرابع أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه من أفراده وفيه أن رواته كوفي ومصيصي وبصري
قوله نبكر من التبكير وهو الإسراع إلى الشيء
وفيه نوم القائلة وهو مستحب وقد قال الله تعالى وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ( النور 58 ) أي من القائلة
941 - حدثنا ( سعيد بن أبي مريم ) قال حدثنا ( أبو غسان ) قال حدثني ( أبو حازم ) عن ( سهل ) قال كنا نصلي مع النبي الجمعة ثم تكون القائلة
مطابقته للترجمة ظاهرة وأبو غسان محمد بن مطرف وقد مر في الباب السابق وكذلك أبو حازم وهو سلمة بن دينار قوله ثم تكون القائلة أي تقع القيلولة والكلام فيه قد مر عن قريب مستوفى
هذا آخر كتاب الجمعة
12 -
( كتاب الخوف )
1 - أبواب صلاة الخوف وقول الله تعالى وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذا من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ( النساء 101 و102 ) ح
أي هذه أبواب في بيان حكم صلاة الخوف كذا وقع لفظة أبواب بصيغة الجمع في رواية المستملي وأبي الوقت وفي رواية الأصيلي وكريمة باب بالإفراد وسقط في رواية الباقين قوله وقول الله بالجر عطف على ما قبله وثبتت الآيتان بتمامهما إلى قوله عذابا مهينا في رواية كريمة وفي رواية الأصيلي اقتصر على قوله وإذا ضربتم في الأرض فيس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ثم قال إلى قوله عذابا مهينا وأما في رواية أبي ذر فساق الآية الأولى بتمامها ومن الآية الثانية ساق إلى قوله معك ثم قالإلى قوله ( عذبا مهينا ) وإنما ذكر هاتين الآيتين الكريمتين في هذه الترجمة إشارة إلى أن صلاة الخوف في هيئة خارجة عن هيئات بقية الصلوات إنما ثبتت بالكتاب وأما بيان صورتها على اختلافها فبالسنة

(6/253)


قوله وإذا ضربتم في الأرض الضرب في الأرض السفر ويقال ضربت في الأرض إذا سافرت وتأتي هذه المادة لمعان كثيرة قوله جناح أي إثم قوله أن تقصروا ظاهره التخيير بين القصر والإتمام وأن الإتمام أفضل وإليه ذهب الشافعي وعن أبي حنيفة القصر في السفر عزيمة غير رخصة لا يجوز غيره وقرىء إن تقصروا بضم التاء من الإقصار وقرأ الزهري ان تقصروا بالتشديد والقصر ثابت بنص الكتاب في حال الخوف خاصة وهو قوله إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا وأما في حال الأمن فبالسنة واحتج الشافعي أيضا بما رواه مسلم والأربعة عن يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال الله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم فقد أمن الناس قال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله فقال صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته فقد علق القصر بالقبول وسماه صدقة والمتصدق عليه مخير في قبول الصدقة فلا يلزمه القبول حتما
ولنا أحاديث منها حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر رواه البخاري ومسلم ومنها حديث ابن عباس قال فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربع ركعات وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة رواه مسلم ومنها حديث عمر رضي الله تعالى عنه قال صلاة السفر ركعتان وصلاة الضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم محمد رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان في ( صحيحه ) والجواب عن حديث يعلى بن أمية أنه دليلنا لأنه أمر بالقبول والأمر للوجوب
قوله أن يفتنكم المراد من الفتنة ههنا القتال والتعرض لما يكره قوله وإذا كنت فيهم تعلق به أبو يوسف وذهب إلى أن صلاة الخوف غير مشروعة بعد النبي وبه قال الحسن بن زيادة والمزني وإبراهيم بن علية فعلل المزني بالنسخ في زمان النبي حيث أخرها يوم الخندق وعلل أبو يوسف بأن الله شرط كون النبي فيهم لإقامتها ورد ما قاله المزني بما روي عن الصحابة في هذا الباب بعد الخندق والخندق مقدم على المشهور فكيف ينسخ المتأخر ذكره النووي وغيره ورد ما قاله أبو يوسف بأن الصحابة فعلوها بعده وأن سببها الخوف وهو متحقق بعده كما في حياته ثم إعلم أن الخوف لا يؤثر في نقصان عدد الركعات إلا عند ابن عباس والحسن البصري وطاووس حيث قالوا إنها ركعة وروى مسلم من حديث مجاهد عن ابن عباس قال فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وأخرجه الأربعة أيضا وإليه ذهب أيضا عطاء وطاووس ومجاهد والحكم بن عتيبة وقتادة وإسحاق والضحاك وقال ابن قدامة والذي قال منهم ركعة إنما جعلها عند شدة القتال وروي مثله عن زيد بن ثابت وأبي هريرة وجابر قال جابر إنما القصر ركعة عند القتال وقال إسحاق يجزيك عن الشدة ركعة تومىء إيماء فإن لم تقدر فسجدة واحدة فإن لم تقدر فتكبيرة لأنها ذكر الله تعالى وعن الضحاك أنه قال ركعة فإن لم تقدر كبر تكبيرة حيث كان وجهك وقال القاضي لا تأثير للخوف في عدد الركعات وهذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر والنخعي والثوري ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وسائر أهل العلم من علماء الأمصار لا يجيزون ركعة
942 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال ( سألته هل صلى ) النبي يعني ( صلاة الخوف ) قال أخبرني ( سالم ) أن ( عبد الله بن عمر ) رضي الله تعالى عنهما قال غزوت مع رسول الله قبل نجد فوازينا العدو فصاففنا لهم فقام رسول الله يصلي لنا فقامت طائفة معه تصلي وأقبلت طائفة على العدو وركع رسول الله بمن معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل فجاؤا فركع رسول الله بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين
مطابقته للترجمة من حيث إن المذكور فيها مشروعية صلاة الخوف والحديث فيه كذلك مع بيان صفتها
ذكر

(6/254)


رجاله وهم خمسة الأول أبو اليمان الحكم بن نافع الثاني شعيب بن أبي حمزة الثالث محمد بن مسلم الزهري الرابع سالم بن عبد الله بن عمر الخامس أبوه عبد الله بن عمر
ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإخبار كذلك في موضع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه الإخبار بصيغة الإفراد وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن الأولين من الرواة حمصيان والإثنين بعدهما مدنيان
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن أبي اليمان وأخرجه مسلم أيضا عن عبد ابن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وأخرجه أبو داود عن مسدد بن عبد الملك عن يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري وأخرجه الترمذي عن محمد بن عبد الملك عن يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري وأخرجه النسائي عن كثير ابن عبيد عن بقية عن شعيب عن الزهري عن سالم عن أبيه وأخرجه النسائي أيضا عن عبد الأعلى بن واصل عن يحيى بن آدم عن سفيان عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ولما أخرج الترمذي حديث ابن عمر قال وفي الباب عن جابر وحذيفة وزيد بن ثابت وابن عباس وأبي هريرة وابن مسعود سهل ابن أبي حثمة وأبي عياش الزرقي واسمه زيد بن صامت وأبي بكرة قلت وفيه أيضا عن على وعائشة وخوات بن جبير وأبي موسى الأشعري فحديث جابر عند مسلم موصولا وعند البخاري معلقا في المغازي وحديث حذيفة عند أبي داود والنسائي وحديث زيد بن ثابت عند النسائي وحديث ابن عباس عند البخاري والنسائي وحديث أبي هريرة عند البخاري في التفسير والنسائي في الصلاة وحديث ابن مسعود عند أبي داود وحديث سهل بن أبي حثمة عند الترمذي وحديث أبي عياش عند أبي داود والنسائي وحديث أبي بكرة عند أبي داود والنسائي وحديث علي عند البزار وحديث عائشة عند أبي داود وحديث خوات بن جبير عند ابن منده في ( معرفة الصحابة ) وحديث أبو موسى عند ابن البر في ( التمهيد ) ح
ذكر معناه قوله سألته السائل هو شعيب أي سألت الزهري قوله هل صلى النبي وفي رواية السراج عن محمد بن يحيى عن أبي اليمان شيخ البخاري سألته هل صلى رسول الله صلاة الخوف وكيف صلاها إن كان صلاها قوله قبل نجد بكسر القاف وفتح الباء أي جهة نجد والنجد كل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق فهو نجد وهذه الغزوة هي غزوة ذات الرقاع وقال ابن أسحاق أقام رسول الله بالمدينة بعد غزوة بني النضير شهري ربيع وبعض جمادى ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان واستعمل على المدينة أبا ذر رضي الله تعالى عنه قال ابن هشام ويقال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال ابن إسحاق فسار حتى نزل نجدا وهي غزوة ذات الرقاع قلت ذكرها في السنة الرابعة من الهجرة وكانت فيها غزوة بني النضير أيضا وهي التي أنزل الله تعالى فيها سورة الحشر وحكى البخاري عن الزهري عن عروة أنه قال كانت غزوة بني النضير أيضا بعد بدر بستة أشهر قبل أحد وكانت غزوة أحد في شوال سنة ثلاث
واختلفوا في أي سنة نزل بيان صلاة الخوف فقال الجمهور إن أول ما صليت في غزوة ذات الرقاع قاله محمد بن سعد وغيره واختلف أهل السير في أي سنة كانت فقيل سنة أربع وقيل سنة خمس وقيل سنة ست وقيل سنة سبع فقال محمد بن إسحاق كانت أول ما صليت قبل بدر الموعد وذكر ابن إسحاق وابن عبد البر أن بدر الموعد كانت في شعبان من سنة أربع وقال إبن إسحاق وكانت ذات الرقاع في جمادي الأولى وكذا قال أبو عمر ابن عبد البر إنها في جمادى الأولى سنة أربع فإن قلت قال الغزالي في ( الوسيط ) وتبعه عليه الرافعي إن غزوة ذات الرقاع آخر الغزوات قلت هذا غير صحيح وقد أنكر عليه ابن الصلاح في ( مشكل الوسيط ) وقال ليست آخرها ولا من أواخرها وإنما آخر غزواته تبوك وهو كما ذكره أهل السير وإن أراد أنها آخر غزاة صلى فيها صلاة الخوف فليس بصحيح أيضا فقد صلى معه صلاة الخوف أبو بكرة وإنما نزل إلى النبي في غزوة الطائف تدلى ببكرة فكنى بها وليس بعد غزوة الطائف إلا غزوة تبوك ولهذا قال ابن حزم إن صفة صلاة الخوف في حديث أبي بكرة أفضل صلاة الخوف لأنها آخر فعل رسول الله لها
قوله فوازينا العدو أي قابلنا من الموازاة وهي المقابلة والمحاذاة وأصله من الإزاء بالهمزة في أوله يقال هو بإزائه أي بحذائه وقد آزيته إذا حاذيته ولا تقل وازيته قاله الجوهري قلت فعلى هذا أصل قوله فوازينا أي فآزينا

(6/255)


قلبت الهمزة واوا كما أن الوار تقلب همزة في مواضع منها أواقي أصله وواقي قوله فصاففناهم وفي رواية المستملي والسرخسي فصاففنا لهم ويروى فصففناهم قوله يصلي لنا أي لأجلنا أو يصلي بنا قوله ركعة وسجدتين وفي رواية عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري مثل نصف صلاة الصبح وهذه الزيادة تدل على أن الصلاة المذكورة كانت غير الصبح فتكون رباعية وسيأتي في المغازي ما يدل على أنها كانت صلاة العصر وصرح في رواية مسلم في حديث جابر بالعصر وفي حديث أبي بكرة بالظهر قوله ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل أي فقاموا في مكانهم وصرح فيه في رواية بقية عن شعيب عن الزهري عن النسائي
ذكر ما يستفاد منه هذا الحديث حجة لأصحابنا الحنفية في صلاة الخوف وحديث ابن مسعود أيضا رواه أبو داود حدثنا عمران بن ميسرة حدثنا ابن فضيل حدثنا خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال صلى رسول الله صلاة الخوف فقاموا صفا خلف رسول الله وصف مستقبل العدو فصلى بهم النبي ركعة ثم جاء الآخرون فقاموا مقامهم فاستقبل هؤلاء العدو فصلى بهم النبي ركعة ثم سلم فقام هؤلاء فصلوا الأنفسهم ركعة ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ورواه البيهقي أيضا وقال أبو عبيدة لم يسمع من أبيه وخصيف ليس بالقوي قلت أبو عبيدة أخرج له البخاري محتجا به في غير موضع وروى له مسلم وقال أبو داود كان أبو عبيدة يوم مات أبوه ابن سبع سنين مميزا وابن سبع سنين يحتمل السماع والحفظ ولهذا يؤمر الصبي ابن سبع سنين بالصلاة تخلقا وتأدبا وخصيف بالخاء المعجمة وثقه أبو زرعة والعجلي وابن معين وابن سعد وقال النسائي صالح وجعل المازري حديث ابن عمر قول الشافعي وأشهب وحديث جابر قول أبي حنيفة وهو سهو فيهما بل أخذ أبو حنيفة وأصحابه وأشهب برواية ابن عمر والشافعي برواية سهل بن أبي حثمة وقال النووي ولو فعل مثل رواية ابن عمر ففي صحته قولان والصحيح المشهور صحته قال وقول الغزالي قاله بعض أصحابنا بعيد وغلط في شيئين أحدهما نسبته إلى بعض الأصحاب بل نص عليه الشافعي في ( الجديد ) وفي ( الرسالة ) وفي الثاني تضعيفه انتهى قلت هم يقولون قال الشافعي إذا صح الحديث فهو مذهبي وأي شيء يكون أصح من حديث ابن عمر وقد خرجته الجماعة وقال القدوري في ( شرح مختصر الكرخي ) وأبو نصر البغدادي في ( شرح مختصر القدوري ) الكل جائز وإنما الخلاف في الأولى
فائدة قال الخطابي صلاة الخوف أنواع صلاها النبي في أيام مختلفة وأشكال متباينة يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الخراسة فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى وقال ابن عبد البر في ( التمهيد ) روي في صلاة الخوف عن النبي وجوه كثيرة فذكر منها ستة أوجه الأول ما دل عليه حديث ابن عمر قال به من الأئمة الأوزاعي وأشهب قلت قال به أبو حنيفة وأصحابه على ما ذكرنا الثاني حديث صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة قال به مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور الثالث حديث ابن مسعود قال به أبو حنيفة وأصحابه إلا أبا يوسف الرابع حديث أبي عياش الزرقي قال به ابن أبي ليلى والثوري الخامس حديث حذيفة قال به الثوري في ( مجيزه ) وهو المروي عن جماعة من الصحابة منهم حذيفة وابن عباس وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله السادس حديث أبي بكرة أنه صلى بكل طائفة ركعتين وكان الحسن البصري يفتي به وقد حكى المزني عن الشافعي أنه لو صلى في الخوف بطائفة ركعتين ثم سلم فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلم كان جائزا قال وهكذا صلى النبي ببطن نخل قال ابن عبد البر وروي أن صلاته هكذا كانت يوم ذات الرقاع وذكر أبو داود في ( سننه ) لصلاة الخوف ثمانية صور وذكرها ابن حبان في ( صحيحه ) تسعة أنواع وذكر القاضي عياض في ( الإكمال ) لصلاة الخوف ثلاثة عشر وجها وذكر الثوري أنها تبلغ ستة عشر وجها ولم يبين شيئا من ذلك وقال شيخنا الحافظ زين الدين في ( شرح الترمذي ) قد جمعت طرق الأحاديث الواردة في صلاة الخوف فبلغت سبعة عشر وجها وبينها لكن يمكن التداخل في بعضها وحكى ابن القصار المالكي أن

(6/256)


النبي صلاها عشر مرات وقال ابن العربي صلاها أربعا وعشرين مرة وبين القاضي عياض تلك المواطن فقال وفي حديث ابن أبي حثمة وأبي هريرة وجابر أنه صلاها في يوم ذات الرقاع سنة خمس من الهجرة وفي حديث أبي عياش الزرقي أنه صلاها بعسفان ويوم بني سليم وفي حديث جابر في غزاة جهينة وفي غزاة بني محارب بنخل وروى أنه صلاها في غزوة نجد يوم ذات الرقاع وهي غزوة نجد وغزوة غطفان وقال الحاكم في ( الإكليل ) حين ذكر غزوة ذات الرقاع وقد تسمى هذه الغزوة غزوة محارب ويقال غزوة خصفة ويقال غزوة ثعلبة ويقال غطفان والذي صح أنه صلى بها صلاة الخوف من الغزوات ذات الرقاع وذو قرد وعسفان وغزوة الطائف وليس بعد غزوة الطائف إلا تبوك وليس فيها لقاء العدو والظاهر أن غزوة نجد مرتان والذي شهدها أبو موسى وأبو هريرة هي غزوة نجد الثانية لصحة حديثيهما في شهودها
ومما يستفاد من حديث الباب من قوله طائفة أنه لا فرق بين أن تكون إحدى الطائفتين أكثر من الأخرى عددا أو تساوى عددهما لأن الطائفة تطلق على القليل والكثير حتى على الواحد فلو كانوا ثلاثة ووقع عليهم الخوف جاز لأحدهم أن يصلي بواحد ويحرس واحد ثم يصلي الآخر وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف جماعة على القول بأن أقل الجماعة ثلاثة لكن الشافعي قال أكره أن تكون كل طائفة أقل من ثلاثة لأنه أعاد عليهم ضمير الجمع بقوله أسلحتهم ذكره النووي
ومن ذلك أنهم كانوا مسافرين فلو كانوا مقيمين فحكمهم حكم المسافرين عند الخوف وبه قال الشافعي وأحمد ومالك في المشهور عنه وعنه لا تجوز صلاة الخوف في الحضر وقال أصحابه تجوز خلافا لابن الماجشون فإنه قال لا تجوز ونقل النووي عن مالك عدم الجواز في الحضر على الإطلاق غير صحيح لأن المشهور عنه الجواز
2 -
( باب صلاة الخوف رجالا وركبانا )
أي هذا باب في بيان حكم صلاة الخوف حال كون المصلين رجالا وركبانا فالرجال جمع راجل والركبان جمع راكب وذلك عند الاختلاط وشدة الخوف وأشار بهذه الترجمة إلى أن الصلاة لا تسقط عند العجز عن النزول عن الدابة فإنهم يصلون ركبانا فرادى يومئون بالركوع والسجود إلى أي جهة شاؤا وفي ( الذخيرة ) إذا اشتد الخوف صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وقال القاضي عياض في ( الإكمال ) لا يجوز ترك استقبال القبلة فيها عند أبي حنيفة وهذا غير صحيح ولا تجوز بجماعة عند أبي حنيفة وأبي يوسف وابن أبي ليلة وعن محمد تجوز وبه قال الشافعي وإذا لم يقدروا على الصلاة على ما وصفنا أخروها ولا يصلون صلاة غير مشروعة وعن مجاهد وطاووس والحسن وقتادة والضحاك يصلون ركعة واحدة لا بإيماء وعن الضحاك فإن لم يقدروا يكبرون تكبيرتين حيث كانت وجوههم وقال إسحاق إن لم يقدروا على الركعة فسجدة واحدة وإلا فتكبيرة واحدة
راجل قائم
أشار بهذا إلى شيئين أحدهما أن رجالا في الترجمة جمع راجل لا جمع رجل والثاني أن الراجل بمعنى الماشي كما في سورة الحج يأتوك رجالا ( الحج 27 )
943 - حدثنا ( سعيد بن يحيى بن سعيد القرشي ) قال حدثني أبي قال حدثنا ( ابن جريج ) عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر نحوا من قول مجاهد إذا اختلطوا قياما وزاد ابن عمر عن النبي وإن كانوا أكثر من ذالك فليصلوا قياما وركبانا
مطابقته للترجمة ظاهرة
ذكر رجاله وهم سبعة الأول سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص القرشي يكنى أبا عثمان البغدادي مات في النصف من ذي القعدة سنة تسع وأربعين ومائتين الثاني أبوه يحيى بن سعيد المذكور قال البخاري حدثني سعيد بن يحيى أنه قال مات أبي في النصف من شعبان سنة أربع وتسعين ومائة الثالث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرابع ( موسى بن عقبة ) بن أبي عياش مولى الزبير بن العوام مات سنة أربعين ومائة الخامس ( نافع ) مولى ابن عمر السادس عبد بن عمر السابعمجاهد بن جبير

(6/257)


ذكر لطائف إسناده وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع وهي قوله حدثني أبي ويروى بصيغة الجمع أيضا وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه أن شيخه بغدادي وأبوه كوفي وابن جريج ومجاهد مكيان وموسى ونافع مدنيان وفيه أن أحد الرواة منسوب إلى جده
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة والنسائي عن عبد الأعلى بن واصل كلاهما عن يحيى بن آدم عن سفيان عن موسى بن عقبة فذكر صلاة الخوف نحو سياق الزهري عن سالم وقال في آخره قال ابن عمر فإذا كان الخوف أكثر من ذلك فليصل راكبا أو قائما يومىء إيماء ورواه ابن المنذر من طريق داود بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة موقوفا كله لكن قال في آخره وأخبرنا نافع أن عبد الله بن عمر كان يخبر بهذا عن النبي فاقتضى ذلك رفعه كله ورواه مالك في ( الموطأ ) عن نافع كذلك لكن قال في آخره قال نافع لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي وزاد في آخره مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها
ذكر معناه قوله عن نافع عن ( ابن عمر نحوا من قول مجاهد ) أي روى نافع عن ابن عمر مثل قول مجاهد وقول مجاهد هو قوله إذا اختلطوا بين ذلك الإسماعيلي من رواية حجاج بن محمد عن ابن محمد عن ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد إذا اختلطوا فإنما الأشارة بالرأس هو الذكر وإشارة الرأس وكل واحد من قول ابن عمر وقول مجاهد موقوف أما رواية نافع عن ابن عمر فإنها موقوفة على ابن عمر وأما قول مجاهد فإنه موقوف على نفسه لأنه لم يروه عن ابن عمر ولا عن غيره وقال ابن بطال أما صلاة الخوف رجالا وركبانا فلا تكون إلا إذا اشتد الخوف واختلطوا في القتال وهذه الصلاة تسمى بصلاة المسايفة وممن قال بذلك ابن عمر وإن كان خوفا شديدا صلوا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها وهو قول مجاهد روى ابن جريج عن مجاهد قال إذا اختلطوا فإنما هو الذكر والإشارة بالرأس فمذهب مجاهد أنه يجزيه الأيماء عند شدة القتال كمذهب ابن عمر وقول البخاري وزاد ابن عمر عن النبي وإن كانوا أكثر من ذلك فليصلوا قياما وركبانا أراد به أن ابن عمر رواه عن النبي وليس من رأيه وإنما هو مسند وهذا هو التحقيق في هذا المقام وليس أحد من الشراح غير ابن بطال أعطى لهذا الحديث حقه قوله إذا اختلطوا قياما أي قائمين وانتصابه على الحال وذو الحال محذوف تقديره يصلون قياما والمراد من الاختلاط اختلاط المسلمين بالعدو قوله وإن كانوا أكثر من ذلك أي وإن كان العدو أكثر عند اشتداد الخوف وقوله من ذلك أي من الخوف الذي لا يمكن معه القيام في موضع ولا إقامة صف فليصلوا حينئذ قياما وركبانا وانتصابهما على الحال ومعنى ركبانا أي على رواحلهم لأن فرض النزول سقط وقال الطخاوي ذهب قوم إلى أن الراكب لا يصلي الفريضة على دابته وإن كان في حال لا يمكنه فيها النزول لأن النبي لم يصل يوم الخندق راكبا
والحديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما وهو ما روي عن حذيفة قال سمعت النبي يقول يوم الخندق شغلونا عن صلاة العصر قال ولم يصلها يومئذ حتى غربت الشمس ملأ الله قبورهم نارا وقلوبهم نارا وبيوتهم نارا هذا لفظ الطحاوي قلت وأراد الطحاوي بالقوم ابن أبي ليلى والحكم بن عتيبة والحسن بن حي وقال وخالفهم في ذلك آخرون وأراد بهم الثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا وزفر ومالكا وأحمد فإنهم قالوا إن كان الراكب في الحرب يقاتل لا يصلي وإن كان راكبا لا يقاتل ولا يمكنه النزول يصلي وعند الشافعي يجوز له أن يقاتل وهو يصلي من غير تتابع الضربات والطعنات ثم قال الطحاوي وقد يجوز أن يكون النبي لم يصل يومئذ لأنه لم يكن أمر حينئذ أن يصلي راكبا دل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري أنه قال حبسنا يوم الخندق حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل حتى كفينا وذلك قول الله عز و جل وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ( الأحزاب 25 ) قال فدعا رسول الله بلالا فأقام الظهر فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أمره فأقام العصر فصلاها كذلك ثم أمره فأقام المغرب فصلاها كذلك وذلك قبل أن ينزل الله عز و جل في صلاة الخوف فرجالا أو ركبانا ( البقرة 239 ) فأخبر أبو سعيد أن تركهم للصلاة يومئذ ركبانا إنما كان قبل أن يباح لهم ذلك ثم أبيح لهم بهذه الآية

(6/258)


3 -
( باب يحرس بعضهم بعضا في صلاة الخوف )
أي هذا باب ترجمته يحرس بعض المصلين بعضا في صلاة الخوف قال ابن بطال ومحل هذه الصورة إذا كان العدو في جهة القبلة فلا يفترقون بخلاف الصورة الماضية في حديث ابن عمر قال الطحاوي ليس بخلاف القرآن لجواز إن يكون قوله تعالى ولتأت طائفة أخرى ( النساء 102 ) إذا كان العدو في غير القبلة وذلك ببيانه ثم بين كيفية الصلاة إذا كان العدو في جهة القبلة
67 - ( حدثنا حيوة بن شريح قال حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قام النبي وقام الناس معه فكبر وكبروا معه وركع وركع ناس منهم ثم سجد وسجدوا معه ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا مع والناس كلهم في صلاة ولكن يحرس بعضهم بعضا )
مطابقته للترجمة في قوله حرسوا إخوانهم
( ذكر رجاله ) وهم ستة الأول حيوة بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الواو وفي آخره هاء ابن شريح بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة أبو العباس الحمصي الحضرمي وهو حيوة الأصغر مات سنة أربع وعشرين ومائتين الثاني محمد بن حرب ضد الصلح الخولاني الحمصي المعروف بالأبرش مات سنة اثنتين وتسعين ومائة الثالث محمد بن الوليد الزبيدي يكنى أبا الهذيل الشامي الحمصي والزبيدي بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وكسر الدال المهملة نسبة إلى زبيد وهو منبه بن صعب وهذا هو زبيد الأكبر الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الخامس عبيد الله بضم العين ابن عبد الله بالتكبير ابن عتبة بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الباء الموحدة ابن مسعود الهزلي أبو عبد الله المدني الفقيه الأعمى أحد الفقهاء السبعة بالمدينة مات سنة تسع وتسعين السادس عبد الله بن عباس
( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه القول في موضعين وفيه عن الزبيدي وفي رواية الإسماعيلي حدثنا الزبيدي وفيه أن الثلاثة الأول من الرواة حمصيون والاثنان بعدهم مدنيان وفيه الاثنان منهم مذكوران بالنسبة وفيه أحدهم اسمه مصغر والحديث أخرجه النسائي في الصلاة أيضا عن عمرو بن عثمان عن محمد بن حرب عن الزبيدي عنه به
( ذكر معناه ) قوله وركع ناس منهم زاد الكشميهني معه قوله ثم قام للثانية أي للركعة الثانية وكذا في رواية النسائي والإسماعيلي ثم قام إلى الركعة الثانية فتأخر الذين سجدوا معه قوله وأتت الطائفة الأخرى أي الذين لم يركعوا ولم يسجدوا معه في الركعة الأولى قوله فركعوا وسجدوا وفي رواية النسائي والإسماعيلي فركعوا مع النبي قوله كلهم في صلاة زاد الإسماعيلي يكبرون ولم يقع في رواية الزهري هذه هل أكملوا الركعة الثانية أم لا وقد رواه النسائي من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن شيخه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فزاد في آخره ولم يقضوا وهذا كالصريح في اقتصارهم على كل ركعة ركعة
( ذكر ما يستفاد منه ) هذا الحديث في صورة ما إذا كان العدو بينه وبين القبلة فيصف الناس صفين فيركع بالصف الذي يليه ويسجد معه والصف الثاني قائم يحرس فإذا قام من سجوده إلى الركعة الثانية تقدم الصف الثاني وتأخر الأول فركع بهم وأكمل الركعة وهم كلهم في صلاة وقد روي الحديث من طريق آخر عن ابن عباس أنه صلى بهم صلاة الخوف بذي قرد والمشركون بينه وبين القبلة وقد روى نحوه أبو عياش الزرقي وجابر بن عبد الله مرفوعا وبه قال ابن

(6/259)


عباس إذا كان العدو في القبلة أن يصلي على هذه الصفة وهو مذهب ابن أبي ليلى وحكى ابن القصار عن الشافعي نحوه وقال الطحاوي ذهب أبو يوسف إلى أن العدو إذا كان في القبلة فالصلاة هكذا وإذا في غيرها فالصلاة كما روى ابن عمر وغيره قال وبهذا تتفق الأحاديث قال وليس هذا بخلاف التنزيل لأنه يجوز أن يكون قوله ( ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ) إذا كان العدو في غير القبلة ثم أوحي إليه بعد ذلك كيف حكم الصلاة إذا كانوا في القبلة ففعل الفعلين جميعا كما جاء الخبران وترك مالك وأبو حنيفة العمل بهذا الحديث لمخالفته للقرآن وهو قوله ولتأت طائفة أخرى الآية والقرآن يدل على ما جاءت به الروايات في صلاة الخوف عن ابن عمر وغيره من دخول الطائفة الثانية في الركعة الثانية ولم يكونوا صلوا قبل ذلك وقال أشهب وسحنون إذا كان العدو في القبلة لا أحب أن يصلى بالجيش أجمع لأنه يتعرض أن يفتنه العدو ويشغلوه ويصلى بطائفتين شبه صلاة الخوف والله تعالى أعلم -
4 -
( باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو )
أي هذا باب في بيان الصلاة عند مناهضة الحصون يقال ناهضته أي قاومته وتناهض القوم في الحرب إذا نهض كل فريق إلى صاحبه وثلاثيه من باب فعل يفعل بالفتح فيهم يقال نهض ينهض نهضا ونهوضا ونهوا أي قام وأنهضته أنا فانتهض واستنهضته لأمر كذا إذا أمرته بالنهوض والحصون جمع حصن بكسر الحاء وقد فسر الجوهري القلعة بالحصن حيث قال القلعة الحصن على الجبل والظاهر أن بينهما فرق باعتبار العرف فإن القلعة تكون أكبر من الحصن وتكون على الجبل والسهل والحصن غالبا يكون على الجبل وألطف من القلعة وأصل معنى الحصن المنع سمي به لأنه يمنع من فيه ممن يقصده قوله ولقاء العدو أي والصلاة عند لقاء العدو واللقاء الملاقاة وهذا العطف من عطف العام على الخاص
وقال الأوزاعي إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء كل امرىء لنفسه فإن لم يقدروا على الإيماء أخر الصلاة حتى ينكشف القتال أو يأمنوا فيصلو ركعتين فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين فإن لم يقدروا فلا يجزئهم التكبير ويؤخروها حتى يأمنوا
أشار بهذا إلى مذهب عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أنه إن كان تهيأ الفتح أي تمكن فتح الحصن والحال أنهم لم يقدروا على الصلاة أي على إتمامها أفعالا وأركانا وفي رواية القابسي إن كان بها الفتح بالباء الموحدة وهاء الضمير قيل إنه تصحيف قوله صلوا إيماء أي صلوا مومئين إيماء قوله كل امرىء لنفسه أي كل شخص يصلي بالإيماء منفردا بدون الجماعة قوله لنفسه أي لأجل نفسه دون غيره بأن لا يكون أماما لغيره قوله فإن لم يقدروا على الإيماء أي بسبب اشتغال القلب والجوارح لأن الحرب إذا اشتد غاية الاشتداد لا يبقى قلب المقاتل وجوارحه إلا عند القتال ويتعذر عليه الإيماء وقيل يحتمل أن الأوزاعي كان يرى استقبال القبلة شرطا في الإيماء فيعجز عن الإيماء إلى جهة القبلة فإن قلت كيف يتعذر الإيماء مع حصول العقل قلت عند وقوع الدهشة يغلب العقل فلا يعمل عمله قوله أو يأمنوا استشكل فيه ابن رشيد بأنه جعل الأمن قسيم الانكشاف وبه يحصل الأمن فكيف يكون قسيمه وأجاب الكرماني عن هذا فقال قد ينكشف ولا يحصل الأمن لخوف المعاودة وقد يأمن لزيادة القوة وإيصال المدد مثلا ولم يكن منكشفا بعد قوله فإن لم يقدروا يعني على صلاة ركعتين صلوا ركعة وسجدتين فإن لم يقدروا على صلاة ركعة وسجدتين يؤخرون الصلاة فلا يجزيهم التكبير وقال الثوري يجزيهم التكبير وروى ابن أبي شيبة من طريق عطاء وسعيد بن جبير وأبي البختري في آخرين قالوا إذا التقى الزحفان وحضرت الصلاة فقالوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فتلك صلاتهم بلا إعادة وعن مجاهد والحكم إذا كان عند الطراد والمسايفة يجزىء أن تكون صلاة الرجل تكبيرا فإن لم يمكن إلا تكبيرة أجزأته اين كان وجهه وقال إسحاق بن راهويه تجزىء عند المسايفة ركعة واحدة يومىء بها إيماء فإن لم يقدر فسجدة فإن لم يقدر فتكبيرة قوله حتى يأمنوا أي حتى يحصل لهم الأمن التام وحجة الأوزاعي فيما قاله حديث جابر رضي الله تعالى

(6/260)